أصل هذا النص كان هو الكراس الذي أصدرته «جمعية حركة المقاومة المغربية بمناسبة ذكرى 20 غشت 1958وكان بعنوان «كفاح الملك والشعب» صفحات خالدة من الأطوار الأولى للكفاح الشعبي المسلح. وقد ألفه المقامان حسن العرائشي وبوشعيب ابن الطيبي سجاعدين . وأهدياه الى روح كل من محمد الزرقطوني ومحمد صدقي، واستنكر المؤلفان الإهمال والتهميش اللذين كان يعيش فيهما الفدائيون الابطال حينئذ، وهذا ما جعل المؤلفين يبادران الى تدوين تاريخ حركة المقاومة قبل ان يضاف الى الاهمام والتهميش التقول والادعاء وتزوير التاريخ. ويبدأ الكتاب بتمهيد استغرق 16 صفحة حرصا فيها على بيان جذور ثورة الملك والشعب وذكرا أن تلك الجذور ترجع الى التثقيف السياسي الذي كان يتم في خلايا حزب الاستقلال لتهييء العاملين الوطنيين للقيام بأدوارهم، كل منهم في الدائرة التي هو مؤهل لها. وتوقف المؤلفان عند منعطفات رئيسية ترجع الى النصف الثاني من الأربعينيات والنصف الأول من الخمسينيات وهكذا فقد اعتبرا أن الزيارة الرسمية التي قام بها محمد الخامس الى مدينة طنجة تعتبر محطة رئيسية في الكفاح الوطني الذي قاده الحزب. وقد ساهم حزب الاستقلال في إنجاح تلك الزيارة وإبراز بعدها السياسي خاصة فيما يتعلق بتأكيد الخط النضالي للحزب في مواصلة العمل من أجل تحقيق ميثاق 11 يناير 1944. وعمل الفرنسيون على عرقلة إنجاز تلك الزيارة ودبروا لذلك الغرض حادثة 7 أبريل 1947 المعروفة بحادثة ساليغان ، حيث سلطوا آلة القمع الدموي على جماهير عزلاء، مما كان له أوقع الأثر على نفوس الجماهير. واقتضت الخطة الوطنية أن تتم الزيارة إلى طنجة رغم تلك الحادثة الدموية. وكانت إحدى لجان العمل التابعة للحزب التي عملت على إنجاح الزيارة التاريخية المشار إليها، لجنة التزيين التي انتقلت إلى سوق أربعاء الغرب لتنظيم استقبال محمد الخامس هناك في طريق عودته من طنجة إلى الرباط. أعضاء لجنة التزيين وذكر المؤلفان ان أعضاء اللجنة المذكورة عادوا إلى الدارالبيضاء بقلوب متفجرة نكأها العمل الإجرامي الذي دبره الفرنسيون. وكان من بين أعضاء هذه اللجنة الشهيد صدقي والادريسي المصلى محمد المعروف بمولاي موح. وقرر الشهيد صدقي بن المكي ان يشرع في اتصالاته الفردية لجس نبض اخوانه وادراك مدى استعدادهم ففاتح موالي موح بالموضوع وفوجئ بأن مولاي موح كان يريد هو الآخر ان يفاتحه في الموضوع وانه ذهب الى أبعد من ذلك فأعد مسدسين لهذا الغرض وغير بعيد عن الشهيد صدقي كان يوجد مصطفى الطنجاوي شريكه في معمل النجارة وزميله في لجنة التزيين فلم يجد غضاضة في أن يشركه في المشروع وهو على ما يتمتع به من وطنية ورجاحة عقل وكانوا ثلاثة ثم كان رابعهم شعيب ابن الطيب القانون المحروق وشعرت الجماعة ان عدد افرادها اقل من ان يؤهلها لاي عمل ايجابي تكون له قيمته وأهميته في مجال المقاومة، فأخذ افرادها ينتشرون بين اعضاء لجنة التزيين لجس نبض افرادها ولضم أكبر عدد من الموثوق بوطنيتهم الى صفوف الجماعة. وكانت سنة 1948 وأسفرت هذه التحريات عن ترشيح الحسين القدميري وبما أنه لم يكن لديهم اي مصدر مادي يعتمدون عليه فقد قرروا أن ينموا صندوقهم بوساطة اشتراكات جعلوها على أساس مائتي فرنك لكل منهم. وأغلب أعضاء لجنة التزيين كل علي حدة كان يفكر في ايجاد تفسير حقيقي لتوجيهات الحزب فلا يعثر على غير جواب واحد هو الكفاح المسلح. وهذا هو الجواب الذي تلقاه سعيد المنوزى عندما أثار نفس السؤال فقاد يبحث عن السلاح فلم يعثر أول الأمر على غير مسدس واحد لم يجد من يفاتحه في أمر اصلاحه غير الشهيد صدقي، ويأتي صدقي الى الجماعة يبلغ اليها النبأ فلا تتردد في ضم الأخ الخامس الى صفوفها ولا تتردد كذلك في مفاتحة الشهيد محمد اجظاهيم الذي اشتهر بالوطنية والاستقامة والصدق بين زملائه في حزب الاستقلال بالأمر لتضيفه الى حظيرها. وشعر أحد مسيري الحزب الأقدمين وهو الحاج بوشعيب الحداوي بأن هذه الجماعة التي خبر مقدار إيمانها وإخلاصها للقضية الوطنية لا يمكن إلا أن تكون منطوية على شيء وإن كان هو نفسه لا يعلم عن هذا الشيء أكثر مما يتوسم أن يقوم به رجال مخلصون، فقدم إلى شعيب ابن الطيبي مسدسا جديدا أضيف إلى ذخيرة الجماعة وفي نفس الوقت انضم السيد البشير بن الطيبي إلى الجماعة فعمل كمستشار لها بوصفه مثقفها الوحيد الذي يتابع دراسته بالقرويين، وهنا تقوت الجماعة بأفراد أقوياء ماديا وروحيا وفكريا وأصبحت مكتملة الأطراف تامة التنظيم بحيث لم يبق عليها إلا أن تدخل الميدان بعزم وقوة وثبات لتحطم معاقل الاستعمار المكينة. وهنا يقترح شعيب الحاق الشهيد محمد الزرقطوني بالجماعة وينتهي الأمر بقبوله وانضمامه إلى هذه النواة المباركة التي أينعت فيما بعد ونشرت خيوطها في هذه التربة الطيبة تربة الكفاح المسلح. وفي جلسة خاشعة ليلة ثامن غشت من سنة 1948 وضعت الجمعية قانونها الداخلي الخاص الذي انكبت على حفظه ثم حرقه والتهام رماده المقدس، فكانت سلامة طوية هذه الجماعة هي التي دفعتها الى الاعتقاد أن احراق هذا القانون والتهام رماده سيظل من أسباب نجاح العمل وتمتين روابط الكفاح بين أعضاء الجماعة ومنذ ذلك التاريخ أطلق على هذا القانون اسم (القانون المحروق) وجعلت كلمة «اللّه اكبر» شعارا لهذه الجماعة باقتراح من السيد البشير ابن الطيبي. أول تهديد واشتغلت نار حرب فلسطين واعتدى اليهود الصهاينة على السكان العرب فتضامن المسلمون أجمعون مع شهداء الاعتداء فلم يتردد الشعب المغربي في اعلان الحداد على هذا الجزء من الوطن العربي الكبير واتجه الشعب بشعور هذا التضامن الى مقاطعة الصهاينة الذين لم يحترموا الشعور الوطني ولم يتستروا على مد العدوان بمساعدتهم المالية وتأييدهم المادي والادبي وفي هذا الجو قرر سميرس احد التجار الكبار بالبيضاء وكان ساكنا بدر التازي أن يقيم حفلة زفاف فاخرة كبرى دعا لها مائتين وخمسين من الاسرائيليين. وتثور ثائرة الحزب لهذا العمل الذي يتحدى الشعور والكرامة الوطنيين فيأتى السيد بناصر حركات عضو اللجنة الادارية للحزب اذ ذاك الى الجماعة ليبلغ سخط الحزب على هذا العمل وإصراره على عرقلة ذلك الاحتفال بأي ثمن. ولم يحدد الحزب الصورة التي يجب أن يتم بها هذا المنع وترك المجال فسيحا أمام اجتهاد الجماعة. فالحزب والحالة هذه يعرف استعداد الجماعة وتأهبها لتطبيق برنامج خاص بها وهو يعرف كذلك أن الجماعة تتوفر على ما يكفي من الوسائل. ووضعت الجماعة خطة محبوكة تبتدئ برسالة انذار وتنتهي باغتيال اذا أصبح ذلك ضروريا، وتوصل التاجر برسالة الانذار فتراجع إلى الوراء وجعل حدا لمراسيم الزفاف المتوقعة وبذلك أنقذ نفسه من خطر محقق. ذكرى 30 مارس وأرادت الجماعة ان تبرز الى الميدان بعمل ينبئ عن وجودها فوجدت في ذكرى 30 مارس من سنة 1949 مناسبة لتدشين هذا الوجود فكتبت مناشير بالخط العريض رسم فيها تاريخ هذا اليوم باللون الاحمر البارز ووزعت في المدينة كلها كما ألصقت عن الحيطان وأبواب المتاجر تدعو الناس الى الحداد واستمداد العبر من هذه الذكرى الفاجعة التي ترمز الى فقدان لسيادته وكرامته. وتضمن الدعوة الى الثورة والكفاح المسلح، وتردد صداه في المدينة. وسعت كل من القنصليتين الأمريكية والاسبانية الى الحصول على نسخ من هذه المناشير مهما كان الثمن. وأحست الجماعة بتأثير عملها فأثملها النصر ولم يعد شعورها الوطني الفياض يريد أن يقف عند هذا الحد فدفعتها النشوة الى توسيع نطاق عملها بدخول ميدان الكفاح المسلح لتضرب بذلك المثل الأعلى للشعب وتوقظ فيه الحماس والحمية وتقضي فيه على روح اليأس والخذلان، وأخذت تبحث عن السلاح فاستطاع صدقي ان يحصل على مسدس والطنجاوي على آخر والمنوزى على أربعة. تفرع الجماعة ان العمل الوطني في الشكل الذي تريده الجماعة يجب أن يبرز في اطار قوي جديد وان تتعاون عليه عدد من المواهب والكفاءات اذ أريد له بلوغ النتيجة المرجوة. وعمل من هذا القبيل يحتاج كذلك الى خلايا يجهل بعضها البعض حتى يتعمم الكفاح وينتشر ويقتصر دور الجماعة الأولى على القيادة والتوجيه. وأدرك اعضاء الجماعة ان عليهم ان يوفروا الاسلحة اللازمة وان يعدوا العدة لمواجهة الأخطار المقبلة المنتظر ان تحدق بهم والحقيقة ان أي واحد منهم لم يكن يجهل أن من واجبه ان يقوى مركز الجماعة بالحصول على السلاح فانتشروا يبحثون ولم يخفق منهم غير القليل، فهذا مولاي موح يحصل من جديد على مسدسين والمنوزى على ثالث (أحدها قتل به الخائن الزواق فيما بعد). بقى أن تفكر الجماعة في توسيع دائرتها فمن سيقدم منهم على تحمل مسؤولية تسيير هذه الجماعات المنتظرة؟ وهنا تقترح الجماعة على صدقي ان يؤسس جماعة وعلى الزرقطوني ان يؤسس اخرى وكلا الجماعتين انتخبتا من أفراد الكشفية وجماعات الحزب بالمدينة القديمة، أما جماعة صدقي فقد كانت تضم مبارك حسن وابن الجيلالي والشهيد محمد حسن (عيسى) والشهيد الشافعي وبوشعيب رياض ومحمد صفوان وابراهيم السوسي وعبد الله السوسي وعبد الله نزيه (المضحك) والنفتي محمد (شيبان) (مفتش حاليا بادارة الأمن) ومحمد الخميري. أما جماعة الزرقطوني فقد كانت تضم بوشعيب راغب ومولاي مبارك المراكشي بوشعيب المديوني مصطفى طارق الجيلال ابن موسي، ومحمد الركراكي... ومحمد عزام «بزيقة» ومحمد بركات المدعو «مون بلاد» محاولة قتل الكتاني ان أولئك الذين يريدون ان يجعلوا فاصلا بين تاريخ المقاومة من جهة وتوجيه الحزب من جهة ثانية أو الذين يريدون فصل الحزب على المقاومة انما يتيهون في سراب. فتاريخ الكفاح الوطني السياسي منه والمسلح مرتبط الحلقات في سلسلة يرزت من صفوف الحزب وتغذت من تعاليمه وتوجيهاته وظلت تسير تحت قيادته والمذين يريدون نفي هذه الحقائق انما يسعون الى التضلل ومسخ الحقائق ونكران واقع التاريخ وفي أكتوبر 1950 سافر جلالة الملك الى فرنسا للتفاوض مع الحكمة القائمة إذ ذاك ورافقه كل من عبد الحي الكتاني والكلاوي والعيادي، والجميع يذكر كيف اخفقت هذه المفاوضات عندما ما أبى جلالة الملك الا ان يدافع بأمانة عن أماني الشعب ورغائبه. وذلك لتدبير خطة معادية لمبادئ جلالة الملك وتعاليم حزب الاستقلال ورغبات الشعب. وحزب الاستقلال الممثل الحقيقي للشعب المغربي والمدافع عن رغباته كان يتابع هذه الاطوار في دقة متناهية وحدثا بحدث فأدرك أن الوقت يتطلب عملا قويا له صدى. فجاء بناصر حركات يبلغ ارادة الحزب في قتل الخائن عبد الحي الكتاني عند نزوله من الباخرة بالبيضاء واتصل من أجل ذلك بصدقي وشعيب فعهد صدقي الى محمد ابن الجيلالي وابراهيم السوسي بقتل الخائن في طريقه الى منزله بأنفا الا أنهما لم يتمكنا من تنفيذ الأمر وفشلا في مأموريتهما بعد أن وجدا تفسيهما امام حصار قوي ضربه البوليس على الميناء وعلى الطرق التي سيمر منها الخائن. أول حريق انعقد مجلس شورى الحكومة يوم 6 ديسمبر من سنة 1950 إلا أنه انعقد في جو متأثر بإخفاق المفاوضات التي فتحها جلالة الملك مع حكومة باريس وبعد محاولات الجنرال جوان المتكررة. للضغط على رمز السيادة المغربية جلالة محمد الخامس، واصر الجنرال على توقيع البروتوكول المشهود الذي ووجه باعتراض جلالة الملك وعدم موافقته واحتدم النقاش في مجلس الشورى. هذا النقاش الذي تزعمه السيد محمد الغزاوي ولم يستطع جوان ان يهضم «وقاحة» ممثل حزب الاستقلال التي طبعت المناقشات طيلة 6 أيام كاملة وفي يوم 12 ديسمبر طرد جوان السيد الغزاوي من قاعة المجلس فتضامن معه ممثلو الحزب العشرة الا أن جلالة الملك فتح قصره امامهم ليستقبلهم استقبا الظافرين وبقي نواب الحزب مطاردين من طرف الاستعمار وخاصة السيد الغزاوي الذي أمره جلالة الملك في 5 يناير 1951 بمغادرة المغرب خوفا من القبض عليه وفي يناير غادر السيد الغزاوي باتفاق مع الحزب أرض الوطن خفية ليدخل طنجة يوم 14 مارس بعد جولة طويلة وبقي هناك الى أن حضر الاحتفال بذكرى الجامعة العربية التي أقامها الحزب يوم 22 مارس ووقع فيها ميثاق الجبهة. ولم يلتحق بأمريكا باتفاق مع الحزب الا في ديسمبر من سنة 1951 حيث عمل على فتح مكتب الحزب بواشنطن ثم بنيويورك . وفرغت عشر مقاعد في مجلس الشورى وكان على جوان أن يمللها بصنائعه عن طريق انتخابات صورية. وكانت مناسبة جديدة تبرز فيها الجماعة السرية بأعمالها التجريبية الأولى فقررت إحراق متجر المدعو الحاج أبو بكر تاجر الخشب بزنقة القبطان هيرفي قرب فندق باب مراكش لأنه رشح نفسه للانتخابات ورضي عن طواعية ان يكون صنيعة من صنائع الاستعمار واسند هذا العمل الى محمد بن الجيلالي وبعد الرفقاء وتم احراق المتجر بواسطة كرة قدم مليئة بالايصانص أدخل انبوبها النافخ تحت باب المتجر وانتشر الايصانص على مسافة طويلة بعد الضغط على الكرة واحتار البوليس صباح اليوم التالي في تفسير اسباب الحريق فأوعزوه الى انفجار العداد الكهربائي الا أن التاجر نفسه لم يقتنع بهذا الاستنتاج وأدرك عن يقين انه كان عرضة لانتقام الوطنيين فعدل عن ترشيح نفسه ولم يباشر منذ ذلك التاريخ أي عمل عدائي ضد البلاد.