نحتت التجربة السياسية و الحزبية بالمغرب مصطلحات ومفردات لكي تصف واقع بنيات السلطة المغلقة ببلادنا، وهي تمثل إستثمارا للغة ورمزيتها عندما لا يكون متاحا سوى الاصطدام مع تلك البنيات، هنا نستحضر الانتخابات المخدومة و الحزب السري و أم الوزارات و المنهجية الديمقراطية و المناولة السياسية و الدولة العميقة و البلوكاج و أخيرا القوة القاهرة… نحت هذه المفردات يصادف دائما مرحلة أزمة، عندما يستعصي على الفاعل السياسي التعبير بلغة مباشرة ويكون تقديره، أن يؤجل مواجهة مفروضة عليه، بحيث كل مصطلح و مفردة من تلك المفردات تختصر مرحلة من مراحل الصراع من أجل تثبيت أركان دولة ديمقراطية، لكن هل يمكن توقع أن تستطيع اللغة أن تحجب واقعا سياسيا لم يعد بالإمكان إخفائه في زمن الإنتشار الواسع للمعلومة، و في زمن هيمنة "سلطة" الشبكات الاجتماعية التي تساهم بشكل يومي في رسم وعي جديد ستظهر نتائجه في المستقبل. في إطار مساءلة اللغة دائما و ماتخفيه عادة، يحق للجميع اليوم أن يتساءل هل ما يجري اليوم في بلادنا يتعلق بمشاورات أو بمفاوضات؟ عادة تشكيل الحكومات يتم بين أحزاب تتقاسم نفس الرؤية للسياسة و الاقتصاد و المجتمع، بالطبع ليس ضروريا تطابق وجهات النظر تلك، لكن أيضا ليس مقبولا أو مفهوما أن تتشكل الحكومات من أطراف متناقضة بشكل لا يمكن إخفائه أو مواصلة إخفائه، وهذا ما يظهر اليوم في الاتصالات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف، حيث أن السمة الغالبة على تلك الاتصالات هي أنها تتم بمنطق المفاوضات التي تجمع عادة الخصوم و "الأعداء"، و أن السلطة التنفيذية التي من المفترض أن تكون موحدة كما هي العادة في كل الدول الديمقراطية، يظهر للجميع اليوم، أنها ستنطلق على وقع إنقسام حاد وواضح، بشكل سيكون له بالغ الأثر على المرحلة المقبلة، وهي مرحلة تماس بين مشروعين ورؤيتين، لكن إجتماعهما في حكومة واحدة، لن يساهم سوى في توسيع هامش مقاطعة السياسة و الأحزاب. الديمقراطية معركة مستمرة، ولعل النخب السياسية و الحزبية الحقيقية اليوم تعرف أن الديمقراطية يمكن بنائها بالتوافق، لكن التجربة أثبتت أنه لا يمكن بنائها بأنصاف الحلول، وعليه فإن ما يجري اليوم هو فقط رأس جبل بنية سياسية و إقتصادية بحاجة إلى معالجة واقعية، تعتمد على خطاب الوضوح و على الحلول الكاملة و الواضحة، وعلى توافقات جادة تضمن إستدامة الحلول المتوافق عليها، بشكل يعالج بوضوح الاختلالات البنيوية التي تشكل عنوان أزمة ممتدة بخصوص السلطة و الديمقراطية في بلادنا.