فلسطين… أحكام التاريخ وصراع الحضارات والديمغرافيا.. *بقلم // عمر نجيب شكلت وتشكل إسرائيل أحد أعمدة واضعي ومخططي ومنفذي مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي صاغه المحافظون الجدد في واشنطن نهاية القرن الماضي من أجل إعادة رسم حدود دول المنطقة الممتدة من الأراضي الباكستانية الأفغانية شرقا وعبر العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية ومصر والسودان في الوسط وحتى سواحل المغرب العربي على المحيط الأطلسي غربا. قادة الكيان الصهيوني إعتبروا أن النجاح في شرذمة دول المنطقة وخاصة تلك القريبة جغرافيا من فلسطين وذات القدرات البشرية والعسكرية الكبيرة، وإعادة تشكيل دول جديدة على أسس عرقية ودينية وطائفية وقبلية، سيكون أكبر ضمانة لأمنهم ولتحقيق حلم الدولة اليهودية من الفرات إلى النيل في مستقبل منظور. ساسة الولايات المتحدة الأمريكية قدروا أن تقسيم دول الشرق الأوسط إلى ما بين 54 و 56 دولة سيضمن لشركاتهم الدولية ومؤسساتهم المالية التحكم في ثروات المنطقة وسيمكن تنظيماتهم العسكرية السياسية وفي مقدمتها حلف الناتو من تثبيت وإستكمال طوق الحصار على روسيا الإتحادية من الجنوب والجنوب الغربي والتفرغ لجبهة المحيط الهادي لإضعاف المارد الصيني وإلغاء دوره السياسي والعسكري الأساسي في المنطقة الآسيوية وبقية أرجاء العالم. بالنسبة لمخططي سياسة واشنطن كانت إسرائيل رأس حربة تنفيذ مشروع المحافظين الجدد في المنطقة العربية، وأحد الساهرين على نشر ما سموه الفوضى الخلاقة إلى جانب قوى إقليمية وتنظيمات سياسية محلية التقت مصالحها وتشابكت مع تلك التي تسهر على الوصول اليها كل من تل أبيب وواشنطن. ما سمي بالربيع العربي الذي إنطلق سنة 2011 بعد أن مهد له سنة 2003 بإحتلال والعمل على تدمير العراق البوابة الشرقية للمنطقة العربية، كشف عن دور منظومة تنفيذ الفوضى الخلاقة في خلق الدول الفاشلة وتدمير الدول وتقسيمها. مسار تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد رغم نجاحه مرحليا في عدة أقطار، عرف عثرات متعاقبة كانت بدايتها ثورة 30 يونيو 2013 في مصر التي أوقفت مشروع بدء حرب أهلية وتقسيم مصر إلى ثلاث دويلات قبطية ومسلمة وبدوية في شبه جزيرة سيناء، كما ولدت وعيا شعبيا في كل المنطقة بحجم وحقيقة المؤامرات التي تحاك. برنامج نشر الفوضى الخلاقة يواجه وخاصة منذ 30 سبتمبر 2015 نكسة في بلاد الشام بعد أن قررت موسكو التدخل عسكريا وبشكل مباشر لدعم الجيش السوري في مواجهة حرب شبه دولية متعددة الأطراف تحت غطاء خليط من التنظيمات المسلحة المشكلة في جزء كبير منها من مواطني أكثر من 80 دولة من مختلف قارات العالم. أبعاد الإنكسار الجزئي لمشروع الشرق الأوسط الكبير تجد انعكاساتها الأكبر في الكيان الصهيوني الذي يرى ساسته وعسكريوه أنهم يواجهون أخطارا غير مسبوقة بعد أن كانوا قد تصوروا أن تحديد مصير المنطقة العربية قد أصبح بين أيديهم وأنهم يمكن أن يشرعوا في عملية التصفية النهائية للشعب الفلسطيني. الوضع معقد يوم 11 أكتوبر 2016 نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تصريحا لرئيس قسم العمليات في الجيش الاسرائيلي، الجنرال نتسان ألون، يبدأ اقواله بالنكتة المعروفة عن أن وضعنا بكلمة واحدة هو "جيد". ولكن بكلمتين "غير جيد". ويسارع الى القول بأن الوضع معقد: من الناحية الاستراتيجية وضعنا جيد، خصوصا على خلفية ما حدث في السنوات الأخيرة في الشرق الاوسط. ولكن الخطر قائم خصوصا على الساحة الفلسطينية وفي الشمال ايضا. "هناك تغيرات ايجابية. ولكن محظور علينا الاستنتاج من ذلك أننا نستطيع الجلوس مكتوفي الايدي". "هذا بالتأكيد تحد أكبر بسبب قدرات حزب الله العسكرية. ولكن محظور علينا التشوش. الجيش الاسرائيلي أقوى بكثير من حزب الله، وقدرتنا على حسم المعركة العسكرية قائمة بالتأكيد". هذه المفاهيم – حسم وانتصار – هل هي ذات صلة بالعام 2016؟. "على المستوى العسكري التكتيكي هي ذات صلة بيقين. وعلى المستوى العملي ايضا. هذا تحد معقد لحسم معركة كهذه تعمل بشكل غير نظامي، نصف عسكري، متداخل مع السكان المدنيين. ولكن لذلك يجب علينا السعي وأنا أعتقد أننا نستطيع ذلك". تقديرات الجنرال نتسان ألون الذي يبلغ 52 سنة من عمره، ويعتبر أحد الجنرالات المقربين من رئيس الاركان آيزنكوت، والذي كان في السابق مسؤولا عن وحدة في هيئة الاركان، وعن كتيبة تشغيل في الاستخبارات العسكرية، عن القدرة الفاصلة للجيش الصهيوني في مواجهة خصومه لا يشاطره فيها العديد من القادة الإسرائيليين. إخلاء المستوطنين اليهود يوم 20 نوفمبر 2016 جاء في تقرير نشر في مدينة الناصرة بفلسطين المحتلة: يقر صناع القرار في تل أبيب بأن السؤال ليس هل تندلع المواجهة العسكرية مع حزب الله، بل السؤال المفصلي هو: متى ستندلع حرب لبنان الثالثة؟. وفي هذا السياق كان لافتا تصريح وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، لدى زيارته مؤخرا إلى إحدى القواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال في شمال الدولة العبرية حيث قال إن هدف الجيش الإسرائيلي المركزي في حرب لبنان الثالثة ضد حزب الله يجب أن يكون العمل على منع الحزب من احتلال أي مستوطنة إسرائيلية في الشمال. وكان لافتا للغاية أيضا، أن هذا التصريح، الصادر عن أعلى مسؤول إسرائيلي رسمي في مجال الأمن، لم يتفاعل، ولم يأخذ نصيبه في وسائل الإعلام العبرية والعربية على حد سواء، حتى جاءت صحيفة هآرتس، ونشرته يوم السبت 19 نوفمبر على موقعها الالكتروني بالبنط العريض. بعد اكتساب حزب الله خبرة قتالية كبيرة من خلال محاربته إلى جانب الجيش السوري وأيضا الجيش الروسي، قررت قيادة الجيش الإسرائيلي اعتبار الحزب جيشا نظاميا على كل ما يحمله هذا المصطلح من تداعيات وتبعات، وتوقفت عن النظر إليه كمنظمة حرب عصابات، هذا ما أقر به مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المُستوى، لم يكشف عن اسمه أو منصبه، بحسب ما أورده محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، والمعروف بعلاقته الوطيدة مع المؤسسة الأمنية في تل أبيب. بالإضافة إلى ذلك، قال المصدر الأمني عينه إنه في السنوات الأخيرة، بدأت المنظومة العسكريّة الإسرائيلية تُجري تقييمات جديدة بالنسبة لقوة حزب الله اللبناني على ضوء مُراكمة قدراته العسكريّة من ناحية، وتطوّر خططه العملياتية. وأوضح المصدر أيضا، أنّ تهديدات الأمين العام للحزب، حسن نصر الله لا يهدد عبثا باحتلال الجليل في الحرب القادمة، إنما يقصد ويخطط لقيام بعمليات عسكرية سريعة إلى جانب الحدود الإسرائيلية اللبنانية، على أمل للسيطرة ولفترة قصيرة على مستوطنة إسرائيلية في شمال الدولة العبرية، أو السيطرة على قاعدة عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي، على حد قول المصدر الأمني في تل أبيب. ونقل المحلل هارئيل عن ضابط رفيع المُستوى في قيادة اللواء الشمالي بالجيش الإسرائيلي قوله إن فكرة إخلاء المستوطنات الإسرائيلية على خط التماس مع حزب الله، اجتازت بعد "ولادة صعبة جدا" مرحلة طويلة حتى حصلت على مصادقة رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط، كما قال. وأوضح الضابط نفسه في حديثه للصحيفة العبرية أنه قبل سنة ونصف السنة، عندما قام الجيش بطرح فكرة الإخلاء خلال التدريبات والمناورات، بصعوبة بالغة تفهم قادة الأركان العامة الفكرة. ولكن، تابع قائلا، إن التوجه اليوم يتمحور في قيام الجيش بإعداد خطط الإخلاء، فيما سيقرر المستوى السياسي في زمن الحرب. وقال المحلل هارئيل، نقلا عن مصادر إسرائيلية، أمنية وعسكرية، وصفها بأنها عالية المستوى، إنه في المُواجهة القادمة مع حزب الله ستحصل تغيرات، فبالإضافة إلى قيام الحزب بإطلاق الصواريخ والقذائف بشكل مكثف على العمق الإسرائيلي، وكل بقعة في إسرائيل باتت في مرمى صواريخه، فإنه من شأن حزب الله، شددت المصادر عينها، أن يقوم بهجومٍ مسبق أو هجومٍ مضاد على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية. ولفتت المصادر أيضا إلى أن الحزب ما زال بعيدا عن احتلال الجليل كاملا، ولكنه يطمح بتنفيذ عدة عمليات هجومية في آن واحد على عدد من المُستوطنات الإسرائيلية في الشمال، وعلى القواعد العسكريّة المُتواجدة في المنطقة. وشددت المصادر أيضا على أنه بالإضافة إلى الكم الهائل من صواريخ الكاتيوشا، التي يمتلكها الحزب، فإنه بات يملك صواريخ من طراز "بركان"، حيث أن الصاروخ الواحد قادر على حمل رأس بزنة نصف طن، وهو الذي سيؤدي لإلحاق الأضرار الفادحة بإسرائيل. الصدام بين روسيا وإسرائيل ذكر الجنرال في الاحتياط، يعقوف عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في بحث جديد، نشره مركز "بيغن السادات" للدراسات الإستراتيجيّة بتل أبيب بداية شهر نوفمبر 2016، إن روسيا خلافا لأمريكا لا تترك حلفائها، وشدد على أن الآلية التي توصلت إليها تل أبيب مع موسكو بشأن نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية ليست تحالفا، ولا حتى اتفاق التنسيق، بل ترتيبا تقنيا بهدف منع وقوع حوادث. وأوضح أنه لا ينبغي المبالغة في الأهمية الدبلوماسية لآلية منع نشوب صراعات مسلحة، كما أنه على الدولة العبرية عدم عقد الآمال على الروس بأنهم سيقومون بالحد من عمليات حزب الله ضد إسرائيل. ويوم 2 نوفمبر 2016 قال محلل الشؤون العسكرية في موقع القناة الثانية العبرية، نير دفوري، نقلا عن مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة، إن هناك جزعا في أوساط الجيش بسبب تعاظم الوجود الروسي في الشرق الأوسط، حيث يؤثر هذا الوجود مع الأسلحة النوعية الموجودة على طابع عمل سلاح الجو والبحر للجيش الإسرائيلي. وتابع قائلا، إن سلاحا البحر والجو الإسرائيليين اعتادا على أن يكونا فرسان السماء والبحر، ويطيران ويبحران أين ومتى يشاءان، من دون أي تهديد حقيقي، وبحرية عمل كاملة. وأردف أن وحدات الجيش الإسرائيلي تقوم بطلعات لجمع المعلومات وشن هجمات على قوافل أسلحة، وعلى مخازن الأسلحة غير التقليدية، والإبحار مقابل سواحل بعيدة، لجمع معلومات من دون عائق وعمليات سرية كثيرة. ولكن استدرك قائلا إن الأمر لم يعُد كذلك. وأن الجيش الإسرائيلي يتابع بقلق كبير تحركات حاملة الطائرات الروسية، الأدميرال كوزنيتسوف، لافتا إلى أن الروس باتوا يراقبون الحركة الإسرائيلية في المنطقة، بالإضافة إلى نشاط الأسطول السادس الأمريكي. وأوضح أنه في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يقرون بأن الروس على علمٍ بأي حركة لطائرة أو زورق إسرائيلي في المنطقة، وأنه لا يوجد سبيل للتملص من الرادارات الروسية، وهم الآن يجمعون عن إسرائيل معلومات استخباراتية بكميات كبيرة، وبكل الوسائل مراقبة، رادارات وتنصت، بحسب مصادره. أما فيما يتعلق بمنظومات الصواريخ أرض جو المتطورة، أس 400 و أس 300، فأشارت المصادر الأمنية في تل أبيب إلى أنها خطيرة للغاية وتحد من حرية سلاحي الجو والبحرية، وأن هذا الواقع يرفع أكثر من أي وقت فرص المواجهة، في السماء أو البحر، بين القطع الإسرائيلية والروسية، بحسب تعبيره. ونقل المُحلل عن مصدر أمني مطلع في تل أبيب قوله إن القاعدة الآن هي أن روسيا ليست عدوا: "نحن نحاول الامتناع عن الإحتكاك مع الروس، وهم يحاولون الامتناع عن الإحتكاك معنا ولكن إلى متى، الروس يساندون خصومنا الأسد وحزب الله. وأوضح أيضا أن المصالح الروسية في سوريا واسعة جدا وتتضمن تعاونا مع أكبر أعداء إسرائيل. وحذرت المصادر في تل أبيب من أن الروس سيقومون باعتراض أي شيء غير مشخص من قبلهم يعمل ضدهم وضد النظام السوري. مهما يكن من أمر، فإن إسرائيل، ربما للمرة الأولى منذ عقود طويلة، باتت تخشى كثيرا من تواجد قوة عسكرية قديمة جديدة، وتقر بأن وضع روسيا في الشرق الأوسط تغير بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. كما يذهب البعض إلى حد القول، مع بعض التبرير، إن روسيا أصبحت القوة العظمى الأقوى في المنطقة، أو على الأقل في سياق الصراع السوري. والسبب الرئيسي لذلك يكمن في قدرة الرئيس الروسي، بوتين على استثمار موارد كبيرة في المنطقة، إلى جانب استعداده لركوب مخاطر كبيرة. سقوط الرهان الإسرائيلي تطورات الحرب متعددة الأطراف الدائرة في بلاد الشام منذ ما يقارب الست سنوات لا تسير في صالح الكيان الصهيوني الذي حاول التظاهر بالحياد تجاه الصراع ولكنه كان في الحقيقة غارقا فيه حتى إذنيه ومراهنا على تقسيم سوريا إلى دويلات، ومؤخرا وبإعتراف المؤسسة السياسية والعسكرية في تل أبيب اجبرت حكومة نتنياهو على قبول عودة القوات الأممية "الأندوف" إلى خطوط وقف إطلاق النار في الجولان الأمر الذي دفع المراقبين إلى التساؤل: هل خسرت إسرائيل رهانها لإقامة حزام أمني بالجنوب السوري؟ وهل تبدد حلمها بتقسيم هذه الدولة العربية؟. غياب أو تغييب القوة التابعة للأمم المُتحدة عن الساحة في هضبة الجولان، كان وما زال، ووفق كل المؤشرات سيبقى، هدفا إستراتيجيا لإسرائيل، التي لا تخفي رغبتها بانتزاع اعتراف دولي ب"سيادتها" على المنطقة، وخير دليل على ذلك، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب في أخر اجتماع له مع الرئيس الأمريكي المُنتهية ولايته، باراك أوباما، طلب منه العمل على إقناع المُجتمع الدولي بأنه في إطار الحل السياسي الدائم في سوريا، تعترف الأطراف المُختلفة، المحلية والإقليمية والدولية، بالجزء الذي تحتله الدولة العبرية منذ حرب يونيو من العام 1967، منطقة سيادية إسرائيلية. صحيفة يديعوت أحرونوت، التي كشفت عن الأمر، أضافت نقلا عن مصادر سياسيّة رفيعة في تل أبيب، أن أوباما لم يعر الإنتباه الكافي لمطلب نتنياهو، ولكنها بالمُقابل أشارت إلى أن المُعارض السوري، كمال اللبواني، الذي زار إسرائيل علانية، أكد على أنه ومؤيديه على استعداد لمنح إسرائيل مرتفعات الجولان، مقابل قيام الأخيرة بإسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد. هذا بالإضافة إلى أن الدولة العبرية سنت في العام 1981 قانون ضم الجولان إلى إسرائيل. وهناك ثمة أسباب مختلفة لاستهداف إسرائيل والجماعات المُسلحة قوة "الأندوف"، فهذه الجماعات التي سعت إلى إيجاد قاعدة لها تنطلق منها لمحاربة الجيش السوري، لا تخفي حقدها على قوات الأمم المتحدة لتنسيقها الدائم مع سوريا، بوصفها الدولة صاحبة السيادة. من جهة أخرى فإن هذه الجماعات لا تخفي تحالفها مع إسرائيل، التي تواصل استقبال آلاف الجرحى من هذه الجماعات في مستشفياتها. تل أبيب، عادت وأكدت مرة تلو الأخرى أنها تخشى من قيام حزب الله اللبناني بفتح جبهة جديدة ضدها من مرتفعات الجولان، على نسق الجبهة التي كانت فعالة ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوبلبنان، والذي انتهى في نهاية المطاف بإنسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوباللبناني في مايو سنة 2000. قوانين الجغرافيا والتاريخ أحد قوانين الحركة ينص على أن "لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الاتجاه، تعملان على نفس الخط وتؤثران على جسمين مختلفين". تل أبيب تعمل على تفتيت دول الشرق الأوسط وتحويلها إلى كانتونات تابعة لها، مصر وسوريا والعراق في مقدمة المستهدفات الأمريكوإسرائيلية، كما أن القضاء على أي كيان غريب على أرض فلسطين كان وسيبقى وعبر كل التاريخ القديم والحديث ضرورية مصيرية لبغداد والقاهرة ودمشق، ولا يغير من هذه الوضعية الثابتة للجغرافيا والتاريخ لا أي إتفاق أو هدنة. في 20 مارس 2015 صرح اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة المصري السابق ومسئول سابق لملف الشئون العسكرية الإسرائيلية : إن إسرائيل كيان صهيونى يمثل أحلام الصهيونية العالمية فى الشرق الأوسط، مؤكدا أن مصر حائط الصد أمام المشروع الأمريكى بالمنطقة والعدو رقم واحد لإسرائيل، وأن تل أبيب تقوم بدعم الجماعات الإرهابية بسيناء خاصة بالسلاح والمعلومات الإستخبارية لاستنزاف القدرات العسكرية المصرية، وإن ما يقال عكس ذلك دعاية مغرضة. وأكد رشاد خلال حواره مع صحيفة "الوفد" أن 30 يونيو 2013 ثورة انتصر فيها الجيش لإرادة الشعب، وأن ما يحدث بالعراق واليمن هو نتيجة طبيعية لغياب الدور العربى وتفعيل الدور الإيرانى الإسرائيلي. مصر تتسلح.. أسنان كبيرة يوم 19 أكتوبر 2016 جاء في تقرير حرره اليكس فيشمان في صحيفة يديعوت الإسرائيلية تحت عنوان "مصر تتسلح.. أسنان كبيرة": "في إسرائيل ثمة من يشعر منذ زمن بعيد بتقلبات في البطن في ضوء حقيقة أن مصر التي تعيش أزمة اقتصادية عميقة تشتري أسلحة هي الأغلى في العالم بكميات ما كانت لتخجل السعودية الغنية. ومؤخرا فقط استوعب الاسطول المصري حاملة مروحيات ثانية من طراز "مسترال" وهي منظومة فرنسية غالية على نحو خاص بنيت في الاصل في صالح الاسطول الروسي. ومصر اشترت اثنتين كهذه. في اسرائيل سألوا مصر أسئلة على نمط "ليلى الحمراء": يا جدتي، لماذا لك حاملتا مروحيات؟ فشرح المصريون: واحدة تحمي المياه الاقتصادية في البحر المتوسط، والثانية تحمي المصالح المصرية في البحر الاحمر. المروحيات القتالية على حاملتي المروحيات اشتراها المصريون في روسيا بثمن كامل. كما اشترى الاسطول المصري أربع غواصات جديدة من المانيا، وشراء غواصتين متطورتين أخريين يوجد الان قيد المفاوضات. يبيع الروس للمصريين ايضا منظومات مضادة للطائرات من طراز S400. ويشتري المصريون كتائب كاملة من صواريخ مضادات الطائرات SA17 و SA22. يا جدتي، يسألون عندنا، لماذا لك منظومات مضادات الطائرات غالية بهذا القدر؟ أي طائرات قتالية بالضبط تريدين اسقاطها؟ طائرات داعش؟ ربما طائرات السودان؟ ربما لليبيا توجد طائرات تهددك؟. في اسرائيل يتساءلون من اين المال وكيف يتدبر هذا الشراء مع الأزمة الاقتصادية. سؤال أساسي آخر يشغل بال إسرائيل منذ سنين: الجيش المصري يجري مناورات كبرى، بما في ذلك مناورة مع قوات عسكرية روسية. العدو المركزي في هذه المناورات، كما ينبغي الافتراض كانت ولا تزال إسرائيل. حاملتا المروحيات اللتين اشترتهما مصر تسميان "جمال عبدالناصر" و "أنور السادات" – وهما إسمان معبران. أسئلة "ليلى الحمراء" عن الاسنان الكبيرة التي تطورها الجدة تلذع في القيادة الأسرائيلية أكثر فأكثر في السنة الأخيرة. حقل الأرقام.. والاخطار المستقبلية بعيدا عن الأسلحة والجيوش، يواجه الكيان الصهيوني ما يعتبره البعض أحد أكبر الأخطار عليه، ألا وهو النمو الديمغرافي للشعب الفلسطيني. كتب البروفيسور سيرجيو دلا فرغولا الإستاذ في الجامعة العبرية خلال شهر أكتوبر 2016: "الديمغرافيا ليست كذبة أو "شيطانا"، كما يدعي البروفيسور آريه الداد "كذبة الديمغرافيا الكبرى"، "معاريف" 7/10/2016، بل مهنة اكاديمية تستوجب الدراسة لمصادر المعطيات، التحكم بمناهج البحث، الفهم للنظرية وتطبيقها. ومع أن لنتائج الديمغرافيا آثار هامة على السياسة، ولكن من الواجب قبل ذلك معرفة وتحليل الحقائق، لا اخفاء او الغاء بعضها، ولا استعبادها لفكرة سياسية. في مقاله يحتج الداد ضد مقابلة أجريت معي في موقع "واي نت" عن الووضع الديمغرافي في العالم اليهودي وفي دولة اسرائيل. وقد شرحت في المقابلة كيف أنه حسب التعريف الفقهي لمن هو يهودي، لا توجد اليوم أغلبية يهودية بين كل السكان في المنطقة التي بين البحر المتوسط ونهر الاردن. ضد هذا، استنادا الى تقرير وضعه يورام أتينغر ورفع مرات لا حصر لها الى كل لجان الكنيست، ودوما بذات الصيغة بل وحتى بذات الاخطاء المطبعية، يبدي الداد جهلا مذهلا حين يدعي بانه لم تكن أبدا أغلبية يهودية في البلاد، ولكن مع ذلك، ينبه من أنه توجد اليوم أغلبية يهودية على كل أرض بلاد اسرائيل. تعالوا نستعرض الحقائق المبدئية حول الميزان الديمغرافي في اسرائيل وفي المناطق. مكتب الاحصاء المركزي، الهيئة الرسمية الاسرائيلية المخولة والمهنية لجمع ومعالجة المعطيات عن كل مواضيع حياتنا، نشر عشية رأس السنة بان عدد سكان اسرائيل يبلغ 8.585 مليون نسمة، منهم 74.8 في المئة يهود، 20.8 في المئة عرب بمن فيهم المسلمون، المسيحيون والدروز، و 4.4 في المئة آخرون، بمن فيهم المسيحيون غير العرب وبالاساس عديمو الدين والقومية في العائلات التي وصلت الى اسرائيل في إطار قانون العودة. وتتضمن المعطيات عن اسرائيل نحو 220 الف يهودي ونحو 320 الف عربي من سكان أحياء شرقي القدس، و 400 الف اسرائيلي في يهودا والسامرة والجولان. في إسرائيل معدل الخصوبة لدى النساء اليهوديات ارتفع قليلا في السنوات الاخيرة، الى ما فوق 3 اطفال بالمتوسط، ومعدل خصوبة العربيات انخفض قليلا ولكن مستواه لا يزال أعلى من مستوى خصوبة اليهوديات. ولكن الداد وأتينغر وامثالهما يرفضون بعناد أن يذكروا بان بني البشر يهود وعربا لا يولدون فقط، بل ويموتون ايضا. الوضع الصحي في الدولة جيد، ولا يزال مدى العمر للعرب أدنى منه لليهود. ولكن لما كانت تشكيلة اعمار العرب أكثر شبابا، فان معدل وفياتهم اقل بكثير من وفيات اليهود، ولهذا فان الزيادة الطبيعية، الفرق بين الولادات والوفيات أعلى بكثير. وبالفعل، ففي سنة 2015 ازداد عدد اليهود في الدولة بمعدل 1.9 في المئة، بما في ذلك الزيادة الطبيعية والهجرة الوافدة التي تقلصت مقارنة بالسنة التي قبلها، بينما عدد العرب ازداد ب 2.2 في المئة. نسبة عرب اسرائيل من بين عموم الكعكة ازدادت إذن قليلا ونسبة اليهود تقلصت قليلا. وفضلا عن ذلك: في السنة الاخيرة كان الإسم الاكثر انتشارا للمواليد في اسرائيل هو محمد. حتى هنا. أما الجدال على الديمغرافيا فأكثر اشكالية بالنسبة لسكان المناطق. حتى بداية التسعينيات، كان مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي مسؤولا عن المناطق أيضا. وتأسس في حينه مكتب مركزي للاحصاء الفلسطيني، وهو هيئة مهنية ولكنه عرضة للضغوط السياسية. المعطيات التي تأتي من رام الله يجب أن تقرأ بعناية وبحذر شديد. ويهاجم الداد بحدة المستندين حصريا على هذه المعطيات، ولكني لست منهم. كما يدعي بانه في حسابات السكان في الضفة حسب مرتين عرب شرقي القدس. الكسول وحده لن يفهم هذا. ومرة اخرى، هذا ليس أنا. سيناريوهات احصائية حسب بحثي، فانه في بداية 2016 كان 2.448.800 فلسطيني في الضفة الغربية، بدون شرقي القدس، و 1.750.600 في غزة. وبالاجمال 4.199.400: كل هذا بعد تخفيض عدد الساكنين بشكل دائم في الخارج، مع الاخذ بالاعتبار الهجرة السلبية من المناطق وعلى فرض أن معدلات النمو السنوية في المناطق مشابهة للمسلمين في اسرائيل، أي 2.9 في المئة بين 1997 و 2007، ونحو 2.2 في المئة في السنة الاخيرة. بالمقابل، حسب مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني فانه في منتصف 2016 كان 2.935 مليون نسمة في الضفة الغربية، بما في ذلك 225 الف في شرقي القدس، و 1.882 مليون في غزة. بالاجمال 4.817.000، مع معدلات نمو أعلى بكثير. وحسب الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية، فان عدد الفلسطينيين المسجلين في يهودا والسامرة كان 2.919.350 في بداية 2016، بدون القدس، مع العلم بان بعضهم يسكن في الخارج معظم الوقت، ومعدل نمو سنوي 2.57 في المئة. عدد الفلسطينيين ومعدل النمو السنوي اللذين اعتمد عليهما هما أدنى بكثير من تلك التي لدى الجيش الاسرائيلي والادارة المدنية. اذا تناولنا اجمالي عدد السكان في دولة اسرائيل، يهودا والسامرة، غزة، الجولان، بما في ذلك العمال الاجانب، السياح ممن انتهى موعد تأشيرتهم واللاجئون الماكثون في البلاد بشكل قانوني او غير قانوني، في بداية 2016 سكن بين البحر والنهر 12.890.800 نسمة. 6.336.400 يهود حسب التعريف الاساس لوزارة الداخلية شكلوا 49.1 في المئة من هذا – نحو التعادل ولكن لا يكفي للاغلبية. في البلاد بالطبع كانت أغلبية يهودية بين الخمسينيات وبين بداية العقد الحالي. الذروة كانت عند 1975، حين كان 65 في المئة من اجمالي سكان البلاد يهودا. منذئذ ازداد عدد السكان العرب اسرع بكثير من اليهود، ورغم الهجرة الوافدة يوجد تآكل مستمر. اذا أضفنا لليهود 380 ألف مواطن ليسوا يهودا حسب الفقه، ولكنهم ينتمون الى الاقتصادات المنزلية اليهودية، فان عدد السكان اليهود يزداد الى 6.706.400 مما يساوي 52.0 في المئة من عموم السكان. أغلبية طفيفة. من هنا يمكن أن نتخيل سيناريوهات مختلفة. نقلل من العدد الاجمالي نحو 227.300 عامل أجنبي، سائح ولاجئ، ونسبة السكان اليهود الموسعة ترتفع الى 52.9 في المئة. نقلص من هذا الحساب سكان غزة، فترتفع النسبة الى 61.4 في المئة؛ نخفض الدروز في الجولان، فترتفع النسبة الى 61.5 في المئة، نخفض السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، فترتفع النسبة الى 79.4 في المئة؛ نخفض الاحياء العربية في شرقي القدس، فترتفع نسبة اليهود الى 82.5 في المئة. بالطبع، في الجوهر الوجودي لدولة اسرائيل يوجد فرق هائل بين نسبة يهود 82.5 في المئة او نسبة 49.1 في المئة. إذا رغب البروفيسور الداد في أن يستخلص استنتاجات سياسية من هذه الحقائق الديمغرافية الواضحة، فمن حقه أن يفعل ذلك. ولكن حسب كتاباتهما، فان الداد وأتينغر يشبهان ما إدعاه السياسي الفرنسي شارل موريس دي تاليران، مع عودة البوربونيين الحكم بعد رحيل نابليون: لم يتعلموا شيئا، لم ينسوا شيئا. للتواصل مع الكاتب: عمر نجيب