يمثل فن " العيطة " مجموعة من المواويل والأهازيج الشعبية المغربية ، التي يطغى عليها طابع النداء والتكرار والاستنفار وحث الهمم وحب العمل ومقاومة الاحتلال والظلم ... لقد شهد هذا الفن الغنائي اهتماما كبيرا في السنوات الأخيرة . تتأرجح الأطروحات العلمية في هذا المجال ، حيث يرى بعض الباحثين (1) أن هذا الفن قد تأثر بقدوم بعض القبائل المهاجرة من الشرق العربي إلى شمال أفريقيا كقبائل بني هلال وبني معقل (2) . امتزج الفن العربي الوافد حسب رأيهم بالفن المغربي المحلي المتأصل بمنطقة تافيلالت وبعض الديار الأمازيغية ، مثل فن " أحواش " . كما تم أيضا جلب عدة آلات موسيقية ... تحمل قصائد " العيطة المرساوية " الرائجة بمنطقة ( الشاوية ) و" العيطة الحصباوية " المنتشرة بمنطقة ( عبدة ) أحاسيس ومشاعر ومعاناة الأهالي وعلاقاتهم بالحكم والسلطة(3 ) والصيد وخدمة الولاة ( فرق عبيدات الرمى ) يدور نظم نصوص " العيطة الحوزية والعيطة المرساوية " حول بعض الموضوعات والقضايا الواقعية الملتزمة ، لكننا نجد اختلافا في الإيقاع والأداء والفصول (4 ) . تغلب على بعض قصائد " العيطة المرساوية " الرواية الشفوية ، لكنها تعاني من إهمال عدة أعلام لهذا الاتجاه ، مثل مصطفى البيضاوي وخدوج الزروقية ، التي تجسد طابعا خاصا في مدينة الدارالبيضاء . نجد أيضا في هذا الصدد الفنانة فاطنة بنت مريم ، التي رسخت طريقتها المتميزة صوتيا وزجليا... ترتبط موضوعات أغاني " العيطة المرساوية والحصباوية والحوزية والزعرية والشيظمية والجبلية ..." بالواقع . فالقصص تروى في هذه الأنماط من الفن الغنائي الشعبي المغربي بأشكال متنوعة ، مع الاحتفاظ بنفس المعنى . قد يضيف المنشد أحيانا بعض الأبيات بصورة جماعية ، يذوب فيها الفرد . تضم نصوص " العيطة " الشعبية بالمغرب صورا بلاغية متنوعة ( بيان ، بديع ، معاني ) رائقة ومدهشة لا تخدش الحياء و لا تمس الآداب العامة (5) . يقل العنصر النسوي في " العيطة المرساوية " لكن المرحوم بوشعيب البيضاوي كان يسعى دائما تطوير هذا الجانب بإدخال عناصر نسوية متميزة أو متنكرة (6) . لقد تعرض فن " العيطة " إلى التهميش فترة طويلة من الزمن في المغرب نظرا لقلة اهتمام الشباب به وسطحية البحث العلمي في هذا المجال الفني . يوظف هذا الفن الغنائي الشعبي حاليا من أجل عدة أهداف ورموز . كما أنه يشهد تحديثا بإدخال بعض الآلات الموسيقية ، مما قد يخالف القواعد ويخلق " عصرنة " مشوهة ومتهافتة . خلفت الفنانة الراحلة فاطنة بنت الحسين تراثا زاخرا في مجال " العيطة الحصباوية " . انطلق عملها من منطقة ( عبدة ) وآفاق مدينة آسفي ليخلق " مدرسة " متميزة ، ما زلنا ننعم بإبداعاتها مع تلميذاتها المتألقات مثل حفيظة الحسناوية ورفاق دربها من أولاد بن عقيدة ، الذين زاملوا الفقيدة ، منذ 1977 م . علمت هذه الفنانة الكبيرة الراحلة تابعتها حفيظة الحسناوية ما يقرب من 26 سنة رفقة زوجها بوشعيب . لم تخلف الفنانة فاطنة بنت الحسين ذرية ، وإنما ربت أولاد أختها . كانت هذه الفنانة تنهل في بداية حياتها العملية من ينابيع شيوخ " العيطة الحصباوية " الأوائل . ارتبطت " العيطة المرساوية " في منطقة الشاوية بقالب جديد ، أسسته قصة خربوشة ، أو حادة الغياثية التي تمثل أكبر شاعرات هذا الفن . تسلط في القرن الثامن عشر 18 م على قبيلة ( أولاد زيد ) القائد عيسى بن عمر ، الذي كان ينطلق في غاراته من قبيلة ( تمرة ) للاستيلاء على بعض ممتلكات الجيران والأحواز . هجت الشاعرة حادة الغياثية القائد عيسى بن عمر ودافعت عن قبيلة ( أولاد زيد ) ومدحت ضحايا المعركة وشهداءها . لكنها وقعت في الأسر ، أثناء حكم هذا القائد لمنطقة الشاوية أصيبت الشاعرة خربوشة (7) بمرض الجذري ، فعانت الأمرين في أسرها الذي أفلتت منه بعد مدة ، لكنها أعيدت إليه قسرا . تقول في هذا الصدد : " كواتني الشاوية وزادت ما بيا "
تقصد الناظمة بقولها قد حز في فؤادها ما كانت تعيشه منطقة الشاوية من ظروف قاسية . لذلك فإن العشق قد أثر على سوء أحوالها فتفاقمت ، وأصبحت منهكة القوة . خلفت الفنانة الراحلة فاطنة بنت الحسين أثرا وعطاء متميزا في مجال " العيطة الحصباوية " (8) ، يجسده الفنان الشعبي ( حجيب ) . كما نجد إضافات مماثلة عند قبائل ( الشياظمة) و( زعير) ، من خلال " إيقاع البروال " المتميز ( 9) . عمقت مجموعة ( أولاد البوعزاوي ) ، في مجال " العيطة المرساوية " ، إبداعات الفنان الراحل ( بوشعيب البيضاوي ) . كان فن " العيطة " يشكل عند هذا الرائد وهذه المجموعة المجتهدة فنا شعبيا ومرجعا أصيلا . مزجت المجموعة عدة أهازيج وفصول وأبيات وعتبات . يتميز الإيقاع بالبساطة ، لكنه ينقل فصولا محددة ويمر بعتبة ، تكون على شكل إشارة تتم بين المنشد والعازف . يختم الأمر بقفل راقص . يشكل فن " العيطة المرساوية " المنتشرة بمنطقة الشاوية ومدينة الدارالبيضاء وضواحيها وكذلك فن " العيطة الحصباوية " (10) الرائجة بمنطقة عبدة ومدينة آسفي وضواحيها مدرستين متميزتين، حيث ينطلق تأثيرهما ضاربا في أعماق الذاكرة الشعبية المغربية قديما وحديثا .