الساعة التاسعة وعشرون دقيقة، لازلت في قاعة الانتظار، الطبيب موجود في قاعة التوليد، سمعت صراخا لم أصدق، لم أصدق؛ إنه صراخ طفلتي، خالجني شعور غريب. بحثت له عن أوصاف في القواميس ولم أجد، فرحت بكيت، خفت سكنت، اضطربت هدأت، اختلطت كل المشاعر بداخلي، الأهم من ذلك أن صرخة طفلتي لم تكن بالنسبة لي صرخة ولادة واستقبال لعالم جديد لم تعرفه بنيتي من قبل ولم تستأنس به بعد، لم تكن كذلك، وإنما كانت لحظة فاصلة بين حياة سابقة وحياة لاحقة، بين عهد سالف وعهد قادم؛ أشعر بأن جميع الأشياء تغيرت، تغيرت المشاعر، تغير الكلام، تغيرت الأفكار، تغير طعم الحياة، تغيرت كل الأشياء. كنت ولازلت أتساءل عن مصدر هذه التغيرات، وأجبت نفسي بنفسي، وقلت إنه قدوم الربيع؛ وما يرافقه من تفتح للزهرات الفياحة، ومن إنشاد وغناء للطيور الجياشة ومن رقص للفراشات المزركشة، وما ينتاب الإنسان فيه من دفء يغمر كل ذرة في جسمه، ومن حب ينساب إلى جميع العروق والأوردة، وما يثيره في النفس من رغبة في الحياة، وتمسك بالأمل، وتعطش للأفق، واستسلام للهدوء والسكينة، وما يصاحبه من صحو وصفاء للسماء بالنهار، وضياء للنجوم، وانسياب للقمر بالليل. إن كل هذه المعاني الرقيقة الفسيحة، تلك التي أفصحت عنها، والتي لم أفصح عنها، وهذه الأحلام الجميلة العذبة، تلك التي جالت بالخيال والتي لم تزل مستوحاة من قدوم الربيع، من قدومك يا بنيتي، من قدوم ضيف جديد.