حدثنا أشقر بن سُلاف قال: نزلتُ أرضَ السَّيل، وقد اطرَخَمَّ الليل، فسألتُ عن أمير البلاد، وكيف يسوس العباد، فقيل إنه الملك "صالح"، مَن أمرُه طالح. قريَتُه سنحان، وعزلُه قد حان. خطب فقال، منتخَبٌ لا أُقال. والشبَّانُ يهتفون ارحلْ، والرئيس نابحٌ كخَيْطَل. وصنعاءُ تهتزّ، وعدن وتعز، والحديدة وإب، فتُجاوب مأرِب. وشعبٌ يناضل، لا يداهن لا يغازل، عسى الرئيس يغادر، والخليجُ يبادر، علَّ حفيد أبرهة، في زينة وأبَّهة، قد آنس إبليس، يحوز عرشَ بلقيس. والقبائل ثائرة، والناس حائرة، كيف غصَّت الساحة، ونفسُ الرئيس مرتاحة! ثارت بَكيل وحاشد، وكلُّ حُرٍّ وراشد. وعبيدة وبنو مطر، وكل شهم وذي نظر. ومعهم نهم وسفيان، وبنو حشيش وهمدان. والحيمة وسريح، وكل معافى وطريح. وقد خرجتْ رداع والجوف، ما بِهمْ تململٌ ولا خَوف. يؤازرُهم بنو بهلول والحدأ، على قلبِ رجل ما فيه صدأ. وأبناء الرياشية والصباح، قد وصلوا ليلا بصباح. ويسأل عيال يزيد، ثلاثة وثلاثون وتزيد؟! لا عِشنا ولا عاشت حضرموت، عيشٌ كريم للكرماء أو موت. وشبوة على ذا الرأي والمهرة، والعوالق والحوارث البَررة. ويافع والبيضاء وقيفة، وخولان لا رِدَّة لا خِيفة. لكن الشيخَ الهرِم، ما مَلَّ ولا ندِم، قال أحْكُمُ في سِلْم، أو أهدِمُ العَرِم. قال أشقر بن سلاف: ثم إني شكوتُ الحال، وهمًّا قد طال، قلتُ يا أرباب الحجى، ما الرأي والمُرتجى؟ غير أن سفيها نطق، فكان كمَنْ رشق. قال: أردتُم عِثْكالَ النخل بشَماريخ! لكمُ الأمنُ فمنكمُ التَّبْريخ. دَعُوا للرجل بَرْخاً، أَنعِمْ بصالحٍ أخا! فبَانَ أنه "بلطجي"، خليلٌ له ونَجِيّ. قال صنعانيٌّ حكيم: أوَقَدْ أُنزِلَ عليك أنْ قد أرسَلْنا إلى اليمن أخاهم "صالحا"؟ لسنا ثمود ولا كان في حُكمِه فالِحا. قال أشقر: وفي العَشِيِّ خطبَ الطالح، في يوم أغبر كالح، فقال: يا أبناء اليمن العِظام! فرَدَّ الشبابُ ليسقط النظام! قال: إلى الأمام! قالوا: تنحَّ يا جُذام! قال: عِشتُم إذا عِشنا. قالوا: اطَّيَّرْنا بك وضِقنا. قال: وما البديل؟ ولَيلُكُم طويل! وأنتم قبائل، وللشيطان حبائل. قالوا: ارحلْ تُفرَج! ولكل همٍّ مَخرَج. قال: أخشى عليكم "القاعدة"، وليس في التَّنحِّي فائدة. قالوا: يا هذا ارحلْ ولا تَقْصُصْ! قال: إسرائيل في تَربُّص. وكلُّ الشر منها جاء، مَكْرُ الليل والدَّهاء. قالوا: ارحلْ ولا تُبالي! ذا مُنانَا فلا تُغالي! قال الطالح: فما بُغيتُكم يا شِهام؟ قالوا: الشعبُ يريد إسقاط النظام. ثم مضى القَرْمُ يَحلِف، في غيِّه لا يبالي، أن يُذَبِّحَ والله يُخْلِف، مهما طالت الليالي. وقال استويتُ على العرش، هُوَ لِي إلى النعش فَرْشٌ. قال الحكيم: لكَ طلعةٌ بهيَّة ميمونة، فامكُثْ حتى تُحمَلَ زَقَفُونة! قد بانتْ منك الشَّرَارة، ولكلِّ عُود عُصارة.