تعج الترجمات المغربية لنصوص النقد الأدبي الحديث والدراسات اللسانية و اللغويات و حتى الفلسفة بمصطلحات تزعج اللسان العربي ولا تفيد المعنى ونقله في شيء؛ فنجد البعض يترجم مفهوم تعدد الأصوات وتداخلها عند باختين من خلال (البوليفونية polyphonie)، ومبحث الجمالية ب (الاستيتتيقا أو الاصططيقا esthétique)، وعلم السرديات ب (الناراطولوجيا narratologie)، و علم الترجمة ب (الترادوكتولوجياtraductologie )، ومفهومي الموضوع والمحمول في التداوليات اللسانية ب (التيمة و الريمة thème et rhème)، ومبحث الأخلاق ب (الإيتيقا éthique) والراوي من داخل البناء السردي ب(الراوي الأنترادييجيتيكي intradiégétique)، فيصير التعريب عملية رسم للفظ المعجم بأحرف عربية ليس إلا مما لا يفيد الترجمة في شيء باعتبارها عملية إفراج عن فكرة أسيرة في سنن الآخر اللغوية. و يلجأ هؤلاء المترجمون في أحسن الحالات لإنقاد المعنى من الضياع باعتماد إحالة يقوم من خلالها المترجم بشرح الكلمة النشاز الغامض؛ لكن النص المترجم يصير بذلك متكسرا بين تسلسل البناء الأصلي والعبارات الشارحة على الهامش ويتداخل خلاله خطاب المترجم الواصف وخطاب المؤلف الأصلي. والمهم في هذا أن هذه الألفاظ لا ترن في أذن القارئ- وإن خبر معناها- رنينا عربيا مما يزعج المعنى ذاته: ذلك أن "العلامة اللسانية" ليست اعتباطية بالمطلق كما يقول بذلك فرديناند دي سوسير، بل إن الأصوات تحمل في شكلها جزءا من المعنى. و حسبي أن هذه الممارسة مرتبطة بنوع من التكوين الذي ساد الجامعة المغربية- تأثرا بممارسة سادت الجامعة الفرنسية بعد أحداث 1968طبعا- اهتم اهتماما ببناء الفكر من خلال نحت للمصطلحات الجديدة والرنانة التي صارت علامة على التعمق وامتلاك زمام الفكر، حتى أنه ربى لذا البعض خوفا من السهل ومن الواضح واعتبار الغامض والممتنع دليل قوة وغنى البحث؛ كما جرت العادة أن يعتبر المحلل والناقد والمفكر الذي يستعصي فهمه على قراءه الأقوى فكريا وثقافيا. وأحسب أن أساتذة الجامعة و الملحقات الثقافية الوطنية يتشاطرون المسؤولية العظمى في نشر هذا الاعتقاد الخاطئ: نقيض مبدأ السهل الممتنع. صحيح أن هناك مفاهيم لا يمكن نقلها إلا من خلال أصولها لتجدرها في تربتها الثقافية والاجتماعية و الحضارية مثل (الإيثوس) و (اللوغوس) في الفكر الإغريقي، و(الرايخ) في النظام السياسي الألماني، و(الغلاسنوصت) و(البيريسترويكا) في السياسة الروسية الحديثة... لكنها الاستثناء لا القاعدة... ويشبه تداولها تداول مصطلح الانتفاضة Intifada في اللغات الأخرى للدلالة على شكل تحرري متميز عن غيره ومختص بحركة الشعب الفلسطيني. وهناك ممارسة مصاحبة لهذا المنحى في الترجمة لا تقل غرابة وتهجينا: وضع المقابل الأجنبي المترجم بين قوسين بجانب ترجمته – دون داع معنوي - من باب توضيح الواضح بالغامض (و المعلوم أن الشرح يجب أن يكون أفصح من المشروح)؛ فنجد بعضهم يكتب كلمة: (الراوي) ويجعل أمامها (le narrateur)؛ كما لو أن الكلمة العربية لا تفي بالغرض. لكن بالمقابل نجد هناك تعريبا تأصيليا لا يعدم السقوط في نفس الإشكال التواصلي؛ فحين يتداول بخصوص مقولة إثبات التفكير والإدراك (أو ما يصر أصحاب مدرسة التهجين في الترجمة على نعته بالكوجيتو cogito عند ديكارت: (je pense ,donc je suis) -التي اعتاد الجمهور على ترجمتها ب، (أنا أفكر ،إذن أنا موجود)- أن المفكر طه عبد الرحمان يقترح لها ترجمة:(أنظر تجد)، نقع في حيرة معرفية أخرى. لا جدال في أن هذا الحل الترجمي ينبثق عن عمق فلسفي وفكري متين، لكننا للوهلة الأولى بل و حتى الثانية نجد أنفسنا أمام مقولتين متباعدتين يصعب الربط بينهما إلا من خلال عرض تفسيري فلسفي حول المفاهيم العميقة والمتجذرة لألفاظ الترجمة؛ وربما كان على المرء أن يكون من فحول المناطقة أو من أعلام الفكر العرفاني حتى يبلغ المعنى من خلال رؤية منطقية غائرة أو إبصار إشراقي ملهم. فيكون الأمر مغاليا في النخبوية و يعدمه البعد التواصلي المتسع. إننا نبحث عن لغة وسيطة بين هذا وذاك تبتعد عن استسهال المهجنين وتتجنب نخبوية المؤصلين الباحثين عن النقاء المطلق- فكلاهما لا يفيدان بتعميم المعرفة بما تفتق عنه فكر الآخر و نبوغه ... الذي نحن بأشد الحاجة إليه!