قامة شعرية، وارفة الإستعارات وارفة الإستعارات، تحررت من وعثاء الجسد، لتسمق أكثر، بغير ما أراد لها الحِمامُ، وبنبض، ضارب في أغوار الروح، إذ يسكت نبض القلب الأرضي، لتكون في كل مكان، فيْئا يستظل به الشعراء ُ، هي القامة التي لا يزيدها الغياب إلا نضارة. هي القربانٌ الشعري على مذبح الدهر، فداء لكل جميل ينعم به الإنسان الآن، وهناك في غد الأحلام. العابر الذي أرسى دعائم أرض حقيقية، بجسارة الكلام قامة لا يغرب عن وجهها السحر، ولا تنفك عنها تغاريد الأيام الدرويش الذي رسم حدود أرض، لا يفتض بكارتها حذاءُ غاصب، ولا يستبيحُ معالمَ الطفولة فيها مُستهتر أو جبان. هي الآن بكمال زينتها، ومباهجها، تتوسد اللغة، وتدعو الإستعارات إليها، تضاهي مستوطنات المستعمر الآيلة إلى زوال درويش اليوم، معلقة الأرض، التي استنفدتْ دماءَ القلب، تُعلق على أستار الوجدان العربي، لعل سوقَ المحبة، والسلام، يلملم أطرافه المبعثرة ولو مرة في كل عام، ليتخفف بالشعر الطيب من جفاء النظام. درويش، سَوّر بالجداريات، حُدودَ الرّوح، سَكنا للكائن الذي تتبادله أصقاعُ الحضور، والغياب لفتَ انتباهَ التاريخ إلى حِصان، يقبع في أقصى الذاكرة، وحيدا، ولا صهيل، إلا ما تُعلل النفسُ به، وحشة َالفرسان. درويش رمّمَ أعطابَ اليومي، وعرَّج به إلى مَدارج الأسطوري، ليحفظ لنا التاريخَ، خالِصًا من شوائبِ الهزيمة، مَنيعا عن الزيف، وُبشرى للقادمين من جبهة الأمل. آخىٰ بين مِحنة الهندي، ونزحة الفلسطيني، وَذادَ بمنكب شِعْر إنساني عن انقراض الأصْل، على وجه هذه الأرض، سيدة ُ الحياة. الكمنجاتُ تنعاهُ، من مشرق الشعر إلى مغربه، إذ أعلى تباريحها، الموؤودة، في سراديب المأساة. الكمنجات تبكيه، إذ لملم أوتارَ روحها، وفضَّ لسانَ حالها، لتغني غجرًا تاهوا، وتسمي عربًا شاهواْ وأندلسا في قبضة النسيان، تؤلب الجُرح في كل انزياح الكمنجات تسعى الليلة إلى سَعة القلب المفتوح، بارتعاشة الإيقاع فيها لعلها تسند نبْضَه الواهي. لا البحرُ يعيق عبورها، إلى ضفة الشعر، ولا الملح في حنجرة الأغنيات، ولا الحصار. الكمنجاتُ، تنيخُ تعبَ الغناء المبْحوح أسفلَ الجداريات، حيثُ انحفرتْ سيرةُ الكائن الشعري، مثلومة ً بكلِّ أسْباب الرحيل وتجْهشُ بالأوْتار، حَدَّ الإختناق بكل مَواويل الأندلس القديمة، والحديثة، وأصداء النبض في شرايين القصائد اليتيمة وأنا، ها أنا على أثري، مفجوعا، إذ تضيق بي وحْدتي، وتسرّ في أذني قصيدة ٌ مَكلومة هي أثر الفراشة، ذات إعْصارٍ أليم.... أن قدغابَ سيِّدُ الكلام، فمن يَهشّ ذبابَ النسيان، عن عَسل الأحلام ويُلبسنا في كلِّ عُكاظ، قشيبَ المعاني..؟ في أربعينية الفارس الذي ربى الأمل، في صحارى الإنسان العربي، وروض الكلام، فصاد ظباء البيان، شعرا لا ينفك يبث فينا عزم الأوطان. أسرجُ روحي، وأمسك بزمام اللسان، وأستعطفُ اللغة، لعلها تفتح لي شرفة للبكاء، قد لا تكون في مستوى القامة الشعرية، الوارفة الإستعارات، ولكنها، ما استطاعت النفس الأمارة بالشعر، أن تذرفه من كلمات