خبز الله، بيان ضد السستمة ،إنه صرخة زرادشتية ضد كل ما هو نظامي ، ضد الكتابة التي ترتدي بخشوع ذلك الهندام اللبق لأنها لا تتقن دور اللعب الوقور. خبز الله من الأعمال التي تفضل البوح و بكل ثقة عن كل ما تريد أن تؤجله بعد استحضاره. خبز الله كتابة تحاول أن تسرد الأشياء الأفكار ...بطريقة مختلفة ، تبتعد بها عن سجون الترتيب و التنظيم الفائقين صوب رحاب ما قد يشكل لدى البعض فوضى سردية ، التي تنم عن موقف نيتشوي عبر عنه على لسان زرادشت بقوله " يجب أن تحملوا في داخلكم الفوضى كي تكونوا قادرين على خلق نجمة راقصة "1 . نصوص خبز الله هذا المولود المدلل المشاغب و المتمرد على كبرياء القصة القصيرة و أعرافها ، تعبر عن رغبة جامحة في التميز و الاختلاف ، ليس من أجل " خالف تعرف " بل لأن صاحب الخبز مؤمن بأن التبعية تقتل روح الإبداع ، فكل محاولة أدبية ، فلسفية ... خالفت من أجل أن تعرف ولدت ميتة... فالاختلاف ميزة المبدع الحر ، الذي لا يرضى بالعيش تحت سقف الالتباس – بمعناه الهيدغري – و لا يرضى أن يكتسب قوله معقوليته من عدم خروجه عن سطر الكتابة ، المبدع الحر هو الذي يخط طريقه طلاسما تؤدي إلى أي مكان و لا تؤدي إلى أي مكان . هو الذي يجعل من نصوصه شطحات تقفز و ترقص في نفس الأن ، هو الذي ينصت للهامش و يتحدث عنه بكل جرأة دون أن يسقط في أسر الهامشية ...
-2-
نصوص خبز الله ، ليست بنصوص عادية ، و ربما أصلا ليست نصوصا ، بمعنى أنها عصية على تحديد نوعية كتابتها ، و هذا سر من أسرار تميزها ...
نصوص خبز الله قادرة على جذب انتباه القراء إليها رغم غرابتها أو ربما بسبب غرابتها و تنوعها و طبيعة أسلوبها المتمرد ، الذي يمزج بين العمق الفلسفي المتمثل في أن نصوص عمر علوي مأهولة بمعاني كبرى تضرب بجذورها في تربة الأونطولوجيا ، و بين البعد الشعري الذي أضفى على نصوصه طابعا جذلا و مرحا ، إلى حد أنها تنقذ ف في مخيال المتلقي على صورة خرائط ديونيزيسية.
-3-
في نصوص خبز الله ليست الكتابة ضرب من الصلاة كما قال كافكا ، لأنها كتابة لا تركع لأحد حتى لنفسها ، إنها لا تطيق الخضوع ، لأن حمولتها الجذلة تجعلها دائما تؤجل فعل الخشوع إلى ما لا نهاية .
-4-
و أنت تقرأ "خبز الله" تجد نفسك مرميا في حضن نص لا يشبه باقي النصوص ، لأنه لا يبتغي إيصال رسالة أو تبليغ فكرة بالشكل المعتاد ، إنه لا يحلم بالارتماء في أحضان القارئ واضحا و مفهوما ، إنه ضد البداهة و الوضوح و الضفاء ، ضد النص ، إنه فعالية تنقض ذاتها . نصوص خبز الله لا تتشابه ، إنها أشبه بأفورزمات قصصية تحكي بلغة مرحة أفكارا حية ، نصوص منسجمة لأنها غير منتظمة ، و غير معدة للانتظام فحتى ( ق،ص وة) التي تفصل بين النصوص الأولى و الثانية و الثالثة ، ليست سوى فجوات غير بيضاء ، إنها فارغات ممتلئة تريد البوح صمتا ... نصوص خبز الله لا يحكمها مبدأ معين و لا يضبطها منطق محدد ، إنها تسرد بلغة جذمورية متشظية تنشد معاني مؤجلة ، عبر جسر وسط متكون من خطوط لا متناهية ، لا تصدر عن منبع محدد ، و لا تغطيها سحابة ، و لا تتعبها حمولة ثقيلة . -5-
قصص عمر علوي نصوص بتنورات قصيرة كما يحلوا له أن يسميها لأنها تنبثق و هي شبه عارية و في كثير من الأحيان عارية تماما ، إنها لا تحكي بتكلف و لا تسرد بخجل ، لأنها لا تحمل أثقالا و لا تلبس حجابا ، إنها حرة مرنة و سائلة لكن ليست مائعة ، إنها لا تأخذ شكل الوسط ، بل إنها هي التي تفرض نفسها على الوسط . قصص عمر علوي لا تتستر خلف حجاب اللغة و الكلمة ، بل اللغة معها – و فيها- تزين نفسها بتنورة قصيرة تراقص انطباعات القارئ ، تجعلها تدخل في علاقة شبقية مع المتلقي الذي يتلقى كلمات نصوصها على شكل قبل إيروسية بالغة القسوة و العجرفة ذات الأنوثة الطبيعية الفائقة. قصص خبز الله تجعلك تقرأ بجسدك ، بعقلك ،بمخيلتك ، بذاكرتك ، بعواطفك ، بطموحاتك ، بأنانيتك و بلحمك الحي... -7- عمر علوي لا يحترف الكتابة ، لأن احتراف الكتابة يعني ترديد ما يقال بأساليب مختلفة ، يعني الإلتزام بنواميس الكتابة النظامية ، في حين أن صاحب "الخبز" ليس جنديا يحرس قلع المألوف الحكيي. إنها – كما كتب نيتشه – يدفع أفكاره رسميا على مركبة الوزن لأنها عادة لا تعرف المشي على الاقدام 2 .
....................................... خبز الله للأستاد عمر علوي كتابة عنيدة تدرك أنها خارجة عن سطر البداهة لكن مع دلك تقول بأعلى صوت : من العادات السيئة لقلمي أنه كثيرا ما يغيب عن وعيه .
حقا لا شيئ ألذ في القراءة من الكتابة التي تهدم كل جذران المتن و السرد و زوايا النحو و نواميس الإملاء وما أحلى أن يصرخ الهامش بقوة رغم أنف النص , وأن يعود وزن الأناجيل إلى القول الذي لا يقول شيئا كي ينموا نفسها و نفس الإختلاف.
........إنها كتابة توقظ الفوضى الخلاقة , و تنسي الصمت كلماته كي يقول من جديد... خبز الله بيان ضد السستمة ،بيان ضد تنميط النص الإبداعي و قولبته و تعليبه ، إنها كتابة ضد النص انتصارا لقول الهامش...الهامش الذي لا يتراجع عن البوح و القول بلا خجل لأنها لا تجيد لعب دور الرجل الوقور .... في خبز الله الهامش يحكي بدل النص و بلغة صاحب الخبز "هامش رغم أنف النص"... ....بلغة جذمورية résomatique تأبى الإفصاح عن الأصل .......كما لو أنها كتابة لقيطة.....كتابة منحلة أخلاقيا... هوامش: 1- نيتشه ، هكذا تكلم زرادشت ص 14 2- عن بنسالم حميش ، كتاب الجرح و الحكمة :الفلسفة بالفعل ، دار الطليعة بيروت ، ط 2 ، ب ت ، ص