إن الاستعداد القصصي خاصية بشرية، يشترك فيها جميع الناس فكل شخص يستطيع أن يحكي لك حكاية أو يقص عليك حادثة وقعت له. لكن كاتب القصة يختلف عن كل شخص في امتلاكه لتصور يحكم كتابتها, وبالتالي إمكانية نقدها, فكيف يتصور الكاتب والقاص عمر علوي ناسنا في كتابه "خبز الله" القصة القصيرة؟وهل من أسس ينبغي أن تحكم كتابة نصها؟ يتصور الكاتب أن للقصة القصيرة جسد « لا يلمس ذاته » بالسير في « طريق سالكة » وإنما بالمشي« فوق الأحجار». وأن لها جوهر " كامن في فكرة " ذات حجم كبير يغطي الوجود كله. 1 لذلك, فعلى كاتب القصة القصيرة أن يستعد للمواجهة و المغامرة والمخاطرة، مادام طريقه غير معبد لأنه مليء بالموانع والحواجز(الأحجار)،أما سلاحه الأساسي في ذلك فهو الاستعمال الجيد و الجمالي- الشاعري للغة، كما عليه أن يتسلح برؤية شمولية حول الوجود, أي عليه أن يكون مالكا لحس فلسفي عميق أو أن يكون متفلسفا, مادام جوهر شغله قائم على إبداع نصوص: أفكار عميقة, صادمة وخاطفة".2 انطلاقا من ذلك, وفي سياق الكتابة القصصية نلاحظ أن للكاتب كتابة مختلفة, بها أثبت في كتابه هذا تصوره لنص القصة القصيرة, وهو تصور يجعل هدا النص منفتحا على نصوص أخرى تنتمي إلى مجالات معرفية مختلفة كالفلسفة, الأسطورة, التاريخ, الدين والسياسة...ولعل هدا ما يؤكده الكاتب والقاص علي الوكيلي. في تقديمه لهذا الكتاب, إذ يقول: "مولاي عمر مرجعية غنية من الأسطورة والتاريخ والديانات والرموز والمظاهر الاجتماعية والسياسة." 3 و إذا كان هدا الانفتاح عاديا في عالم إبداع النصوص مادام التناص هو قدر كل نص, حسب جوليا كريستفا,فإن الجديد في الكتاب هو أن التناص فيه يتم بقصد التمرد على النصوص السابقة وليس للتصالح معها. أما في نقده لتصور الكوليزيوم القصصي للتجريب، فيقول : «التجريب ليس إختيارا جماليا فحسب إنه موقف وجودي، رفض لترتيب التأثيث الأول للكون، محاولة لسردنة الأشياء والقيم و الأفكار بطريقة مختلفة».4 وفي نقده للنقد التجريبي القصصي، يرى أنه على هذا النقد«أن يكف عن إرتداء ذلك الهندام اللبق وأن يكف عن لعب دور الرجل الوقور»5. واضح إذن ،أن لكاتب "خبز الله" عمر علوي تصورا في الكتابة والنقد القصصيين، وقد حاول أن يجسده من خلال كتابه هذا.فهو في اعتقادي يكتب انطلاقا من ثلاثة اتجاهات هي في الواقع، وحسب كثير من النقاد، إتجاهات الكتابة القصصية في المغرب المعاصر. وهذه الاتجاهات هي : إننا نعتقد أن كتاب« خبز الله » يتضمن هذه الإتجاهات، ففي الباب المعنون ب : " ق " والذي يحتوي على 13 قصة والممتد من ص :15 إلى ص: 49، نلاحظ أن الاتجاه المهيمن فيه هو الكتابة الممتدة. وفي الباب المعنون ب: " ص " الذي يتضمن 07 قصص والممتد من ص: 51 إلى ص:54، نجد أن الكتابة التجريبية هي التي تحكم منطق الكتابة. أما الباب المعنون ب :" ة " الذي يحتوي على 21 قصة، والممتد من ص 66: إلى ص: 90، فيهيمن عليه شكل الكتابة المتحولة المتمردة والرافضة لكل سابق، ولكل حكم أو قاعدة موجهة للكتابة. ولكن في الكتاب باب آخر رابع وأساسي، معنون ب: ق, ص, ة, ويتضمن 18 نصا قصيرا جدا, كل نص فيه مثبت بأسلوب قائم على الإيجاز والتكثيف والإضمار ومعبر عن فكرة مفارقة. ونعتقد أن تصور الكاتب للقصة القصيرة؛ لغة وفكرا، شكلا ومضمونا، مجسد في هذا الباب. وهو تصور يميل إلى ربط الكتابة القصصية. بخصائص الكتابة الشذرية كخيار جمالي لنص القصة القصيرة جدا لم يترك أمامه من خيار سوى إعتماد الرمزية لضمان استمرارية شبابية النص القصصي والحيلولة دون شيخوخته. إن هذا الخيار الذي يتأسس على الكتابة متقطعة ومتجزئة،ويرفض التبعية لأي نموذج جاهز،هو خيار ذا أساس فلسفي عميق, يعتبر أن القصة هي قصة التحرر والتمرد على أي حكم مسبق,هي قصة الحرية,قصة الوجود أسبق من الماهية بلغة الفيلسوف الوجودي سارتر.قصة الكتابة الشذرية كما تصورها الفيلسوف الألماني نيتشه. لكن ما مدى إمكانية تطوير وتنعيش هذا النوع من الكتابة في ثقافتنا التي تقوم على الحقيقة المطلقة، وعلى عدم الاعتراف بفردية و استقلالية الذات البشرية؟ ولابد من الإشارة إلى أن الكتاب يتضمن أيضا إشارات واضحة لسير الكاتب في طريق إبداع نصوصه القصصية بهذه الكتابة الشذرية، ولعل هذا ما نلاحظه في الصفحة الأولى من الكتاب،والتي تتضمن نصين أو قولين من مشروع كتاب للكاتب الأستاذ عمر علوي بعنوان: أفوريزمات من وصايا الشرير. لكن ماالدلالة التي يحملها هدا التغير الحاصل في حجم النص القصصي,هل يرجع إلى التغير الذي يحصل في الواقع الراهن الموسوم بالسرعة,أم هو اختيار جمالي فرضته شروط محددة؟ ثم ماهو حجم المتعة الجمالية التي يمكن أن تتحقق عند قارئ نصوص هذه الكتابة الشذرية؟ وهل يمكن لحجمها الصغير جدا أن يسمح بطرح كل قضايا الإشكالية الكبرى للوجود؟ و في الختام يمكن أن نسجل أن القيمة الفكرية لكتاب " خبز الله" هي في الأفكار التي يحملها و المفارقات التي يتضمنها, كمفارقة خبز الله و إلاه الخبز, مفارقة حقيقة الوهم و وهم الحقيقة, مفارقة الإنسان الواقع و الإنسان الخيال و مفارقة الكاتب إنسان و الكاتب ناسنا... 1 اتجاه الكتابة الممتدة لماهو سلف . 2 اتجاه الكتابة التجريبية القائمة على الرفض للثوابت والمعايير، والتي تعبر عن الذات وعن الواقع بكل أشكال الكتابة. 3 اتجاه الكتابة التي تضع في الإعتبار التحول الذي يعرفه الواقع، والتي تكتب دون التفتيت الكلي لما هو معطى، ولا تقتحم القارىء إقتحاما، بل تقترح تصوراتها الجديدة إنطلاقا من كتابة الواقع وقضاياه...6 مداخلة الأستاذ : عدي رمشون