أبدأ من حيث انتهى علي الوكيلي: الكاتب عمر علوي ناسنا لا يشبه أيا من القصاصين الذين تعرفونهم، وإليكم البيان: البيان رقم 1 : بداية ، يدعي الكاتب ، خاصة في المجموعة القصصية التي تندرج تحت حرف الصاد أن قصصه تندرج ضمن التجريب ، والحال أنها ليست كذلك لأن التجريب في أبسط تعاريفه ( وهو فضلا عن ذلك من المفاهيم التي تتأبى على التعريف) هو خلخلة المكونات البنيوية للجنس القصصي وتدميرها. ونجد في خبز الله نفحات لإبداعية أبعد من ذلك بكثير، لذلك فإني لا أسمي قصصه تجريبية إنها كتابة يتيمة تخشى الموت وبعبارة أخرى تخاف السقوط في النمطية . وفي حال ما إذا تشبث الكاتب بهذا الرأي فإنه سيظل شبيها بحرف النون في اللغة السريانية الذي يحيل فيه الحرف منعزلا إلى البحر ومايحتويه. البيان 2: من عنوان المجموعة خبز الله مرورا باللوحة المؤثثة لفضاء الغلاف، وصولا إلى القصص مجتمعة بأحداثها وشخوصها وأمكنتها وزمانها نلاحظ تعدد مايعرف ب أماكن اللاتحديد: الأب ، الأم ، الطفل...إنها غير مسماة، ولو أعطيت لها أسماء معينة، فيعني ذلك أنها مقتولة والحال أن الكتابة كما يتصورها الكاتب كتابة تخشى الموت. إن هيمنة أماكن اللاتحديد في قصص الكاتب يجد مبرره في تصور الكاتب عن القصة فهو يتخيلها بتنورة قصيرة ولكن بفكرة تضاهي حجم الوجود، بل أكثر من ذلك تحمل هم إعادة تأثيث هذا الوجود، لذلك لايجب أن نستغرب إذا وجدنا خلفية قصص مولاي عمر تحمل نفحات نيتشوية فلسفية وتحليل نفسية وأنتروبولوجية ودينية وأسطورية لكن ليس كما نجدها لدى الكتاب الآخرين ، بل شعار التعامل مع هذه الخلفية المتنوعة هو الشك المزدوج، فالكاتب يحب أن يعرف القواعد والقوانين والأعراف المتحكمة في الكتابة السردية لكنه لايحب أن يلتزم بها وقس على ذلك على مستوى أنطولوجي ككل. البيان رقم 3 : الكاتب يشبه من لايريد أن يكون له شيخ في الطريقة ولايريد أن يكون له أتباع ، قصة الرجال الواردة في الصفحتين 71 و 72 خير دليل على ذلك. البيان رقم 4: لاتصرح نصوص قصص الكاتب مباشرة بنصوصها الغائبة ، كما أنها لاتريد أن تصرح مباشرة بإحالاتها على الواقع فالهلامية والإيهام تعتبران سمتين مميزتين للكتابة القصصية في خبز الله ، لذلك ف‘ن السوريالية موجودة بشكل مكثف في القصص المندرجة تحت الأحرف الثلاثة ق و ص و ة : لعبة الغميضة ، سلطة ، مصطفى مراد، حليب ساخن، تأثيث رغبة ، أورغازم، الباب ... البيان رقم 5: هامش رغم أنف النص يعد واحدة من انتصارات الكتابة في خبز الله فالهامش يعد بمثابة نص مواز ، لذلك تعمد الكاتب أن لا يضع علامة ترقيم أو نجمة أو أي علامة أخرى لكلمة بعينها، وإنما الهامش للنص ككل وليس من السهولة ربط المتن بالهامش ولعل محاولة ذلك قمينة بأن تذهب بالقارئ إلى متاهات يتداخل فيها الدنيوي بالأخروي. البيان رقم 6: تحمل الكتابة في خبز الله مالا طاقة لها به ، فهي في سعيها تبني فلسفة نيتشه تعد بمشروع لن يكتمل أو إذا اكتمل جدلا فإن نتيجته هي سيادة اللاعقل ويا حسرة في مجتمعنا الذي لم يستوعب بعد انتصارات العقل. البيان رقم 7: يرفض القاص في مجموعته خبز الله أيا من السلط أو الاكراهات ، سلطة الأب، سلطة المجتمع، سلطة الشيوخ، سلطة الأدب ذاتها، سلطة الجنس الأدبي، سلطة السارد، والشخصية والزمان والمكان وعلاقة الكاتب برفض هذه السلط شبيهة بعلاقة كافكا بأبيه حقا وحقيقة. البيان رقم8: في رفض التأثيث الأول للكون، ينزع الكاتب –بوعي منه أو بغير وعي- نحو تبني رؤية غنوسطيكية عن العالم، ولكنها مع ذلك ليست سلبية كما قد يعتقد الكثيرون ، ممن سيتعاملون أو تعاملوا بشكل ساذج مع ورود الله في المجموعة ، فالرؤية الغنوسطيكية كما وردت حقا وحقيقة لدى مايعرف بالإنسان الغنوسطيكي تتوجه مباشرة إلى الله وتحمله مسؤولية الألم والشر الموجودين في الكون Exister c'est du mal دون مواربة... أما من منظور التصور الإسلامي فهذه الرؤية تعتبر مرفوضة جملة وتفصيلا وإن كان بعض الفقهاء يعتبرون أن الخير كله بيد الله والشر ليس بيده ويضيفون وإن كان بتقدير منه، فلماذا نقبل هذه العبارة : فضل الله محمد علي على مستوى الأسماء ولانقبل خبز الله على مستوى عنوان العمل الإبداعي؟ البيان رقم9 : أخيرا أين يكمن سر الإبداع في خبز الله؟ لقد ورد في أحد الكتب المقدسة ما يلي خلق الله الإنسان على صورته ، ولا أحد يستطيع أن يقلد الكاتب ، سيظل بلا شيخ وبلا أتباع ، لكن وحدها اللغة تستطيع أن تقلد مولاي عمر وتحاكيه وتغازله، فإذا احتكمنا إليها في أقصى متاهاتها غرابة في الوجود /في القصة ، فالأفكار بحجم الوجود ليست في حوزة الكاتب ولا في حوزة القارئ، إنها في حوزة هذه اللغة ذاتها التي تتكلمنا. فطوبى لسانشو الذي يحمل رؤيته الساذجة عن هذا العالم الذي نحاول إعادة صياغته كتابة وقراءة لقهر كل أشكال الاغتراب.