كان يحمل وردا وماء كعادته .. باقة من طيف الخريف تفرخ براعم صفراء .. وقنينة ماء معدني فقد صفاءه قليلا نظرا لطول الرحلة .. زرع الباقة على يمين المريض .. أمطر الماء عن يساره .. ابتسم المريض كعادته .. ابتسم الزائر كسابق عهده .. تصافحا ..تعانقا .. تهامسا .. تمازحا .. اقتحما سراديب الأيام الخوالي .. حلق ضحكهما في عناء السماء .. شربا شايا أسود أعدته زوجة المريض .. دمعت عيناهما من شدة الضحك .. - إنه أشهى وأحلى شاي تذوقته شفتاي يا سيدتي ( قال الزائر مجاملا زوجة المريض .. كسابق عهده ) أطرقت الزوجة بنظرها إلى الأرض خجلا ... - إنه بمثابة أخ لي فلا داعي لهذه الكلفة ( همس المريض لزوجته باسما ) . ضحكت الزوجة .. ضحك الزائر .. تدحرجت وردة بيضاء على الأرض .. ثم .. عانق الألم مريضنا من جديد .. كابر المريض .. اهتز السرير؛ صدر عنه أنين متقطع هوت وردة بنفسجية، تدحرجت بدورها على الأرض .. أفسد أنينه المقنع ببسمة صفراء جو المرح .. غادرت الضحكة وجه الزوجة .. غادرت البسمة وجه الزائر الثقيل . - أظنني أحتضر .. لن تراني في زيارتك القادمة يا أعز صديق ( قال المريض مغالبا دموعه ) - أرجوك لا تردد هذه التفاهات .. بل ستراني وأراك ( قال الزائر ضاغطا بكلتا يديه على راحتي المريض ) - لن أعيش طويلا، فقد فرخ الورم اللعين في كل شبر من جسدي . - ستشفى إن شاء الله وسوف نصول ونجول كسابق عهدنا .. - أرجوك سيدي غادر الآن .. دع صديقك يرتاح قليلا .. ( قالت الزوجة بعينين دامعتين ). ***** عند الممر الضيق، وقرب الباب الموارب المفضي إلى الشارع مباشرة توقفت الزوجة، وتوقف الزائر، نظرا إلى بعضهما البعض طويلا وبرقت أعينهما كثيرا .. قالت : اشتقت إليك كثيرا .. قال : هل لابد من ذلك الآن ؟ قالت : لا تبالغ كثيرا .. اتبعني .. كن مطمئنا .. وتناهى إلى سمع المحتضر صوتا يشبه صفق الباب المفضي إلى الشارع .. وفي الغرفة المقابلة لغرفة المريض المحتضر كان ثمة رجل وامرأة يلتحمان .. يشكلان كثلة لحم تسبح في بركة من العرق، وكانا يلتحفان بالظلام ... وتبارز أنينان صادران من غرفتين متقابلتين، أنين تغذيه جدوه من الألم، والآخر تحفزه نشوة عارمة .