كانت فكرة شعرية رائعة وجامعة بكل المقاييس فكرة إنشاء جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي وكان وراء هذه الفكرة رجل المهمات الثقافية والنضالية الصعبة الكاتب الكبير الطاهر وطار، قطب الجاحظية وناسكها. والمفارقة الجميلة هنا أن الطاهر وطار عاشق رواية وقصة قصيرة وصاحب نثر جاحظي ومع ذلك آثر أن تخصص جائزة للشعر المغاربي تقديرا منه وإجلالا لعراقة وأهمية ونبالة هذا الفن الأدبي في الذاكرة العربية والوجدان العربي. وكان اختيار إسم الشاعر الجزائري-المغاربي الكبير مفدي زكريا ذا دلالة رمزية عالية وعروة شعرية وشعورية وثقى بين الأجيال الشعرية المغاربية. كان ذلك في غرة التسعينات من القرن الفارط. ومنذ الإعلان عن الجائزة، تهاطلت على الجاحظية أعداد عديدة من المشاركين والمشاركات من كل فج مغاربي، المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا.. ومع انتظام دورات هذه الجائزة تتضاعف الأعداد وتكثر الدلاء. وقد كان لي شرف المشاركة في لجنة تحكيم هذه الجائزة لأكثر من دورة مع زملاء مبدعين و باحثين لهم باع وخبرة في مجال الشعر. وأتيح لي خلالئذ الإنصات إلى معزوفات الشعر المغاربي الموقعة من لدن أجيال شابة تواترت تباعا يأخذ بعضها برقاب بعض. وتكونت لدي خلاصة استنتاجية أوجزها في النقاط التالية: 1/ أكدت المشاركات الشعرية في الجائزة قولا وفعلا الطابع المغاربي للجائزة إذ وفدت من المغرب والجزائروتونس وموريتانيا. وكانت حصة الأسد في الأغلب الأعم للمغرب الذي فاز شعراؤه بالجائزة في أكثر من مرة. 2/ تراوحت النصوص الشعرية المشاركة بين القصيدة العمودية والقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. واللافت للنظر أن نصوصا كثيرة نحت منحى عموديا وبخاصة النصوص الجزائرية. ولهذه ‘'العودة'' إلى العمود من طرف الجيل الجديد دلالة بلا شك. 3/ تشخص النصوص المشاركة سجلا إبداعيا وبوحيا أمينا وبإيقاعات مختلفة ومؤتلفة للشؤون والشجون التي تخالج الشعراء الجدد. وهي شؤون وشجون ذاتية في الأغلب لكنها منغرسة في حماة شؤون وشجون المرحلة التي تنوء بها الشعوب المغاربة. 4/ ترقي اللغة الشعرية في بعض النصوص المشاركة واللغة مناط الشعر إلى مستويات جمالية وبلاغية راقية سواء من حيث المعجم اللغوي أو صياغة الجملة الشعرية أو نحت الصور والاستعارات الشعرية. 5 / إن كثيرا من الشعراء الذين وقع الرهان عليهم وفازوا بجائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي أصبحوا الآن رموزا شعرية لها حضور وصيت في المشهد الشعري المغاربي على امتداد أقطاره وفساحاته وهذا دليل على أن الرهان كان على جياد رابحة. 6/ كانت المشاركة الشعرية المؤنثة في هذه الجائزة محدودة بالقياس إلى المشاركة الشعرية المذكرة. و هذا دليل على أن المجتمع العربي وضمنه المجتمع الأدبي ما يزال ‘'أبيسيا'' في نزوعه وتوجهه على الرغم من أن ‘'جمع المؤنث'' هو الغالب في المجتمع. وخلاصة الخلاصة التي أخلص إليها في هذه الورقة-الشهادة هي أن جائزة مفدي زكريا للشعر المغاربي أضحت الآن سنة أدبية-مغاربية مؤكدة وأعطت دليلا جميلا على أن الأدب قادر على أن ينجز ما عجزت عن إنجازه السياسة. وفي ذلك كل الفخار والعظمة. في ذلك كل العزاء والتأساء. ودعواتنا بالشفاء والعافية لراعي الجاحظية الكاتب الكبير الطاهر وطار.