توفي الروائي الطاهر وطّار بعد نحو خمسة عقود من الكتابة كرسته رائدا للأدب الجزائري المكتوب بالعربية، حسب بعض الروائيين الجزائريين، وناقدا مزعجا لمختلف الأنظمة التي تداولت السلطة في البلاد. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مصدر مقرب من عائلة وطار قوله إن وطّار توفي يو السبت الماضي في منزله في العاصمة الجزائرية، متأثرا بمرض عضال ألزمه الفراش عامين. وكتب وطّار عشرات المؤلفات بينها روايات ترجم بعضها إلى عشر لغات ونال شهرة عربية وعالمية ك»الشمعة والدهاليز» و»اللاّز» و»الزلزال» و»الحوّات والقصر» و»رمانة» و»تجربة في العشق» و»عرس بغل» و»العشق والموت في الزمن الحراشي» و»الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي» و»الشهداء يعودون هذا الأسبوع» التي أخرجت مسرحية نالت نجاحا كبيرا. المثقف اليساري ولد وطّار في سدراتة (وهي بلدة في أقصى الشرق الجزائري) وتلقى تعليمه في مدارس جمعية العلماء المسلمين ثم لاحقا -لفترة قصيرة- في جامع الزيتونة بتونس حيث عمل في الصحافة أيضا. التحق في 1956 بالثورة الجزائرية، وظل في حزب جبهة التحرير الوطني حتى 1984. عرف عن وطّار في بدايات أعماله ميوله اليسارية، وقد أنشأ مع استقلال الجزائر أسبوعية سياسية أسماها «الأحرار» لم تلبث أن حظرت، وأتبعها العام الموالي بأسبوعية «الجماهير» التي حظرت أيضا، ثم بعد عقد بأسبوعية «الشعب الثقافي» التي لقيت المصير نفسه. رواية مفصلية لكن «جمعية الجاحظية» التي أسسها في 1989 تحولت إلى أحد أهم المنتديات الثقافية في الجزائر تُحيا فيها مختلف صنوف الأدب من ورواية ومسرح وموسيقى، وكانت وراء تأسيس جائزة مفدي زكرياء المغاربية للشعر في 2005. وقال الروائي الجزائري أمين الزاوي للجزيرة إن وطّار هو من أنشأ ما يمكن تسميته بقارئ الرواية العربية في الجزائر، ووصف «اللاّز» بأنها إحدى ثلاث روايات مفصلية في تاريخ الأدب الجزائري، إلى جانب «التطليق» لرشيد بوجدرة، و»نجمة» لكاتب ياسين. وطّار العروبي ويصف وطّار نفسه بالعروبي، وهو من أشد المدافعين عن اللغة العربية والمؤمنين بوجود «قطب فرانكوفيلي» (يتحدث الفرنسية ويدين بالولاء لفرنسا)، أدام سيطرة فرنسا على الجزائر، حسب قوله حتى بعد استقلالها. عارض وطّار انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بلة في 1965، وعارض بعد 35 عاما تدخلا آخر للجيش نتج عنه حظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد انتخابات 1990، التي رجح مراقبون أنها كانت ستضع الإسلاميين في السلطة. وفي هذه الفترة من 1991 إلى 1992 -وهو يتقلد منصب المدير العام للإذاعة المملوكة للدولة- عارض وطار ما تبع إلغاء الانتخابات من اعتقالات طالت ألوفا سجنوا في صحراء الجزائر دون محاكمة، وأنشأ إذاعة للقرآن الكريم. وعندما كان مصطلح «الإرهاب» يجري على شفتيْ كل صحفي جزائري تقريبا، كان وطّار يرفض هذا المصطلح ويفضل الحديث عن العنف والعنف المضاد. المثقف ناقدًا جهر وطّار بمواقفه بلغة قوية خاصة ضد من يصفه بأنه «لوبي فرانكوفيلي» استبد بالبلد -حسب قوله- وأوصله إلى أزمته الحالية، وكلفه ذلك عداء بعض الصحف الناطقة بالفرنسية، خاصة بعد انتقاده الشديد للطاهر جعوط وهو روائي جزائري يكتب بالفرنسية اغتيل في 1993.
فضل وطّار أن يكون دون مواربة ناقدا لكل الأنظمة التي تداولت السلطة في الجزائر تقريبا، وهو عندما بكى ?كما ينقل عنه أمين الزاوي? وفاة بومدين في 1978 كان يبكي أيضا «شكلا من أشكال السلطة التي تحرك فيَّ الكتابة». وقد ظلّت علاقة المثقف بالسلطة أحد هواجس وطّار الكبيرة طيلة حياته، وكرّس لها خاتمة أعماله الأدبية رواية «قصيدة في التذلل». وعن الموت قال وطار في أحد حواراته الصحفية «الموت لا يخيفني، لأنني أؤمن به منذ صباي، وأنتظره كل يوم كحق وواجب». الموعد كان السبت الماضي في الجزائر بعد انتظار استمر 74 عاما.