في قاعة الندوات بالمندوبية الجهوية بلارميطاج /الدارالبيضاء وقد غصت بالمثقفين والأدباء وعدد من المعتقلين السياسيين السابقين والطلبة من متتبعي السرد المغربي و"أدب المحنة والسجون" بعد زوال يوم السبت سادس فبراير 2010، افتتح عبد الحق نجاح اللقاء الثقافي حول " الكتابة بلغة الحياة " المنظم من قبل مختبر السرديات بتنسيق مع الجمعية البيضاوية للكتبيين ونادي القلم المغربي، حيث نوقشت أربع تجارب حياتية وسيرية ضمن الاعتقال السياسي، استطاعت تحويل التجربة إلى تخييل سردي في نسق جمالي. في افتتاح الندوة تحدث يوسف بورة الذي أكد على أن الشكل الأدبي المحتفى به يندرج ضمن إطار النبش إبداعيا في فترة سنوات الرصاص، بهدف وضع اليد على الانتهاكات التي عرفتها حقوق الإنسان بالمغرب، وكل ذلك بلغة الأحاسيس والصور الجمالية. في أولى المداخلات، عرض لحسن حمامة ورقة عنونها ب: " تازمامارت من وجهة نظر المرأة: النسيان عبر الكتابة" تناول فيها مؤلف ربيعة بنونة، مقدما الكتاب في سياق الكتابة السجنية عموما، وبالأخص في كتابة بعض أفراد أسر المعتقلين، وقد عنيت برصد المعاناة التي لحقتهم جراء اعتقال ذويهم وكذا ما تعرضوا له من مضايقات. كما اعتبر هذا النص بمثابة شهادة ترصد أدق تفاصيل محنة الكاتبة بعد اعتقال زوجها. تزج بنا في عوالم كافكاوية عن معاناة زوجات المعتقلين، بشهادة عبر صوت مسموع يتقاطع فيه البوح بالقلق الوجودي بسبر أغوار الذات لحظة مأزقها. وقد اعتمدت الكاتبة السرد بضمير المتكلم لتفصل بين المعيش والمروي، محاولة منها قطع الصلة مع الماضي ونسيانه. وقد سجل لحسن حمامة احتفاء الكتاب باللغة في جوانبها الاستعارية والبلاغية التي استطاعت احتوء هول التجربة النفسية للكاتبة. وعن رحلة ما وراء سنوات الرصاص لنور الدين سعودي، قدم إدريس امبيركو ورقة باللغة الفرنسية أكد فيها أن الكتاب عبارة عن شهادة مناضل ومعتقل عن مرحلة عاشها بجميلها وقبيحها، وهو ايضا ينفتح على الشكل الروائي في سرده ، كما يقترب من السيرة الذاتية باعتبارها غوصا في عوالم الذاكرة. مثلما كان فرصة للكاتب، على مستوى نظرته للمرحلة بعد ان اخذ مسافة عنها، للتأمل فيها بوعي نقدي تحليلي للتجربة وإبراز نجاحاتها وإخفاقاتها وأخطائها. وقدم سعيد عاهد ورقة معنونة ب"رسالة إلى ابني حول أفول الليل للطاهر المحفوظي"(قرأها بالنيابة المعاشي الشريشي) عارضا في البداية صورة عن أدب السجون بالمغرب الذي حظي باهتمام الأدباء والفنانين. ودعا مخاطبه إلى قراءة كتاب أفول الليل بالتأمل في عنوانه المفارق بلاغيا وهو يجمع بين الليل المرتبط بالعتمة والأفول المرتبط بالشمس. والانتباه إلى تعدد الهوية الأدبية للكتاب إذ يتأرجح بين المتواليات السردية حول السجن والسجين والرسائل، البورتريهات، الوثائق والمقطوعات الشعرية. وأيضا جانب المقاومة المميز للكتابة عبر السخرية والتهكم التي قادته إلى سبر أغوار سيكولوجية الجلادين. كما أن الكتاب حرص على التعاقب الأفقي للوقائع والأحداث بجمعه بين عدة وظائف .. وهي التوثيق والنقد الذاتي، والتأريخ، والبيداغوجية .وبدعوته الأجيال التي لم تعش سنوات الرصاص بالحفاظ على هامش الحرية الذي جاء نتيجة تضحيات كبيرة. ويرصد أيضا سيكولوجية المناضل والضحية ويحرر الوجدان الفردي والجماعي. داعيا مخاطبه إلى المحافظة على هامش الحرية الموجود بفضل تضحيات أمثال الطاهر المحفوظي. الورقة الأخيرة كانت لمحمد خُفيفي عن رواية ذاكرة الجراح لتوفيقي بلعيد. انطلق في البداية من التأكيد على مزاوجة الكاتب بين الشعر والرواية وهي خاصية إبداعية مائزة. وقد صنف الرواية ضمن التخييل الذاتي باعتبارها سيرة تخييلية تستوحي أحداثا عاشها السارد الكاتب وتفاعل معها. وقد تناول الرواية انطلاقا من نصوصها الموازية(العنوان، المقدمة، الإهداء، دواعي التأليف) بما تمتلكه من أنظمة دالة توسع دائرة التلقي وتشحن التأويل بمعطيات إضافية تجلي في نهاية المطاف قدرة الكاتب على التنويع في المدارات السردية. عبر مسار سردي ناظم ظل موزعا بين الانكسار والإحباط، بين الصلابة والتحدي، يصوغ أسئلة مرتبطة بالماضي وما عرفه من تجاوزات وصراعات كانت نتائجها جراحات أصابت النفس والجسد معا.وهو ما جعل رواية ذاكرة الجراح من أهم الروايات التي تناولت الاعتقال السياسي. وبعد ذلك استمع الحضور لثلاث شهادات للكتاب المحتفى بهم وهم نور الدين السعودي والطاهر المحفوظي وتوفيقي بلعيد، قدموا خلالها إضاءات عن دواعي الكتابة وأهميتها في ارتباطها بتاريخ المغرب المعاصر، وأيضا في علاقتها بأسئلة الإبداع وحقوق الإنسان والحريات في مغرب اليوم، بين الكائن والممكن. وقد عرف النقاش الذي أعقب المداخلات والشهادات ، توسعا في مساءلة هذا النوع من الكتابات سواء على مستوى انتمائها أو دلالات المواضيع المطروقة ، وكذا إغنائها للمتخيل المغربي وجعله المغرب تجربة فريدة واستثنائية في العالم العربي بإنتاجه لأزيد من مائتي نص.