جهة الداخلة وادي الذهب تستعرض تجربتها التنموية في المنتدى العالمي السادس للتنمية الاقتصادية المحلية    الدار البيضاء تستحضر ذكرى 7 أبريل 1947.. محطة مشرقة في مسار الكفاح الوطني والمقاومة    تحالف استراتيجي بين الموريتانية للطيران والخطوط الملكية المغربية يعزز الربط الجوي ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الإفريقي    حماس تشيد بموقف الموظفة المغربية ابتهال أبو السعد لفضحها تواطؤ "مايكروسوفت" مع آلة الحرب الإسرائيلية    فرنسا: خسائر ب15 مليار دولار بسبب التعريفات الجمركية الأمريكية    بطولة إسبانيا لكرة القدم.. ريال مدريد ينهزم بميدانه أمام فالنسيا (2-1)    العودة إلى الساعة الإضافية وسط رفض واستياء واسع بين المغاربة    كأس العرش لكرة القدم (موسم 2023-2024) .. المغرب التطواني يتأهل لدور الربع بتغلبه على الوداد الرياضي (1-0)    إيقاف مروج أقراص مخدرة بخريبكة    الفكر والعقل… حين يغيب السؤال عن العقل المغربي في الغربة قراءة فلسفية في واقع الجالية المغربية بإسبانيا    رسميا .. باريس سان جيرمان يتوج بالدوري الفرنسي    مجلس حقوق الإنسان بجنيف يعتمد قرارا قدمه المغرب بشأن تمكين النساء في المجال الدبلوماسي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    الأسرة الكروية المغربية تودّع محسن بوهلال بكثير من الحزن والأسى    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    رحلة ترفيهية في القطب الجنوبي تقيل نائب الرئيس الإيراني    فيديو يوثق استهداف إسرائيل لمسعفين    إقليم شفشاون.. أربعيني يُنهي حياته في ظروف غامضة    العثور على جثة اربعيني تطفو فوق مياه بحيرة مارتشيكا بالناظور    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    مركز يدعم التمدرس في وضع إعاقة    أداء أسبوعي خاسر ببورصة البيضاء    ندوة صحافية لتقديم النسخة الثامنة من ماراطون الرباط الدولي    انطلاق الدورة الربيعية لموسم أصيلة الثقافي الدولي بمشاركة فنانين من سبع دول    الفئران قادرة على استخدام مبادئ الإسعافات الأولية للإنعاش    دعوات للمشاركة المكثفة في مسيرة "الرباط الوطنية" للتنديد بالمحرقة المرتكبة في غزة    كلميم.. القضاء يدين عدة مسؤولين بينهم رئيس الجماعة بالسجن النافذ في قضية تبديد واختلاس أموال عمومية    المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة يتعادل مع نظيره الكيني    سفير جمهورية السلفادور: المملكة المغربية تعد "أفضل" بوابة للولوج إلى إفريقيا    عرض مناخ الأعمال وفرص الاستثمار في المغرب خلال ملتقى بباريس    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع انتشار الوسطاء والشناقة داخل الأسواق    شركة "رايان إير" تُسلّط الضوء على جوهرة الصحراء المغربية: الداخلة تتألق في خريطة السياحة العالمية    حصيلة الزلزال في بورما تتجاوز 3300 قتيل    وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة    'مجموعة أكديطال': أداء قوي خلال سنة 2024 وآفاق طموحة    ماذا بعد استقبال مجلس الشيوخ الفرنسي لحكومة جمهورية القبائل؟    في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على إيقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"    "نفس الله" عمل روائي لعبد السلام بوطيب، رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    الركاني: من يدعم فلسطين توجه له تهم جاهزة وعواقب وخيمة ستلاحق كل من تواطئ لجعل غزة مسرحا للجريمة    المغرب يعزز جاهزيته الأمنية لتنظيم كأس العالم 2030 وكأس إفريقيا 2025    إسبانيا.. العلاقات مع المغرب من بين "الأقوى عالميا" ولا تقارن إلا بالعلاقات الأمريكية البريطانية    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    بيل غيتس: 3 مهن ستصمد في وجه الذكاء الاصطناعي    مولر يعلن الرحيل عن بايرن ميونيخ    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    فشل محاولة ''حريك'' 3 لاعبين من المنتخب الأوغندي للفتيان خلال إقامتهم بكأس إفريقيا بالجديدة    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    المغرب فرنسا.. 3    النيابة العامة تقرر متابعة صاحب أغنية "نضرب الطاسة"    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    خبراء الصحة ينفون وجود متحور جديد لفيروس "بوحمرون" في المغرب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    









الكتابة المتملّقة والكاتب المغرور
نشر في طنجة الأدبية يوم 01 - 06 - 2009

هل من وجود للكاتب في غياب قارئ يقطع هذه الكتابة، بغض النظر عما إذا كان هذا القارئ عابرا أم متفحصا ذا بصيرة ثاقبة؟
في الحقيقة أجد لهذا السؤال أكثر من مسوِّغ يستدعي طرحه. على أن ما يدعوني إلى الكتابة أساسا في هذا الموضوع هو حجم التأفف الذي يبديه بعض الكتاب ملء الصمت وهم يُعْرِضون عن التواصل أو بالأحرى الرد على قارئ مفترض فيما يتعلق بهذه القضية أو تلك، دون أن يفطن هذا الكاتب أو ذاك إلى أن هذا القارئ هو بدوره كاتب، وربما كان شأنه مع الكتابة أعظم من شؤون آخرين – ومنهم الكاتب المتأفِّف ذاته -. وكل ما هنالك أن هذا القارئ (الكاتب) يغلِّف ذاته بثوب التواضع. ومؤكد أن التواضع ذاك هو ما يعطي لكتابته صيتا ولقراءته معنى ووزنا.
أما التأفف الوارد في صيغة صمت فهو يختزن رغبة جامحة في التجاهل – مهما عظم شأن القارئ -، ومؤكد أن هذا الصمت يختزل ذيلا من الجبن – من قبل من يسمي نفسه كاتبا – وإلا لكان رد على منطق السؤال بمنطق المواجهة باعتبارها معادلا للرجولة والمروءة كذلك. لكن الأمر كان سيختلف كليا طبعا لو أن هذا القارئ رام من وراء التواصل بسط المجاملة والثناء على مائدة النفاق كيلا للكاتب المتوهم المعجب بكلمات المديح. والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا هو: إذا كان هذا الكاتب يقوض جسور التواصل مع القراء فَلِمَ يرفق كتاباته ببريده الالكتروني أو اسم مدونته؟ ولِمَ يرفق هذه الأشياء بصورة له قد لا يتوانى عن تجديدها بين الفينة والأخرى؟ بل إن من الكتاب من يرفقون كتاباتهم بصور جانبية لهم وكأنهم يتحاشون النظر إلى القارئ وجها لوجه. أم أن هذا كله من متطلبات التعبير عن الغرور والإيهام بالسماء المزيفة التي بلغها الكاتب؟
إن ما لا يختلف فيه اثنان هو أن القارئ هو من يصنع الكاتب، إذ لا فائدة تُرْجى بالمرة من كاتب غير مقروء. ولعل هذا ما يفسر حاليا سحابة الضباب التي غلفت مجموعة من الأسماء الجديدة التي تظل تطفو على السطح دون أن تسيج كلَّ اسم حدود فاصلة تخفف من حدة التداخل الواقع بين هذه الأسماء، إلى درجة أن المتأمل للمشهد الكتاباتي يخفق في التمييز بين كاتب وآخر. ومن ثم لا مجال بحال لتقييم الكتابة وتفضيل الواحدة على الأخرى، لأنها تبدو كلها كتابات عائمة طالما تعذر وجود القارئ الذي يبحر في القراءة، فيعطي لهذه الكتابة قيمة ويحط من شأن أخرى.
فمن يقصد المكتبات تثيره أكوام منشورات الكتب التي تعرف طريقها إلى سوق العرض يوما بعد يوم. لكن من أين لهذه الكتب بقارئ عاشق يقيم بين دفتي كتاب ولو لزمن مبتور من عمر الرحلة الافتراضية للقراءة. ولهذا ما عدنا نسمع عن أسماء وازنة في عالم الكتابة الإبداعية والنقدية على حد السواء. ويعود السبب في المقام الأول إلى تعطل وظيفة القراءة والنقد. ومن ثم غدا الكُتّاب بعضهم أشبه ببعض، وغدت الكتابة نسخا مكررة وسطورا تعيد نفسها ولا تغري بالطلب. ومن هنا نجد عددا من الأسماء الجديدة العائمة لكُتّاب خارج التصنيف – في غياب دور القراءة والنقد – يستعين بمن حفروا أسماءهم في الذاكرة لتدبيج هذا الكتاب أو ذاك بتقديم يلقي بعض الضوء على هذا الاسم العائم الذي يظل في شوق إلى قارئ يعانقه.
ولهذا نجد أن عددا من الأسماء الجديدة – التي ظلت تبحث عن هوية ثقافية – تبحث عن مظلات كتاب لهم وزنهم لتُبْسَطَ على رؤوس هذه الأسماء عسى يأخذ بأيديها هؤلاء الكتاب. وفي المقابل نجد أن ثمة حقا أسماء استطاعت أن تحظى باحترام بعض القراء وتقديرهم، لكن يعوزها الدعم المادي لتصل إلى القراء على نطاق أوسع. وهو ما أغرى بعض الأسماء المتمكنة ماديا والضعيفة من حيث المستوى الفكري بمحاولة شراء قلم هذا الكاتب المتمكن من ناصية اللغة والفكر، غير أن المادة تنقصه للترويج لهذه اللغة الشفافة وذاك الفكر النابض.
من هنا يبحث الكاتب الذي يدعي الكتابة عن ناقد مجامل، كما يبحث هذا الناقد المعدم عن مموّل. ومع الوقت يصاب أشباه الكتاب بالغرور، كما تتحول كتابات الكتاب المجاملين المخدرين بالإغراءات المادية إلى كتابات متملقة. ويكون حال هؤلاء وأولئك حال من يكذب الكذبة ويصدقها.
والحق أن الكاتب المغرور لا يتمثل فقط في الكاتب الذي يمتلك أساليب ترويج الكتابة بقدر ما تعوزه أساليب ومبادئ الكتابة. صحيح أن هذا النموذج من الكتاب قد يفلح بسهولة في شراء قلم تحاصره قلة الحيلة، لكنه بعد ذلك قد ينقلب على هذا القلم ويقفز عليه حين يشعر أن هذا القلم نفسه قد رخص نفسه حين امتطى أول صهوة تضمن له حدا من الترويج لحبره. وقد نجد صاحب المادة بعد ذلك يتجاهل صاحب القلم بحثا عن قلم آخر يلمع واجهته الفكرية، حتى وإن كان صاحب المادة بدون واجهة فكرية تذكر.
بل إن صاحب القلم الذي يعتد به قد يدفعه العوز إلى بيع قلمه بشكل نهائي لمن يدفع له أكثر شريطة أن يدفن صاحب القلم اسمه إلى الأبد، وذلك عندما ينسب صاحب المادة إلى نفسه كتابات غيره. ولذلك لا نستغرب إن وجدنا من يبيع قصائده ومن يبيع فكره ليعيش. والحق أن الدراما العربية قد وقفت عند هذه الظاهرة بتريث، ويكفينا هنا مثالا ما تعرض له بطل مسلسل "عباس الأبيض في اليوم الأسود" من محاولة للسطو على إنتاجه الفكري ونسبه إلى كاتب معروف لما فكر البطل في نشر كتابه ووقف عند حقيقة ارتفاع نفقات النشر، واكتشف أن جوع البطن لا يترك مجالا لدرء خطر جوع الرأس.
ولا أدري من أين يأتي هذا الذي يسمي نفسه كاتبا بكل ذاك الغرور لمجرد أن ثمة من صوّت عليه بكتابة نقدية تعترف بأنه كاتب. غير أن الكاتب المتوهم يأخذ الأمر على محمل الجد ويقنع نفسه بأنه حقا كاتب، ويصل به الغرور إلى درجة الاعتقاد بأن لا كاتب مثله، لا قبله ولا بعده. وبدل أن يتقرب هذا الكاتب المغرور من القراء، نجده يترفع عنهم ويتحاشى الاتصال بهم. ولا يختلف سلوكه حينها عن سلوك المتباهية بخاتم الخطوبة حد تجاهل رفيقاتها اللواتي لم يلبسن الخاتم بعد، بل تجاهل من لبسنه قبلها بزمن. وكذلك لا يختلف سلوك هذا الكاتب عن سلوك من أثرى ثراء فاحشا – بعد عمر من الفقر المذقع والخضوع – حد تجاهل بني جلدته والانتقام من الفقراء دون استثناء.
أما النموذج الآخر من الكاتب المغرور فهو الكاتب المتمكن حقيقة من الكتابة ومن كل ما يلزمها من ترويج. وقد يكون هذا الكاتب قد نجح فعلا في حفر اسمه الأدبي ونال حظه من الشهرة. إلا أن هذا الكاتب يصاب بلعنة الغرور، فيتنكر للقراء ويبني بغروره وتكبره سورا يفصل بينه وبينهم، ويتناسى أن القراء أنفسهم هم من صنعوا اسمه. وقد قرأت مرة أن كاتبا يتحاشى - ما أمكن - أن يلبي دعوات الهيئات والمؤسسات الثقافية التي تخطط للقائه مع فئة عريضة من قرائه في هذا البلد أو ذاك، وذلك حفاظا على الاسم الذي صنعه.
إن هذا الشكل من التفكير يجعل بين الكاتب وقرائه حجابا بل سدا منيعا. ومؤكد أن العلاقة تختلّ حين يتصور الكاتب أنه الشمس أو القمر الذي يتعذر على قرائه أن تصل إليه أياديهم. ويقتنع القراء بأن كاتبهم المفضل لا يبارح جدران برجه العاجي، وهو ما يؤدي حتما إلى القطيعة. وهذا لأن الكاتب أصلا - بصفته مثقفا - يحيا بقدر ما يخدم قراءه ومجتمعه... ويتطلب هذا بالتأكيد أن يقترب الكاتب من قرائه لا أن ينأى عنهم، بل إن في اقترابه منهم خدمة إنسانية وأيضا لذة ونشوة قل نظيرهما.
إن هذا الكاتب المغرور لا وجود له إلا في المجتمع العربي. أما في المجتمع الغربي فإن الكاتب يظل على صلة وطيدة بقرائه. ولذلك عظم شأن الكاتب الغربي وعظم اسمه وعظمت كتاباته التي تزحف إلى كل قطر ويظل يُنسخ منها الكثير في طبعات متوالية، الشيء الذي يعني تضاعف عدد قرائه. ويأتي هذا خلافا لمجتمعنا العربي الذي لا يُطبع فيه إلا القليل، ويظل هذا القليل سجين المكتبات غالبا. فالكاتب في المجتمع العربي ينشر كتبه على نفقته، ولا ينقصه حاليا إلا أن يوزع نسخ كتبه بالمجان على القراء – قراء مع وقف التنفيذ – علّه يعثر بينهم على من تسول له نفسه أن يعبر سطور الكتاب، في ظل تراجع عملية القراءة بل تعطلها في أحيان كثيرة.
وبسبب ضعف مستوى القراءة تعطلت وظيفة النقد هي الأخرى. ومن هنا فحتى بعض أسماء الكُتَّاب والكتب – ولاسيما الإبداعية – التي تعلق بذاكرتنا بين الفينة والأخرى نجد أن منها ما يحتل أصحابها مناصب مهمة في المؤسسات الثقافية والملاحق الثقافية وما جاورهما، وهو ما يجعل أهل الدار أنفسهم ينصبون هذا أو ذاك عظيما، لأنهم هم أنفسهم من يروجون لهذا العظيم، وهم فقط من يقرؤون له. ومازلنا نفتقد أحيانا كثيرة حضور ما يكفي من نماذج الناقد المحايد الذي لا يَرُدُّ مجاملة، ولا يجامل طمعا في توصية، ولا يُصَفِّي حسابا، ولا يُبيِّت نية.
ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أثمن جهود عدد من مجلات ومواقع شبكة الأنترنت التي أسدت للكاتب خدمة كبيرة تخول له التواصل مع أكبر عدد من القراء. وأخص بالذكر هنا الكاتب الباحث عن ترويج لموهبته دون أن يضحي بمبادئه أو يخسر نفسه ببحثه عن جواز سفر إلى القارئ على حساب مبادئ وأخلاقيات الكاتب الحقيقي. ويكفي أن ثمة مجلات رقمية جديرة بكل تقدير تحترم رأي الكاتب وحريته في التعبير دون أن يكون مجبرا على الإذعان لسياسة جريدة أو مجلة يراسلها دون أن يخرج عن إطار الأهداف التي سطرتها لنفسها. ولا يخفى أن من الكتاب من يخدمون قراء مجلات بعينها – ذاع صيتها عربيا - تستكتبهم. غير أن كل أمل يعقد على التواصل بين هؤلاء الكتاب والقراء خارج حدود المجلة المستكتِبة يتم إجهاضه بحكم غرور الكاتب غالبا.
صحيح أن الكاتب قد لا يميز بين المواقع الجادة والمتخصصة وبين غيرها، لكن في النهاية فإن الجيد وحده يدوم ولا يصح إلا الصحيح. ومؤكد أن الكاتب الواثق من قلمه سيُعمِّر في ذاكرة القراء – بحق – الذين يمد لهم جسور التواصل ويفتح لهم أكثر من باب ونافذة للحوار. وحتى المنابر الأقل شأنا أو التي قد ينشر فيها كل من هب ودب فإن المؤكد أن صاحب الكلمة الهادفة سيفرض نفسه عليها بقوة. ويأتي هذا بعيدا عن مجال التعليقات المباشرة التي تُذيِّل هذا المقال أو ذاك، لأنها تتأسس على المجاملة غالبا، وإن كانت تقدم بين الفينة والأخرى وجبات نقدية خفيفة. كما أن خلو كتابات أخرى من التعليقات لا يعني بالمرة ضعف مستواها. وهذا راجع أساسا إلى أن بعض التعليقات قد ينفخ في أسماء متواضعة أو لا تَمُتُّ إلى الكتابة الجادة بصلة، وهو ما يدفع المتأمل إلى التساؤل المغلف بالدهشة، إذ كيف يعقل أن تفرز الكتابة كل هذا العدد من الأسماء، وإن كان حال عدد منها هو نفسه حال الفقاعات المائية؟!
وأخيرا أذكّر بما قاله فيلسوف عظيم لما شوهد وهو يكنس الطريق فسُئل كيف - وهو العظيم – يؤذي ذاك العمل، فأجابهم: "إن لم يكن ذاك العمل يُشرِّفني، فأنا أُشرِّفه". وهو درس في التواضع يستحق أن يحفظه الكاتب المتعالي الذي يُمَجِّد المجاملة، ويرحب بقارئ يتاجر في قلمه، ولا يأبه بكل دعوة إلى التعاون والحوار الجاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.