لم أحصهم عددا.. حين ولجت المجلس الذي يجمعنا بين حناياه يوما من كل أسبوع ..، كان جل همي أن أظفر بمكان شاغر مسوغ ذلك شدة ازدحام المجلس على غير عادته ، بذات اللحظة وأنا واقف أنتظر تفسح الجالسين لم أدر سبب توارد مقطع من قصيدة الحسن أسفر بالحجاب لأحمد مطر يقول :" نعلاك أوسع من فرنسا كلها ..، نعلاك أطهر من فرنسا كلها جسدا ونفسا .."، وما كادت لتمر في الذهن حتى سمعت أحد الجالسين يهمس ضاحكا " لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحذية النساء تضيقُ" إثر ذلك جلست وعللت ما جرى بأنه مجرد تخاطر لا أكثر ، وطفقت أوزع الابتسامات لكل من تقع عليه عينيّ من الحاضرين ، ثم قلت في نفسي وقد أدهشني الحضور الكثيف والزخم الثقافي العجيب "لما لا نجعل اليوم هذا يوما مفتوحا ..؟" وتساءلت كيف يمكن أن يُستغل هذا الحضور الواسع ؟ وخطرت لي فكرة أكثر من رائعة وهي تأليف موضوع يشترك فيه كل حاضر في المجلس ، واعتبرت الأمر نوعا من الفضفضة أو الثرثرة التي لاقيود عليها ، ولم تدم سرية ما يجول بخاطري كثيرا فما هي سوى لحظات حتى جاهرت به , ولكم أدهشني موافقة الجميع وإعجابهم بالفكرة ، رغم ذلك فلم يربكني سؤال أحد الحاضرين لي : وماذا سيكون الموضوع ؟! فأجبت بلا تخطيط مسبق ارتجالا : عن الحذاء ، ثم أضفت بعد أن ضحك الجميع وزادوا ترحيبا بالأمر : سيتناول كل منكم ورقة ويكتب فيها ما يريد عن الحذاء والأحذية بحرية تامة ولا يشترط عليه ذكر اسمه ، ثم نقوم بجمعها ونقرأها على مسمع الجميع علما بأن ترتيب الأوراق سيكون عشوائيا ، فماذا ترون ؟ وافق الجميع وقد ازدادوا حماسا وترقبا, وحددنا ربع ساعة موعدا لتسليم الأوراق, وخلصنا بعدها بموضوع لم يكن على الحسبان إطلاقا سميناه " من مذكرات حذاء "... الورقة الاولى .. كان (نمرود) جبارا من جبابرة الارض، وقد عاقبه الله بأن سلط عليه بعوضة دخلت من أنفه واستقرت في دماغه ،و كان لها طنين يحرمه النوم والراحة ، ولم يكن ليهدأ طنينها إلا بعد أن يضربه خدمه بالاحذية والقباقيب فلله درها ...! الورقة الثانية .. أنا من نسيت حصاني على باب غرناطة أيام صقر قريش ..أنا من نسيت امتشاق الحسام .. وعدت من الحرب بخفي "حنان "... الورقة الثالثة ... يبدو أن الأحذية تعيش عصراً جديداً لم تألفه من قبل فحذاء الزيدي أثبت أن العصر عصر الأحذية الرأس .............مالية "؟؟ الورقة الرابعة .... " قاتلتي ترقص حفية القدمين في مدخل شرياني .." الورقة الخامسة ..... من عادات وتقاليد المجتمع الصيني ربط أقدام الفتيات منذ نعومة اظفارهن بقماش حتى تظل صغيرة ، وأحيانا يصنعون لهن أحذية ذات قوالب حديدية بغية منع نموها (اقصد القدم ) فالاقدام الصغيرة رمز من رموز الجمال والاناقة .. قرأت عن ذلك في رواية الارض الطيبة ... الورقة السادسة ... " عنوان المرأة حذاءها .." الورقة السابعة ... ........................؟! الورقة الثامنة..... " لاشيئ يربطني بهذا العالم سوى ربطة حذائي .." الماغوط الورقة التاسعة .... شكرا للحذاء ..منفاي الجميل .؟! الورقة العاشرة ... الحذاء مرتبط بالدلالات المذلة ومجرد نطقها يجبر الناطق على أن يردفها ب( أعزكم الله ) ومرتبط بالأقدام التي تختلط بدلالات الاسفل فيقال " فلان لايساوي حذا أو هو حذاء .." الورقة الحادية عشرة ... لماذا العنصرية ...؟! الورقة الثانية عشرة ... قرأت قبل أيام في أحد المواقع الالكترونية خبرا طريفا يقول أن أحد مصممي الأزياء عرض حذاءا نسائيا صنع من الجواهر الثمينة بلغت قيمته مايساوي المليون دولار معروض في متاجر "هاردوز " الشهيرة .. الورقة الثالثة عشرة ...... غوار الطوشة ..؟! الورقة الرابعة عشرة .... شقاء الرجال بالأحذية لا يختلف عن شقاء النساء بها ، فحنين هذا الإسكافي من أهالي الحيرة ، احتال على أعرابي حين أغاظه فسرق ناقته مقابل حذاء ، وعاد الأعرابي بخفي حنين..!! الورقة الخامسة عشرة ... ليست الأقدام تبحث عن أحذية دائما ، بل أحيانا الأحذية تبحث عن أقدام ..؟! الورقة السادسة عشرة .. تعد مهنة أصلاح الأحذية من أدنى المهن إلى الحد الذي يجعل من بلد كالجزائر مثلا تمنع ممارسة هذه المهنة بداعي أنها لاتليق ببلد المليون شهيد ..؟! الورقة السابعة عشرة .... لو أن لي من جلد وجهك رقعة لجعلت منها فرشة لحذائي .. "ياليت أمك لم تلدك وليتها ماتت بعسر ولادة بحمارٍ" الورقة الثامنة عشرة.... لم يفِ أحد للحذاء كأبي القاسم الطنبوري ، والمدرس الذي درسنا على يدية في الجامعة .. الورقة التاسعة عشرة ... أشهر من جعل للحذاء وزنا وقيمة هم اللاعبون ، وأشهرمن ندد به هم المثقفون .. الورقة العشرون ... ماذا يمكن أن يقال عن الأحذية الرأسمالية..؟! الورقة الحادية والعشرون ... ليت لي حذاء كحذاء المحقق كونان..؟! الورقة الثانية والعشرون .. تذكرني الأحذية والقباقيب بقصة شجرة الدر التي استأثرت بالسلطة وتآمرت على زوجها ( عز الدين أيبك ) مادفع زوجته الأولى لئن تثأر له بطريقة غير تقليدية .. الورقة الثالثة والعشرون... عندما خذلني جميع أصدقائي لم أجد أحدا بجانبي إلا حذائي ..!! الورقة الرابعة والعشرون .. قال الروائي الايطالي " ألبرتو مورافيا" عندما استضافت بلاده كأس العالم 1990م ورأى بعينيه حجم الهوس وقمة الاهتمام والاستعدادات والأموال التي تصرف والحشود الإعلامية والمتابعة الشديدة لعامة الشعب الايطالي وشعوب العالم :" يبدو أن العالم أصبح يفكر بقدميه بدلا من رأسه.!!" الورقة الخامسة والعشرون ...... أخطر الأحذية هو الحذاء السياسي ,,وأجرأ الأحذية حذاء الفقير .. الورقة السادسة والعشرون ... جمعت" إيميلدا ماركوس " أيام فترة حكم زوجها الرئيس الفلبيني " فرديناند ماركوس " ألف ومائتين حذاء ، جرّت وبالا عليها من عامة الشعب وزادت من غضبهم على العائلة الحاكمة وأدّت إلى إزاحة العائلة من الحكم .. الورقة السابعة والعشرون .. محظوظة سندريلا فحذائها خوّلها حياة الترف والنعيم .. الورقة الثامنة والعشرون .. مفكرو الرؤوس رفضوا مجرد مسح الغبار عن حذاء على لسان نزار قباني عندما قال :" لأنني لا أمسح الغبار عن أحذية القياصرة ../ يشتمني الأقزام والسماسرة .." الورقة التاسعة والعشرون ....... " عقل الرجل يقاس بثمن الحذاء الذي يرتديه..." الورقة الثلاثون ... لعل زمن الكلب الوفي انقضى وحل محله الحذاء الوفي .... الورقة الحادية والثلاثون .. سيكون مخطأ من يظن أن للحذاء دلالات مذلة ..ألم يرى اللاعب الفرنسي الجنسية الجزائري الأصل زين الدين زيدان وهو يقبل الحذاء الذهبي الذي خصص كمكافأة له وأمثاله من اللاعبين المحترفين وزيدان مليء بالفرحة والسرور وهو يقبل حذاء مجرد مهنة إصلاحه في بلده الأم ممنوعة ..!؟ الورقة الثانية والثلاثون .... بعض القلوب كحذاء الشحات ، وبعض العقول كأحذية الأطفال ..!! الورقة الثالثة والثلاثون ... حذاء منتظر الزيدي كتب له أن يدخل التاريخ وموسوعة غينيس للأرقام القياسية فثمنه فاق ثمن أي حذاء منذ فجر التاريخ ... سلام على حذاءك يامنتظر .. الورقة الرابعة والثلاثون .... لم تمنع مهنة مسح الأحذية اللاعب "بيليه" من أن يصبح أحد نجوم وأساطين العالم في كرة القدم .. الورقة الخامسة والثلاثون ..... لما لا يوجد قانون ينص على أن من سرق حذاءً من بيت الله أسترقَّ به ..؟! الورقة السادسة والثلاثون ... لكل شيء وحدة قياس يعرفها الناس ولعمري ماهي وحدة قياس الحذاء ..؟! الورقة السابعة والثلاثون ... ليست ايميلدا ماركوس الوحيدة التي خلفت ورائها ذلك الكوم الهائل من الأحذية الذي جعلها حديث العالم ..كلا ..فقد حدث المشهد ذاته مع زوجة الرئيس السوداني ( جعفر النميري ) والتى خلفت أزواجاً لاتعد من الأحذية ولكنها مع الأسف لم تكف لملايين الأقدام الحافية فى السودان .. الورقة الثامنة والثلاثون .... لعل صانع الأحذية (التركمانستانى) كان ذكياً حين أراد تكريم رئيس بلده باهدائه حذاءً عملاقاً وعزا ذلك إنه بإهداء هذا الحذاء ((نريد أن نُظهر الخطوات العظيمة والناجحة التي حققها بلدنا المستقل في عصره الذهبي)) وكأنه أراد بهذه الهدية أن يُذكر رئيسه بعلاقة السياسين بالأحذية التى تنتهي في نهاية المطاف .. على الرؤوس الورقة التاسعة والثلاثون.. المشي بالمقلوب ظاهرة بدليل أن مفكري هذه الأيام (اللاعبون ) يملكون حظوة واسعة في وسائل الإعلام ولا يصل لاعب ما سن البلوغ حتى يكون قد أجرى أكثر من لقاء صحفي ، واستضافته أكثر من قناة فضائية وزار أكثر من بلد كممثل رسمي لبلاده ، وهزة أو هزتان لشبكة مرمى في دوري الدرجة الثانية تجلب مالا وفيرا يعادل ما يقبضه مؤلف أو مفكر أو مثقف من كتاب ألفه أو مقال أو رواية كتبها أضعافا مضاعفة ..؟!