المصادقة على 216 نصا قانونيا خلال سنة 2024    الغموض يحوم حول مصير اشتراكات وتعويضات 3 ملايين منخرط سيتم ترحيلهم عنوة لنظام AMO الحكومة صادقت على نسخة معدلة تضحي بمنخرطي كنوبس مقابل إنقاذ التعاضديات من الانقراض    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    لقاء يجمع وهبي بجمعية هيئات المحامين    هولندا.. إيقاف 62 شخصا للاشتباه في ارتباطهم بشغب أحداث أمستردام    نهاية أزمة طلبة الطب والصيدلة: اتفاق شامل يلبي مطالب الطلبة ويعيدهم إلى الدراسة    الحكومة: سيتم العمل على تكوين 20 ألف مستفيد في مجال الرقمنة بحلول 2026    امستردام .. مواجهات عنيفة بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين (فيديو)    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    هذه الحصيلة الإجمالية لضحايا فيضانات إسبانيا ضمن أفراد الجالية المغربية    المغرب يشرع في استيراد آلاف الأطنان من زيت الزيتون البرازيلي    "إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسابيح إلهية خماسيات لزومية
للشاعر علي بن عبد القادر الصقلي
نشر في العلم يوم 03 - 05 - 2010

للأستاذ علي بن عبد القادر الصقلي مكانة خاصة في مشهد الإبداع الشعري الفصيح في المغرب، فهو رائده ومُجلّيه ، وباعث نهضته ومحييه ،أغواه الشعر منذ يفاعته ،فأسلس له القياد بطواعية وحسن قبول، وجرى على لسانه عذبا سلسا منذ البدايات ، فحبّر أجمل القصائد وأجودها في موضوعات متنوعة ، نال قصب السبق في الميدان دون منازع ، ننعم بالإنصات إليه من خلال النشيد الوطني المغربي الذي وفق في نظم كلماته وتجويد مقاطعه صباح مساء وقد حظي بالقبول والنجاح .
علي بن عبد القادرالصقلي قلم سيال كلما تناول موضوعا مّا دغدغ عواطفه ، وألهب مشاعره ، فبرع في تدبيج أرق القصائد وأطربها ، في تسابيح إلهية حينا وروحية أخرى أو في ما يبرح به من مشاعر إنسانية راقية ، ففي دواوينه الشعرية العديدة وغير المنشورة مع الأسف نستشف الروح الشعرية الصافية لغة وتعبيرا وعواطف وأحاسيس ، يفتّن بالبحور الشعرية الخليلية ويبرع في تنسيق الأوزان المناسبة لكل موضوع ، فتنساب القصائد متوهجة بسحر اللغة ودفء المشاعر ورهافة حس الشاعر .
أمدّني منذ مدة قصيرة بديوانين صغيرين قصد الاطلاع عليهما والإفادة من مضامينهما ، كراستان صغيرتان مرقونتان ، عنوانهما :" اللزوميات : خماسيات " الجزء الأول ، والجزء الثاني ، وقد تمّ رقنهما سنة 2000 كما هو مثبت في أول ورقة ، يقع الجزء الأول في 150 ورقة من الحجم الصغير ، والثاني في 150 ورقة أيضا .
لقد هدف الشاعر علي الصقلي بما تتوفر لديه من قدرات لغوية ومواهب فنية وعلم وافر إلى مواكبة فن صعب وعسير التناول ، لم يكتف بكتابة القصيدة العمودية الخليلية بناء على روي قافية مطلقة أو مقيدة، أو بناء على بحر قصير أو طويل ، وإنما حرص على ركب فن اللزوميات في خماسيات تعبر عن مشاعره وأحاسيسه في موضوعات كثيرة منها الذاتية ومنها الإلهية ،لم يخذله قلمه ولم يتوان عن إرضائه بلغة سلسة تتدفق كشلال يبهرك ببهائه وصفائه ، فلا يسع المرء إلا تهنئته على هذا العطاء الثر الغزير في ميدان الشعر العربي الفصيح كلما تناول موضوعا ألح عليه وأرقه في أية لحظة وفي أي ظرف.
تناولت لزوميات خماسيات الجزء الأول موضوعات مستقلة اختار لها عناوين مناسبة تبعا للفكرة التي ألحت عليه ، منها زبَدٌ وزُبْدٌ وساخر وضجيج وغيرها ، يقول في زبد وزُبْد : ص 5 ( زبَد : بفتح الزاي والباء ما يعلو الماء من رغوة، زُبْد : بضم الزاي وتسكين الباء : ما يستخرج من مخض حليب البقر، السِّبْد :بكسر السين : الداهية )
هي ذي الأوهام تبدو ولها الإنسان عبد
زَبَدٌ جافاه زُبْدُ ضاع في جدواه كَبْد
ما كهذا السِّبْد سِبْد
ويقول في خماسية ثانية عنوانها ساخر :ص 6
ما أنا ، حتما، بآخر من لبحر الشك ، ماخر
وبهذا الدهر ساخر بيْد أن الشك ناخر
ما بنفس هو زاخر
إنها لحظات آنية تعيشها النفس الإنسانية في أعماقه ، فيطلق العنان لقلمه كي ينسج من تلك اللحظة فكرة تخلدها في قالب شعري التزم فيه حينا بحرفين كما في الخماسية الدالية : تبدو ، عبد ،زبد ، كبد سبد ، فبدل حرف روي واحد التزم حرفين هما الباء والدال ، وحينا آخر التزم كما في الخماسية الثانية بثلاثة أحرف :آخر، ماخر، ساخر ، ناخر، زاخر.
كيف وفق الشاعر في اختيار قافيته والتزامه بحروف يتعذر أحيانا الانتباه إليها بلغة منسابة مشرقة ؟ إنها الملكة الشعرية في صفائها وبسطة العلم التي توفرت له منذ أن شبّ على الدرس في رحاب جامعة القرويين ،واطلاع واسع على علوم اللغة العربية وآدابها،وافتتان بعيون الشعر العربي في مراحله المختلفة .
كثيرة هي القضايا التي تناولتها تسابيحه الخماسية اللزومية ، في خفة وبراعة ، وفي اقتصاد لغوي بديع يعبر عن الفكرة في أبعادها المختلفة كما أرادها صاحبها ، وفي نسيج لغوي بديع ، يتحدث عن الفكرة من خلال عنوان ارتضاه لها باختصار وأناة وحسن أداء ولطيف تبليغ ، يضم الجزء الأول من الخماسيات اللزوميات مائة وخمسين خماسية لزومية ، أرواؤها حسب الأبجدية العربية دون ترتيب ،ففي باب التسابيح الإلهية إشادة بالدين الإسلامي السمح وبالكعبة المشرفة ، نقرأ له دفقا من الخماسيات البديعة ، ففي صفحة 71 ، نقرأ له الخماسية الآتية بعنوان الوصل : ( ويقصد الكعبة في أكمل زينة وأبهى حلة )
كلما لاحت لعيني وهي في أكمل زين
قلت ، ما بيني ، وبيني الآن أنهى الوصل بيني
لست أخشى بعد حيني
كيف وفق في نسج ما للوصل من قدرة عجيبة على تبديد سحب البعاد بينه وبين الكعبة المشرفة في جمل قصيرة ، وفي خماسية اختصرت كل المراحل لتجيب عن السؤال الآني: لا خوف من الحيْن بعد الوصل ،وفي نفس الموضوع يقول في خماسية عنوانها إذا جدت : ص 73 (ودائما يتحدث عن علاقته بالكعبة المشرفة )
فإذا جدت اتصالا زدت عن همي انفصالا
وسلا القلب وصالا بعد أن عانى نصالا
شاكيا آلاّ وصالا
حديث الشاعر عن الوصل والهجر ممتع دافئ ، تملأه المشاعر الروحية الرقيقة لغة وفكرة، روحا وقالبا، ففي صفحة 70 يقول :راح :
من سنى الكعبة راح لفؤادي وقراح
وهو للنفس سراح من قيود وانشراح
وبه تبرا الجراح
لقد ملأت عليه الأماكن المقدسة الزمان والمكان ، والمشاعر والأحاسيس ، فقد زارها حاجا ومعتمرا أكثر من مرة ، وحظي كما أخبرني بذلك بدخول الكعبة المشرفة ، بل وسجل ببديع كلمه ورائق شعره ما ألهمته الكعبة من أشعار في ديوان عنوانه :" الكعبة تتحدث عن نفسها " وهو ديوان مرقون، كان نسيج لحظات التعبد أمامها في إحدى عمراته، وأرجو أن تتاح لي الفرصة للاطلاع عليه كما وعدني بذلك ، ويبدو بأنه عمل جليل يطل بنا على عالم الكعبة وهي تتحدث عن ميلادها وسيرتها وفضائلها وما خصه الله بها من تشريف وتكريم وتعظيم، وهذا موضوع طريف حظي بعناية الشاعر علي الصقلي في لحظة مشرقة من لحظات التعبد في رحاب بيت الله الحرام .
وبعودة إلى الخماسيات اللزوميات ، يبدو الشاعر في شوق إلى زيارة البيت الحرام وما يبعثه في النفس من مشاعر ، يقول في صفحة 58 مناجيا خالقه في خماسية عنوانها :هارب
أنا من أقصى المغارب جئت هذا البيت هارب
جئت من دمعي شارب وأنا في الأرض ضارب
قادني أسنى المآرب
وبهروبه إلى البقاع المقدسة سيطوف بالبيت العتيق، يقول : إن أطف: ص 57
إن أطف بالبيت سبعا فلأني جئت ربعا
هام فيه القلب طبعا وحلا لبثا وقبعا
جل للإيمان نبعا
بهذا النفس الصوفي يدمن الشاعر علي الصقلي على مراودة الكتابة في موضوع الحجازيات إن صح التعبير ، فيلتزم في خماسياته بأحرف تتفاوت بين الثنائي والثلاثي كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، وبروي مناسب للحظة الشعرية كما كان يعيشها في أعماقه بعيدا عن التكلف أو التقعر أو التزيد ، إنما هي مشاعر متدفقة لحظات الإحساس بها ، ومن ثم يمكن القول بأن المارد الشعري في كيانه لا يخذله أبدا ، يطاوعه بمرونة ورصانة ،فيقضي اللبانات بالتذكر أياما وليالي في رحاب أطهر بيت خصه الله بالتعظيم ، فيمجّ قلمه سوادا في بياض أوراقه ما ارتسم في ذاكرته لحظات التعبد والتولّه بذكر الله ، والثناء على من أرسله الله بشيرا ونذيرا ، يقضي بمكة المكرمة الشهر أو يزيد حاجا أو معتمرا فيقول : شهر ،ص 90
لي في مكة شهر هو للتوبة مهر
فيه لي قد سال نهر نِعما ، وانثال دهر
كرما واختال زهر
وفي التبتل إلى الله تعالى يقول مناجيا ربه في لوعة وحرقة ، خير قريب ص 41:
رب يا خير قريب سامع همس المريب
كاشف كرب الكريب أُسم عن كل ضريب
عن معاليك غريب
وفي خماسية أخرى يقول : بصير ص 43
رب ، يا خير بصير ببراياه نصير
عمرنا جد قصير مثل الغصن الهصير
فلنسل حسن المصير
وعن الحرم النبوي بالمدينة المنورة ، تختلج في نفسه مشاعر الضعف والانبهار بما للرسول عليه السلام من جلال وبهاء وما لقبره ومسجده من نور وضياء ، يقول : ثاني الحرمين ،ص 79
إيه ثاني الحرمين يا شقيق القمرين
قد سبيت الثقلين وبهرت الملوين
وملكت الأصغرين
وفي التوسل إلى من قال في حقه الله سبحانه وتعالى : (اشفع تشفع )،يخاطب الشاعر علي الصقلي الرسول عليه السلام ، فيقول : آصر ص 83
سيدي يا خير ناصر
لي به أمتن آصر
أنا من جئتك قاصر
وآثام لي هاصر
عاش لي شر معاصر
وفي خماسية أخرى عنوانها : شافع ،ص 85 يقول :
سيدي ، من لي شافع؟ من حضيض لي رافع
إن تدعني غير دافع أنت ما لي هو سافع
من أثام ليَ صافع
إنه المذنب الطامع في الشفاعة ،المرجّي للاستجابة ، يقول مذنب ، ص86
سيد الكون المرجّى لك بعد الله ، حجا
مذنب مثليَ لجّا في خطاياه وضجا
عله منها ينجّى
إن وقفات متأنية عند هذه التسابيح الإلهية تقودنا إلى ملكوت الله تعالى وإلى التفكر في خلق السماوات والأرض،وإلى ما للدعوة الإسلامية من أريج عطر أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبهر بالحقيقة الإلهية الأسماع والأذهان ،فأشرقت رحاب الحرمين بالنور الإلهي،وتزاحم الناس للحج والاعتمار وطلب المغفرة والرضوان، متذللين خاشعين ، متبتلين طائعين ، إنه الامتثال للرسالة السماوية والعمل بالشريعة المحمدية ، بإيمان صادق وعقيدة راسخة .
علي الصقلي عاش في أبهاء الصفاء والبهاء ، في مكة والمدينة ، وعرج بنا من خلال خماسياته اللزومية إلى عالمه كما كان يعيشه وكما استشف عطره وتنسم ريحه .
أما الجزء الثاني من خماسياته اللزومية ، وإن كانت نفس الفكرة هي السائدة ، فإن الحديث عن الواقع في وطنه يؤرقه ويشغل فكره ، فيطرح قضايا شائكة يعيشها مجتمعه ،يقول ليل فاجع : 2/163
ليلنا ، لا طال ليلا فاجعا قيسا بليلى
قد أحال الرأس ذيلا والحقير النذل قيلا
يا زُبىً أثخمتِ سيلا
إنه المجتمع الذي يقض مضجعه نفاقا وكذبا ، يقول : نفاق ص 165
واكفنا شر رفاق قد تراموا في اندفاق
نحونا قصد اتفاق كاذب باسم الوفاق
آه من شر نفاق
يفصح الشاعر بعَتْبٍ حينا وحسرة حينا آخر عمّا يعانيه المجتمع من أمراض وما يغلب على أبنائه من طباع يراها فاسدة ، مدمرة ، يقول : شفاء أو عفاء ص 168
حبهم دون صفاء وعدهم دون وفاء
وصلهم وصل جفاء مُنَّ ربّي بالشفاء
أو ، فإنا للعفاء
ويتابع التنديد بالواقع الاجتماعي المشين ، وبما آل إليه واقع البرلمان في بلادنا من تدنّ واستغلال ، يقول : البرلمان ، ص 169
سل بربي البرلمانا عن نجوم من سمانا
نزلوا الأرض حمانا فحسبناهم أمانا
لكن ، استفُّوا دمانا
وفي باب النيابة عن الأمة والعمل على تمثيلها للتعبير عن آلامها وآمالها ، يشير الشاعر إلى المفاهيم المغلوطة ، وإلى التنصل من المسؤولية بالعمل على تحقيق المصالح الشخصية بعيدا عن روح المواطنة الحق ، يقول عن النائب البرلماني في خماسية عنوانها : كغائب ص 172
كم لنا من شر نائب هو باب للنوائب
ما عن الرشوة تائب لا ! ولا في الرأي صائب
حاضر ، لكن كغائب
إنه المشهد المتكرر كل سنة ، تمثيل وغياب ومصالح ، ولا شيء آخر يطمئن إلى أن البلاد تسير نحو الأحسن ، فلا يستحق مرشحو الوطن للانتخابات التمثيل للشعب كما هو واجب ، لذلك لا يجد الشاعر غير التأسي لواقع الحال والتعبير عما يلمسه من غياب وفراغ، يقول : أفرغ يوم ،ص 184
ليت شعري أي نوم غطّ فيه كل قومي!
ما ثناهم أي لوم يومهم أفرغ يوم
منه سيموا شرّ سوم
والحياة معارك ، فالانتصار فيها يدعو إلى المجابهة والعمل من أجل تحقيق الذات ، يقول : معارك ، ص 249
إنما العيش معارك وصراع متدارك
فإذا ما لم تشارك نابذا للحرب تارك
كان هذا شرّ عارك
وفي لهجة استسلامية ، تبدو واضحة في خماسية عنوانها :تحت الحنايا ص 218
حملوا عودا ونايا وتغنّوا بالدنايا
ولقد ضلوا الثنايا ونسوا أن المنايا
رقدت تحت الحنايا
خماسيات متميزة بلغتها وتعابيرها وأساليبها ، انقادت للشاعر علي الصقلي ،لتكون لسان حاله في كل ظرف وفي كل لحظة ، سواء تعلق الأمر بتسابيحه الإلهية وهو يعيش في أجواء مكة والمدينة ، وفي رحاب الرسالة السماوية ، أو بمواقفه الاجتماعية وهو يرى ما آل إليه الوضع في بلاده من نفاق وشقاق وغير ذلك ، لكل موضوع جاذبيته الخاصة ، ولغته الأنيقة ودلالته الواضحة ، لكن أصعب مسلك في هذه الخماسيات هو اللزوميات التي ملكت عليه فكره وشحنت قلمه ليجلو بسحره بهاءها وجمالها ببساطة وانسياب ، ومن ثم كان للملكة الشعرية مع الزاد المعرفي نصيب في نجاح هذه الخماسيات اللزوميات في الأداء، بعيدا عن الصنعة أو التصنع .
تقع خماسيات الشاعر علي الصقلي اللزومية كما سبقت الإشارة في جزأين تضمان ثلاثمائة خماسية في ثلاثمائة صفحة من الحجم الصغير ، لكل لزومية عنوانها المميز لها بفكرة هي الموضوع الذي تدور حوله ، فتشعر وأنت تقرأها بالفكرة واضحة جلية مشرقة ، وبالنفس الشعري المتدفق يملأ عليك المشاعر والأحاسيس ويحملك إلى عالم المبدع لتشاركه اللحظة الشعرية في أجمل أطوارها وفي أحلى ترانيمها .
إن الشاعر علي الصقلي من خلال هذه اللزوميات الخماسيات يطل علينا من شرفة عطاء جديد ، لم يكتف بالقصيدة العمودية في دواوينه التي نال بها جائزة الملك فيصل سنة 1990 ،وكان أبرز الشعراء العرب الذين حظوا بهذه الجائزة منذ عشرين سنة ،عُنِيَ بشعر الأطفال فرصد واقعهم لتعليمهم وتفتيح مداركهم بما يناسب عقولهم الصغيرة بما كتبه من قصص شعرا ( من أغاني البراعم، ريحان وألحان،أنهار وأزهار وغيرها )،وحظي أطفال الحجارة بعنايته فأرخ لانتفاضتهم شعرا مسرحية عنوانها أبطال الحجارة ،كما لم يغفل كتابة المسرحيات الشعرية ، فكانت مسرحياته دفقا من الأحداث التاريخية المغربية الكبرى ( المعركة الكبرى ،الفتح الأكبر ،الأميرة زينب ، سكينة بنت الشهيد وغيرها)، وكان موفقا في نسيج كل مسرحية بما عهد فيه من نفس شعري عميق واستيعاب دقيق للأحداث التاريخية التي كانت مسرحا لها دون تلكؤ أو تقصير، تطاوعه لغة منسابة ببريق العاشق لها المعتز بها في تحبير أناشيده وتراتيله ..
لا أنكر وأنا أقرأ هذه الخماسيات اللزوميات أنني استفدت منها لغة وفكرا، واستمتعت بها ،إذ عرَّجتْ بي إلى رحاب العالم العلوي في جزئها الأول ، فتنسمت ريح الديار الحجازية وما لها من إشراق في حياة كل مسلم وهو يطوف بالكعبة المشرفة ويسعى بين الصفا والمروة أو يحظى بالتعبد في أبهاء الحرم المكي صلوات وقراءات ، كما يشعر المرء وهو يتناول خماسيات زيارة المدينة المنورة وقد بدت معالمها للمسافر عبر الجبال والوهاد ليحظى بالسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ،فتتدفق المشاعر ملتهبة للتعبير عما يخالج النفس من فرحة اللقاء بالسلام على الرسول الذي يرد التحية كما ورد في الحديث المتفق عليه .
أما الجزء الثاني من هذه الخماسيات اللزوميات ،فقد تنسمت واقع الحياة الاجتماعية في وطننا العزيز بما يلفها من وقائع وأحداث ، ومن سلبيات تطبع مسار المؤسسات أو الأفراد كما يلمسه المواطن البسيط الذي وضع ثقته في مرشحيه لخدمته وقضاء مصالحه والدفاع عنه ، فخذله واستنكر لمبادئه وما روّج له أيام استدرار عواطف منتخبيه في الحي والبلدة .!
خماسيات لها طعم خاص في شعر علي الصقلي بما تضمنته من أفكار حية ومشاعر روحية ،فلا يسع المرء إلا أن ينبهر بما أوحت به السليقة وسقته المعرفة ورعته البديهة وسجله القلم ، وأن يلح على الشاعر في إصدار هذين الديوانين الأنيقين البهيّين بلغتهما وأفكارهما ، فقراءتهما تبعث في الجسم والنفس راحة نفسية وفكرية ولغوية نحن في أمس الحاجة إليها في ظروفنا الحالية وما تحبل به مفاجآت وأحداث ، ووقائع وملابسات .
الرباط ، الخميس 22 ربيع الثاني 1431ه / 8 أبريل 2010 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.