في مخيم للتدريبات العسكريه، كانت المجموعة (ه) في إجتماع مع قائدها، كان عددهم أحد عشر شابا وكانوا هم شباب النخبة في ذلك المخيم. أخبرهم القائد أن الساعة صفر قد دنت، وأن الوقت يمضي بسرعة، وأن عليهم الإهتمام بأمورهم البدنية والنفسية. كانوا في مقتبل العمر لم يتعدى الواحد منهم العشرين سنه. وكانوا مؤمنين بما يفعلونه، فهذا الوطن المحتل وهم فداء له. وفي تلك الليلة، وبعدما أنهوا إجتماعهم مع القائد، أكمل الشباب إجتماعهم إلا خالد، أنزوى عنهم وفضل الإبتعاد. فلقد كان في تلك الليلة قلقا حائرا. رآه على هذا الحال أقرب صديق إلى نفسه، محمد الذي أقترب منه وصاح حتى ينبه خالد إلى إقترابه منه: - مالك يا زلمه شو صايرلك الليلة مهي زي كل ليلة، تحذيرات من القائد وتنبيهات أنه ساعة الصفر قربت، ولا مش عارف شو بيسموها. مالك، أمانة عليك، شو في؟؟!! نظر إليه خالد، ولاحظ محمد ترقرق الدمع بعيون صديقه، فانفعل أكثر وقال: - لَهْلَهْ، الموضوع عن جد، مالك يا زلمه؟ شو صارلك؟؟!! أجابه، خالد: - أمي، أمي يا محمد، إلي سبع شهور مش شايفها، طلعت، من غير ما أقلها لا ويني ولا وين رايح، بتعرف، كثير مرار بمر من جنب باب الدار، يم عمالي، بدي أدق الباب بعاود أبطل، وبتذكر حكي القائد، أنه لازم نعمل هيك، حتى يتعودوا على غيابنا. - آه ! والله معك حق، أنا قديش، مشتاق لسهام بنت عمي، مهي خطيبتي، من مصغرنا. لم يجبه خالد، وقام وابتعد عنه، فلحقه محمد: - مالك يا خالد؟؟!! - أنا بحكي، الجد!!. - كيف يعني، أنا بحكي عن أمي. - مش هيك، والله ما قصدي يا زلمه، أنا، بس بأيد كلام قائدنا. أنت بتعرف، إنه صار ما صار إلنا. القائد تبعنا، بيرسل، إلهم شريط الفيديو، اللي صورناه أمبارح. تنهد خالد وأبتعد، عن محمد وأتخذ قراره الأخير، حين تذكر كلمة القائد عندما قال (اهتموا بأموركم البدنية النفسية). صرخ عن بعد مناديا محمد، وأشار أليه أن يقترب، وهمّ هو بالتوجه ناحيته، أحاطه من كتفه، وقال له: - قررت أروح أزور أمي الليلة، وأنت صار ما صار معك، رقمي بس رن عليّ، راح أكون معاكم عطول. - معقوله، يا زلمه . - آه ! فيش قدامي إلا هيك. - خلص، توكل على الله، روح ولا يهمك. تعانقا وتسلل خالد خفية إلى قريته النائية، وعند منتصف الليل، طرق باب بيته، الذي كان تعمه العتمة بصوت واهن: - مين؟؟!!! - أنا، يمه أفتحي الباب. - مين، أنت يمه؟! - أنا، خالد أفتحي يمه ، - أستنى، يمه عمالي بتحسس طريقي. - ليش، يمه شو صارلك؟! وعندها انفتح الباب وهجم خالد على أمه وقبل رأسها ويديها وقدميها، وهو يبكي: - سامحيني يمه .. سامحيني ... والله غصب عني قوم يمه خليني أحضنك مشتقالك. وعانقته وهي تبكي: - حبيبي يمه أشتقتلك، أشتقت لريحتك، وينك يمه؟ والله يمه يا خالد، من كثر العياط بطلت أشوف منيح. ياما سألت عنك هين وهين، وين كنت يمه؟ مشتاقلك يمه. - سامحيني يمه معلش يمه، والله مش على كيفي. وأجلسها وبدأ يسألها، عن الشارع، عن الحي، عن الأقرباء، عن أخواته وأخوانه، فقد كان خالد أصغرهم. كان يسأل، وهي تجيب، فرحة بعودة أبنها. كانت تعتقد، أنه لن يفارقها بعد الآن. وقد وضع خالد رأسه، في حجرها. إلى أن غفى وهي تمسح بحنان على شعره. وفجأة، رنّ جواله، فهب جالسا. وقالت، الأم: - بسم الله الرحمن الرحيم، شو مالك؟! - ولا أشي يمه، بس صار لازم أروح. - ليش يمه؟؟!! - بوعدك، أرجع إذا الله أراد. - وين رايح يمه؟! راح تغيب كثير. لم يجبها، قبل رأسها ويديها وقال وهو يتجه نحو الباب: - أدعي لي يمه، وأرضي عني، محتاج لدعاكي ورضاكي. - وين رايح يمه، تغبش كثير عني، تخلينيش أقلق عليك يمه. - ترابها بيناديلي يمه. - الله يرضى عليك يمه، ويوفقك وين ما بتروح. وأغلق الباب، وساد الصمت ثانية في منزل أم خالد، وعادت إلى ترقب عودته ثانية، حيث كان الوقت قرب آذان الفجر. وكانت، نقطة الصفر قد بدأت في المخيم، حيث أمر القائد، خالد وسفيان بالتوجه إلى ذلك الحاجز العسكري، الذي يتولى أمره مجموعة من جنود قساة القلب، معدومي الضمير. وحدثت المواجهة. وأستشهد كل من خالد وسفيان، بعدما قتلا عشرة من الجنود الاسرائليين قبل بزوغ الفجر. ومع شروق الشمس اجتمع القائد بباقي أفراد المجموعة، وأبلغهم باستشهاد خالد وسفيان، فكان الخبر كالصاعقة على محمد، الذي طأطأ رأسه وردد: - الله يرحمك يا خالد ! الله يرحمك يا خالد ! ودمعت عيناه، في حين أقترب القائد منه ومد له يده بشريط الفيديو.