رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح والمدينة تاريخ مشترك
قراءة لكتاب المسرح والمدينة للدكتور يونس لوليدي
نشر في طنجة الأدبية يوم 15 - 03 - 2013

"ما الدنيا إلا مسرح كبير، وما كل الرجال والنساء إلا ممثلون، إذ لهم مداخلهم ومخارجهم، فالرجل الواحد يلعب أدواراً عديدة في وقت واحد " و. شكسبير
1- توطئة:
يتألف كتاب "المسرح والمدينة "(1) للدكتور يونس لوليدي (2) من مقدمة وثمانية محاور، وقد أغفل الفهرس المثبت في آخر الكتاب الإشارة إلى المقدمة، كما اكتفى بتسمية المحاور دون وصفها بمصطلح محدّد(مبحث أو فصل أو محور...) أو حتى ترقيمها. ويبدو أنّ هذا الإهمال من قبل المؤلف لمثل هذه التحديدات راجع إلى كون الدّراسات المضمّنة في هذا الكتاب أنجزت ابتداءً "متفرقة في الزمان والمكان" كما يعبر المؤلف في مقدّمة الكتاب(3) . ويظهر جليا من خلال قراءة مقدّمة الكتاب - وهي مقدمة جدّ مقتضبة (4)- أنها كتبت في وقت متأخر، حيث تجمَّعت لدى الباحث مقالات تلتقي حول تيمة بؤرية هي: علاقة المسرح بالمدينة في مستوى أول وعلاقة التراث بالمسرح من مستوى ثان، فكانت فكرة نشرها في إطار كتاب يحمل العنوان المشار إليه أعلاه. ولعلّ مما يؤكد هذه الفرضية تعزيز العنوان الأصلي للكتاب: "المسرح والمدينة" بعنوان فرعي: "من مسرحة التراث إلى مسرحة المقدّس" من شأنه أن يحتوي التباعد الجزئي في القضايا المطروقة في هذه الدراسات. وعموما فإنّ محاور الكتاب جاءت على الشكل الآتي:
- المسرح والمدينة.(ص:5- ص:20).
- المسرح والسرديات.(ص:21- ص:38).
- المسرح والتربية. (ص:39- ص: 45).
- المسرح والإسلام.(ص:47- ص:56 ).
- المسرح والأسطورة.(ص:57- ص:73).
- المسرح وقضايا الشكل والفرجة.(ص:75- ص:85 ).
- مسرحة التراث العربي.(ص:87- ص:106).
- مسرحة المقدس.(ص:107-ص:118).
2- في خضمّ كتاب: "المسرح والمدينة" (القضايا والإشكالات)
• المسرح والمدينة:
ينطلق المؤلف في الدراسة الموسومة ب "المسرح والمدينة" من التأكيد على العلاقة الجدلية والبنيوية القائمة بين المجتمع (أيّ مجتمع) والمسرح، ذلك بأنّ المسرح أولا وقبل كلّ شيء فنٌّ جماعي وسيلته الإخبار والتواصل وأدواته الخيال واللغة (العنصر الأساسي في كلّ مجتمع إنساني)، وهو نتاج لجهد جماعي ينبغي أن يضطلع به مبدعون ينتمون إلى نسيج المجتمع نفسه ونسيج المدينة نفسها.
وفي سياق رصده لطبيعة العلاقة التي تربط بين ما ينتمي إلى واقع المدينة وما ينتمي إلى تجربة الفنّ المسرحي، يسجل الدكتور يونس لوليدي أنّ:
المسرح ليس هو وسيلة العرض الوحيدة في المدينة؛
كما أنّ المسرح- باعتباره خلقا جماليا- ينبع من تجربة جمالية، ويلعب أحيانا دور التجربة الحيوية للحياة الاجتماعية في المدينة، إذ إنّ بعض الأعمال المسرحية تستطيع أن تسمو إلى مستوى تجارب علاجية في متناول المدينة،" حيث تُمكّن من التسامي عن الغرائز ومن الكشف عن الإمكانات والطاقات المجهولة أو غير المعترف بها"(5)
ويرى الدكتور يونس لوليدي أنه ليس هناك فنّ من دون قواعد، وهو يؤكِّد بناءً على ذلك أن أهمّ قواعد الفنّ المسرحي، ضرورة الغوص به في خضمّ حياة المدينة، دون أن نُفقد المسرح تلك الحرية التي تتيح للكاتب المسرحي أن يوهِم بحقيقة المدينة عوض تقديم هذه الحقيقة؛ "إنّ الكاتب المسرحي وهو يقدّم لنا صورة للمدينة يتداخل فيها الواقع والمتخيّل، يريد أن يعلّمنا كجمهور، أن يسلّينا، ويقترح علينا حقيقة ما. ليس بالضروري أن تكون ثابتة، ولا أن تكون ملتقطة كما تُلتقط الصور الفوتوغرافية..." (6) من هنا فإنّ ما يميّز الكاتب المسرحي هو قدرته على الرؤية من زاويتين؛ فهو يعمل على خلق تاريخ المدينة مرّة ثانية، كما أنّه يعرض أمامنا جوهر الشخصيات التي يمثلها، "يبتكر ويخلق وجوها وصوراً ويجعلنا نعيش حقبا ماضية نستطيع أن نتعلّم منها ما نتعلّمه عادة من دراسة التاريخ، ومن ملاحظة ما يجري حولنا في الحياة اليومية". (7)
يستمر الدكتور يونس لوليدي - عبر صفحات هذه الدراسة- في رصد مختلف مظاهر العلاقة الجدلية التي تربط المسرح بالمدينة، ليؤكد - من جهة- أنّ المدينة لم تُعط للمسرح دائما المكانة التي يستحقّها، "فتاريخ المسرح يشهد بأنّ علاقة المدينة بالمسرح قد ساءت في كثير من الحقب" (8)، وليُبيّن - من جهة أخرى- أنه بالرغم من التهميش الذي طال المسرح على امتداد تاريخ المدينة (الأوروبية طبعا)، فإنّ وعيا ترسّخ لدى الأجيال مفاده أنّ "المدينة المثالية شكلٌ من الأشكال المُمْكِنَة للمسرح، تماما كما أنّ المكان المسرحي، صورة من الصور الممكنة للمدينة المثالية"(9).
لقد غدا للمدينة والمسرح تاريخٌ مشترك على كلّ الأصعدة، كما انصبّ اهتمام أمهر المهندسين في كلّ عصر على الأسلوب الذي ينبغي أن تُصمّم به بناية المسرح، حرصا منهم على الحفاظ على هذا التناغم الذي يضمن للمسرح إمكانية تأدية رسالته، باعتباره شكلاً مصغرا للمدينة تجد فيه كلّ طبقات المجتمع مكانها، و"عوض أن تظلّ المدينة هي التي تُلقي بظلالها وأنوارها على المسرح، صار المسرح هو الذي يُلقي بظلاله وأنواره على المدينة"(10)، وعلى الجمهور - من ثمّ- باعتباره جزءاً لا يجزأ من المدينة، بل وعلى كلّ المظاهر المحسوسة المشكلة لملامح المدينة. ما يجعل مهمّة المؤلف الدرامي أجلّ وأعقد.
هذا حينما تَحتضنُ المدينةُ المسرح وتحتفي به، ويحوّل جمهور هذه المدينة المسرحَ إلى مكان مسرحي وإلى فضاء احتفال... أما عندما تُهمش المدينة المسرح ولا تستطيع أن تسبغ عليه هويّتها، فإنّ الكلمة الأخيرة تكون للمسرح ولرجل المسرح الذي يباشر انتقامه من خلال: ازدراء واحتقار الجمهور، ثمّ من خلال الهروب من البناية المسرحية وهجرها وخلق أماكن مسرحية بديلة.
• المسرح والسرديات: (مصطلحات سردية في التنظيرات المسرحية)
"المسرح والسرديات" دراسة تأصيلية في المصطلح الدرامي ذو الجذور السردية والعكس. والدكتور يونس لوليدي هنا ينطلق من فكرتين أساسيتين تتمثلان في: أن الأصل الشرعي لكلّ من المسرح والرواية - بغض النظر عن أسبقية أحدهما على الآخر تاريخيا- واحد هو الملحمة. كما أنّ استفادة كلٍّ من الفنّيْن من المناهج المُعاصرة يكاد يكون متزامنا.
على أنّ السؤال الذي يبدو للمؤلّف جديرا بأن يطرح هو: إلى أيّ حدّ يمكن للمسرح والرواية - بما هما فرعان لأصل واحد- أن يفيد أحدهما من الآخر؟ ويأتي الجواب على هذا السؤال على شكل تدقيقات مفهُومية وحفريات يقدّمها المؤلف فيما اعتبره "مصطلحات سردية ذات مصدر درامي"(وهي: الحوار، والمونولوج، والمشهد)، و"مصطلحات مسرحية ذات مصدر سردي" (وهي: الحكاية، والسارد، والحكي).
وبالنظر إلى الفرق الموجود بين الرواية والمسرح، فإنّ توظيف الرواية للتقنيات ذات الأصل الدرامي، هو توظيف لا بدّ أن يُراعي خصوصية جنس الرواية الذي يتوفّر على هامشيْ الوصف والتعليق، اللذين يفتقدهما عادة الفنّ المسرحي. وتبدو خصوصية الرواية على - مستوى الحوار مثلا – في إمكانية الحديث عن طريقتين مختلفتين في إجراء الحوار، وهما:- طريقة الإظهار: التي يقدّم فيها كلام الشخصيات من دون وسيط. – وطريقة الحكي: التي ينوب فيها السارد عن الشخصيات في نقل كلامها... (11)
كما أنّ توظيف المسرح للمفاهيم ذات الأصل السردي، توظيف من شأنه أنْ يطبع هذه المفاهيم بخصوصية الفنّ الدرامي، ف الحكي في المسرح مثلا- وعلى خلاف ما نجده في الرواية- يتمّ في الغالب من قبل شخصية متورّطة في الحدث، كما أنّه يوجد غالبا في العرض، مما يجعل دوره شبيها بالدور الذي يؤديه الاسترجاع التفسيري في الرواية... (12)
وعموما "إذا كانت الرواية في نهاية الأمر ترتكز على مخيّلة القارئ، فإنّ المسرح يركّز على المشاهدة عند المتفرّج". (13)
• المسرح والتربية:
تعالج مقالة "المسرح والتربية" قضية هي من أكثر القضايا ارتباطا بتاريخ المسرح، وبالجدوى من وجوده والرسالة التي حملها ويحملها عبر مساره الطويل، وهي قضية البعد البيداغوجي لهذا الفنّ المتجذر في تاريخ المدينة ووجدانها. والمقالة تُعيد اكتشاف منطقة هامّة جدا، يلتقي فيها الفنّ المسرحي بفنٍّ هو الأكثر صعوبة وتعقيدا من بين الفنون كلها، إنّه فن الحياة.
يثير الدكتور يونس لوليدي إذن جدلية المسرحي والتربوي، فيستعمل مصطلح: "الفنّان البيداغوجي" للإحالة إلى نمط من المربين يستطيعون، بفضل ما يملكونه من تكوين متعدّد الأوجه، أن يلبوا لدى المتعلمين – في الآن نفسه- الحاجات المدرسية والثقافية والاجتماعية. كما يُفترض في هذا المكوّن/المنشط أن يكون قدوة، بحيث يعمل بطريقة أو بأخرى على تجسيد ما يدعو إليه من قيم ومبادئ وسلوكات... وهذا لن يتأتى- حسب المؤلّف- إلاّ من مدخل الفنّ المسرحي، الذي رفع منذ البدء شعار "التدريس والتربية بواسطة اللعب"، وهو الشعار الذي مكَّن المسرح - رغم مختلف التغيرات التي طرأت عليه- من التشبّث بوظيفته الأولى وهي التسلية والتعليم.
وتتجلى القيمة المتميّزة لما يمكن أن نصطلح عليه ب "مسرحة العملية التربوية"، في قدرة الفنّ عموما والمسرح خصوصا على إكساب المُكوّن أسلوبا في التدخل والمشاركة، وقدرةً خاصةً على مواجهةِ مختلف الوضعيات المُشْكلة التي يمكن أن تعترض طريقه، أثناء مباشرته مهامه التربوية التعليمية. وهكذا فإنّ التربية الفنية أقدر من غيرها على التسلل إلى أعماق النفس البشرية وإلى أدقّ تفاصيل الحياة اليومية، بعاداتها وقيمها وميلها إلى التجدّد المستمر... ما دعا المُؤلّف إلى اعتبارها(أي التربية الفنية) سابقة على كلّ تخصّص.
تلتقي التربية بالمسرح إذن في جملة نقاط مشتركة، لعلّ من أبرزها قيام كلّ منهما على "القواعد"، إذ إنّ غياب القواعد والتنظيم في كلّ من المسرح والتربية سيؤدي حتما إلى الفوضى والاضطراب اللذين لا يُرجى بعدهما نفع. بيد أنّ حضور القواعد أثناء تلقين الفنّ أو توظيفه، ينبغي أن يتحلّى بشيء من المرونة المطلوبة في هذا المجال، بحيث يغدو دور المُكوّن هو أخذ المبادرة لاقتراح أفكار وآراء، بعيدا عن منطق الإلزام والجبرية... وعموما فقد حدّد المؤلّف جملة عناصر اعتبرها داخلة في صميم التكوين البيداغوجي والتكوين المسرحي، من بينها ما يلي:
-اكتساب الثقة بالنفس وبالآخرين.
- الوعي بأهمية العمل الفردي والعمل الجماعي في الآن نفسه.
- معرفة كيفية الاستفادة من الذاكرة الجماعية من أجل السير قُدما بالعمل.
- القُدرة على الاستماع إلى كلّ ما يُحيط بنا من أناس وأحداث. ...إلخ

• المسرح والإسلام: (المسرح الإسلامي: مشروع قراءة)
لعلّ من أهم القضايا إثارة للنقاش في سياق الحديث عن علاقة المسرح(بما هو بضاعة ثقافية غربية المنشإ) بالمدينة العربية الإسلامية، قضية العلاقة بين المسرح والإسلام. وهي القضية التي شغلت المؤلف في هذه المقالة الهامّة، التي جاءت على شكل قراءة نقدية لأحد أهمّ المصطلحات المتمخضة عن الجدل الدائر حول موقف الإسلام والمسلمين من المسرح، وسعي المنظرين للمسرح في العالم العربي إلى جعل هذا الفنّ فنّا إسلاميا، وهو مصطلح: المسرح الإسلامي.
وقد بدا للمؤلف أنّ مناقشة موضوع كهذا، تقتضي مبدئيا تثبيت أرضية للنقاش، وهي ما عبر عنه بمنطلقات أساسية:
- المسرح فنّ وليس أدبا...وهدف كلّ فنّ هو صناعة فُرجة، وهدف كلّ فرجة هو تحقيق لذّة فكرية، وكذا لذّة بصرية وسمعية.
- المسرح ليس مضمونا فقط، وإنما هو شكل أيضا.
- المسرح الإسلامي هو مسرح قبل أن يكون إسلاميا.
- الحرص على تسمية المسرح الإسلامي من قبل المنظرين له، لا ينبغي إلى أن يحوّل الشق الثاني من المصطلح: "إسلامي" إلى عنوان على انتماءٍ إيديولوجي. بقدر ما ينبغي أن يحيل هذا المصطلح إلى منهجي حياتي شمولي...
يشرع الدكتور لوليدي بعد هذه المنطلقات، في تحديد الشروط اللاّزم توفّرها في كلّ مسرح يمكن أن نعتبره إسلاميا. إذ لا يكفي أن يضيف المنظرون لهذا المسرح صفة "إسلامي" على كلمة "مسرح"، بقدر ما ينبغي لهذا المسرح أن يتبنى موقفا (إسلاميا) ممّا يعرض له من قضايا وتجارب، وأن يستوحي معانيه وصورَه من صميم الثقافة الإسلامية... وهي شروط يُجملها المؤلف في ما يلي:
1- وجوب اطّراح النظرة الاحتقارية إلى المسرح، وهي النظرة التي ترسّخت في أذهان الكثير من الناس في العالم الإسلامي لفترة طويلة.
2- ضرورة انتباه المنظرين لما يصطلح عليه بالمسرح الإسلامي، إلى أنّ المسرح ليس أدبا فقط وإنما هو فنّ أيضا.
3- ضرورة انتباه هؤلاء المنظّرين إلى أنّ المسرح شكلٌ ومضمون، وأنّ هنالك علاقة جدلية بينهما لا ينبغي إغفالها.
يبدو إذن أنّ المسرح الإسلامي لن يستطيع تحقيق وجوده الفعال خارج إطار الشروط التي وضعها المؤلف، كما أن إيجاد هذا المسرح يحتاج إلى تضافر جهود كلّ الأطراف العاملة في مجال الفنّ المسرحي (المؤلف الدرامي، والمخرج، والممثل، والناقد المسرحي)، من أجل نقل جوهر الفنّ الإسلامي والرؤية الإسلامية الأصيلة للعالم والناس، كلّ ذلك في قالب جمالي يحافظ للمسرح كفنّ على خصوصيته وأصالته.

• المسرح والأسطورة: ("إيزيس" الحكيم نموذجا)
تطرح هذه الدراسة مسألة استلهام الأسطورة في المسرح العربي، وتتخذ من مسرحية "إيزيس" لتوفيق الحكيم نموذجا تطبيقيا؛ فهي إذن تجمع بين جانب نظري يتمثل في التعريف بالأسطورة والكشف عن طبيعة العلاقة التي تربطها بالفنّ المسرحي من جهة، وتحديد الغايات الفنية والثقافية لاستلهام الأسطورة في الفن المسرحي من جهة ثانية. وجانب تطبيقي يعمل المؤلّف من خلاله، على رصد أشكال استحضار وتوظيف أسطورة إيزيس وأوزوريس في عمل الحكيم من جهة، كما يجعله مجالا لتثمين بعض الآراء التي أدلى بها نقاد سابقون خلال دراستهم للمسرحية.
لقد ظلت الأسطورة- كما يشير الدكتور لوليدي- المنبع الخصب لأغلب كتاب المسرح في مختلف العصور وحتى العصر الحديث. وإذا كانت الأسطورة قد ارتبطت منذ ظهورها بالخلق وبالنشأة الأولى وبالنموذج، وهي تأسيسا على ذلك تشرع لنا نافذة على "أصل الأشياء"... فإنّ ذلك لا يُلزم الكاتب المسرحي بنقلها نقلا حرفيا، إذ الهدف الأسمى من عملية الاستلهام هاته، هو استحضار جوهر الأسطورة والحَمولة التاريخية للشخوص والأماكن والأحداث المتّصلة بها. "إنّ استلهام الأسطورة في المسرح يكشفُ عن حقيقة مهمة، وهي أنّ مشاكل لإنسان الجوهرية هي نفسها، لا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان".
إنّ الهاجس الذي يوجّه مواقف المؤلّف من مسرحية "إيزيس"، هو مدى نجاح الحكيم في تطويع أحداث الأسطورة لخدمة القضايا المعاصرة، وفي مقدّمتها قضية الشعب، خاصة وأن أسطورة إيزيس وأوزوريس هي أكثر الأساطير المصرية تغلغُلاً في وجدان الشعب، لمعالجتها مواضيع ذات صلة مباشرة بحياة الناس مثل الظلم الاجتماعي والاستعباد...
وهكذا يلاحظ الدكتور لوليدي في ختام هذه الدّراسة أن "المسرحية من خلال مزجها بين المُتخيّل والواقع قد ارتبطت بالواقع، حيث إنّ الحكيم وظّف شخوص الأسطورة، بسمات بشرية، كما أنّه بنى صراعهُ على الصراع الإنساني الذي لا يعتمد على معجزات أو خوارق لتصعيده. وبذلك نما الحدث نموا طبيعيا وواقعيا انطلاقا من توظيف الواقع بكلّ متناقضاته وصراعاته ومتطلباته."

• المسرح وقضايا الشكل والفرجة: (المسرح المغربي نموذجا)
يعلن الدكتور يونس لوليدي في مستهلّ هذه الدراسة، رغبته في تناول المسرح المغربي خارج دائرة الشائع والمتعارف عليه، وتحديدا في موضوع التقسيم. فتقسيم هذا المسرح إلى: هاوٍ ومحترف أمر يحتاج إلى إعادة نظر. ذلك ما يُستشف من كلام المؤلّف الذي يسارع إلى تقديم تقسيم بديل ، يبدو أكثر عمقا ومقبولية، وهو الآتي:1-مسرح الهواة. 2-المسرح التجاري. 3-مسرح الطيب الصديقي. 4-مسرح اليوم ومسرح الشمس. 5-مسرح عبد الحق الزروالي. 6-تجربة خريجي المعهد العالي...(أنظر الجدول التوضيحي أسفله) ولكلّ قسم من هذه الأقسام -كما يبين المؤلف- خصائص تميزه عن غيره، إما تعارضا وتكاملا أو تناقضا... لكن الأهم من كلّ هذا أن هذا التقسيم - مشفوعا بالتوضيحات الهامة التي يقدّمها المؤلف- من شأنه أن يقدّم لنا رؤية واضحة عن واقع وآفاق المسرح المغربي، وكذا مقترحات للمشكلات التي تتخبط فيها التجارب المسرحية المغربية جزئيا أو كليا.
وبعد هذا التقسيم الذي يعيد النظر في خريطة المسرح المغربي، يسجل الدكتور يونس لوليدي ملاحظاته التي تميل إلى أن تنزع - ولو ضمنيا- إسم/ صفة مسرح من معظم التجارب المشار إليها في التقسيم، حيث إنّ أغلب التجارب المسرحية المغربية - كما يقول المؤلِّف- "لا تعتمد في عروضها إلا على عنصر أو عنصرين من مقوّمات الفرجة المسرحية"، وتُغفل في المقابل المكوّنات الأخرى لهذا الذي يعتبر الأكثر ثراءً وتعقيدا من بين الفنون كلها. ويشير المؤلّف في هذا الصدد إلى أنّ "الكلمة" في المسرح، لا تعدو كونها وسيلة تواصل ناقصة. ما يدعو كلّ الأطراف المساهمة في العملية المسرحية إلى تتميمها وإثرائها، بواسطة اللعب والموسيقى والحركة والرقص والديكور... وغيرها من العناصر التي تجعل "خشبة المسرح نفسها تتكلم لغتها الخاصة". (24)
هذا الوعي بأهمية مختلف العناصر التي من شأنها إخراج العمل المسرحي من حالة الكمون والوجود بالقوة إلى حالة الحياة والقُدرة على التغيير... هذا الوعي هو ما يغيب عن التجارب المسرحية المغربية. وهنا تتبدى الملامح الكبرى لأزمة هذا المسرح.
إنّ الفُرجة التي يَنْشُدها الدكتور يونس لوليدي - والتي يبدو أنه يفتقدها في التجارب المسرحية المغربية• - هي تلك الفرجة التي:
-"تحملنا إلى علم آخر وتسمح لنا أحيانا بالهروب من شرطنا الإنساني"(25)
-"تحقق لنا الإحساس بالحقيقة ونحن نعلم أنّ ما نشاهده بعيدٌ عن الحقيقة" (26)
-"تُرضي في الوقت نفسه الجمهور المثقف والجمهور البسيط" (27)
وغير بعيدٍ عن نَفَسِ الالتزام الذي نكاد نستشعر حضوره في كلّ محاور الكتاب، يقرّر الدكتور يونس لوليدي أنّ على المسرح المغربي، أن يتخلى عن كل مظاهر الابتذال واللاّحترافية اللتين يظهر بهما في قاعاتنا وعلى شاشة/شاشات التلفزة المغربية، ليتبنّى "نبض الشارع، وينقل أحاسيس الناس وهمومهم إلى فضاء اللعب، ليمُدّ حبال التواصل بينه وبين الجمهور". (28)
ثمّ إن المسرح – وإن لم يكن قادرا على إرضاء كلّ فئات الجمهور المقبل على مشاهدته، ولا إيجاد حلول لكلّ المشاكل والإجابة عن كلّ الأسئلة- فإنّه مُطالب بأن يجمع بين عنصري المُتعة والفائدة، وأن تكون له القدرة على طرح الأسئلة ووضع علامات الاستفهام، دون أن يكون مُلزما دائما بتقديم إجابات نهائية.
وهكذا يخلص الدكتور يونس لوليدي بعد هذه الجولة المتأملة والمُمَحِّصة لشعاب المسرح المغربي، إلى جملة ملاحظات يمكن إجمالها كالآتي:
1- التراجع الواضح على مستوى التنظير كما وكيفا.
2- قلّة الأعمال المسرحية المقدّمة على الساحة الوطنية.
3- قلة الإبداع وتراجع التنظير، من شأنهما أن يفرزا نقدا مسرحيا متذبذبا وغير واضح المعالم.
• مسرحةُ التراث العربي: (رسالة الغفران نموذجا)
يقدّم المؤلف معطى أوليا يتمثّل في أنّ النصّ المسرحي يتألف من عنصرين هما: الحوار من جهة، والإرشادات المسرحية من جهة ثانية. ثمّ يتحوّل بعد ذلك إلى رصد مدى حضور هذين المكوّنين- وملامح هذا الحضور- في واحد من أكثر كتب التراث إثارة للجدل، وهو رسالة الغفران لأبي العلاء المعري. وقد وجد الدكتور لوليدي أنّ نصّ رسالة الغفران، ينضبط بشكل مُدهش لمختلف آليات اشتغال النصوص الدرامية؛ فالحوار في هذه الرسالة غني، وهو يقوم بمختلف الوظائف التي يقوم بها عادة الحوار الدرامي، كما أنّه ينقسم إلى: خارجي يستمدّ ثراءه وقوّته من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر، وداخلي يرِدُ على لسان بطل الرسالة ابن القارح. أمّا الإرشادات المسرحية فتحتوي مختلف مقوّمات الفرجة المطلوبة في الأعمال الدرامية، من فضاء درامي وديكور وأزياء وموسيقى ورقص...إلخ
وهكذا فإنّ رسالة الغفران – كما يقرر الدكتور يونس لوليدي- نصّ درامي بامتياز•، فيه الحوار والإرشادات المسرحية...وحضور سردٍ وراوٍ أمر لا يفسد درامية الرسالة، ما دامت أحدث التجارب المسرحية قد آمنت بدور السرد وأهمية الراوي فوظفتهما. (29)
• مسرحة المقدّس: (الليلة العيساوية نموذجا)
تتضمّن هذه الدراسة، التي يسدل بها الدكتور لوليدي الستار على سلسلة المقالات المكوّنة لكتابه المسرح والمدينة، مجموعة ملاحظات تهمّ مدى حضور كل من المقدّس والفرجوي في الليلة العيساوية، وهي تنطلق من سؤال إشكالي هو التالي: هل الفرجة أكبر من المسرح أم العكس؟ ويعتقد المؤلف- في سياق إجابته عن هذا السؤال- "أن كلاّ من طرفي الإشكالية صحيح" . وتفسير ذلك أنّنا إذا فهمنا الفُرجة بمعناها العام ، فهي في هذه الحالة أكبر وأوسع من المسرح، بل يمكن اعتبارها شاملة له. أما إذا فهمناها بمعناها الخاص (أي باعتبارها المحطة الأخيرة في العملية الإبداعية المسرحية) فإن المسرح في هذه الحالة أكبر منها (أي الفرجة).(31)
يرمي هذا التمييز الذي يجريه المؤلف بين "الفرجة" و"المسرح"، كما يبدو، إلى تقنين عملية مقاربة الأشكال التراثية والفرجوية من منظور دراماتورجي. فمعلوم أنّ هذا النوع من المقاربات غالبا ما يتورط في إسقاطات، تذهب بالدّارسين إلى اعتبار الأشكال الفرجوية المنبثقة من التراث الثقافي العربي أو الإسلامي مسرحا، والواقع أن الاشتغال الأنتروبولوجي على أي ظاهرة فرجوية - كما يؤكد المؤلف- "لا ينبغي أن يكون الهدف منه إثبات أن هذه الظاهرة هي مسرح... وإنما ينبغي أن يكون هدف الاشتغال هو معرفة هذه الظاهرة في ذاتها ولذاتها" . ولمّا كانت الليلة العيساوية من أكثر الطقوس الاحتفالية تجذّرا وغنى في تاريخ التصوف المغربي، فإنّها بدت المؤلف مجالا خصبا لاشتغال المقدّس من ناحية، لارتباطها بمناسبة دينية لها مكانتها في نفوس المغاربة من جهة، وهي "المولد النبوي"، ولاتصالها بشخص موجه ديني/بطل ممدّن صاحب كرامات وخوارق، كما أنها مجال لاشتغال الفرجوي لارتباطها بطقوس ذِكْرِيَّةٍ- موسيقية جماعية.
-اشتغال المقدّس:
يلاحظ الدكتور يونس لوليدي أنّ الليلة العيساوية - شأنها في ذلك شأن أيّ احتفال مقدّس- تحافظ على تراتبية طقوسها؛ حيث تبدأ ب"الدّخلة" وتنتهي ب"الزميتة"، مرورا ب حالة الخمرة، وقراءة حزب الطريقة، وإنشاد الذّكْرات والوناسة، والحُرْمْ، والدرقاوية...
إنّ الهدف من مجموع الطقوس التي يُحييها أتباع الطريقة العيساوية في ليلاتهم تلك- كما يرى المؤلف- هو"البحث عن زمن مقدّس غير الزمن اليومي المعيش، وعن فضاءٍ مقدّس غير الفضاء البشري المدنّس، حيث تسعى الروح إلى الانفلات من قيد الجسد، أو يُصبح الجسد دليلا على سُموّ الروح وتناغمها مع العوالم العُلوية أو حتى السفلية من خلال "الرياح" أو "النقاط" كأنغام، ومن خلال ألوان اللباس المُحبّبة إلى السادة المالكين" 33)
-اشتغال الفرجوي:
تقوم الليلة العيساوية على مجموعة من عناصر الفرجة كالموسيقى، والفضاء، والأزياء، والإضاءة.. بل إنّ الطريقة العيساوية تأخذ طابعا كرنفاليا حين ترتبط ب"المُوسْمْ".
--الموسيقى: تحتلّ الموسيقى مكانة متميّزة في الفرجة العيساوية؛ حيث تندمج مع الذكر فتنبثق منه أو تُطوّره... فتتحوّل من سحر شيطاني إلى سحر روحاني.
--الفضاء: يلعب الفضاء في الليلة العيساوية دورا رئيسا في ممارسة الطقوس، وتقديم الفرجة. "إنّه فضاء احتفال يستمدّ قداسته من حضور الأرواح، ذاك أنّ المنزل المسكون يُعتبر المكان الأفضل لإقامة الليلة". (35)
 الملابس: تؤدي الملابس في الليلة العيساوية (القشّابة، الحنديرة، البلغة، الشان) الدّور نفسه المنوط بها في الفرجات الدرامية عموما.
3- خلاصة وتعقيب:
يقدّم كتاب الدكتور يونس لوليدي تصوّرا منتظما ومتناسقا لطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تنشأ - أو التي نشأت- بين المدينة العربية من جهة والمسرح باعتباره نتاجا فنيا ذا أصول غربية من جهة ثانية. فلقد عاش أبو الفنون بعد دخوله المدينة العربية، غربة تفاوتت حدّتها من مدينة عربية إلى أخرى ومن عصر إلى آخر، لكنّها عموما تركت أثرا عميقا كان له الوقع السلبي -في الأغلب الأعمّ- على رسالة هذا الفنّ وإشعاعه.. إذ كان ينبغي لهذا الفنّ – الذي أثبت على مرّ التاريخ قدرته على بناء الحضارة، وتفكيك الواقع من أجل تشخيص اعتلالاته وعيوبه، بهدف تجاوزها نحو تشكيل واقع جديد - أن يُحدث تحوّلا جذريا في بنية المجتمع، وأسلوب عيشه، ورؤيته للذات والوجود والآخر... إلاّ أن عوامل تضافرت فحالت دون أدائه لرسالته الإنسانية النبيلة، إلاّ في حدود جدّ ضيّقة.
وعموما فإنّ المؤلّف كان موفّقا - إلى حدّ بعيد- في رصد وتشخيص بعض مظاهر الانحطاط والخلط التي تشوب كلاّ من الممارسة الإبداعية المسرحية، والمقاربة النقدية لهذه الممارسة، وقد تجلى ذلك من خلال:
o تحديده للشروط الكفيلة بجعل المسرح ناطقا صادقا بلسان حال المدينة (يغوص في أعماقها ويكشف عن اختلالاتها سعيا إلى تقويمها)، وتساؤله في مستوى ثان عن مدى توافر هذه الشروط أو غيابها في بعض الممارسات (المسرحية) القائمة في العالم العربي (المسرح المغربي مثالا)..
o رسمه للحدود الفاصلة بين النص درامي، والشكل الفرجوي، والنص المسرحي.. وهو تمييز من شأنه الحسم مع مختلف مظاهر الإسقاط والخلط التي تمتلئ بها العديد من الدراسات، التي تؤطر نفسها عادة ضمن خانة النقد المسرحي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.