توطئة: من المعروف أن المسرح منذ القرن العشرين قد استفاد كثيرا من مجموعة من النظريات والمقاربات والعلوم بشكل من الأشكال، ومن بين هذه العلوم، نذكر: علم الاجتماع، والأنتروبولوجيا، والإثنوغرافيا، والسيميوطيقا، والتاريخ، والفلسفة، واللسانيات، وعلوم التواصل. إلا أن الباحثين في مجال المسرح سينفتحون قدر الإمكان على علم جديد، متفرع عن أنتروبولوجيا المسرح، يختص بدراسة الفرجات الفنية والجمالية ، والاهتمام بالممارسات الأدائية الفلكلورية الشعبية، والعناية بالأشكال التعبيرية الاحتفالية ماقبل المسرحية لدى كافة شعوب العالم بدون استثناء. ويسمى هذا العلم الجديد بالإثنوسينولوجيا(L'ethnoscénologie)، وقد ظهر في سنوات التسعين من القرن الماضي بفرنسا، وذلك بتشجيع من منظمة اليونسكو ودار ثقافات العالم، وذلك بغية التعرف على ثقافات الشعوب وعاداتها وتقاليدها وأعرافها، والاطلاع على فنونها وفرجاتها الدرامية. إذاً، ماهي الإثنوسينولوجيا؟ وماهو تاريخ ظهورها؟ وماهي مفاهيمها ومرتكزاتها النظرية والتطبيقية؟ وماهي أهدافها الخاصة والعامة؟ وماهي آليات المقاربة الإثنوسينولوجية في التعامل مع الممارسات الفرجوية والأشكال الأدائية الموروثة؟ وماهي أهم الإنجازات النظرية والتطبيقية التي يمكن أن تندرج ضمن هذا العلم الجديد؟ هذا ما سوف نتناوله في ورقتنا هاته. 1- مصطلح الإثنوسينولوجيا: يتكون مصطلح الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie)، و الذي بلوره الباحث المسرحي الفرنسي جان ماري براديي( Jean-Marie PRADIER)، من كلمة الإثنو (Ethno)، والتي تحيل على العرق والأصل والهوية والجذور والثقافة الشعبية، وكلمة (scéno ) أو سكينو (skenos )الإغريقية ، والتي تحيل على كلمة ، (scène) ، وذلك بمعنى المشهد الفرجوي، وقد يقصد بها أيضا الفضاء المغطى، أو المكان الذي تعرض فيه الأحداث المسرحية، أو يقصد بها الجسد بصفة عامة. ويعني هذا المصطلح المركب أن الإثنوسينولوجيا تهتم بدراسة الفرجات المشهدية لدى الشعوب القديمة، وذلك باعتبارها ظواهر ثقافية اجتماعية وإثنوغرافية، تعبر من خلالها عن رؤيتها للوجود والإنسان والحياة والكون والطبيعة والقيم والمعرفة، كما تعكس كذلك طبيعة التفكير لدى الإنسان القديم، وطريقة تعبيره وتخييله وانفعاله وتحركه، وكيفية تعامله مع الموضوع الخارجي على المستوى الفني والجمالي والفلكلوري. 2- تاريخ ظهور الإثنوسينولوجيا: ظهرت الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie) بفرنسا سنة 1995م، متأثرة في ذلك بالإثنوموسيقى L'ethnomusicologie) )، أو ما يسمى كذلك بموسيقى الشعوب الأصيلة، والتي ظهرت بدورها في فترة مبكرة قبل ظهور الإثنوسينولوجيا. ولم تظهر الإثنوسينولوجيا إلى ساحة الوجود إلا من أجل إدراك الظواهر المسرحية الفطرية، ومعرفة مكوناتها الفنية والجمالية فرجويا وثقافيا وأنتروبولوجيا . وكانت بداياتها الأولى بمختبر الأبحاث المتخصص في دراسة الممارسات الفرجوية الإنسانية الحية بجامعة باريس الثامنة، وذلك بفانسان سانت دونيس/ Vincennes Saint Denis. وارتبطت انطلاقتها الأولى أيضا بمنظمة اليونسكو، ودار ثقافات العالم التي كانت تعنى أيما عناية بكل ثقافات شعوب العالم تنظيرا وتطبيقا وبحثا وعرضا، واقترنت كذلك بمجموعة من الأساتذة والباحثين البارزين، مثل: جان ماري براديي ( Jean-Marie Pradier )، وجان دوفينو( Jean Duvignaud)، وأندري مارسيل دانس (André Marcel d'Ans )، وشريف خازنادار( Cherif Khaznadar)، وفرانسواز كروند( Françoise Gründ)، وجيلبير روجي( Gilbert Rouget )، وباتريس بافيس( Patrice Pavis )، وكلود بلانسون (Claude Planson)، وغيرهم... وبعد ذلك، انضم إليهم مجموعة من الأساتذة والباحثين الجامعيين من داخل فرنسا وخارجها، وخاصة الأساتذة الجامعيين البرازيليين، ومنهم على سبيل الخصوص: أرميندو بياو( Armindo Biao)... ويلاحظ أن هذا التخصص الجديد قد شارك في بلورته مجموعة من الباحثين في مجالات ثقافية متنوعة ، فهناك من يشتغل في مجال المسرح مثل: جان ماري براديي، وهناك من يهتم بسوسيولوجية المسرح كجان دوفينو، وهناك من يعنى بالأنتروبولوجيا كأندري مارسيل دانس... هذا، وقد نظمت شعبة الإثنوسينولوجيا بالجامعة الفرنسية، وذلك بتعاون مع اليونسكو ودار ثقافات العالم، مجموعة من الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية والمعرفية والبيداغوجية حول الإثنوسينولوجيا، فجمعت ضمن شبكتها المعرفية مجموعة من المنظرين والمحترفين من مختلف بلدان العالم ، وذلك في تخصصات علمية شتى ، مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الموسيقى، والتاريخ، والأنتروبولوجيا، والبيولوجيا، وعلم الأعصاب، واللسانيات، والعلوم، والتكنولوجيا،والسيميوطيقا، وعلم الرقص الفطري، بله عن فروع الأنشطة الفيزيائية والرياضية. والغرض من كل ذلك هو الفهم الجيد للبعد الجمالي المركب الذي تقوم عليه الفنون المشهدية الإنسانية الحية في كل تمظهراتها الثقافية والأدائية ، والتي لايطلق عليه ما يصطلح عليه فن المسرح بالمفهوم الغربي.. لكن هذه الفنون المشهدية والممارسات الفرجوية تتضمن في طياتها، بشكل من الأشكال، تعابير درامية،وتحوي لوحات طقوسية ومشاهد مسرحية صالحة لأن تكون مصدرا للمعرفة والإبداع. وقد ظهرت اليوم عدة مراكز للبحث الإثنوسينولوجي تهتم بالفرجات الشعبية العرقية الأصيلة سواء في دول الشمال أم في دول الجنوب،كفرنسا،والبرازيل،والمكسيك،والنمسا، وتونس(المعهد العالي للفن المسرحي )... ومن جهة أخرى، يعتبر مهرجان التخييل الذي تسهر عليه دار ثقافات العالم ، وذلك بتنسيق مع اليونسكو وجامعة باريس الثامنة، من أهم المهرجانات العالمية التي تهتم بعرض الممارسات الفرجوية النادرة والموغلة في الأصالة والقدم، وفي نفس الوقت، يهتم هذا المهرجان بعرض الفرجات الدرامية المعاصرة في كل أشكالها التعبيرية والفنية والجمالية. 3- موضوع الإثنوسينولوجيا: تدرس الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie) ، وذلك حسب جان ماري براديي( Jean-Marie PRADIER)، مختلف الممارسات الفرجوية والسلوكيات الإنسانية في مختلف ثقافات شعوب العالم، وذلك في أشكالها المنظمة وصيغها المقننة. أي: إنها تدرس الفرجات الشعبية القديمة والأشكال التعبيرية الثقافية الأصيلة. وبالتالي، فهي تدرس جميع ثقافات شعوب العالم ذات الطابع الفلكلوري بدون استثناء، ولاسيما التي لم تعرف فن المسرح بالمفهوم الغربي لكلمة المسرح. وبتعبير آخر، فالإثنوسينولوجيا مجموعة من الفرجات الفطرية والثقافات الإثنية المتنوعة، وهي كذلك مجموعة من الأنشطة الإنسانية الحية المتنوعة، ومجمل الفنون المشهدية الاحتفالية والظواهر البشرية سواء أكانت فردية أم جماعية، والتي يغلب عليها الطابع المشهدي المنظم. وفي إطار هذه الأنشطة والفنون الشعبية، يمكن الحديث عن الألعاب، والأعياد، والاحتفالات، والطقوس، والحركات الصامتة، والرقص، والموسيقى، والرياضة، والجسد، والتراجيديا، والكوميديا، والفكاهة ، والأمكنة الدرامية المفتوحة وفضاءات الهواء الطلق... لأن المسرح الغربي مرتبط في جوهره بالفضاءات المغلقة، وخاصة العلبة الإيطالية، في حين نجد أن عرض الفرجات الشعبية الثقافية رهين بفضاءات احتفالية شعبية مفتوحة. ويعني هذا أن الإثنوسينولوجيا تدرس الثقافة الشعبية والفرجات الفلكلورية المتنوعة في مفرداتها ومكوناتها وتلاقحها واندماجها وعطاءاتها. فالثقافة لها " أهمية ودور في تشكيل نسيج المعاني والأفكار وسلوك الأفراد في المجتمع والفنون والتراث الشعبي ومظاهر السلوك على حياة الناس في تجميعهم وتفردهم" . وتتسم الثقافة الشعبية كذلك بالاستمرار والثبات والوراثة. وفي نفس الوقت، تتعرض للتغير والتحول والتبدل. وتتضمن الثقافة في جوهرها مكونات مادية وروحية، ومفردات وقيم ومثل وتقاليد. وللثقافة قوة وسلطة داخل المجتمع الإنساني. لذا، يستلزم تعلمها واكتسابها والاستفادة منها. زد على ذلك، تدرس الإثنوسينولوجيا جميع الأشكال التعبيرية الإنسانية سواء أكانت مقدسة أم دنيوية، مكتوبة أم شفوية، ذات ثقافة عالمة أم شعبية، احترافية أم غير احترافية، تقليدية أم معاصرة، كل هذا من أجل خدمة التراث الثقافي اللامادي للبشرية، والدفاع عنه بشكل من الأشكال. وعلى العموم، تهتم الإثنوسينولوجيا (L'ethnoscénologie)، باعتبارها علما متعدد الاختصاصات والفروع والشعب، بجماليات تجسيد المتخيل، وتمثيله فنيا وجماليا، وتشخيصه دراميا وفرجويا. كما تهتم الإثنوسينولوجيا بدراسة الظواهر الثقافية العالمية ذات البعد الإثنوغرافي والعرقي والسلالي، والتي تحمل في طياتها فرجات مشهدية مختلفة عن فن المسرح. والمقصود من هذا أن الإثنوسينولوجيا تبحث في الأشكال الفرجوية الفطرية العريقة والأصيلة المختلفة عن بنية المسرح الغربي الأرسطي. أي: إن مجموعة من الفرجات الإنسانية والأشكال الثقافية والظواهر الإبداعية الفردية والجماعية قد تحمل في طياتها فنيات أسلوبية وتقنية، وأفكارا جادة وهامة، ومتعة جمالية، ويمكن أن تتضمن كذلك معارف بيداغوجية تطبيقية، وتحوي ابتكارات إجرائية و تقنية وجمالية، وذلك على مستوى الأداء والتعبير والتشكيل. وكل هذا يمكن أن يستفيد منه الطلبة والأساتذة الباحثون في مجال المسرح والفنون والعروض الفرجوية والمشهدية. ونستحضر من بين هذه الفنون والفرجات الفطرية العريقة: النو، والكابوكي، وكاطاكالي، وأوبيرا بكين (Opéra Pékin)، والكوميديا دي لارتي ، والكراكوز، وتعزية الشيعة، وخيال الظل، والحلقة، والمداح، والحكواتي، وسلطان الطلبة، واعبيدات الرما، والسامر، والمقلداتي، والبساط، والجذبات الصوفية (العيساوة)، والعرائس، والأقنعة، والأعراس الأمازيغية... ومن هنا، يظهر لنا أن الإثنوسينولوجيا شعبة علمية جديدة تهتم بدراسة الأفكار القديمة، وتعنى بالإبداع الفني والجمالي، ومقاربة الفرجات الفلكلورية على ضوء مناهج النقد العلمي الموضوعي. وبالتالي، فهي متعددة المشارب والمصادر، وقد تشكلت انطلاقتها الأولى في مجال الفنون المشهدية، وتبلورت كذلك داخل النطاق الجامعي، وداخل أروقة اليونسكو ودار ثقافات العالم . وفي العموم، الإثنوسينولوجيا مقاربة أنتروبولوجية وإثنوغرافية للفرجة الإنسانية نظريا وتطبيقيا إن درسا وإن عرضا. 4- العلوم التي تنبني عليها الإثنوسينولوجيا: تعتمد الإثنوسينولوجيا في دراساتها للفرجات الفطرية والفنون المشهدية على مجموعة من المعارف والعلوم النظرية والتطبيقية بشكل مندمج ومتداخل، كالإثنولوجيا، والأنتروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والبيولوجيا، وعلم الأعصاب، واللسانيات، والسيميوطيقا، والتاريخ، والجغرافيا، والاقتصاد، والفيزياء، والرياضة البدنية، والموسيقى، والرقص، وعلم المسرح، وعلوم الدين، والفلسفة، والمناهج النقدية الأدبية، والثقافة الشعبية(الفلكلور)... ويعني هذا أن الإثنوسينولوجيا علم مركب من مجموعة من التخصصات والشعب العلمية المتداخلة، والتي تسمح بفهم الظواهر الثقافية اللامادية، وتفسيرها وتحليلها وتأويلها بطريقة شمولية وكلية ، وذلك على أسس علمية، وعلى ضوء مناهج موضوعية ، تحد ، بحال من الأحوال، من طغيان النزعة الذاتية ذات البعد الانطباعي أو الانفعالي، وتجنب كل تمركز إثني ضيق لايعترف بما لدى الآخرين من أصالة وابتكار وإبداع ، وتفادي التصورات العرقية الشوفينية التي قد ترجح عرقا على باقي الأعراق الإنسانية، وذلك باسم القوة والسلطة والعلم والعقل والتكنولوجيا. 5- المبادئ النظرية والتطبيقية للإثنوسينولوجيا: ترتكز الإثنوسينولوجيا على مجموعة من المبادئ النظرية والتطبيقية، ويمكن حصرها في النقط التالية: مقاربة الظواهر الثقافية الإثنوغرافية، وذلك باعتبارها فرجات شعبية وممارسات أدائية احتفالية. تحديد مكونات الأشكال الفرجوية، وترسم طرائق اشتغالها، وتتبع تطورها أو نكوصها. رصد الأشكال التعبيرية والفرجات المسرحية في أبعادها التاريخية والأنتروبولوجية والفلسفية ، مع تحديد بنياتها الشكلية، واستخلاص عناصرها البنيوية والسيميائية الثابتة والمتغيرة، كأن ندرس فن الحلقة بالمغرب مثلا، وذلك بمعرفة تاريخها، ورصد مكوناتها السيميائية اللفظية وغير اللفظية، وتعرف بناها الفنية والجمالية والكوريغرافية والإيقاعية، وتحليل خطابها الدلالي، واستقراء أبعادها الأنتروبولوجية والطقسية والفلسفية، وعلاقة تلك الفرجة الاحتفالية بالإنسان والمجتمع. البحث عن العلاقات المفترضة بين الأشكال الفرجوية الثقافية بالفن المسرحي، وهل يمكن اعتبارها رافدا من روافده أم هي شكل فني مستقل له هدفه وكيانه الخاص؟ معرفة كيفية استثمار أشكال الفرجات الفطرية أو محتوياتها التراثية، والإفادة من بعض أجوائها لتطعيم العرض المسرحي بمزيد من الأصالة والثراء والتأسيس. الاعتماد على منهجية الملاحظة والإدراك والوصف و التحليل والتأويل، ووصف الأشكال الفرجوية بطريقة علمية موضوعية. البحث عن الفني والجمالي والدرامي في تلك الظواهر الفرجوية الثقافية الأنتروبولوجية، سواء أكانت تلك الظواهر بسيطة أم مركبة. دراسة تلك الفرجات الشعبية الفلكلورية على ضوء مناهج علمية متعددة ومتداخلة، وذلك من أجل تكوين فهم أدق وأعمق بجماليات الفرجة، ومعرفة طرائق اشتغالها أداء وعرضا وفضاء وجسدا وتصويتا وتنغيما. التعامل مع الممارسات الفرجوية الإثنوغرافية، وذلك باعتبارها ظواهر رمزية وسيميائية، وأشكالا علاماتية تستوجب الوصف والتفكيك والتركيب. ربط الفرجة الفلكلورية بكل مكوناتها الجسدية والموسيقية والحركية وطقوسها الأنتروبولوجية والمشهدية. البحث عن مواطن الإبداع والأصالة في تلك الممارسات الفرجوية الشعبية الاحتفالية ذات البعد اللامادي. 6- أهداف المقاربة الإثنوسينولوجية: من المعلوم أن للمقاربة الإثنوسينولوجية مجموعة من الأهداف والغايات القريبة والمتوسطة والبعيدة، ويمكن حصرها في الأهداف التالية: المحافظة على التراث الثقافي اللامادي الذي تركته البشرية للأجيال القادمة. دراسة الثقافة الشعبية الفطرية في بعدها الفرجوي والدرامي والاحتفالي بنية ودلالة ومقصدية. الدفاع عن التنوع الثقافي، حيث تهدف المقاربة الإثنوسينولوجية إلى مناصرة التنوع الثقافي، باعتباره ميسما أساسيا للحضارة البشرية، مع رفض كل أشكال التغريب والاستلاب والتدجين والمسخ والتشويه ، ورفض عولمة الثقافة. وبالتالي، تأبى هذه المقاربة أن تسحق ثقافات الشعوب الأصيلة والعريقة، وذلك باسم التغريب، واستخدام القوة والعلم والتكنولوجيا. جمع جميع أشكال الفرجات الثقافية المتلاشية والمبعثرة والمتناثرة، والتي أوشكت على الاندثار، والعمل على تدوينها ورقيا ورقميا وإعلاميا وبصريا، وتوثيقها توثيقا علميا، مع تسجيلها ، بطبيعة الحال، وطبعها ونشرها، بغية استثمار نتائجها معرفيا وبيداغوجيا. دراسة الممارسات الفرجوية الشعبية الفطرية دراسة اجتماعية وإتنولوجية وأنتروبولوجية ولسانية وتاريخية ونفسية، وذلك بالتركيز على معطياتها الفنية والجمالية والمشهدية، ودراسة أشكالها التعبيرية سواء ارتبطت بالرقص أم بالموسيقى أم بالجسد، كدراسة الگامبوه (بالي)،أو الكاغورا(اليابان)،أوالتيام(الهند)،أوالسلمية(تونس)،أوتشيلولي(ساوطومي،أوديابلادا(بوليفيا)،... مقاربة تلك الظواهر والممارسات الفرجوية العريقة مقاربة علمية، وذلك على ضوء مناهج متعددة، وعلى ضوء الإمكانيات المتوفرة. اكتشاف الآخر عبر هذه الفرجات الدرامية، ومعرفة ثقافته الموروثة، وطريقة تفكيره، وطبيعة اعتقاداته، ونمط ذوقه، وطريقة التعامل مع الذات والموضوع. معرفة أنماط التخييل الفني والجمالي وطرائق التعبير لدى شعوب العالم ، وذلك أثناء حديثها عن الهوية أوالتعددية، أوالدعوة إلى الانسجام الثقافي، واحترام ثقافات الشعوب الأخرى. العمل على الجمع بين عدة تخصصات، مثل: الإثنولوجيا والأنتروبولوجيا، و المسرح، والموسيقى ، والرقص، من أجل فهم الفرجة القديمة، وإدراك الظواهر الدرامية الإنسانية في شتى تمظهراتها التعبيرية والفنية والجمالية. دراسة الممارسات الفرجوية والأشكال التعبيرية في طابعها الفطري والطقسي، دون إخضاعها لقواعد المسرح الغربي، وإسقاطات الرؤية الغربية. 7- بعض الأعمال الإثنوسينولوجية الغربية والعربية: يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدراسات والكتب الغربية التي يمكن أن تندرج ضمن الإثنوسينولوجيا، ومن بينها كتاب:" سوسيولوجية المسرح" لجان دوفينو ، وكتاب جان ماري براديي ومقالاته، مثل: " الفضاء وصناعة الجسد- إثنوسينولوجية الفرجة في الغرب من القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الثامن عشر" ، و" الممثل: مظاهر التعلم" ، والكتاب الجماعي:" الفضاء الركحي والأرض: أسئلة الإثنوسينولوجيا" ، وكتابي باتريس بافيس:" تحليل الفرجات" و"الإخراج المعاصر" ، وكتب أوجينيو باربا عن المسرح الثالث أو المسرح الأنتروبولوجي ... وعلى المستوى العربي، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأعمال التي يمكن إدراجها ضمن الإثنوسينولوجيا ، بشكل من الأشكال، مادمت تبحث في الفرجة الدرامية إثنوغرافيا وأنتروبولوجيا، وتبحث عن أشكالها، وتعنى بوصفها ، وتهتم بتحديد مكوناتها البنيوية والتاريخية. ومن أهم هذه الكتب، نستحضر: كتاب محمد عزيزة:" الإسلام والمسرح" ، وكتاب عمر محمد الطالب:" ملامح المسرحية العربية الإسلامية" ، وكتب الدكتور حسن المنيعي:" أبحاث في المسرح المغربي" ، و" المسرح المغربي: من التأسيس إلى صناعة الفرجة" ، و" يبقى الإبداع" ، و"المسرح...مرة أخرى" ، وكتاب حسن بحراوي:" المسرح المغربي بحث في الأصول السوسيوثقافية" ، وكتاب عبد الله حمودي:" الضحية وأقنعتها، بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب" ، وكتاب خالد أمين:"الفن المسرحي وأسطورة الأصل(مساحات الصمت) ، و ماكتبه المسكيني الصغير في دراسته القيمة:" مدخل إلى تعريف الثقافة الشعبية ودورها الوظيفي" ، وكتاب حسن يوسفي :" المسرح والأنتروبولوجيا" ، وكتاب محمد التهامي الحراق" موسيقى المواجيذ" ، وكتاب جميل حمداوي:" المسرح الأمازيغي" ، وكتاب حافظ الجديدي:" في الفنون المشهدية" ، وكتاب محمود الماجري:" مسرح العرائس في تونس: من ألعاب كاركوز إلى العروض الحديثة" ، وكتاب عادل حربي:" محاور درامية في الثقافة السودانية" ؛ وكتاب خليفة أحمد محمد :" ألعاب الصبية في السودان" ، وكتاب علي الضوء:" الموسيقى التقليدية في مجتمع البرتا" ، وكتاب الدكتور عثمان جمال الدين" الفلكلور في المسرح السوداني" ...وهلم جرا. أما الذين اهتموا بتوظيف الفرجات التقليدية والأشكال الفطرية في عروضهم وتجاربهم المسرحية تنظيرا وتطبيقا، لابد أن نذكر: كروتوفسكي، وأنطونان أرطو، وأوجينيو باربا، وبريشت، وأريان مينوشكين، وجاك ليكوك، وبيتر بروك، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، ورواد المسرح الاحتفالي العربي، و الطيب الصديقي، وأحمد الطيب العلج، وعز الدين المدني،وعبد القادر علولة، والفاضل الجزيري... تركيب واستنتاج: وعليه، فالإثنوسينولوجيا (الأنتروبولوجيا الثقافية) هي دراسة لمجمل الممارسات الدرامية، والأداءات الفرجوية، والأشكال التعبيرية الفنية لمختلف الشعوب الإثنية والتجمعات الثقافية في العالم كله، حتى التي توجد في الغرب نفسه. والغرض من ذلك هو إدراك الخصوصيات الثقافية، وفهم الهويات البشرية، وذلك من خلال ما يعرض من أداءات طقسية، وفرجات فنية وجمالية، وأشكال درامية تعبيرية ، مع رصد التنوع الفني والجمالي والفرجوي في كل التمظهرات الثقافية الشعبية. كما أن الإثنوسينولوجيا مقاربة أنتروبولوجية للفرجة البشرية نظريا وتطبيقيا، حيث تعتمد في ذلك على مجموعة من العلوم والمعارف لدراسة الفرجات المسرحية دراسة علمية موضوعية ، بغية فهم ثقافات الشعوب، وإدراك عاداتها الموروثة، وملاحظة تقاليدها وأعرافها، ومعرفة طريقة تفكيرها. ولقد حاولت الإثنوسينولوجيا جاهدة دراسة الفرجة بعيدا عن مصطلح المسرح والنص المكتوب الجاهز. وتستعمل هذه المقاربة مصطلح الفرجة (spectacle)، ولكنها تفضل ، في نفس الوقت، استعمال مصطلح الإنجاز (Performance) كما لدى كروتوفسكي Grotovski، وهذه الفرجات المنجزة كما هو معلوم منظمة بشكل دقيق، وتقدم بشكل منطقي وغير عشوائي. كما تهتم المقاربة الإثنوسينولوجية بدراسة العلاقة الموجودة بين الفرجة ومحيطها، وذلك بالتركيز على المرسل والرسالة والمرسل إليه والقناة والسياق والمرجع. ولا تقتصر المقاربة الإثنوسينولوجية على التمركز الثقافي الذاتي ، بل تدرس الإنسان الشامل في كل أنشطته الثقافية، من مأكل ومشرب ولباس وجسد ورقص، وطريقة التفكير والانفعال والرؤية والذوق والشم والسمع، كما يشير إلى ذلك مارسيل موس(Marcel Mauss ) . وعليه، فالإثنوسينولوجيا في مضمونها العام تدرس الطقوس والثقافات الشعبية والعادات والتقاليد والظواهر الفطرية والأشكال الاحتفالية والفرجات، كما أن هذه المقاربة عبارة عن معرفة بيولوجية وثقافية للمنجز الفرجوي، ودراسة للجسد والفضاء والموسيقى والرقص في علاقة بالثقافة والمجتمع والدين. ومن هنا، فالممارسة الإثنوسينولوجية ليست فرجة جمالية وفنية فحسب، بل هي فرجة ثقافية وحضارية واجتماعية وإثنوغرافية شاملة. الهوامش: - يشرف على رئاسة وحدة الإثنوسينولوجيا داخل هذا المعهد بتونس العاصمة الدكتور محمد مسعود إدريس؛ 2 - عادل حربي: محاور درامية في الثقافة السودانية، مطبعة جامعة الخرطوم، السودان، الطبعة الأولى سنة 2005م، ص:5؛ 3 - عادل حربي: محاور درامية في الثقافة السودانية، ص:5-6؛ 4 - جان دوفينو: سوسيولوجية المسرح، الجزء الأول، ترجمة: حافظ جمالي، وزارة الثقافة والإرشاد القومي،دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 1976م؛ 5 -Jean-Marie Pradier : La scène et la fabrique des corps.Ethnoscénologie du spectacle vivant en Occident, 5e siècle avant J.-C.-18e siècle, Presses universitaires de Bordeaux, Janvier2000 ; 6- PRADIER J.-M., 1986 (1979), « L'acteur : aspects de l'apprentissage », Préface de Jean Duvignaud, in : Actes du colloque Le théâtre, le corps et les sciences de la vie, Internationale de l'Imaginaire, N°6/7 : 84-96. 7 - Auteurs collectifs : La scène et la terre: Questions d'ethnosociologie, Internationale de l'Imaginaire, numero3, Babel, 1999 ; 8 - Patrice Pavis : L'Analyse des spectacles, Paris.Nathan.1996 ; 9 - Patrice Pavis : La mise en scène contemporaine, Armand Colin, 2008 ; 10 - Eugenio Barba : L'Archipel du Théâtre, Contrastes Bonffonnheries, Imprimé à Carcassonne 1982 ; 11- د. محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م؛ 12- د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م؛ 13- د.حسن المنيعي: أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية سنة 2001م،؛ 14- د. حسن المنيعي: المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، 1994م؛ 15- د.حسن المنيعي: ويبقى الإبداع، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، الطبعة الأولى 2008م، 16- د.حسن المنيعي: المسرح... مرة أخرى، سلسلة شراع، العدد:49، فبراير 1999م؛ 17- حسن بحراوي: المسرح المغربي بحث في الأصول السوسيوثقافية، المركز الثقافي العرب، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م؛ 18- د.عبد الله حمودي: الضحية وأقنعتها، بحث في الذبيحة والمسخرة بالمغارب، دارتوبقال للنشر، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ 19- د.خالد أمين: الفن المسرحي وأسطورة الأصل(مساحات الصمت)، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، الطبعة الثانية، 2007م؛ 20- المسكيني الصغير:( مدخل إلى تعريف الثقافة الشعبية ودورها الوظيفي)، مسرحية حكاية بوجمعة الفروج، مطبعة دار النشر المغربية، عين السبع، الدارالبيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2000م، صص:7-44؛وانظر كذلك: (التراث والمسرح والثقافة الشعبية)، مجلة الفصول الأربعة، ليبيا، عدد:45 سنة 1991م، ص:8؛ 21- د.حسن يوسفي: المسرح والأنتروبولوجيا، دار الثقافة ، الدارالبيضاء، الطبعة الأولى سنة 2000م؛ 22- د. محمد التهامي الحراق: موسيقى المواجيذ، منشورات الزمن، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ 23- د. جميل حمداوي: المسرح الأمازيغي، منشورات الزمن، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م؛ 24- د.حافظ الجديدي: في الفنون المشهدية، تبر الزمان، تونس، الطبعة الأولى سنة 2007م؛ 25- د. محمود الماجري: مسرح العرائس في تونس، دار سحر للنشر، تونس، الطبعة الأولى سنة 2008م؛ 26- د.عادل حربي: محاور درامية في الثقافة السودانية، مطبعة جامعة الخرطوم، السودان، الطبعة الأولى سنة 2005م؛ 27- خليفه أحمد محمد: ألعاب الصبية في السودان، مركز دراسة الفلكلور، مصلحة الثقافة، الخرطوم، طبعة 1973م؛ 28- علي الضوء: الموسيقى التقليدية في مجتمع البرتا، معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم، السودان، طبعة 1983م؛ 29- د.عثمان جمال الدين: الفلكلور في المسرح السوداني، مؤسسة أروقة للثقافة والعلوم، الخرطوم، طبعة 2005م؛ 30- Marcel Mauss : « Les techniques du corps », journal de Psychologie, n°3-4, 1936.