سنحاول في هذه المقالة التأريخ لديداكتيك العلوم والبحث في السياق الذي ميز نشأة وتطور هذا المجال المعرفي دوليا ووطنيا. وسنحاول كذلك أن نطرح بعض التساؤلات حول تعامل ديداكتيك العلوم مع الإشكالات المطروحة على مستوى تدريس العلوم دوليا. كما سنتطرق إلى بزوغ هذا المجال المعرفي وطنيا مع النظر إلى المحاولات التي سعت إلى استنباته في التربة المغربية وتكييفه مع واقع منظومة التربية والتكوين والمشاكل التي يطرحها تعليم وتعلم العلوم بالمغرب. تعتبر ديداكتيك العلوم من العلوم الحديثة التي لم تعرف التطور إلا في العقود الثلاثة الأخيرة. فقد انبثقت من رحم مجموعة من المجالات المعرفية كالبيداغوجيا، علم النفس، الابستومولوجيا، تاريخ العلوم، إلخ. ولم تستطع فرض الاعتراف بها كمجال معرفي إلا في السنوات الأخيرة من خلال النتائج التي ميزتها عن المجالات المعرفية الأخرى وكذا من خلال بناء مفاهيم ومناهج خاصة بها. ويمكن أن نميز بين مرحلتين أساسيتين : مرحلة ما قبل سنوات الثمانينات التي تميزت بظهور الإرهاصات الأولى لهذا المجال المعرفي الفتي ومرحلة ما بعد هذه السنوات التي تميزت بتطور ملحوظ لهذا المجال. 1 المرحلة الأولى : سنوات النشأة (قبل سنوات الثمانينات) 1 1 الإرهاصات الأولى لقد عرفت مرحلة ما قبل سنوات الثمانينات العديد من المحاولات المتعلقة أساسا بتحسين جودة تدريس العلوم. فالبعض يعتقد أن المؤشرات الأولى لانبثاق ديداكتيك العلوم ظهرت بتاريخ 4 أكتوبر 1957، تاريخ إرسال أول مركبة فضائية (سبوتنيك 1) من طرف الاتحاد السوفياتي. فقد اعتبر هذا الحدث تحديا تكنولوجيا للدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية (Closset, 2001). فلم تستطع هذه الأخيرة الرد على هذا التحدي إلا في سنة 1960بوصول أول إنسان إلى سطح القمر وذلك بعد استثمار أموال طائلة. وقد تبين للمسئولين الأمريكيين أن الاعتماد فقط على الاستثمارات المالية الضخمة لرفع التحدي السوفياتي غير كاف، بل يتطلب الأمر التوفر على الكفاءات العلمية ذات المستوى الرفيع. وقد اتضح فيما بعد أن هذه الكفاءات لا يمكن إعدادها إلا بتحقيق جودة تعليم العلوم وخاصة في المستوى التعليم الثانوي. ولهذا الغرض أنشأت في الولايات لمتحدة الأمريكية بعض اللجان التي أوكل إليها الاشتغال على مشاريع تتعلق بالرفع من جودة تعليم العلوم، وعلى سبيل المثال نذكر : 1956 : Physical Science Study Commity (PSSC) 1964 1968 : Harvard Physics Projets ورغم المجهودات التي قامت بها هذه اللجان، فإن أشغالها لم تحقق الأهداف التي أحدثت من أجلها، حيث تبين أن تعلم العلوم لا يتطلب فقط المعرفة الجيدة لهذه العلوم ولكن يتطلب أيضا المعرفة الجيدة للمتعلمين (طريقة تفكيرهم، الصعوبات والعراقيل التي تعترضهم أثناء تعلمهم، ألخ.). ونفس العمل تم ببعض الدول الأوروبية، حيث أنشأت لجان من أجل تحسين وتجديد تعليم العلوم كلجنة لاغاريغ (Lagarrigue) بفرنسا التي قدمت تقريرا عن رؤيتها لتجديد تعليم العلوم سنة 1971 وبدأت تطبيق توصياتها سنة 1973 ولجنة نيفيلد Nuffield ببريطانيا (1960 1970) التي عملت على إدخال المنهج الاستقرائي في تدريس العلوم بالمدارس الابتدائية. وقد ظهرت الإرهاصات الأولى للبحث في ديداكتيك العلوم بفرنسا مع إحداث لجنة لاغاراغ التي كانت تتوفر على مختبر للبحث LIREST الذي كان يشرف عليه دولاكوت Delacôte. كما تم إنشاء مختبر LDPES بجامعة باريس 7 سنة 1978 الذي ركز في أعماله على ديداكتيك العلوم الفيزيائية في الثانوي والسلك الأول الجامعي. 1 2 المحاولات الأولى عرفت سنوات ما قبل الثمانينات بعض المقاربات من أجل تحسين تعلم العلوم، نذكر منها : مقاربة التعلم بالاستكشاف خصوصا في فرنسا مقاربة أنشطة التفتح العلمي خصوصا في المرحلة الابتدائية وقد وجهت فيما بعد لهذه المقاربات عدة انتقادات، كالمبالغة في الاستقراء وغياب الاهتمام بالمحتوى من خلال التركيز على الأنشطة المستقلة للمتعلمين. وبالرغم من هذه الانتقادات التي أظهرت محدودية هذه المقاربات، فإن منحاها التجديدي شكل انطلاقة لطرح مجموعة من التساؤلات التي ساعدت فيما بعد على بناء مقاربات جديددة لتعليم العلوم. فمثلا، محدودية مقاربة «التعلم بالاكتشاف» أدت إلى إعادة النظر في مفهوم «التعلم بالاستقبال» أو ما يسمى ب»التعلم السلبي». ورغم ذلك فإن مفهوم «التعلم بالاستقبال» (Novak, 1979; Ausubel, 1968; Ausubel et al, 1978) قد ساهم في ظهور بعض المفاهيم الأساسية ك»التعلم ذي معنى» أو « التعلم المفيد» أو « الخريطة المفاهيمية» أوبالأخص ما يمكن أن نسميه «المعرفة السابقة للمتعلمين». وعلى العموم، فقد تميزت مرحلة ما قبل الثمانينات بندرة الأطروحات في مجال ديداكتيك العلوم، كما أن برامج تكوين المدرسين لم تكن تعتمد على أية مرجعية تستند على نتائج البحوث والدراسات في هذا المجال المعرفي الحديث العهد. فقبل سنوات الثمانينات لم تكن تصدر إلا ثلاث مجلات متخصصة، يتعلق الأمر بمجلتي Science Education و Journal of Research Science الأمريكيتين، الأولى بدأت تصدر ابتداء من سنة 1916 و الثانية ابتداء من سنة 1963 بالإضافة إلى مجلة Studies Science Education البريطانية التي صدر لها أول عدد سنة 1972 (Gil ?Pérez, 1996). 2 المرحلة الثانية : سنوات التطور (مرحلة ما بعد الثمانينات) مع بداية عقد الثمانينات بدأت تعرف ديداكتيك العلوم تطورا ملموسا وأصبحت مجالا خصبا للبحث والدراسة، والدليل على ذلك هو عدد المقالات العلمية في الديداكتيك الذي أصبح في تزايد مستمر وكذا العدد الهام من المجلات التي بدأت تنشر مجموعة من البحوث والدراسات في مجال ديداكتيك العلوم. إذن فخلال عقد الثمانينات عرف ديداكتيك العلوم قفزة نوعية وكمية، ولكن يجب الإقرار أن هذه القفزة لم يكن من الممكن أن تتحقق لولا التراكمات التي حصلت قبل هذا العقد. فمن الأمور التي ساهمت في انبثاق ديداكتيك العلوم وتطورها، نجد المحاولات الأولى التي ارتكزت على مرجعيات نظرية للدفاع عن الطرق النشيطة التي بدأ بعض التربويون يستعملونها قبل عقد الثمانينات في تعليم وتدريس العلوم. ومن الأسماء التي طبعت هذه المحاولات، نجد اسمين بارزين : غاستون باشلار Gaston Bachelard في مجال الابستمولوجيا و جان بياجي Jean Piaget في مجال علم النفس. فالنسبة لباشلار، فقد تم الاعتماد على أعماله لتفسير الأهمية التي يجب إعطاؤها لتمثلات التلاميذ في الأنشطة التعليمية التعلمية. أما بالنسبة لبياجي، فقد تم الاعتماد على أعماله كمراجع سيكولوجية بالأساس. فأعماله تؤكد أن المعرفة تنتج عن نشاط التلميذ وتفاعله مع محيطه. كما أن هناك أعمالا أخرى ساهمت في تطور ديداكتيك العلوم، يتعلق الأمر بالأفكار والمفاهيم المستوردة من مجالي علم النفس الاجتماعي وعلم النفس المعرفي. ولا يمكننا أن نغفل أن الديداكتيك اعتمدت كليا في بدايتها على المناهج المعمول بها في مجالات معرفية أخري كعلم النفس وعلم الاجتماع. ويعلق اسطولفي Astolfi و دوفلاي Develay (2002) على المنحى الذي اتخذته الديدكتيك في هذه الحقبة قائلين بأنه «تأكد بأن الديداكتيك قد خطا، في ما بين 1980 و1985، خطوات إلى الأمام، لأنه أصبح يضم تفكيرا ذا اتجاهين : نفسي وابستمولوجي ليؤسس بالتالي، دون أن يفرض ذلك، مجموعة من الممارسات البيداغوجية الممكنة»(ص.5 و6). يتبين من كل ما سبق أن مجموعة من المحاولات والأعمال ساهمت في انبثاق وتطور ديداكتيك العلوم ابتداء من سنوات الثمانينات. وبالفعل، فقد توجت هذه المحاولات بظهور أول برنامج بحث في ديداكتيك العلوم، يتعلق الأمر بدراسة تمثلات التلاميذ. 2 1 أول برنامج بحث في ديداكتيك العلوم : دراسة تمثلات التلاميذ أعطى البحث في ديداكتيك العلوم خلال سنوات الثمانينات أهمية قصوى لدراسة تمثلات التلاميذ، وقد قام دويت (Duit, 1993) بتحليل وضح من خلاله تنامي أهمية هذا البرنامج والأولوية التي أصبح يحضا بها اعتمادا على النتائج الواضحة والمقنعة لهذا البرنامج بالمقارنة مع نتائج أعمال أخرى في نفس المجال. ويمكن القول أن الميزة الأساسية للبحوث المندرجة في إطار هذا البرنامج، بالرغم من ضعف اعتمادها في البداية على مرجعيات نظرية، هي الثبات الكبير لنتائجها، حيث النتائج مستقرة من باحث لآخر ومن دولة لأخرى ومن تلميذ لآخر (Tiberghien, Jossem et Barojas, 1998 ; Viennot, 1996 ; Johsua et Dupin, 1993) ونجد بيبليوغرافيا تجمع ما يناهز 6000 مرجع ب INP بألمانيا تهم الأعمال والأبحاث التي اهتمت بدراسة تمثلات التلاميذ. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البرنامج لعب دورا أساسيا في إدماج نتائج الدراسات في مجالات معرفية أخرى مثل اللغة (Ross et Sutton, 1982 ; Solomon, 1983)، الابستمولوجيا التكوينية (Driver, 1981 ; Lin, 1987) وبشكل خاص تاريخ وفلسفة العلم (Posner et al, 1982 ; Gilbert et Swift, 1983 ; Matheus, 1990) وقد اعتمد هذا البرنامج، في مرحلة لاحقة، على المقاربة البنائية كمرجعية أساسية لأغلب الباحثين في ديداكتيك العلوم. وقد ساعدت هذه المقاربة في تطور ديداكتيك العلوم وخصوصا مع بداية عقد التسعينات، حيث أدى التقاء البحث حول التمثلات مع اعتماد المقاربة البنائية إلى نمو الاتفاق حول كيفية توجيه سيرورات التعليم والتعلم. وقد استطاع برنامج البحث الخاص بدراسة تمثلات التلاميذ أن يطرح أسئلة عميقة حول فعالية التعليم المعتمد على التصورات التي تعتبر أن المعرفة يمكن نقلها أو تحويلها، كما ساهم في صياغة العديد من الأسئلة حول تصورات المدرسين بخصوص تعليم العلوم وتعلمها. 2 2 ظهور برامج بحث أخرى في ديداكتيك العلوم في مرحلة لاحقة، أدى الاهتمام بسيرورات التعلم إلى دفع الباحثين في ديداكتيك العلوم (Posner et al, 1982) وفي علم النفس (Carey, 1985) إلى التطرق إلى مفهوم التغيير المفاهيمي، حيث افترضت مجموعة من البحوث أن تعلم العلوم هو عبارة عن تغيير مفاهيمي1 (Posner at al, 1982). ولكن مع نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات، بدأ الباحثون ينتقدون الاستراتيجيات المعتمدة على مفهوم التغيير المفاهيمي (Duschl et Gitomer, 1991) حيث أظهروا محدودية استراتيجيات التغيير المفاهيمي (Schuell, 1987 ; White et Gunstone, 1989), وبالفعل، فقد أظهرت بعض الدراسات أن التغيير الذي يحصل أثناء التعلم مثله مثل التغيير الذي يقع عندما نمر من نظرية إلى أخرى. فهذا النوع من التغيير يتم في نفس الوقت على المستوى الأنطولوجي، المنهجي والأكسيولوجي داخل مجال مفاهيمي معين. وقد تم كذلك تفسير محدودية استراتيجيات التغيير المفاهيمي بعدم الاهتمام بالمعرفة الإجرائية وكذا الفعالية الجزئية للاستراتيجيات التعليمية المتعلقة بالتغيير المفاهيمي. وفي أواسط الثمانينات بدأت تظهر بعض البحوث المعتمدة على التراكم الذي تحقق بفضل النتائج المختلفة التي تم التوصل إليها في ديداكتيك العلوم وكذا المفاهيم التي مكنت من دراسة العديد من الظواهر التعليمية التعلمية بنجاح كبير. وهكذا ظهرت بعض البحوث المتعلقة بالنماذج والنمذجة في العلوم التجريبية، حيث طرحت أسئلة مثل : ما هي النظريات والنماذج التي يجب تدريسها ؟ أو التي يتم تدريسها للتلاميذ ؟ ما هو المجال التجريبي الذي يجب أن نربط به النظرية أو النموذج ؟ ما هي النماذج والنظريات المتواجدة في المعرفة العلمية المرجعية ؟ ففي فرنسا، مثلا، تم استعمال نماذج معدة من طرف الباحثين أو مستمدة من الممارسة العلمية لإعداد مقاطع تعليمية (Lemeignan et Weil-Barais, 1993 ; Méheut, 1997, 1998). وفي مرحلة لاحقة، ظهر تيار يؤكد على تملك الوسائل المعرفية التي تمكن المتعلمين من القيام بأنشطة النمذجة. وقد تم التركيز في هذه البحوث على المرجع الامبريقي المتمثل في الأجسام، الظواهر....والذي يحتوي على معارف (وصف الأجسام، السيرورات، القواعد التطبيقية......) (Martinand et al, 1992 ; Orange, 1997). وقد قام تيار آخر من الباحثين في إطار نفس برنامج البحث بتحليل المعرفة التي يجب تدريسها ومعارف المتعلمين العفوية والعلمية انطلاقا من سيرورات وأنشطة النمذجة. وقد اعتبر التعلم كبناء لمعنى في وضعية معينة انطلاقا من العلاقات التي تربط بين عناصر المعرفة (Tiberghien, 2000). وتجدر الإشارة إلى أنه في هذه الأعمال لم يتم استبعاد حل المشاكل في العلوم من طرف المتعلمين ولكن أعطيت الأسبقية لتحليل المعرفة بواسطة أنشطة النمذجة. و قد ساهمت فيما بعد مجموعة من الفرضيات التي طرحها بعض الباحثين في تطوير ديداكتيك العلوم، ونجد من ضمن هذه الفرضيات : - الفرضية التي تعتبر أنه لا يمكن أن نعزل تعلم العلوم (امتلاك المعرفة العلمية) عن فهم طبيعة العلم ومناهجه والعلاقات المتواجدة بين العلم والمجتمع وكذا عن ممارسة العلم (تنمية الخبرة في البحث وحل المشاكل). - الفرضية التي تعتبر المتعلمين كباحثين مبتدأين والتي تعطي تقييما أفضل للوضعية التعليمية وذلك من خلال الإشكاليات المفتوحة والعمل في المجموعات، الشيء الذي ينسجم مع أعمال فيكوتسكي Vygotski حول دور الخبير في مساعدة أعضاء المجموعة الأقل تجربة و خبرة (Driver, 1993). - الفرضية التي تعتبر أن الاختزالات المرتبطة بطبيعة العلم تنتقل عبر التدريس كانعكاس للابستمولوجيا العفوية للمدرسين. فمع بداية التسعينات اهتمت الأبحاث بدراسة وجهات نظر المدرسين حول طبيعة العلم، حيث تأكد أنه من غير الممكن تغيير ما يقوم به المدرسون والتلاميذ داخل القسم دون تغيير ابستمولوجيتهم وتصوراتهم حول كيفية بناء المعرفة و حول طبيعة العلم. إن الابستمولوجيا العفوية للمدرسي في نظر بعض الباحثين تخلق عراقيل أمام تجديد تدريس العلوم (Larochelle & Désautels, 1992 ; Gil-Perez, 1996). - بخصوص تشخيص تمثلات التلاميذ، فإن البعض (Gil-Perez, 1996) يعتقد أنها تبقى سطحية وذلك باعتماد مجموعة من الوسائل (استمارات، مقابلات....) التي تعطي معلومات مباشرة عن إجابات التلاميذ و رد فعلهم. و يطرح مقابل ذلك الاعتماد على مفهوم ‹نطاق النمو الأقرب» «zone de développement proximal» وذلك حتى نتمكن من التعرف بشكل أدق و أعمق على الصعوبات والعراقيل التي تعترض تعلم التلاميذ. - إنتاج برامج مبنية على مجموعة من الأنشطة المقترحة وكذا برامج بحث والتي يمكنها أن تساعد التلاميذ على بناء معارفهم. - إعطاء المقاربة البنائية أهمية أكبر في تكوين المدرسين و ذلك عن طريق تنمية تفكيرهم النقدي ووجهات نظرهم حول العلم و تعليم و تعلم العلوم وجعل تكوين المدرسين عبارة عن أنشطة تمكن من بناء و إعادة بناء المعرفة المرتبطة بتعليم و تعلم العلوم. في السنوات الأخيرة، بدأ البحث يعرف توجهات جديدة من خلال التطرق إلى بعض الإشكالات التي أظهرتها نتائج البحوث السابقة في ديداكتيك العلوم، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر : - البحث في العلاقات الممكنة بين خطاب المدرس والتعلم الذي يتحقق لدى المتعلم. - دراسة لحظية النشاط المعرفي للتلميذ ووضعية تعليمية و ربطها بالتطور على المدى البعيد. وهذا الإشكال يرتبط بالمدد الزمنية المعتمدة أثناء البحث، إنه التحدي الذي يجب رفعه لكي نفهم جيدا تطور معارف التلاميذ. - منهجية الهندسة الديداكتيكية و التصديق الداخلي (validation interne) حيث يتعلق الأمر بالمقارنة بين التحليل القبلي والتحليل البعدي للمقاطع التعليمية. هذا التصديق الداخلي لا يستبعد التصديق الخارجي. وهذه المنهجية تستدعي استغلال نتائج البحث في ديداكتيك العلوم. - عندما تحذف تكنولوجيا الإعلام و التواصل العمل الإجرائي (travail procédural) الذي تقوم به الآلة و تسمح للتلميذ بالتركيز على المظاهر المفاهيمية، فإنها أصبحت موضع تساؤل حيث حثت بعض البحوث في هذا المجال على رفع التعارض بين ما هو مفاهيمي conceptuel و ما هو إجرائي procédural (Séré, 1998, Laborte, 2001). 3 تطور ديداكتيك العلوم بالمغرب مع أواسط السبعينات بدأت تظهر الإرهاصات الأولى لديداكتيك العلوم بالمغرب. وقد كان للتعاون مع بعض الدول، خصوصا مع فرنسا وكندا، دورا كبيرا في ظهور هذا المجال المعرفي ببلادنا. ففي هذا السياق تم خلق سلك تكوين أساتذة المراكز التربوية الجهوية (Homologât) بالمركز التربوي الجهوي السويسي بالرباط سنة 1975 وذلك من أجل إعداد بعض الأطر للتكوين بمراكز تكوين الأطر التعليمية نظرا للخصاص الذي كانت تعرفه هذه المراكز في السنوات الأولى لتأسيسها من حيث الموارد البشرية المكلفة بالتكوين البيداغوجي والديداكتيكي . وبعد ذلك تم التحاق مجموعة من خريجي الجامعات الفرنسية، البلجيكية والكندية المتخصصة في ديداكتيك العلوم من أجل القيام بمهام التكوين الديداكتيكي بمراكز تكوين الأطر التعليمية2. وعلى إثر التحاق هؤلاء الخريجين بمراكز التكوين، بدأت تعرف هذه المراكز بعض التكوينات الخاصة بالديداكتيك. ونظرا لتأثر بلادنا بما يقع في بعض الدول الغربية وخصوصا في فرنسا، فقد بدأ يعرف تعليمنا مع بداية الثمانينات إدخال بعض المقاربات في مناهجنا التعليمية وأخص بالذكر إدماج أنشطة التفتح العلمي بالتعليم الابتدائي وإعطاء أهمية أكبر للأنشطة التجريبية في تدريس العلوم بالتعليمين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي. ومع مرور الوقت، وخصوصا مع بداية عقد التسعينات، بدأنا نلاحظ الاستعمال التدريجي لبعض المفاهيم الديداكتيكية في الخطاب الرسمي (التوجيهات التربوية، المذكرات الوزارية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين....). وقد توجت المجهودات المبذولة لإعطاء وضع اعتباري لديداكتيك العلوم في منظومة التربية والتكوين بإحداث سلك ثالث لديدداكتيك العلوم بالمدرسة العليا للأساتذة التقدم بالرباط والمدرسة العليا للاساتذة بمراكش وكلية علوم التربية بالرباط. حيث تخرج العديد من المكونين المتخصصين في ديداكتيك العلوم. هؤلاء المتخرجين سيضطلعون بمهام تدريس ديداكتيك العلوم بمختلف مراكز تكوين الأطر التعليمية. وقد أدى تواجد مجموعة من الأساتذة المتخصصين في ديداكتيك العلوم بمؤسسات تكوين الأطر التعليمية إلى خلق العديد من مجموعات وفرق البحث بمختلف مناطق المغرب. وقد توجت هذه الدينامية بتأسيس الشبكة المغربية لديداكتيك العلوم سنة 1998 على هامش فعاليات الملتقي الدولي لديداكتيك العلوم والذي احتضنته كلية العلوم السملالية (Chafiqi, 2002). وقد ركزت هذه المجوعات أعمالها على مجموعة من القضايا التي تستأثر باهتمام الفاعلين في مجال تدريس العلوم بالمدرسة المغربية. ومع بداية سنة 2000، وتمشيا مع الإصلاح الذي عرفه قطاع التعليم العالي، تم خلق وحدة للبحث والتكوين خاصة بداكتيك العلوم بكلية العلوم ابن مسيك التابعة لجامعة الحسن الثاني المحمدية كما تم خلق دكتوراه في نفس التخصص بكلية العلوم ظهر المهراز جامعة محمد بن عبد الله. وقد توجت هذه الأعمال بصدور العديد من المقالات العلمية في مجلات دولية ووطنية. وتتميز هذه الأعمال بمقاربتها لمختلف القضايا المرتبط بتدريس العلوم بالمدارس المغربية. 4 اقتراحات لقد عرفت ديداكتيك العلوم بالمغرب تطورا ملموسا في السنوات الأخيرة. إلا أن هذا التطور لم تواكبه المجهودات اللازمة لدعمه وتشجيعه. ويتجلى ذلك أساسا في محدودية المبادرات التي من شأنها أن تخلق الأجواء المناسبة لتشجيع البحث والتجديد في مجال هذا العلم الفتي. ولا يفوتنا أن ننبه أن المسؤولية يتحملها الجميع. فالمسئولون مطالبون بتوفير الشروط الضرورية للرفع من مردودية هذا المجال المعرفي وذلك على مستوى خلق البنيات والدعم المادي أما المشتغلون في هذا الحقل فمطالبون بربط الإشكاليات التي يشتغلون عليها بالمشاكل الحقيقية المطروحة في منظومة التربية والتكوين. وبناء عليه، فإننا نطرح مجموعة من الاقتراحات التي نرى أنها من الممكن أن تخلق الدينامية المطلوبة وتحقق الأهداف المنشودة. ويمكن أن نلخص هذه الاقتراحات فيما يلي : خلق مجموعات للبحث التربوي بمراكز تكوين الاطر التعليمية بتنسيق مع النيابات و الأكاديميات خلق مرصد وطني للبحث التربوي مهمته التنسيق بين المجموعات و تشرف عليه لجنة وطنية خلق مركز التوثيق للبحث التربوي خلق شراكات مع مؤسسات و منظمات و مراكز البحث الأجنبية مهمة المجموعات على المستوى الجهوي : تشخيص المشاكل التربوية، إعداد مشاريع البحث، إحالة المشاريع على اللجنة المركزية للمصادقة عليها مهمة اللجنة الوطنية : صياغة إستراتيجية وطنية للبحث التربوي، دراسة المشاريع المقدمة و تقدير الكلفة المالية و المصادقة عليها، تتبع و تقييم البحث التربوي تكوين مجموعات جهوية (مختلطة) : باحثون، مكونون، هيئة المراقبة التربوية، مدرسون تكوين اللجنة الوطنية : منسق عن كل لجنة جهوية، ممثلون للوزارة الوصية وضع قائمة للباحثين في مجال التربية و الديداكتيك على المستوى الوطني وضع قائمة للبحوث المنجزة في مجال التربية و الديداكتيك تنظيم ملتقيات دورية للباحثين و المهتمين حول مجموعة من القضايا التربوية تنظيم لقاء وطني كل سنتين لدراسة تطور البحث التربوي والديداكتيكي بالمغرب خلق موقع على الانترنيت خاص بالبحث التربوي والديداكتيكي بالمغرب لتبادل المعلومات بين مختلف الباحثين و المهتمين تشجيع خلق وحدات للتكوين و البحث في مختلف الجامعات المغربية ربط البحث التربوي والديداكتيكي بالمشاكل المطروحة في منظومتنا التربوية المركز التربوي الجهوي أسفي