يعرض اليوم السبت فيلم “كيليكيس دوار البوم” للمخرج المغربي عز العرب العلوي ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان وهران للفيلم العربي، وهذه قراءة أولية في الفيلم : قد يكون فيلم “كيليكس، دوار البوم” لعز العرب العلوي لمحارزي أفضل فيلم مغربي تناول تيمة سنوات الرصاص في المغرب من ناحية زاوية النظر المختلفة التي اختارها مخرجه. إذ يحسب للفيلم عموما كونه جاء بِوِجهة نظر مغايرة لتلك التي شاهدناها في أغلب الأفلام التي تناولت هذه التيمة ، وهي وجهة نظر حراس المعتقلات السرية التي كانت تمتلأ بالسجناء السياسيين في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وجهة النظر هاته التي استطاع من خلالها المخرج أن يقدم نقدا بصيغة فنية مقبولة لهاته السنوات وما اعتراها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وبدون أن يسقط في المباشرة كما أغلب أفلام “موجة الإعتقال السياسي” التي تزامنت مع بداية “العهد الجديد” ومحاولة طي صفحة الماضي بإنشاء “هيئة الإنصاف والمصالحة” . وإذا كان ثلثا الفيلم مرَّا بشكل سلس ومقنع دراميا وكان فيه تطور الشخوص منطقيا فإن الجزء الأخير من الفيلم بداية من سرقة الحارس العجوز أب الفتاة الشابة للسِّجِل الذي يضم أسماء المعتقلين السياسيين وما تلا ذلك من أحداث وهروب الشاب والشابة ومتابعتهما من طرف حرس القلعة اقترب ممَّا نشاهده في أفلام المغامرات والميلودراما. لست مع النقد الإيديولوجي للفيلم، خصوصا ما قد يكون ضد الجانب الإنساني لحراس المعتقل، بل أرى أن هذا الجانب من أهم نقط قوة الفيلم ، إذ أن الشخوص القوية إبداعيا لا في الأدب ولا في السينما هي تلك الشخوص المعقدة نفسيا والتي تختلط دوافعها بين الإيجابي والسلبي، ويكون صراعها الداخلي بين الخير والشر كبيرا ليظهر في كل مرة جانب من الجانبين حسب الظروف التي تتعرض لها ، فأهم الشخوص هي تلك الرمادية.
التمثيل في الفيلم كان جيدا، إذ لم نعد محتاجين أن نعيد ما قلناه عن أمين الناجي الذي يتقمص أدوارا مختلفة بنفس الحرفية، أما محمد الرزين العائد ليملأ خانة كانت قد خلت لفترة بعد وفاة محمد مجد، كونه ربما الوحيد الذي يمكن أن يؤدي أدوارا لشخصيات في مثل هذا السن بحرفية كبيرة في السينما المغربية، وقد أدَّى دور الفقيه الَّلا مُبالي الذي ستنقلب لامبالاته رأسا على عقب بعد رُؤيَته لجثة ابنه المعتقل السياسي المتعفنة، بنضج الممثلين الكبار، ثم حسن باديدا الذي تم اكتشافه متأخرا وأظهر أنه ممثل جيد ولايمكن أن يخلف الميعاد مع المشاهد في دور الحارس الغير المقتنع بما يفعله منذ البداية والذي سينقلب على رؤسائه في نهاية الفيلم. وتظل مفاجأة الفيلم السَّارة هي محمد بوصبع الذي أدَّى دور الكولونيل السَّادِي بشكل جد متميز موحيا في آن إلى شخصية الحسن الثاني خصوصا في خطابه بداية الفيلم الذي ألقاه على الحراس. على العموم يظل فيلم “كيليكس، دوار البوم” رغم بعض الهفوات التقنية القليلة جدا خصوصا في استعمال المؤثرات الخاصة، من بين أهم الأفلام المغربية التي شاهدناها في الدورة الأخيرة (19) للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة. وفي الأخير يجب التنويه بأن لمسة ورؤية عز العرب العلوي لمحارزي التي لمسناها في أفلامه القصيرة وفي فيلمه الروائي الطويل الأول “أندرومان” حاضرة في فيلمه هذا أيضا، وبذلك يكون قد حافظ على بصمته في أغلب أعماله وهذا ما يحسب له.