انطلقت الرحلة من مدينة ‘ميدان'، عاصمة مقاطعة سومطرة الشمالي ، عبر حافلة سياحية ووجهتنا هي أروع عجائب إندونيسيا على الإطلاق: بحيرة طوبا أو كما يسميها الإندونيسيون هنا Danau Toba وهي أكبر بحيرة في جنوب شرق آسيا تبلغ مساحتها نحو 1200 كلم مربع، أي أنها أكبر من مساحة دولة سنغافورة المجاورة بأزيد من 500 كلم مربع! صوب Simalem نحو 4 ساعات بالحافلة هي المدة التي استغرقتها رحلة الطريق إلى نقطة Simalem بمقاطعة karo القريبة والمطلة على البحيرة التي ترتفع عن سطح البحر بحوالي 900 متر ويصل عقمها لنحو 500 متر، هناك في الطريق الممتدة والمتعرجة ترافقك مناظر طبيعية خلابة لا تمل العين من رؤيتها ولم تمنع أحدا منا في فتح هاتفه أو مصورته لأخذ صور ولقطات المساحات الخضراء من الأشجار ومزارع الأرز والشاي، واصطفاف المنازل التقليدية والكنائس والمساجد على الطريق، بينما كانت مختلف وسائل النقل وسط الطريق خاصة الدراجات النارية المعروفة هنا بكثرة استعمالها، بجانب تلك التقليدية، منها الطاكسي التقليدي الذي يطلق عليه الإندونيسيون هنا ‘بيتسا' أو becak. عبر المسالك الطرقية الضيقة بين الجبال، تخرج بين الفينة والآخرى أنواع من القردة صغيرة الحجم فرادى وجماعات وهي تتجول هنا وهناك على جنبات الطريق أو بين الأشجار، لتضفي على المشهد الساحر مشهدا حيويا آخر يعطي للطبيعة الساحرة حياة وحركية ممتعة للزائر ومبهجة للسائح لأول مرة. تشير المعطيات التي اطلعنا عليها من الناحية الجيولوجية أن Danau Toba، التي توجد وسط الجزء الشمالي من جزيرة سومطرة، تربض فوق فوهة أكبر بركان في العالم، حيث يقال هنا أن أنه حدث أعظم انفجار بركاني في تاريخ البشرية. عند الوصول إلى منتجع Simalem resort، يمكن أخيرا رؤية سحر بحيرة Danau Toba، أول تجربة مباشرة للنظر إلى ‘جنة الله فوق الأرض' كما أسماه مسؤول إندونيسي في لقاء سابق معنا بمدينة ميدان، فعلا بدى الجميع متحمسا للغاية لمعانقة هذا السحر الطبيعي الخلاب، إذ تمتد عيناك لأفق بعيد تتناسق فيه ألوان المياه الزرقاء ببياض الضباب الذي زار سماء الجزيرة الزرقاء والصافية في أحيان متفرقة. لقاء خاص في ليلة المبيت ب Simalem resort، خصصت لنا حفلة عشاء على شرفنا كمغاربة ضيوفاً فوق العادة، حيث خصنا وفد رسمي من مسؤولي حكومة منطقة ‘كارو' باستقبال خاص، ظهرت حفاوته من خلال تعليق قماش المنطقة التقليدي المعروف باسم Uis على كتف الضيوف المغاربة، كشكل من أشكال كرم الضيافة، فيما بعث لنا الوفد الإندونيسي الرسمي رسالة شكر ورجاء بالاستمتاع بتجربة السفر هذه وتكرارها في القادم من الأوقات. نحو Samosir في الطريق إلى جزيرة ساموسير Samosir التي توجد وسط بحيرة ‘طوبا'، كان التوقف لساعات من أجل الاستراحة ووجبة غذاء خفيفة أمرا مثيرا للإعجاب، إذ وقع الاختيار هذه المرة على منطقة Tele Samosir حيث توجد منارة كبيرة يُمكّن الصعود إلى أعلاها من رؤية بانورامية للبحيرة والجزيرة معا والاطلاع على مناظر رقراقة للجبال والمساحات الزراعية الخضراء الساحرة. الذي رأيته في ساموسير Samosir، التي توصف بأنها خامس أكبر جزيرة تقع داخل بحيرة في العال، هو أنها منطقة سياحية بامتياز، فهي تضم فنادق ومراكز سياحية من كل الأصناف، حيث يقصدها الزوار من داخل جزيرة سوماطرة وباقي مناطق إندونيسيا، وحتى السياح الأجانب من خارج البلاد، خاصة دول جنوب آسيا. في نهاية هذا المسلك السياحي، كان الشعور بالرغبة الجامحة في البقاء أمرا حاضرا بقوة، فجمال الطبيعة والإحساس بالهدوء واعتدال الطقس وحب سكان المنطقة من شعب ‘الباتاك' كلها عوامل تجعل من الزائر لأول مرة لهذه ‘الجنة' مدهوشا ويحتار في عودة قادمة لمحو آثار الدهشة وإعادة الصلة والارتباط العذري بهذه الأرض وشعبها.