طائرتنا من مطار Barajas بمدريد نحو مطار Charleroi ببروكسيل كلفتنا مائتي درهم تقريباً، أي، أرخص من رحلة عبر قطار ONCF الدّائم التّأخر و الذي سيُقلّك فقط ! من طنجة إلى مراكش على سبيل المثال خلال ثمان ساعات أو أكثر. قبل إقلاع الطائرة من مدريد إتفقنا مع « سعيد »، رفيق الدرب و صديق المقاعد الدراسية و المدرّجات الجامعية على أن نلتقي بمطار Charleroi الذي يبعد بستون كيلومتراً عن قلب العاصمة البلجيكية، رحل سعيد نحو الغربة منذ ستة أشهر، رحل بصمتٍ بعد أن فقد الأمل في وطنه، رحل و دقّ مسماراً آخر في نعش مجموعة من الأصدقاء فرّقتهم كسرة الخبز التي رمت كل واحد منهم في أحضان المجهول فلم نعد نلتقي إلّا نادراً. كنت متحمّساً جدّاً لرؤية سعيد مرّة ثانية بعدما كنت آخر من ودّعه و هو بباب الباخرة المتوجهة نحو إسبانيا، بوابة الإتحاد الأوروبي، أنا الآن بالمدينة التي سكنها و ربّما سكنته أيضاً، إنتظرناه حتى خرج من السيارة باحثاً عن وجوهنا، كان وجهه بشوشاً كالعادة، لا زال سعيد هو هو، لم يتغيّر فيه شيء سوى عنوان سكنه، حتى عادته في التأخّر لم تتغير و تأخر علينا لأكثر من نصف ساعة. تبدو بروكسيل كعجوز أوروبية إستغلت شبابها خير إستغلال لتزداد جمالاً كلّما تقدمت بها السنين، شوارع واسعة و قوانين زاجرة للسيطرة على الحركة المرورية و تنظيمها، مساحات خضراء لو كانت عندنا لسميت غابات مخصصة للتنزه و ممارسة الرياضة وضخ الأوكسجين لرئة المدينة، بنايات بنكهة التاريخ و أخرى بطعم التطور مزوّدة بكل وسائل العيش الكريم تضمن للناس مكاناً يحفظهم من لسعات البرد القارس هنا. ليلتنا الأولى هنا أنقذتنا من جحيم الوجبات السريعة و الشاورمات التي تدغدغ الجوع و تنهك الجيوب بلا فائدة، فأن تحل ضيفاً على صديقك المغربي يعني بالضرورة دجاج و خبز و « تغماس »، يعني بالضرورة كرم حاتمي و كأنك ببيت أمك و أبيك.