بتاريخ 24 يوليوز الجاري تقدم الأمين العام للأمم المتحدة بتقريره السنوي «الحالة في الصحراء الغربية» التمهيدي للمناقشات التي ستنطلق مع بداية أكتوبر وصولاً لاستصدار قرار أممي جديد من مجلس الأمن حول الصحراء، وهو التقرير الذي نُشِرَ رسمياً مؤخراً بالموقع الرسمي للأمم المتحدة، الذي يغطي الفترة من يونيو 2023 إلى يونيو 2024، عملاً بقرار الجمعية العامة 85/78، وهو التقرير الذي يتضمن 22 نقطة أو فقرة تتطرق لمختلف الجوانب المتعلقة بتطورات الملف سياسياً وأمنياً. ويمكن إجمال بعض الملاحظات الأولية على التقرير تمهيداً للمناقشات المستقبلية التي ستجري بالأمس في ما يلي: التقرير عمد في فقرته الثانية إلى تحديد الإطار العام له وللنزاع بقوله «يتناول مجلس الأمن نزاع الصحراء باعتباره مسألة تتعلق بالسلم والأمن» مؤكداً على «ضرورة التوصل لحل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين»، وهو بذلك يعيد التأكيد على كون النزاع هو اختصاص حصري لمجلس الأمن الذي له حق النَّظر والفض فيه باعتباره ملفاً يتعلق ب«السلم» و«الأمن»، هنا لابد من الإشارة إلى الربط الذي قام به الأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء بمسألتي السلم والأمن في المنطقة، مما يعكس وعياً أممياً بكون استمرار هذا الملف دون حل فيه تهديد للسلام ويُشكل تقويضاً للوضع الأمني بالمنطقة، مما يجعله يعيد التأكيد على ما ظل المغرب يطرحه في مذكراته الترافعية المتعلقة بالنزاع، وقد زادت هذه الفقرة في توضيح الأساس المعياري الذي يشتغل عليه مجلس الأمن من خلال تأكيد ذات الفقرة على القواعد التي تم تحديدها كإطار مرجعي أساسي للتوصل للحل ولطبيعته، وهو حل سياسي يضمن الاستدامة ويحقق العدل، مما يؤكد على كون النزاع مازال غوتيريس ينظر إلى حله في إطار المادة السادسة من ميثاق الأممالمتحدة التي تحث على التوصل لحل لكل الأزمات بالتوافق، وإذا كان «استفتاء تقرير المصير» الذي قد طُرِح مع اتفاق وقف إطلاق النار لا يتوافق مع هذه المعايير فإن الأممالمتحدة تبحث عن بديل له يستجيب للمعايير المُعلن عنها في التقرير، التي لا تخرج عن مبادرة الحكم الذاتي. الفقرة الخامسة من التقرير أعادت التذكير باستهداف المدنيين بمدينة السمارة من طرف مليشيات تنظيم البوليساريو الإرهابية، وهي الأحداث التي أكد على وقوعها وعلى استهداف المدنيين الآمنين، وهو بذلك يعيد التأكيد على كون تنظيم مليشيات البوليساريو قام بخرق اتفاق وقف إطلاق النار واستهدف المدنيين ليكون بذلك قد خرق، ليس فقط الاتفاقات، بل أجهض العملية السياسية وجعله خارج أي إطار سياسي ومباحثات يمكن إجراؤها مادام قد ذهب نحو استهداف المدنيين، إذ لا يمكن للمغرب كما لا يمكن للأمم المتحدة أن تعيد بعث المسار السياسي مع تنظيم مليشياتي، إرهابي. في النقطة العاشرة منه أعاد التقرير التذكير بالأطراف الفاعلة في الملف عندما تحدث عن تحركات ستافان دي ماستورا، هنا كان يشير بوضوح إلى المغرب والجزائر، وإلى اللقاءات التي نظمها مع كل من وزيري خارجية هذه البلدان، مما يكون قد أكد بوضوح على محورية الدور الجزائري في الملف وأنها هي الطرف الفاعل في الملف إلى جانب المغرب، وكان ذكر تنظيم البوليساريو هامشيا في هذه التحركات السياسية، كما أنه بتحديده للأطراف الفاعلة في الملف وتوسيعها لتشمل موريتانيا وتنظيم البوليساريو، فهو يؤكد أن الزيارات التي قام بها ستافان دي ماستورا لبعض الدول كجنوب إفريقيا تمت لبلدان غير فاعلة في الملف وفي المسار السياسي، بالتالي يكون الموقف المغربي من تلك الزيارات موقفاً صائباً، ومستنداً إلى رؤية الأممالمتحدة وليس موقفا شخصيا تجاه هذه التحركات. الفقرة الخامسة عشرة من التقرير اتجهت نحو التذكير بالواقع الإنساني داخل المخيمات وحاجة ساكنة المخيمات إلى المساعدات الإنسانية، بحيث أشار التقرير إلى أنه رغم وضعه « لخطة الاستجابة للاجئين الصحراويين 2024-2025» إلا أن حجم التبرع لم يصل إلا إلى 29% من مجموع المبلغ الذي كان يجب رصده للساكنة، وهو 110,5 مليار دولار، مما يؤكد رفض الدول والمنظمات الدولية منح المساعدات المالية للمخيمات بسبب السوابق التي حدثت من خلال نهب المساعدات الإنسانية وسرقتها وتحويلها لغير وجهتها، وما تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش وتقارير الصليب الأحمر والعديد من المنظمات الإنسانية سوى دليل على نهب هذه المساعدات مما دفعها لوقف تمويلها لأي خطة حتى لو كانت الأممالمتحدة هي من تشرف عليها مادامت ستسلم تلك المساعدات لقيادة تنظيم البوليساريو، الذي سبق أن اتُهِمت عدة عناصر منه بالإضافة لجنرالات جزائريين، بنهب المساعدات المالية والغذائية التي كان يُفترض توجيهها للساكنة هناك، بالتالي فانخفاض هذا الدعم ورفض الجهات المانحة تقديمها تأكيد على هذه الوقائع التي يدفع ثمنها سكان المخيمات. الفقرة السابعة عشرة من التقرير يمكن اعتبارها مجرد حشو تم إقحامها بدون أية مناسبة، إذ تتحدث عن كون مفوضية الأمم لحقوق الإنسان «رغم الطلبات المتكررة التي تقدمت بها لزيارة الصحراء... لم يسمح لها بالقيام بها منذ سنة 2015"؛ وقد كان يجب على غوتيريس أن يكون أكثر دقة في صياغة هذه الفقرة لسببين: الأول أن السنة المشمولة بالتقرير «يونيو 2023-2024» لم تضع فيها المفوضية أي طلب لزيارة المنطقة وحتى عندما طُرح الموضوع على الأممالمتحدة هذه السنة من طرف جمعيات موالية للانفصاليين أجابت بالصمت ولم تشر إلى أنها تقدمت هذه السنة بأي طلب وأن المغرب لم يسمح لها بالزيارة، السبب الثاني أن المغرب عندما كان يُطلب منه زيارة المنطقة من طرف أي وفد أممي وقد كان هذا الأمر مطروحا بشكل شخصي مع المبعوث الأممي الأسبق والسابق للصحراء، كان يجيب بكونه يرحب بأي زيارة للمنطقة مع ضرورة التنسيق معه ومع السلطات المغربية لتنظيمها وليس للتحكم في الأجندة، اعتباراً لكون المغرب هو صاحب السيادة والإدارة على المنطقة، وأن هذه الأخيرة ليست منطقة خلاء، بل هي تُدار من طرف المغرب بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ولا يمكن التعامل معها كمنطقة بدون سيادة دولة، لذلك فهذه الفقرة يمكن القول إنها قد تسللت وقد تُضلل القارئ لأنها قُدمت في غير سياقها الأممي ولا الحقوقي، كما أنها توهم القارئ وكأن المفوض الأممي لحقوق الإنسان قد تقدم هذه السنة بطلب لزيارة الأقاليم الجنوبية وأن طلبه قد رفض من طرف المغرب في هذه الفقرة المشمولة بالتقرير! وهو ما لم يحدث لا من طرف المفوضية ولا من طرف المغرب!! الفقرة التاسعة عشرة من التقرير هي أيضاً تثير الملاحظة إذ اكتفت من جانبها بالحديث عن «رفاه معتقلي أحداث اكديم ازيك» دون أن تقدم تدقيقاً واضحاً حول المقصود بذلك، ودون أن تكون قد استندت إلى تقارير حقوقية محايدة ترصد وضعيتهم داخل السجون المغربية حيث يقضون عقوبتهم، وهو بذلك يكون قد سقط في حشو ثان، خارج السياق الحقوقي الذي تعيشه المنطقة، وقد تكون هذه الفقرة مقدمة للظهور بمظهر المتوازن عند حديثها في ما بعد عن حاجة المخيمات للحماية الحقوقية، وعن ضرورة ضمان حقوق الإنسان داخلها، التي كان على الأمين العام للأمم المتحدة التركيز عليها بسبب تكرار حوادث الإعدام خارج نطاق القانون التي تحدث بمخيمات تندوف وتُزهق فيها الأرواح... الفقرة الاثنان والعشرون والأخيرة من التقرير تعتبر مفتاح هذا التقرير، وتعكس الرؤية السياسية للأمم المتحدة، إذ أعادت التأكيد على الإطار العام للحل السياسي ومرجعياته المتمثلة في القرارات الصادرة عن مجلس الأمن منذ سنة 2018 إلى الآن، أي منذ اعتماد مبادرة الحكم الذاتي كأساس لطي الملف، خاصة عند ربطها «هذه الفقرة» بالوصول إلى حل سياسي، عادل ودائم، يضمن تقرير مصير وفقاً لهذه القرارات المُشار إليها، يكون قد أَّطر هذا المفهوم بالحكم الذاتي ومعاييره السياسية. تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول «الحالة في الصحراء الغربية» هو تقرير يعيد التأكيد على الثوابت الأساسية التي يُدار بها النزاع، وهي ثوابت مستندة على الحكم الذاتي كأساس للحل، وبالتأكيد أن مرحلة ما بعد التقرير ستكون متأثرة بالعديد من المستجدات المرتبطة بالملف منها الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء والتزامها بترجمة هذا الاعتراف على الصعيد الدولي، مما سيشهد قفزة جديدة على طريق دعم الحل المغربي وطي الملف على أساس مبادرة الحكم الذاتي.