قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره حول الحالة في الصحراء تنفيذا للقرار الأممي عدد 2654، وهو التقرير الذي سبق إحاطة المبعوث الأممي ستافان دي ماستورا وتقرير رئيس بعثة المينورسو. وقد جاء تقرير هذه السنة في ظل سياق دولي يشهد صراعات ونزاعات اتخذت طابعا دمويا وعنيفاً، مما يجعل الأممالمتحدة حريصة على أن يظل مسار هذا الملف في نفس سياقه السياسي خاصة على مستوى التشديد على ضرورة الوصول إلى « حل سياسي، واقعي ومتوافق بشأنه»، وهو الأمر الذي تستحضر فيه الأممالمتحدة مخاطر الانزلاق الذي قد يشهده الملف في ظل توترات إقليمية ودولية خطيرة. يمكن إجمال مجموع بعض الملاحظات انطلاقا من قراءة التقرير في ما يلي: 1 – مرجعية الخطاب الملكي: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة استند في عرضه للتصور المغربي ولقراءته السياسية للنزاع إلى بعض الفقرات التي وردت في خطب الملك: خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2022 الذي ذكر به التقرير عندما تحدث الملك عن المشاريع التنموية الكبرى التي تشهدها الصحراء، وهي مشاريع اقتصادية لها انعكاسها على منطقة الصحراء خاصة من حيث تحقيق التنمية المنشودة. ودلالة التذكير بهذا الخطاب، من خلال هذه الفقرة ودمجها ضمن تقرير الأمين العام، تعتبر في ظل السياق الحالي إشادة أممية بالمشاريع التنموية التي يحرص المغرب على تشييدها بهذه المنطقة، وجعلها قطبا اقتصاديا ليس فقط مغربيا بل إفريقيا كذلك، خاصة ميناء الداخلة، وهذه الإشادة/الإشارة لاشك أنها ستكون عنصرا مساعدا للمغرب ليس فقط لدحض مزاعم البوليساريو من أن المغرب « يقوم باستنزاف الثروات الطبيعية» بل ستكون قيمة للملف المغربي، وهو يترافع أمام الاتحاد الأوروبي ومحاكمه عندما سيتم تجديد اتفاقية الصيد البحري أومناقشة الطعن، الذي تقدمت به البوليساريو ضد اتفاقية الصيد البحري، بحيث سيعزز من الموقف المغربي في ما يتعلق باستفادة المنطقة من الثروات الطبيعية المحلية ومن عائدات الاتفاقيات التي يوقعها المغرب وتكون الصحراء ضمنها. 2 – طبيعة الحضور الجزائري في التقرير: تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أعاد الإشارة إلى الجزائر ضمن سياقين لهما ارتباط وتأثير مباشرين على النزاع والتوتر في المنطقة، فقد ربط التقرير بداية « التوتر الجزائري-المغربي» وانعكاسه سلباً على المنطقة بحيث يؤدي هذا التوتر الذي تسببت فيه الجزائر إلى تصاعد التهديدات الأمنية بالمنطقة. هذا الربط بين التصعيد الجزائري السياسي والدبلوماسي ضد المغرب وبدون أية دواعي موضوعية، والوضع الأمني في المنطقة وتأثير ذلك على المسار السياسي، يعكس وعياً أمميا بطبيعة الأعمال «العدائية» ذات الطابع السياسي والدبلوماسي، التي تقوم بها الجزائر، هذه الأخيرة التي باتت تشكل تحديا جديداً ينضاف إلى مختلف التحديات الأخرى لإنجاح المسار السياسي الأممي، هذه التحديات الأخرى تجلت في إشارة التقرير إلى الدور السلبي للجزائر في المسار السياسي، بحيث أكد على رفضها للموائد المستديرة، والصيغة الحالية التي يجب أن يشتغل عليها المبعوث الأممي هي صيغة الأطراف الأربعة بطرفيها الأساسيين المغرب والجزائر، هذا الرفض الجزائري هو الذي عرقل عمل ستافان دي ماستورا وجعله غير قادر على إحياء المسار الأممي من حيث انتهى في مباحثات جنيف. هناك اليوم إقرار من طرف الأمين العام للأمم المتحدة بالدور السلبي للدولة الجزائرية سواء في المنطقة من حيث تحركاتها التي تقوم بها ضد المغرب أو من حيث موقفها الرافض للتعاون مع ستافان دي ميستورا، وهو ما جعل الأمين العام يشدد على ضرورة تعاون الأطراف الأساسية « في إشارة للجزائر» مع المبعوث الأممي. 3 – زيارة ستافان للصحراء: كان لابد لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن يشير إلى زيارة مبعوثه للصحراء، وهي الزيارة التي مكنته من الاطلاع على حقيقة الوضع، وهو ما انعكس إيجابا على التقرير بحيث عدَّدَ هذا الأخير كل الجوانب السياسية والحقوقية والاقتصادية لما عاينه ستافان دي ميستورا في زيارته، متناولا إياها بشكل إيجابي، خاصة عند إشارته إلى البنية التحتية بالصحراء، لقاءاته بالمنتخبين وباقي الفاعلين، والوضعية العادية في الداخلة والعيون ولقائه ببعض القناصلة، رغم إشارته إلى أنه لا يجب تحميلها أكثر من حجمها، لكن الإشارة إليها دون التعبير عن أي موقف سلبي من افتتاح القنصليات بالصحراء يعتبر «موافقة» ضمنية بهذا التواجد الدبلوماسي الأجنبي في الصحراء. لقد كان لهذه الزيارة، وتنظيمها المحكم من طرف المغرب والسماح كذلك لستافان دي ميستورا بلقاء بعض العناصر «الانفصالية»، مما مكنه من اكتشاف طبيعة خطابها السياسوي المفتقد لأي أفق قد يكون مساعدا على الحل، وهو ما جعل التقرير يشير إليها بشكل عرضاني، مُقلِّلاً من قيمتها وقيمة المواقف المتجاوزة التي تم التعبير عنها في تلك اللقاءات، (كان لهذه الزيارة) انعكاس ايجابي على التقرير وعلى رؤية الأمين العام للمنطقة، ولما يقوم به المغرب من منجزات اقتصادية، سياسية، مؤسساتية على مستوى الصحراء، وهي منجزات تُعتبر قيمة سياسية لدعم الحل الذي اقترحه المغرب. 4 – مرجعية الحل السياسي الأممي: التقرير الأممي ورغم كل التحركات الدبلوماسية التي تم القيام بها من طرف الخصوم قبيل إصداره، حافظ على نفس الرؤية الاستراتيجية للحل، وهي رؤية تستند، بشكل واضح، إلى قرارات مجلس الأمن الصادرة منذ سنة 2018 إلى آخر قرار صادر في أكتوبر الماضي، وهي قرارات تبنت معايير الحكم الذاتي وأسقطت، بشكل كلي، ما يسمى «باستفتاء تقرير المصير» من حساباتها الأممية، بحيث بات الحل الوحيد القابل للنقاش والواقعي الذي يحقق وينسجم مع المعايير التي وضعتها الأممالمتحدة لطي النزاع هو الحل المغربي، خاصة مع مختلف التطورات التي شهدتها منطقة الصحراء، والتحديات الأمنية المطروحة ارتباطاً بكل ما يشهده العالم من نزاعات إقليمية تهدد السلم والأمن العالميين. الأمين العام للأمم المتحدة كان واضحا في هذه النقطة خاصة عند عدم ذكره في التقرير لأي إشارة إلى «الاستفتاء» في تعبير عن موقف واضح من المواقف الجامدة، التي مازالت تتمسك بها الجزائر التي بسببها تعرقل العملية السياسية، وضوح الأمين العام في هذه النقطة يعتبر توجيها لعمل مجلس الأمن بضرورة الحفاظ على نفس المسار بنفس المرجعيات الأممية، خاصة وأنه أشار إلى مرجعية الحل في القرارات الصادرة منذ سنة 2018 لأكثر من مرة، وختم بها تقريره وهو يوصي بتجديد بعثة المينورسو لسنة إضافية جديدة. هذه بعض العناصر الكبرى التي يمكن تقديمها من خلال قراءة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة استحضارا للمناقشات التي ستتم سواء حول إحاطة ستافان دي ميستورا وصولا إلى استصدار القرار الأممي نهاية الشهر.