بعد موافقة المغرب على مقترح الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بتعيين السيد ستافان دي ماستورا كمبعوث شخصي له للمنطقة يبدو أن الملف سيخرج من الجمود السياسي الذي كان قد دخله منذ أبريل 2019، أي بعد مرور 30 شهر على تقديم كوهلر استقالته من مهتمه لأسباب «شخصية، صحية»، وقد يدخل في حال انخرطت البوليساريو في العملية السياسية بروح إيجابية وفي حال تحملت الدولة الجزائرية باعتبارها الطرف الأساسي والرئيسي مسؤوليتها في النزاع، في مرحلة جديدة تدفعت بالملف نحو الأمام ونحو الطي النهائي له. موافقة المغرب على هذا التعيين لم تكن اعتباطية لكنها كانت منطقة من رؤية مغربية مكتملة للدور الذي قد يقوم المبعوث الجديد خاصة و أن المغرب ظل طيلة هذه السنة و نصف يؤكد على إحياء العملية السياسية وفقا للمعايير الأممية و ظل يتعامل بروح إيجابية مع كل المقترحات التي اقترحها سابقا الأمين العام بحيث وافق المغرب عليها كلها وكان تعيينها يجد عرقلة دائمة من طرف الجزائر التي ترى أن اي تقدم إيجابي في الملف سيكون على حساب المربع المسيطر على الحكم هناك وسيقوض من نفوذها في المنطقة، وقد كانت منطلقات المغرب المُحددة لهذه الموافقة الجديدة على ستافان دي ميستورا الشخصية الدبلوماسية الأممية لاعتبارات عدة يدخل ضمنها مساره الدبلوماسي، لكن كانت أهم المنطلقات سياسية بالأساس، واستراتيجية ترتبط بمختلف التحولات التي شهدتها المنطقة و معها نزاع الصحراء في مختلف أبعاده، لذلك فقد كانت منطلقات المغرب محددة في مايلي: – ستافان دي ميستورا سيشتغل من حيث انتهى كولر، من داخل الإطار الذي حددته قرارات مجلس الأمن خاصة تلك الصادرة منذ 2007 تاريخ تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي واعتباره رسميا من طرف الأممالمتحدة مقترحا جديا وذا مصداقية، بمعنى أنه لن ينطلق من فراغ سياسي، بل سيكون مقيدا بهذه القرارات الأممية التي حدد من خلالها مجلس الأمن رؤيته لإنهاء النزاع، والمسار السياسي للعملية ككل،و يمكن القول أن قرارات مجلس الأمن عدد 2440، 2468، 2494 ثم قرار 2548 هي كلها قرارات تبنت المعايير السياسية المُفضية لتبني مبادرة الحكم الذاتي مادام أن عناصرها الأساسية موجودة في هذه القرارات و تضمنتها، بحيث أقرت الأممالمتحدة الإطار القانوني لحل النزاع ضمن المادة 6 من ميثاق الأممالمتحدة، سياسيا تمثل في دعوتها «للوصول لحل سياسي، واقعي، متوافق بشأنه، ذي روح ودينامية جديدة» وهي كلها عناصر تشير إلى كون فكرة استفتاء تقرير المصير بالمفهوم الكلاسيكي له قد تم تجاوزه ولم يعد يستجيب للروح الجديدة التي تبحث عنها الأممالمتحدة، وأن ما يمثل هذه الدينامية الجديدة هي مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب. – المغرب ينطلق في موافقته على هذا التعيين من منطلق التغيرات السياسية والدبلوماسية، والأمنية الكبيرة التي تزكي مغربية الصحراء، وتؤكد السيادة المغربية الكاملة على هذه المناطق، بحيث أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر جرأة في دعمها الواضح لمغربية الصحراء من خلال القرار الرئاسي الصادر في عهد ترامب الذي تم تزكيته من الإدارة الأمريكيةالجديدة القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء ونعلم جيدا وَقْع هذا القرار على مجلس الأمن خاصة وأن هذه الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي تعد مسودة القرار الذي يتم عرضه للمناقشة والتصويت على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، أضف لذلك الدينامية الدبلوماسية الكبيرة التي شهدتها المنطقة من خلال افتتاح قنصليات دول عربية وأفريقية ولاتينية في مدينتي العيون والداخلة وهو تقدم دبلوماسي لا يمكن تفسيره كونه يدخل فقط في باب المجاملة الدبلوماسية للمغرب، بل هو تأكيد من هذه الدول على دعم دبلوماسي للمغرب و سياسي لمبادرة الحكم الذاتي و لمغربية الصحراء، دون نسيان الوضع الأمني الهادئ في المنطقة الفاصلة بين نقطة العبور الكركرات المغربية والحدود الموريتانية هذا الهدوء تحقق بفضل تدخل الجيش المغربي الميداني نحو تأمينها حماية للحق في التنقل و السلامة الجسدية للسائقين و ضماناً لحرية التجارة البرية مادام أن المعبر هو الممر الوحيد الآمن الرابط بين أفريقيا وأروبا. كل هذه المتغيرات الميدانية ستجعل من ستافان دي مستورا يتعامل معها كواقع سياسي موجود لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه ولا حتى التفكير في خلخلته مادام أنه يحظى بدعم دولي و أممي. – المغرب لم يصادق على هذا التعيين إلا بعد مرور الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت بالمغرب يوم 8 شتنبر التي سجلت أعلى نسبة مشاركة في الأقاليم الصحراوية الجنوبية، بحيث وصلت لأكثر 63 % وهي ليس مشاركة عادية في استحقاق انتخابي، بل هي استفتاء سياسي لهذه الساكنة على مغربية هذه الأراضي سياسيا، وعلى قوة حجم انخراطهم في المسلسل الديموقراطي ببلادنا، وانتخابهم لمؤسساتهم المحلية هو انتخاب واختيار حر ونزيه لممثليهم محليا،وطنيا،و أمميا اعتبارا لكون الوفد الرسمي الذي أصبح يشارك في العملية السياسية أصبح يتكون من ممثلين و منتخبين للساكنة الصحراوية، وهو ما يفند فكرة تمثيل البوليساريو للساكنة الصحراوية مادام أن سكان المخميات لم يشاركوا يوما في اي انتخابات نزيهة لاختيار ممثليهم، و مادام أن الاغلبية الساحقة من الصحراويين هم متواجدين في الأقاليم الصحراوية الجنوبية ساهموا في اختيار ممثلين عنهم. – المغرب على الصعيد الأممي ينطلق من موافقته على تعيين ستافان دي مستورا من موقف واضح سبق له أن أشعر به كولر المبعوث السابق في المباحثات التي جرت في حنيف 1 خاصة جنيف 2، حيث أعلن المغرب آنذاك أنه يجب الإنتقال لمناقشة عمق الحل السياسي وعدم الاستمرار في لقاءات ستتحول للقاءات عبثية، هدفها التقاط الصور من طرف قيادات البوليساريو للبحث عن شرعية سياسية مفقودة لديها، وقد الح على النغرب على أنه يجب التقدم في هذه اللقاءات نحو مناقشة عناصر الحل السياسي المُؤطَّر بالمعايير التي وضعتها الأممالمتحدة التي تشيرللمبادئ الأساسية للحكم الذاتي،و سبق للعاهل المغربي أن أكد رسميا أنه لا نقاش إلا على أرضية الحل السياسي الذي اقترحه المغرب سنة 2007 على الأممالمتحدة، وهو ما يطرح على ستافان دي ماستورا أن ينطلق من حيث انتهى سابقه، أي من مباحثات جنيف 2 التي كانت تمهيدية للدخول في مفاوضات أممية على قاعدة الحكم الذاتي، وعلى قاعدة المائدة المستديرة حيث الجزائر مُعترف بها مطرف أساسي و رئيسي في النزاع. – المغرب وهو يوافق على ستافان دي مستورا فقد استحضر بالتأكيد مسار الرجل السياسي خاصة على مستوى الملف السوري و قدرته على التعامل مع تنظيمات مشابهة لتنظيم البوليساريو، بحيث استطاع قيادة الحوار مع داعش وضمان انتقال العديد من المدنيين من مناطق النزاع إلى مناطق أكثر أمنا، وقد يكون تعاطيه مع تنظيم البوليساريو المشابه في تحركاته التنظيمات الإرهابية خاصة مع تؤكد ارتباطه بالتنظيمات الجهادية التي تهدد المنطقة ككل، مساعد على إنهاء معاناة الساكنة الصحراوية المقيمة والمحتجزة بمخيمات تندوف، وقد تكون تجربته مع داعش عنصرا مساعدا وإيجابيا لدفع البوليساريو للقبول بعودة تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية المقيمة في الأقاليم الصحراوية الجنوبية وتلك المتواجدة في المخميات، وإحصاء ساكنة المخيمات و حصر لوائح المقيمين هناك وتمييز الساكنة المرتبطة بمنطقة النزاع عن تلك التي تم استقدامها من دول الجوار لتوطينها بالمخيمات لرفع عدد الساكنة، وهذا واحد من الأسباب الإنسانية التي قد يكون المغرب وهو يوافق على تعيين دي ميستورا مبعوثا أمميا إلى الصحراء قد قام بمراعاتها لأن المغرب ولم يكن يهمه يوما استرجاع الأرض فقط، بل أيضا الإنسان الصحراوي ولهذا كان دائما داعما للحل السياسي ومتعاونا مع الأممالمتحدة لضمان السلم والأمن بالمنطقة. ما تم تقديمه أعلاه مجرد قراءة للمنطلقات التي قد تكون حكمت موقف المغرب وهو يوافق على تعيين دي ميستورا مبعوثا جديدا للصحراء، وهي منطلقات يتداخل فيها السياسي، بالدبلوماسي بالأمني، هذا التداخل هو عنصر قوة للموقف المغربي ولرؤية المغرب لإنهاء النزاع المتطابقة اليوم مع تصور الأممالمتحدة، وهما رؤيتان تتبنيان معا روح المبادرة السياسية التي اقترحها المغرب لطي النزاع.