استبعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجددا، في التقرير السنوي الذي قدمه أمام أعضاء مجلس الأمن في جلسة مغلقة الأخيرة بخصوص وضعية الصحراء، خيار الاستفتاء حول الصحراء المغربية، الذي اقتنع المجتمع الدولي باستحالة تنظيمه لوجود معوقات تقنية وبشرية و قانونية. هكذا، فإن استبعاد أي إحالة على خيار الاستفتاء في التقرير، «يعني أن الأممالمتحدة تعي بأن الاستفتاء أضحى خيارا متجاوزا»، مما يتوافق والخلاصة التي توصل إليها المبعوث الشخصي السابق للأمين العام الأممي للصحراء بيتر فان والسوم، والتي مفادها أن «دولة مستقلة في الصحراء» هدف غير قابل للتحقيق وأبرز طابع «الواقعية والمصداقية» الذي يحظى به مخطط الحكم الذاتي المغربي. وجدد الأمين العام للأمم المتحدة في التقرير الصادر فجر أمس الثلاثاء التأكيد على تمسك الأممالمتحدة بضرورة دخول جميع الأطراف للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية في مفاوضات جادة وبدون شروط مسبقة وبحسن نية من أجل التوصل إلى «حل سياسي مقبول». في هذا السياق، أكد الدبلوماسي الأمريكي السابق، روبرت هولي، أن التصريحات والتصرفات المدانة لبان كي مون، خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، تتناقض مع «اللحظة التي كان فيها رأيه يوافق موقف مبعوثه الشخصي السابق، بيتر فان فالسوم، الذي خلص إلى أن الاستقلال كحل لقضية الصحراء ليس خيارا واقعيا». وذكر هولي، في مقال نشر على موقع (موروكن دو موف.كوم)الإلكتروني، أن «بان بدا متفقا مع فان فالسوم عندما دعا هذا الأخير إلى الواقعية»، مشيرا إلى أن المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة حسم الأمر، مؤكدا أن «إقامة دويلة أخرى في المغرب العربي ،سيمهد الطريق للمزيد من الصراعات والعنف في هذا الجزء من العالم.» وشدد الأمين العام للأمم المتحدة، على أهمية استمرار بعثة المينورسو في أداء مهامها بوظائفها التأسيسية، باعتبارها «أداة لإرساء الاستقرار» و»آلية لدعم تفعيل القرارات المتتالية» لمجلس الأمن، لكن، يشير تقرير الأمين العام، دون العودة إلى مسألة الإعداد للاستفتاء. وأعرب بان كي مون، الذي عاد في تقريره بشكل ضمني إلى انتقاد تلويحات بعض قادة البوليساريو بالعودة إلى السلاح، عن قلقه إزاء احتمال تصاعد التوتر في المنطقة على إثر قرار المغرب طرد العناصر المدنية داخل البعثة الأممية من الصحراء. وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن تؤدي مغادرة بعثة المينورسو إلى خرق لقرار وقف إطلاق النار واستئناف للأعمال العدائية، مع خطر ما قد يصاحب ذلك من تصعيد إلى حرب شاملة. في هذا الصدد، أوصى بان كي مون في تقريره السنوي، الذي يعكس توازنه انتصار المغرب في واحدة من أكبر المعارك داخل أروقة الأممالمتحدة، أعضاء مجلس الأمن بتجديد ولاية بعثة «مينورسو» لمدة 12 شهرا إضافية حتى 30 أبريل 2017. في هذا الإطار، يعلق الخبير الاستراتيجي المغربي الدكتور المصطفى الرزرازي، على أن الفترة العصيبة التي مر منها الملف منذ منتصف شهر فبراير الماضي على إثر الأزمة التي اندلعت بين الأمين العام بان كي مون والمغرب، والرهانات الخاسرة التي بنى عليها قادة البوليساريو، جعلت الأمين العام يتابع بنفسه تصريحات وتهديدات البوليساريو بالعودة للسلاح، وهي التهديدات التي تتقاطع مع وجود إرادة قوية داخل اللجن التشريعية للأمم المتحدة بتجريم التهديد بالعنف والعودة إليه، خاصة في مناخ التهديدات الأمنية العالمية. وبخصوص الأزمة التي أثارتها تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أثناء زيارته للمنطقة قبل شهر ووصف فيها المغرب ب»القوة المحتلة»، عبر بان كي مون في تقريره الجديد عن أسفه لسوء الفهم الناجم عن أسلوبه في استخدام تعابير ومصطلحات مثل هاته، والتي يؤكد الأمين العام أنها لم تكن تقصد مطلقا الانحياز إلى صف البوليساريو ولا إلى نيته إبداء أي عداء تجاه المغرب. وأوضح بالقول: «لقد أوضحت مرارا وتكرارا أن لا شيء مما أكون قد قلته أو فعلته قد يعني الانحياز لأحد الجانبين، أو التعبير عن العداء للمملكة المغربية، أو يشير إلى أي تغيير في مقاربة الأممالمتحدة لقضية الصحراء....» وأهم ما جاء به تقرير الأمين العام للأمم المتحدة من جديد هو عودته في الفقرة التاسعة عشرة إلى مفهوم تقرير المصير، ليضعه في سياقه الصحيح، وكذا دعوة بان كي مون إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق حول طبيعة وشكل تقرير المصير. وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على أن الحل السياسي يجب أن يضمن اتفاق الطرفين على وضعية الصحراء، بما في ذلك الاتفاق حول طبيعة تقرير المصير، وهو ما يتطابق مع التطورات الجديدة التي طالت القانون الدولي منذ منتصف السبعينيات، بتجاوزها للتعريف التقليدي لتقرير المصير الذي كان يحصر معنى تقرير المصير إما في الالتحاق أو الانفصال، وتقييد إرادات الشعوب في ثنائية دغمائية مرتبطة بأنظمة التفكير لما قبل الحرب الباردة. كما دعا تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشكل صريح ومباشر إلى الانخراط الايجابي لكل من الجزائر وموريتانيا في العملية السياسية، بينما كان التقرير السابق يتحدث عن الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه «أعضاء المجتمع الدولي» من خلال تشجيع الأطراف والدول المجاورة على إيجاد حل لهذه القضية. ويلاحظ على التقرير عدم أخذه بعين الاعتبار مجمل الدعوات إلى تفعيل آليات مراقبة وضعية حقوق الإنسان بمخيمات تندوف، ولا أيضا الدعوات إلى ضرورة تفعيل دور المفوضية السامية للاجئين من أجل مراقبة المساعدات، وآليات توزيعها داخل المخيمات بعد التقارير التي كشفت عن وجود تلاعبات من طرف بعض قادة البوليساريو في المساعدات الإنسانية التي تتلقاها المخيمات. وبخصوص مطالبة المغرب بإحصاء سكان مخيمات تندوف، قال التقرير إنه استمع إلى مطالب المغرب بخصوص إجراء تعداد سكاني للصحراويين في مخيمات تندوف في جنوبالجزائر. وأضاف التقرير على لسان الأمين العام للأمم المتحدة إنه يجدد دعوته إلى تعداد سكان المخيمات من أجل مواصلة المجتمع الدولي تقديم الدعم الإنساني للصحراويين.