بدأ كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الخاص بملف الصحراء، جولة يزور خلالها المغرب والجزائر وموريتانيا ويلتقي بجبهة البوليساريو لإجراء مشاورات يرجى منها، وفق تصريح مساعد المتحدث باسم الأممالمتحدة إدواردو ديل بوي، التحضير للمرحلة المقبلة من عملية التفاوض والأمل في إجراء محادثات مباشرة بين الأطراف المعنية. ويبدو أن روس، الذي تولى ملف الصحراء منذ 2009، لا يحمل في جولته -التي تأتي قبيل رفع التقرير السنوي من طرف الأمين العام للأمم المتحدة شهر أبريل المقبل لمجلس الأمن- جديدا يذكر ولا رؤية لحل سياسي متوافق عليه لنزاع مفتعل، ولا يمكنه ذلك لأربعة أسباب رئيسية وهي: 1 - أن كريستوفر روس وسيط متحيز ويتبنى بوضوح موقف جبهة البوليساريو الداعي إلى استفتاء تقرير المصير؛ وأكد ذلك بوضوح حضوره الشخصي في ندوة نظمت في مقر الأممالمتحدةبنيويورك، شارك فيها كل من خافيير باردن وكيري كينيدي وأميناتو حيدر، بدعم من جنوب إفريقيا ودول إفريقية أخرى مؤيدة للبوليساريو، واتهامه للمغرب في تدخله بعرقلة مخطط التسوية وأنه أخطأ حين رفض الاستفتاء على الصحراء، الأمر الذي يعتبر إخلالا بمقتضيات الحياد والوساطة ويؤكد أن قرار المغرب، في يونيو الماضي، سحب ثقته من روس لتحيزه كان في محله، وأن تمسك بان كي مون به تمسك بالجمود؛ 2 - أن روس تجاهل أن المغرب كان أول من اقترح الاستفتاء، لكن جبهة البوليساريو والجزائر عرقلاه وتبين في ما بعد أنه مستحيل التنفيذ، وهي النتيجة التي خلص إليها سلفه الهولندي بيتر فان فالسوم وقال، بصريح العبارة، إن استقلال الصحراء عن المغرب وتقسيمها غير قابل للتحقيق وهدف غير واقعي، مضيفا بالحرف: «إن البوليساريو إذا استطاعت النظر في حل متفق عليه، لا يكون الاستقلال التام، فإن ذلك سيلقى دعما دوليا واسعا». والأخطر من ذلك أن روس يغلب موقفه الشخصي ويناقض مواقف وقرارات الأممالمتحدة التي دعت إلى العمل على الوصول إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، وهو ما يعني عمليا عدم إمكانية إجراء استفتاء تقرير المصير، فضلا عن دعم قوى كبرى، كالولايات المتحدةالأمريكية وفرنسا، للمقترح المغربي حول الحكم الذاتي الموسع لمنطقة الصحراء واعتبار مجلس الأمن أنه مقترح جدي وأساس لحل سياسي؛ 3 - أن روس ومن قبله لم يحددوا الأطراف المعنية بالنزاع بدقة، وأنها ثلاثة أطراف وليس طرفين فقط، وهي المغرب وجبهة البوليساريو والدولة الجزائرية، لأن مخيمات الجبهة موجودة على أراض جزائرية، والكل يعرف الدعم المالي والسياسي الكبير وغير المحدود للدولة الجزائرية للجبهة وخوضها معارك دبلوماسية نيابة عنها؛ بمعنى آخر، فإن قرار الجبهة النهائي ليس بيدها، ولا يمكن أن تكون ضد ما تريده الجزائر كما قال بذلك إريك جانسن، الممثل الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء، ورئيس بعثة «المينورسو» ما بين عامي 1993 و1998 في حوار صحافي مؤخرا. وفي هذا الاتجاه، قال محمد لوليشكي، السفير الدائم للمغرب لدى الأممالمتحدة: نطلب من الجزائر أن تسهم بشكل إيجابي في حل هذه القضية، ولا يعقل أن تقول إنها غير معنية بالقضية وليس لها أي دور فيها؛ 4 - أن اعتماد الأممالمتحدة جبهة البوليساريو كممثل وحيد للصحراويين أمر غير معقول، ويحتاج إلى مراجعة لأنه لا يستند إلى أساس ديمقراطي، وفيه ظلم لآلاف الصحراويين الوحدويين (المتشبثين بوحدة المغرب والرافضين لمشروع الجبهة الانفصالي) الذين يدعمون مقترح الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية، فضلا عن غياب الحرية داخل مخيمات تندوف التي تسمح للمحتجزين هناك بالتعبير عن موقفهم بوضوح، وقد اعترفت الناشطة الصحراوية الانفصالية أمينتو حيدر بهذه الحقيقة لما قالت في نيويورك، في ضيافة كيري كنيدي، إن أغلب أفراد عائلتها يختلفون معها ويرفضون توجهها ويدعمون المقترح المذكور، أي الحل السياسي في إطار الوحدة الترابية المغربية. للأسباب المذكورة، سيبقى الوضع في قضية الصحراء المغربية على ما هو عليه، وسيتقدم بان كي مون في أبريل المقبل إلى مجلس الأمن بتقرير يكرر فيه الجمل المعروفة التي مفادها أن الأطراف متمسكة بآرائها، وتوصية بتمديد بعثة المينورسو، وحث أطراف النزاع على الدخول في مفاوضات جادة لأجل حل سياسي. ولئن كان هذا الوضع الجامد لم يكن في السابق يحرك الأطراف الدولية للعمل على معالجته وحسمه، فإن معطيات جديدة ستدفع، سواء المنتظم الدولي أو المحيط الإقليمي، إلى التحرك، وعلى رأسها الأزمة في مالي التي تهدد تداعياتها الاستقرار الإقليمي والأمن في منطقة الساحل والصحراء، خاصة وأن هناك دراسات وتقارير صحافية غربية متواترة تشير إلى تورط جبهة البوليساريو في أنشطة إرهابية بالمنطقة واختراقها من طرف منظمات إرهابية، منها كتاب «ما تخفيه جبهة البوليساريو» للكاتب والصحافي الإسباني تشيما خيل غاري، بالإضافة إلى تقارير الصحافي الأمريكي ريتشارد مينيتر والصحافي الفرنسي تيري أوبيرلي، بالإضافة إلى قول وزير الشؤون الخارجية المالي «تيمام كوليبالي»، في تصريح له، إن «مقاتلين من البوليساريو يوجدون ضمن الجماعات الإرهابية التي تزرع الرعب في مالي». وعلى سبيل الختم، فالمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها، وكل المؤشرات تدل على أن المقترح المغربي سيفرض نفسه كحل سياسي، لأنه حل واقعي ليس فيه خاسر ويحقق مطالب سكان الصحراء، وهو ما أقر به أعضاء وقياديون سابقون في جبهة البوليساريو لمّا فروا من جحيم مخيمات تيندوف.