خفت بريق اتفاقيات تطبيع عدد من الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل مع مغادرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض، ليبقى أثرها منتعشا في العلاقات الاقتصادية والأمنية بين هذه الدول. في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وقّعت إسرائيل والإماراتوالبحرين اتفاقيات تطبيع العلاقات التي أسماها البيت الأبيض "اتفاقيات إبراهيم" ثم انضمت إليها المغرب والسودان. وفي حينه، كان البيت الأبيض يتحدث عن انضمام 6 دول عربية وإسلامية إلى هذه الاتفاقيات، وهو ما لم يتحقق لاحقا. وكانت الإدارة الأمريكيةالجديدة برئاسة جو بايدن بدأت وصف هذه الاتفاقيات بأنها "اتفاقيات تطبيع" ثم استخدمت تعبير "اتفاقيات أبراهام" لكنها شددت على أنها ليست بديلا عن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي هذا الصدد، قال نيد برايس متحدث وزارة الخارجية الأمريكية: " يسعدنا الاحتفال بمرور عامين على توقيع اتفاقيات أبراهام". وأضاف: "كانت هذه الخطوات تحويلية بالنسبة إلى الموقّعين عليها: إسرائيل، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والمغرب". وتابع: "أدت هذه الاتفاقيات إلى أشكال جديدة من التعاون والتكامل الإقليمي". وأردف برايس: "الإدارة (الجديدة) ملتزمة بالتوسع في هذه الاتفاقيات بين إسرائيل والدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة". واستدرك: "في الوقت نفسه، هذه الجهود ليست بديلاً عن السلام الإسرائيلي الفلسطيني، ونواصل عملنا في تعزيز حل الدولتين". ** أهداف خاصة ويأخذ المسؤولون في الإدارة الأمريكية السابقة على الإدارة الأمريكية الحالية أنها لم تمضِ قدما في دفع اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية مع الدول العربية. وعبّر جاريد كوشنر، كبير مساعدي الرئيس الأمريكي السابق وصهره عن "خيبة أمل كبيرة" خلال مشاركته في لقاء نظّمه المعهد الأمريكي الأول للسياسة الداعم لترامب في واشنطن. وأضاف: "خيبة الأمل الأكبر حتى الآن هي أنه لم يتم إشراك المزيد من البلدان (في الاتفاقيات)". وقال كوشنر في مشاركته التي تابعتها الأناضول: "كان لدينا نحو ست مناقشات نشطة جارية"، في إشارة إلى الدول التي كان يمكن أن تنضم إلى اتفاقيات التطبيع دون أن يسميها. وتابع: "هناك الكثير الذي يمكن للإدارة الجديدة البناء عليه، وبمجرد انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله ستنفتح حقبة من الازدهار والسلام في المنطقة ستستمر لفترة طويلة جدا". واعتبر إيمانويل نافون أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب إن "لكل دولة من الدول التي وقّعت اتفاقيات مع إسرائيل أهدافها الخاصة". وقال نافون للأناضول: "مثلا المغرب أرادت اعترافا أمريكيا بسيادته على (إقليم الصحراء) وأراد السودان إزالة اسمه من القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب". وتابع: "كما أن لهذه الدول صراع مشترك ضد إيران ووكلائها بالمنطقة، وإسرائيل شريك أساسي في هذا الصراع". وأشار نافون إلى أن الدول الموقّعة على اتفاقات التطبيع تبحث أيضا عن مكاسبها الاقتصادية. ** معطيات اقتصادية رغم تقلص فرص توسع اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل في الوقت الراهن برأي مراقبين، إلا أن رصد الأناضول يكشف تقدما اقتصاديا متفاوتا بين تل أبيب وعواصم تلك الدول منذ توقيع الاتفاقيات. تشير البيانات المتوفرة إلى أن ذروة نتائج التطبيع كانت من نصيب العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات. وقال معهد "اتفاقيات أبراهام" (غير حكومي) في معطيات حصلت عليها الأناضول: "بلغ حجم التجارة بين إسرائيل والإمارات 302 مليون دولار في يونيو/ حزيران 2022، ما يمثل زيادة بنسبة 88 بالمئة في تجارة البلدين مقارنة مع يونيو 2021". وأضاف: "في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022 بلغت التجارة الثنائية 1.4 مليار دولار، ما يمثل زيادة عن النصف الأول من عام 2021 حيث بلغت التجارة 1.2 مليار دولار". ورجّح المعهد أن تصل التجارة بين إسرائيل والإمارات إلى أكثر من 10 مليارات دولار عام 2027. وتشير بيانات التجارة بين إسرائيل والبحرين إلى زيادة " 8 ملايين دولار في يونيو 2022 ارتفاعًا من الصفر في يونيو 2021″. وأضاف المعهد: "في النصف الأول من عام 2022 وصلت التجارة الثنائية بين البحرين وإسرائيل إلى 5 ملايين دولار، ارتفاعًا من صفر في النصف الأول من عام 2021". وتشير المعطيات إلى بلوغ حجم التجارة بين إسرائيل والمغرب "3.5 مليون دولار في يونيو 2022، انخفاضًا من 9 ملايين دولار في يونيو 2021". ويقول المعهد: "في النصف الأول من عام 2022، بلغت التجارة الثنائية بين إسرائيل والمغرب 19.4 مليون دولار". ووقّعت إسرائيل والإمارات في مايو/أيار 2022، أول اتفاقية للتجارة الحرة بين إسرائيل ودولة عربية. وكانت الدول الموقعة على اتفاقيات التطبيع وافقت على مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية ومالية وصحية وثقافية مع إسرائيل. وتم تدشين خطوط جوية مباشرة بين أبوظبي والمنامة والرباط وتل أبيب. غير أن معلومات نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الأسبوع الماضي، أشارت إلى أعداد متواضعة من السيّاح وصلوا من الإماراتوالبحرين والمغرب إلى إسرائيل، في مقابل عشرات آلاف الإسرائيليين الذين يسافرون إلى الإمارات لوحدها شهريا. واستنادا إلى معطيات مطار بن غوريون الدولي أشارت الصحيفة إلى أن 3600 سائح فقط وصلوا إسرائيل من الإماراتوالبحرين والمغرب حتى نهاية أغسطس/آب منذ مارس/آذار الماضي. ولفتت بالمقابل إلى أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي سافروا إلى الإمارات منذ بداية العام الجاري. ** انتعاش أمني وفي أبريل/نيسان 2022، دخل اتفاق الإعفاء من التأشيرات بين إسرائيل والمغرب حيّز التنفيذ بعد اتفاق مشابه بين إسرائيل وكل من الإماراتوالبحرين. كما شهدت العلاقات الأمنية والعسكرية بين إسرائيل والدول الموقّعة على اتفاقيات التطبيع انتعاشا ملحوظا. في 6 يوليو/تموز 2022، كشف وزير الدفاع بيني غانتس إن "مسؤولين من الجيش الإسرائيلي عقدوا أكثر من 150 اجتماعا مع الحلفاء الإقليميين ووقّعوا صفقات دفاعية بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار خلال عامين" دون مزيد من التفاصيل. وفي ذات الشهر أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن ثلاثة مراقبين عسكريين شاركوا في مناورات "الأسد الافريقي 2022". وفي 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، التقى غانتس بالمفتش العام للجيش المغربي بلخير الفاروق في تل أبيب، ضمن إطار مؤتمر "الابتكار" الذي نظمه الجيش الإسرائيلي. وأضاف غانتش حينها: "منذ لقائنا الأول قبل نحو عام، خلال زيارتي التاريخية إلى المغرب وتوقيع مذكرة تفاهم أمنية، تم إحراز تقدم كبير في العلاقات الأمنية بين البلدين". وتابع: "نحن عازمون على الاستمرار في تعميقها (العلاقات) وتطويرها". وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية، في بيان، إن غانتس والوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، وقّعا "مذكرة تفاهم دفاعية رائدة". وأضافت الوزارة حينها: "توفر الاتفاقية إطارًا صلبًا يضفي الطابع الرسمي على العلاقات الدفاعية بين البلدين، ويضع أساسًا يدعم أي تعاون في المستقبل". وفي فبراير/شباط 2022، أعلنت إسرائيل توقيع اتفاق أمني مع البحرين هو الأول مع دولة خليجية.