كأس الكونفدرالية.. نهضة بركان يمطر شباك نادي قسنطينة الجزائري برباعية ويقترب من بلوغ النهائي    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    الربيع الأمازيغي يُوحّد الشعارات ويُقسّم الساحات.. احتجاجات بالرباط ومراكش تندد بتهميش اللغة والهوية    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    الامارات تحتضن مهرجانا يحتفي بالقفطان المغربي "عبر الزمن" بحضور مصممين دوليين    أسلحة بيضاء في شجار جماعي بالقصر الكبير.. الأمن يحقق ويلاحق المشتبه فيهم    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    رشق بالحجارة داخل مدرسة .. مدير ثانوية في العناية المركزة بعد هجوم مباغت بطنجة    "من سومر إلى لوزان: ريشة فائق العبودي تُكمل الحكاية"    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    غزة تُباد.. استشهاد 29 فلسطينيا منذ فجر الأحد    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الأحزاب الوطنية إلى الأحزاب المواطنة
نشر في العمق المغربي يوم 20 - 09 - 2024

تعاني المنظومة الحزبية بالمغرب من أزمة بنيوية تتمثل في عدم تجاوبها مع مستجدات المشهد السياسي بكل تحدياته وتعقداته . حيث ظهر ذلك بالخصوص ليس فقط من خلال فشل هذه الأخيرة في مهامها التأطيرية ، بل أيضا في عزوف فئات واسعة من المواطنين خاصة الشباب عن الانخراط في هيئاتها التقريرية وتنظيماتها القاعدية ومنظماتها الموازية نظرا لإحساسهم بأنها لم تعد تعكس مطالبهم السياسية وانتظاراتهم الاجتماعية. مما يطرح التساؤل حول مدى ضرورة تحول هذه الأحزاب من أحزاب وطنية إلى أحزاب مواطنة
* النضال السياسي والديمقراطي وتشكل الأحزاب الوطنية
نشأت جل الأحزاب المغربية ضمن حركية اتسمت بالنضال من أجل التحرر من ربقة الاستعمار والمطالبة بديمقراطية النظام
–النضال السياسي وتشكل الأحزاب الوطنية
شكلت الإيديولوجية الوطنية ، إن صح التعبير-وسيلة من وسائل التعبئة التي انتهجتها جل الأحزاب عبر مسارها السياسي. فقد شكل مفهوم الوطنية أرضية مركزية في طروحات كل الأحزاب المغربية منذ نشأتها إلى الآن . ولعل مما ساعد على سيادة هذا المفهوم ضمن المذهبيات الحزبية طبيعة المسار التحرري الذي انتهجه المغرب و الطبيعة الاستعمارية التي خضع لها و التي تميزت على الخصوص بالمظاهر التالية :
* خضوع المغرب للسيطرة الاستعمارية بشكل متأخر بخلاف جل الدول لعربية التي استعمرت في منصف القرن 19 وكذا الدول المغاربية التي استعمرت في نفس الفترة. إذ لم يخضع المغرب للهيمنة الاستعمارية إلا في بداية القرن 20 ؛ الشيء الذي جعل أن مفهوم الشعور الوطني لم يتبلور إلا في وقت متأخر مقارنة بهذه الدول ؛ بحيث لم يتبلور سياسيا إلا في ثلاثينات القرن 20 .
* طبيعة التقسيم الاستعماري الذي خضع له المغرب بتجزيئه إلى ثلاث مناطق نفوذ استعمارية جعل هذا المفهوم يلعب دورا رئيسيا في نضال الأحزاب من أجل تحرير البلاد .
* طبيعة المسار التحرري الذي انتهجته القوى السياسية لاستقلال البلاد ؛ إذ أن تبني خيار استرجاع سيادة المغرب على مختلف أجزائه المغتصبة من خلال سياسة التدرج دفع القوى السياسية إلى تبني هذا المفهوم باستمرار للمطالبة باسترجاع المناطق المستعمرة وركزت عليه طيلة العقود الماضية سواء في الأربعينات من خلال المطالبة باستقلال المغرب أو في الخمسينات من خلال المطالبة باسترجاع بعض الأقاليم الجنوبية من إسبانيا وكذا المطالبة بجلاء القواعد الفرنسية أو في الستينات من خلال المطالبة بجلاء القواعد الأمريكية واسترجاع مناطق من الجنوب بما فيها موريتانيا ؛ أو في السبعينات و الثمانينات من خلال التعبئة الوطنية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية وسبتة ومليلية
* طبيعة المحيط الجهوي و الاقليمي المتميز بوجود قوى إقليمية منافسة للمغرب كالجزائر و إسبانيا اللتان وظفتا مشكل استرجاع الصحراء أو سبتة ومليلية لإضعافه والحد من طموحه الإقليمي بإشغاله بهذه القضايا سيما وهما يستحضران التاريخ الامبراطوري المغربي .
و نظرا لكل هذه المعطيات ؛ فمازالت الأحزاب المغربية ترتكز على المفهوم الوطني لتحديد ورسم معالم أرضيتها الإيديولوجية و السياسية ؛ حيث تجد أن كل الأحزاب بلا استثناء تكرس هذا المفهوم في أدبياتها ؛ حيث تجعل من الدفاع عن الوحدة الوطنية لازمة إيديولوجية في كل المقررات التي تتمخض عنها مؤتمراتها الوطنية وملتقياتها الإقليمية و المحلية .بل لقد شكل المفهوم الوطني أساسا لتحديد الأحزاب لهوياتها السياسية ؛ فغالبا ما جرى هناك تمييز بين الأحزاب الوطنية وغيرها من الأحزاب الأخرى حيث شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال . و الاحتفال بها إحدى الوسائل لهذا التمييز . ولعل هذا ما دفع بالملك الحسن الثاني في إحدى خطبه إلى الإشارة إلى أنه ليست هناك قوة حزبية أكثر وطنية من الأخرى ، فالكل وطني في نظره . كما أدى ذلك إلى قيام باقي الأحزاب بما فيها أحزاب الوفاق ؛ والتي كانت تنعت من طرف خصومها "بالأحزاب الإدارية "، إلى الاحتفال بدورها بذكرى تقديم عريضة الاستقلال حتى لا تترك أي مجال للمزايدة السياسية أمام باقي الأحزاب التي تنعت نفسها بالوطنية .بالاضافة إلى ذلك فقد لعب هذا المفهوم دورا أساسيا في التموقع داخل الأحزاب إذ أن عدة قيادات سياسية وظفت رصيدها التاريخي المتجسد في مقاومة المستعمر و المشاركة في معركة التحرير و الاستقلال من أجل تكريس مواقعها القيادية داخل هذه الأحزاب .
-النضال الديمقراطي وفشل الأحزاب في ممارسة الحكم
من المعروف أن جل الأحزاب ركزت على المسألة الديمقراطية في توجهاتها و أدبياتها السياسية والمذهبية ؛ بما فيها تلك التي نهجت في فترة سياسية معينة أسلوب الاختيار الثوري و العمل على تغيير الحكم القائم على العنف المسلح .و لعل تركيز الأحزاب على هذه المسألة يرجع بالأساس إلى الخصائص التي تميز الحكم المغربي و المتجلية في:
* الطابع التقليدي لبنية الحكم
* الأسلوب المخزني لممارسة الحكم
* الطابع النخبوي لثفافة الحكم
و قد أدت هذه الخصائص إلى إقرار نظام سياسي هجين يوظف الوسائل الديمقراطية لتكريس الحكم المخزني ؛ بحيث تم بهذا الصدد اعتماد البناء الدستوري ، و التصويت الانتخابي و إقامة إطار برلماني لإعادة إنتاج البنية المخزنية وتكريس تحكمها في دواليب الحكم .
من هنا ؛ فقد شكل المفهوم الديمقراطي ركيزة أساسية في إيديولوجية الأحزاب ؛ و أصبحت حتى تلك الأحزاب التي تعتبر راديكالية تحاول اقتباس هذا المفهوم و التأكيد عليه الشيء الذي يفسر تحول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد انفصاله عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتبني خيار النضال الديمقراطي ؛ و نفس النهج تبنته منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ؛ وباقي التنظيمات اليسارية .و هكذا أصبحت كل الأحزاب بمختلف تلويناتها السياسية تؤكد على المفهوم الديمقراطي سواء من خلا الأسماء التي تختارها أو الأدبيات السياسية التي تصوغها . وهكذا نجد أأن المفهوم الديمقراطي يستخدم من طرف أحزاب يمكن اعتبارها على طرفي نقيض كالحزب الوطني الديمقراطي و الحزب الاشتراكي الديمقراطي مثلا . كما أن هذه الوضعية تجعل كل الأحزاب تستعمل نفس الخطاب السياسي الذي يدعو إلى تكريس دولة الحق و القانون ؛ أو تبني الملكية الدستورية ؛ أو إقرار الحريات العامة دون أن تدرك بأن فرض مثل هذه المسائل يعتبر من بديهيات أي نظام سياسي ديمقراطي و أن جوهر التعددية الحزبية يرتكز مبدئيا على إقرار هذا النظام .
* تحول الأحزاب من أحزاب وطنية إلى أحزاب مواطنة
لقد ظهر واضحا ، أن الملك محمد السادس ، منذ توليه الحكم ، بدا منشغلا بشكل كبير بإعادة هيكلة المشهد الحزبي الذي كان قد بلغ درجة كبيرة من التشتت والبلقنة ، حيث كانت ثمرة طبيعية لحكم سلفه الذي انتهج ، في مواجهة مكونات الحركة الوطنية التي كانت تنافسه على السلطة ، سياسة خلق ما سمي بالأحزاب الإدارية ، كجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، والتجمع الوطني للأحرار ، والاتحاد الدستوري ... وقد ظهر هذا الانشغال الملكي جليا من خلال ما تضمنه أول خطاب للعرش الذي أكد فيه الملك محمد السادس على ما يلي :
(...إننا نعتبر أن دينامية المجتمع المدني الفاعل في مجالات التنمية المحلية ومحاربة الفقر والتلوث والأمية وكذا النهوض بمهام القوة الاقتراحية والتأطيرية والتربوية من قبل عناصره النشيطة التي لم تجد نفسها في بنيات المجتمع السياسي تعد مدعاة لهذا الأخير لتأهيل أدواته وتجديد هياكله وتغيير أساليب عمله وإيلاء العناية القصوى للقضايا اليومية المعيشية للمواطنين بدل الخوض في التنابز بالألقاب وجري البعض وراء مصالح أنانية فردية أو أشكال من الشعبوية المضرة بكل مكونات هذا المجتمع السياسي الذي ننتظر منه النهوض الكامل بوظيفته الدستورية المتمثلة في تربية وتأطير المواطنين...). كما ظهر هذا الانشغال الملكي أيضا من خلال تشديد العاهل المغربي في بعض خطبه على ضرورة تجديد النخب الحزبية من خلال إقرار الديمقراطية الداخلية ، والعمل على استقطاب الشباب للانخراط في الأحزاب ، والسعي إلى إقامة أقطاب حزبية تعيد للمشهد السياسي توازنه ووضوحه . وفي سياق هذا الانشغال الملكي ، تم الإسراع في المصادقة على قانون جديد للأحزاب يحدد شروطا خاصة لتأسيس الأحزاب ويضع ضوابط لاشتغالها .لكن يبدو أن كل هذه الإجراءات السياسية لم تؤد إلى المرامي التي كان يطمح لها الملك محمد السادس في بداية حكمه، الشيء الذي ظهر جليا من خلال نسبة المشاركة المتدنية التي عرفتها الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 رغم كل الدعوات الملكية للناخبين للمشاركة بكثافة في هذه الاستحقاقات .ولعل هذا الوضع ، هو الذي دفع إلى التفكير في خلق إطار سياسي يساهم في تجاوز الاختلالات التي يعاني منها الحقل الحزبي بالمغرب. فنسبة المشاركة المتدنية في انتخابات شتنبر 2007 ، قد رسخت القناعة الملكية بضرورة الإسراع لإعادة تأهيل المشهد الحزبي ، وهذا ما تزامن بالطبع مع إطلاق حركة لكل الديمقراطيين التي اتخذت كأرضية فكرية توصيات تقرير لجنة الإنصاف والمصالحة التي أشرف الملك على تأسيسها ، وخلاصات تقرير اللجنة التي كلفت من طرف الملك بحوصلة فترة 50 سنة من استقلال المغرب . لكن بدل أن يتحول هذا الحزب الذي اتخذ مسمى ( الأصالة والمعاصرة) إلى حزب مخالف للأحزاب الوطنية التقليدية والتي واجهته كوافد جديد، وتدشين مرحلة جديدة لنشأة جيل جديد من الأحزاب المواطنة ، تركز دوره في تحجيم الامتداد السياسي والانتخابي لحزب العدالة والتنمية ليندمج في آخر المطاف في خانة الأحزاب الوطنية التقليدية التي لم تنجح لا في ممارسة حقيقة السلطة التي تحتكرها المؤسسة الملكية ولا في التقرب من المكونات المجتمعية والتماهي مع مطالبها .إذ عادة ما تصنف الأحزاب المغربية بأنها أحزاب أطر وليست أحزابا جماهيرية . ولعل هذا التصنيف يبقى صحيحا لأن الشريحة الأساسية التي تتكون منها هذه الأحزاب خاصة على مستوى المنخرطين فيها تتشكل من الأطر سواء كانت تنتمي إلى القطاع العام أو القطاع الخاص . فالموظفون ، و المحامون ، والأطباء ، و الأساتذة و المعلمون ، والطلبة هي الفئات التي تشكل الغالبية في مختلف الأحزاب المغربية بشتى اتجاهاتها و تموقعاتها السياسية .و لعل سبب هذه الظاهرة تكمن بالأساس في عدة عوامل من أهمها :
* الأمية الأبجدية والسياسية المتفشية بين مكونات التركيبة السكانية خاصة القروية والفئات المهمشة
* التمركز الحضري لهذه الأحزاب
* الطموحات الشخصية لهذه الفئات في الترقي الاجتماعي
* تنافس الأحزاب في استقطاب الأطر لتقوية رصيدها لخدمة السلطة المركزية وتوفير الكادر اللازم لتسيير دواليب الدولة .
و قد أدت هذه الظاهرة إلى ندرة باقي الشرائح الاجتماعية والمهنية الأخرى داخل هذه الأحزاب . فنسبة الفلاحين تعتبر جد ضئيلة ضمن مكونات هذه الأحزاب علما بأن فئة الفلاحين تحتل مكانة أساسية ضمن التركيبة الاجتماعية المغربية لا من حيث ثقلها المحلي أو عددها أو تأثيرها في الدينامية الاقتصادية والديمغرافية بالمغرب . كما تقل نسبة الشرائح الاجتماعية الأخرى سواء فئة الصناع أوالعمال رغم كثرة عددهم و أهميتهم ضمن البنية السكانية والاجتماعية بالمغرب في حين لا تشكل النساء ، التي تمثل أكثر من نصف الهرم السكاني ، إلا نسبة ضئيلة ضمن المنخرطين في هذه الأحزاب .و نتيجة لهذه العوامل ؛ غالبا ما تعكس الأحزاب تشابها في توجهاتها ومقرراتها المذهبية . فتجانس المكونات السوسيولوجية والاجتماعية لهذه الأحزاب عادة ما يعكس هذا التشابه . فهذه التوجهات لا تعكس في آخر المطاف سوى طموحات الأطر في الترقي الاجتماعي والاقتصادي. وبالتالي فما دام أن هذه الفئة هي التي تهمين على هذه الأحزاب ؛ فبالضرورة سيؤدي ذلك إلى تشابه حتى في صياغة التصورات و الأفكار التي تؤطر الخطاب الإيديولوجي لمختلف هذه التنظيمات.و لعل هذا ما دفع بريزيت إلى الإشارة ؛ منذ أكثر من ستة عقود خلت ، إلى صعوبة تصنيف الأحزاب المغربية إلى أحزاب يمين وأحزاب يسار بقوله أنه بخلاف الأحزاب الأوربية ، فإن الأحزاب المغربية لايمكن تصنيفها إلى أحزاب يمين وأحزاب يسار، ذلك أن هذين المفهومين يفترضان أن يكون هناك برنامج حكومي يرمي إلى تحقيق أهداف اجتماعية شعبية أو أهداف أوليغارشية .
و نظرا لغياب الطبقات الشعبية والشرائح الواسعة من الشباب داخل التشكيلات الحزبية ؛ فإن شرائح الأطر هي التي ما زالت تستحوذ على المناصب القيادية والقنوات الإيديولوجية لهذه التنظيمات الشيء الذي أدى إلى إنتاج خطاب سياسي متشابه و الذي تحول في الفترة الحالية إلى خطاب متجانس بعد انهيار المعسكر الشرقي و توسع مجال العولمة واكتساح ما سمي بالفكر الوحيد لمختلف بلدان العالم بما فيها المغرب .و لعل مما ساعد على هذا الوضع طبيعة النظام السياسي القائم على التحكم في مختلف الوسائل المادية والاقتصادية للثروة و التعامل مع النخب السياسية من خلال نظام الامتيازات ومنح المكافآت. ولعل طبيعة الانتخابات التي تجري بالمغرب بوصفها انتخابات غير تنافسية ولا تمس بجوهر النظام بل توظف لشغل المناصب في مختلف المؤسسات التابعة للدولة سواء في القطاع التشريعي أو التنفيذي و الإداري و الاقتصادي يشكل حافزا أساسيا في تنافس الأطر القيادية لهذه الأحزاب للتسابق بينها قصد عرض خدماتها التسييرية على السلطة و تقلد أهم و أكثر عدد من هذه المناصب .
لذا ، يطرح بإلحاح ضرورة إدخال تحول عميق وجذري في مكونات المنظومة الحزبية بالمغرب تقوم من جهة على تغيير بنيوي داخل الأحزاب التقليدية من خلال تشبيب قياداتها وخلق اندماجات سياسية تقوم ليس فقط على تحالفات مصلحية وانتخابية ظرفية ؛ بل على أساس أرضية إيديولوجية متكاملة ومتجانسة تستطيع بها أن توحد بين أعضائها في إطار أجواء من الحرية والاعتراف بالاختلاف ، و من جهة ثانية على فسح المجال أمام أحزاب سياسية مواطنة جديدة تعبر عن هموم و مشاغل فئات وشرائح اجتماعية متباينة تتجاوز هموم ومطامح أطر المهن الحرة وبعض القطاعات الوظيفية لتمتد إلى مختلف الشرائح التي يتركب منها المجتمع المغربي بكل طبقاته المهنية و منحدراته الاجتماعية و أصوله الاقليمية وانتماءاته الثقافية و اللغوية ، وتكون بمثابة "أحزاب قرب " تهتم بالأساس ليس بالوصول إلى دواليب الدولة والتنافس على خدمة السلطة بل التنافس على خدمة المجتمع وتأطير فعالياته الحية مقتبسة في ذلك طرق الاستقطاب التي تتبناها حاليا ما يسمى بالالترا الكروية من أزياء موحدة وأناشيد معبئة و انضباط صارم والتضحية من أجل الفريق .فإذا كانت الأحزاب التقليدية قد كرست طيلة العقود السابقة الروح الوطنية بين المغاربة من خلال بناء المدارس الحرة وتأسيس الجمعيات الثقافية والتنظيمات الموازية ، فقد حان الأوان لبلورة أحزاب تعمد على تكريس روح المواطنة التي تعتبر ضرورية لبناء مجتمع قوي وحديث ، من خلال تنشئة و تأطير الشباب على ترسيخ الوعي السياسي بتلازم الحقوق والواجبات و احترام ضوابط التحرك ضمن الفضاء العمومي كفضاء مشترك وترسيخ الوعي بأن الروح الوطنية لا تقتصر على حمل راية وترديد النشيد الوطني بل تجسيد ذلك في روح مواطنة تقوي من احترام قانون السير في الأزقة والشوارع والحفاظ على نظافة الفضاء العمومي من دروب وأحياء والتطوع والنضال من أجل تحسين العيش المشترك في مختلف مكونات المجال المحلي . حيث تتمثل مهام الأحزاب المواطنة في تنشئة وإعداد منخرطيها وأعضائها وقياديها على تسيير المجالس المحلية و الجهوية بتعفف سياسي وبتضحية نضالية. في حين أن برامج هذه الأحزاب المواطنة لا بد أن تدرج ضمن برامجها الإجراءات العملية التي تستهدف بناء الانسان المغربي من خلال تحسين سلوكه وتنمية وعيه وتؤسس لتنظيمات موازية تقوم على تنشئة منخرطيها وتربيتهم على احترام المال العام ، وعدم استغلال المناصب وأن السياسة قبل كل شيء أخلاق ومبادئ ، تبدأ من الإقامة السكنية والحي والحومة والشارع لتصل إلى الجماعة والجهة و البرلمان والحكومة وليس العكس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.