بعد الضجة التي أثارها فوز شركة "شمس للإشهار" المملوكة للملياردير نور الدين عيوش، بصفقة الحملة التواصلية لعملية الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، يواجه المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي ورطة جديدة، تتعلق ب "الترويج للشذوذ الجنسي" من خلال الشعار الذي اختارته المندوبية برسم إحصاء السكان هذا العام. وبدا لافتا اختراق ألوان "قوس قزح"، التي ترمز إلى شعار "المثلية الجنسية"، للهوية البصرية لإحصاء السكان الذي انطلقت عملياته بمختلف أرجاء المملكة، في وقت يرجح فيه عدد من المتتبعين أن تضطر المندوبية السامية للتخطيط إلى تغييره وسحب المنشورات والأقمصة والقبعات، تفاديا لجلب المزيد من غضب الشارع المغربي، وضمانا لمرور الإحصاء في أجواء عادية. وبالإطلاع عن الهوية البصرية للإحصاء العام للسكان والسكنى، نجد أنها تضمنت ألوانا معروفة ب"علم المثلين" والتي تشمل 6 أجزاء ملونة بألوان الطيف، الأحمر، والأصفر، والبرتقالي، والأزرق، والأخضر، والبنفسجي. يأتي ذلك في وقت كان يفترض أن تختار المندوبية السامية للتخطيط ألوانا تعكس الهوية المغربية وفق ما جرت عليه العادة في مثل هكذا مناسبات ومحافل وطنية. ودافع المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي العلمي، عن اختيار الهوية البصرية للإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، حيث أوضح أن "المندوبية اختارت أن تكون هذه الهوية البصرية على شعار نصف قوس ينطلق من الأسفل إلى الأعلى، كدلالة على اندفاع وطموح الشعب المغربي للوصول إلى أعلى المراتب". وأوضح الحليمي "أن القوس يحمل وجوها ترمز للسكان بمختلف أعمارها، حيث أعطي كل وجه لون معين، كاللون الترابي على سبيل المثال الذي يرمز إلى التشبث بالأرض والانتماء إلى الوطن، ثم اللون الأزرق الذي يحيل على الانفتاح المغربي على الخارج وعلى التعاون مع المجموعة الدولية". توجه عالمي الكاتب والمحلل السياسي، عبد الصمد بلكبير، أكد أن الظاهرة ليست طارئة أو مفاجئة، حيث نلاحظ انتشارها على الصعيد العالمي من طرف عدد من الدول التي انخرطت في الرأسمالية المتوحشة في سياق محاربة ما يسمى ب"الوالدية"، بهدف تقليص النمو الديمغرافي، ومن أهم وسائله تفكيك الأسر ومحاربة العلاقات السوية (ذكر وأنثى إلى ذكر مع ذكر، وأنثى مع أنثى)، وبالتالي التخلص من الأسر التي ما تزال تحافظ على هذه العلاقات الطبيعية. ولفت بلكبير، ضمن تصريح لجريدة "العمق المغربي"، إلى أن هذا التوجه، خاصة في الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية وفرنسا، نجح في اقتحام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الجامعية وبعض الهيئات المرتبطة بالنظام العالمي، حيث أصبحت 500 منظمة عالمية تشترط احترام حقوق المثليين والدفاع عنهم، مشيرا إلى أنه تمت صناعة رمز لهذا "التوجه الانحطاطي" من خلال اعتماد ألوان "قوس قزح"، وهو ما ظهر جليًا في الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس، حيث تم اللجوء إلى تسويق "الشذوذ الجنسي" بوسائل رمزية، على حد قوله. تدخلات خارجية واستبعد بلكبير أن يكون الحليمي، كمندوب له درجة عالية من الاستقلالية في علاقته مع الحكومة، متورطًا بشكل مباشر في ما وصفه ب"فضيحة الترويج للمثلية". وذهب إلى أن المشكلة تكمن في أن المندوبية جاءت على غرار المجلس الوطني لحقوق الإنسان كحلقة رابطة بين السيادة الوطنية والتدخلات الخارجية، تحت ذريعة "الشراكة"، وتحولت إلى مراقب عولمي داخل البلد وتقدم الإحصائيات العالمية للخارج، دون أن تكون مرتبطة بالهيئات الحكومية أو السيادية للبلد. وقال المستشار السابق للوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي: "بما أن هذه الهيئة لديها علاقة ملتبسة بالخارج، فأنا أستبعد أن يكون الحليمي متورطًا بشكل مباشر". وأضاف: "هناك أناس لعبوا دورًا في تأسيسها ولا شك أنهم يلعبون اليوم أدوارًا في سيرورتها، ومن جملة الأشياء المحتملة في هذا المضمار، إمكانية ضلوع هيئات دولية ممن قدمت المساعدات في الإحصاء سواء كانت تقنية أو تمويلية". وتابع: "لا أستبعد أن تشترط هذه المنظمات تضمين هذه الألوان التي تروج للمثلية، مقابل ضمان الدعم". لكنه استدرك قائلًا: "أنا أنزه الحليمي عن الوقوع في هذه الجريمة، لأنه رجل وطني ومسلم، ومتعفف عن المال الحرام. لكنني في المقابل أريد تنبيه الحليمي وكافة المؤسسات الوطنية والسلطات العمومية المختصة إلى أن مؤسسات البلاد وقواه المدنية والدينية لن تقبل بالترويج للمثلية بهذا الشكل المفضوح". واسترسل قائلاً: "إذا كان الحليمي متورطًا فهذا مشكل، لكنني أستبعد ذلك، وأرجح أن هناك ضغوطًا مورست عليه لتمرير هذا الأمر، وهو ما يستدعي الإسناد وانتفاضة المجتمع ضد هذا التوجه الذي لا ينبغي أن تكون الدولة فيه طرفًا أو تلعب دورًا سلبيًا في التصدي له وحمايته ودعمه من أموال دافعي الضرائب". تدليس وخداع وسجل بلكبير غياب اللون البنفسجي في الحقائب التي وزعت على الباحثين المشاركين في الإحصاء العام، مقابل اعتماده في القبعات التي يرتديها المنخرطون في العملية، وهو ما يكشف أن الأمر مدبر بعناية وبشكل مقصود، وأن هناك تدليسًا وخداعًا في الموضوع. لكنه استدرك قائلاً: "حتى لو لم تعتمد المندوبية الألوان المذكورة في القبعات والحقائب ومختلف الوسائل اللوجستية الخاصة بالإحصاء، فإن الأمر موجود بالرمز والإيحاء". واعتبر الكاتب والمحلل السياسي ذاته أن ما وقع جريمة وتدليس مخالف للقانون وللدستور ولثوابت الأمة الجامعة، خاصة أن عملية الإحصاء تهم عموم المغاربة بانتماءاتهم المختلفة. وقال: "أنا شخصيًا ليس لدي مشكل مع المثلية كخيار فردي، لكن لا ينبغي أن تتحول إلى توجه يُفرض على الناس، وعلى الدولة أن تتخذ موقفًا محايدًا، فلا تتدخل لا بالإيجاب ولا بالسلب".