في تطور جديد للجدل القانوني الذي رافق مصادقة الغرفة الأولى للبرلمان على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، قرر رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، تفعيل اختصاصته الدستورية، بإحالة مشروع القانون على أنظار المحكمة الدستورية بعد استكمال مسطرة المصادقة عليها داخل البرلمان. وتظل إمكانية إسقاط مشروع القانون المصادق عليه من قبل مجلس النواب، والمتنظر عرضه على مجلس المستشارين لمناقشته قبل المصادقة النهائية عليه، قائمة إذا ما أفلح المعارضون له من البرلمانين في إحالته على المحكمة الدستورية لتبت في مدى مطابقته للدستور، حتى وإن تمت المصادقة عليه نهائيا، وهو الأمر الذي أعلن فريق التقدم والاشتراكية نيته اللجوء إلى هذه الآلية الدستورية المخولة لممثلي الأمة. وحسب المعطيات التي حصلت عليها " العمق المغربي"، فإن الطالبي العلمي قرر تفعيل مقتضيات الفصل 132 من الدستورالتي تمنح حق إحالة القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور، وذلك في خطوة يسعى من خلالها رئيس مجلس النواب، لحسم السجال وإزالة الشكوك التي انتبت عددا من البرلمانيين، بشأن عدم دستورية بعض مقتضيات المشروع الذي وافقت عليه الغرفة الأولى بالأغلبية. مصادر برلمانية، كشفت للجريدة، أن تحرك رئيس مجلس النواب باتجاه عرض مشروع قانون المسطرة على القضاء الدستوري، يأتي بالنظر إلى أن هذا القانون ليس عاديا باعتبار أنه عمر لأكثر من 6 عقود وينتظر تمتد مراجعته لسنوات طويلة، وهو ما يستدعي استفراغ الجهد التشريعي من أجل تدقيق بنودها وتحصينه من خرق للدستور، لاسيما أنه يشكل عصب الأمن القضائي، ويؤمن ولوج الأفراد إلى العدالة. المصادر نفسها، أكدت أن القرار الذي ستصدر المحكمة الدستورية سيحسم في السجال الدستوري الذي أثارته بعض مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية المحال على مجلس المستشارين بعد تصديق الغرفة الأولى عليه قبل اختتام الدورة الربيعية للبرلمان، معتبرة أن النقاش الواسع الذي صاحب هذا مشروع القانون طبيعي وصحي لكون المشروع يهم عموم المغاربة، وأن النصوص التشريعية التي تصدر عن البرلمان يجب أن تحترم المقتضيات الدستورية في حماية حقوق المواطنين وتحصينها من أي انتهاك. وتنص أحكام الفصل 132 من الدستور، على أنه "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور". وتبت المحكمة الدستورية، حسب ذات المقتضيات" في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذا الفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة. وتؤدي الإحالة إلى المحكمة الدستورية في هذه الحالات، إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ. وتبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقديم الطعون إليها. غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها. ودخلت معركة الإطاحة بمشروع قانون المسطرة المدنية منعطفا جديدا، قبل عبوره قنطرة البرلمان، و أثار تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية بمجلس النواب، موجة من الغضب بين المحامين المغاربة الذين يرون فيه تعديًا على حقوقهم وتهديدًا لاستقلالية القضاء. وأعربت جمعية هيئات المحامين بالمغرب عن رفضها للمشروع، معتبرةً أنه "يتضمن بنودًا غير دستورية ولا يضمن التقاضي العادل للمواطنين لا سيما المادة 17 منه". أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني عمر الشرقاوي، أكد أن إعلان رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي تحريك الفقرة الثالثة من الفصل 132 من الدستور واتخاذ قرار مسبق بإحالة المشروع على المحكمة الدستورية بعد المصادقة النهائية، يعد مبادرة ذكية سياسيا، مشيرا إلى أنه سينقد سمعة البرلمان من مزاعم "التواطؤ" مع الحكومة لتمرير نص قد يحمل شكوكا بعدم الدستورية. وأضاف الشرقاوي أن هذه الخطوة، ستنقد الحكومة من الاتهامات التي طال مشروعها بكونه غير دستوري، وهذا الأمر يبقى من اختصاص القاضي الدستوري الذي سيحدد توجهه من المشروع بناء على ما توفرت له من قناعة دستورية، معتبرا ان هذا القرار يعبر عن التفاعل الإيجابي والمؤسساتي مع موقف هيئات المحامين ، التي أطلقت منذ إحالة المشروع على البرلمان وابلا من التشكيك في دستورية بعض مقتضيات مشروع المسطرة المدنية. ومن شأن عرض مشروع قانون المسطرة المدنية عن أنظار القضاء الدستوري، وفق ما ذهب إلى ذلك أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، أن يطمئن المواطن (المتقاضي) حول مصداقية القانون الذي ينظم كل صغيرة وكبيرة في عملية تقاضيه داخل المحاكم، مضيفا أن "ما ستعلن عنه المحكمة الدستورية من قرار بالدستورية أو عدم الدستورية سيكون له أثر ايجابي على الأمن القانوني الذي يجعل من مقاصده الأولى حماية المراكز القانونية للمتقاضين. " وخلص الشرقاوي إلى أنه مادام أن قرارات المحكمة الدستورية نهائية وغير قابلة للطعن فسيكون لقراراتها بالمطابقة أو عدم المطابقة للدستور مفعول الاطمئنان اتجاه باقي المؤسسات الدستورية، فلا ينبغي لأي أحد أن يخاف أو يتوجس من إحالة المشروع على المحكمة الدستورية، فهي وحدها دون غيرها لها حصرية إضفاء ستار الدستورية على القوانين التي تحال عليها اختياريا أو اجباريا. هذا،ونجح وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية بالغرفة الأولى للبرلمان، وذلك بعد جلسة ماراثونية امتدت ل7 ساعات، وصادق مجلس النواب، في الرابع والعشرين من شهر يوليوز الماضي، على مشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، وذلك بموافقة 104 نواب، ومعارضة 35 نائبا، دون تسجيل أي امتناع. وكشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن الحكومة قبلت 321 تعديلا على مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو ما يمثل 27% من مجموع التعديلات التي تقدمت بها فرق الأغلبية والمعارضة بالغرفة الأولى. وقال وزير العدل، في معرض تقديمه لمشروع القانون، إن التعديلات المدرجة تهدف، بالأساس، إلى إرساء قواعد الاختصاص النوعي على مبدأي وحدة القضاء والتخصص، من خلال ملاءمة قواعد الاختصاص النوعي مع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، ودمج جميع الأحكام والنصوص القانونية الخاصة بكل من القضاء الإداري والقضاء التجاري وقضاء القرب، بالإضافة إلى نسخ المقتضيات المتعلقة بالغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية، تبعا لكونها حذفت بمقتضى قانون التنظيم القضائي.