وهل يعتبر القانون التنظيمي المحدد لشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين مطابقا للدستور؟ تعتبر الرقابة القضائية على دستورية القوانين من مستجدات دستور 2011 بمقتضى فصله 133، وبمقتضى القانون التنظيمي رقم 86.15 المحدد لشروط تطبيقه الذي تمت المصادقة عليه من طرف مجلس المستشارين بتاريخ 16/1/2018، بعد أن خلت الدساتير السابقة من هذا المقتضى؛ إذ لم تكن للمتقاضين إمكانية الطعن في دستورية قانون مباشرة أمام مختلف محاكم المملكة، بما فيها محاكم الموضوع ومحكمة النقض والمحكمة الدستورية بمناسبة بتها في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان. وبعد المصادقة على هذا القانون التنظيمي ودخوله حيز التنفيذ في إطار المبادرات التشريعية الهادفة إلى تفعيل مقتضيات الدستور الذي ارتقى بالمجلس الدستوري إلى محكمة دستورية، ومكن المواطن من المساهمة في تنقيح المنظومة التشريعية وتجويد الترسانة القانونية وتنقيتها مما قد يشوبها من مقتضيات غير دستورية، سيُصبِح من حق الأفراد الطعن في دستورية القوانين، سواء تعلق الأمر بالقضاء المدني أو الجنائي أو الإداري أو التجاري بمناسبة عرض نزاع عليه عن طريق الدفع باعتباره آلية دستورية، علما أن هذا القضاء ينحصر دوره في إحالة الأمر على المحكمة الدستورية كلما دفع طرف أثناء عرض النزاع بعدم دستورية قانون سيطبق عليه ويرى أنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها له الدستور. وإذا صرحت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون يجب أن تتقيد وجوبا مختلف محاكم المملكة وكذا جميع السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية بالتفسير الذي تعطيه المحكمة الدستورية للقانون موضوع الدفع، وإذا كان من الثابت أن الدفع يثار بواسطة مذكرة كتابية مستقلة وموقعة من طرف المعني بالأمر أو من طرف محام مؤدى عنها الرسوم القضائية وتتضمن المقتضى التشريعي موضوع الدفع بعد الدستورية وتبين أوجه الخرق أو الانتهاك أو الحرمان من الحقوق أو الحريات المضمونة دستوريا، وأن يكون هذا المقتضى هو الذي يراد تطبيقه في الدعوى وإلا يكون قد سبق البت بمطابقته للدستور ما لم تتغير الظروف، فإن المحكمة تحيل وجوبا مذكرة الدفع بعد تفحصها والتأكد من استيفائها للشروط المتطلبة قانونا إلى محكمة النقض داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ ايداعها. ويترتب عن إيداع مذكرة الدفع إيقاف البت في الدعوى الأصلية والآجال المرتبطة بها، فتتحقق محكمة النقض بواسطة الهيئة التي يعينها الرئيس الأول لهذه المحكمة من توفر شروط الدفع داخل أجل ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ الإحالة عليها وتحيل الدفع بعد أن تتأكد من جديته إلى المحكمة الدستورية التي ينعقد لها الاختصاص للبت في الدفع بعدم دستورية قانون داخل أجل ستين يوما من تاريخ إحالة الدفع عليها. لكن بالرجوع إلى التجارب الدستورية المقارنة بخصوص إحالة الدفع بعدم الدستورية، نجد أن المغرب انتصر للخيار المعمول به في فرنسا والأردن، الذي تتم فيه الإحالة من محكمة الموضوع إلى محكمة النقض، وهذه الأخيرة هي التي تقرر الإحالة من عدمها إلى المحكمة الدستورية عملا بنظام التصفية، وبعد أن تتأكد محكمة النقض من جدية الدفع، علما أن هناك دولا تتم فيها الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية مباشرة وتوقف البت في النزاع المعروض عليها، وأخرى يتم تقديم الدفع مباشرة أمام المحكمة الدستورية للطعن في عدم دستورية قانون أو نص أو حكم نهائي متى توفرت شروط الطعن وتم انتهاك حق دستوري. السؤال المطروح بالنسبة لاعتبار محكمة النقض آلية للتصفية، وهو النظام الذي اعتمده المغرب وبموجبه ينعقد الاختصاص لمحكمة النقض للتحقق من جدية الطلب بقوة المواد من 10 إلى 13 من القانون التنظيمي المحدد لشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، ألا يعتبر هذا الاختصاص الممنوح لمحكمة النقض المتمثل ليس فقط في احترام الشروط الشكلية المتطلبة بمقتضى المادة الخامسة من القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه، وإنما يتعداه إلى البحث والتأكد من جدية الطلب، بل ورد الدفع بعدم الدستورية وتوجيهه فورا إلى المحكمة الدستورية وإلى المحكمة المثار الدفع أمامها وإلى أطراف الدفع، ألا يعتبر رد الدفع بعدم دستورية قانون من طرف محكمة النقض اعتداء وتقييدا لاختصاص المحكمة الدستورية التي خولها الدستور وحدها دون غيرها بمقتضى الفصل 133 اختصاص النظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات المضمونة دستوريا؟ إذ لا يحال عليها الدفع تلقائيا إلا في الحالة التي لا تبت فيها محكمة النقض داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 11 من القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه، وهو ثلاثة أشهر. لكن وبما أن القوانين التنظيمية طبقا للفصل 132 من الدستور تحال إلى المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها لتبت في مطابقتها للدستور، فإنها ستتحرى لا محالة في دستورية المواد من 10 إلى 13 من القانون التنظيمي المشار إليه أعلاه التي منحت اختصاص النظر في الدفع بعدم دستورية قانون إلى محكمة النقض، ومدى مطابقتها للفصلين 130 و133 من الدستور. *محامية نائبة برلمانية سابقة