في شأن القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون (الجزء 2) سنخصص الجزء الثاني من هذه القراءة لبسط المحور الثاني الذي سينصب على إبراز مقتضيات القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، التي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها. ويمكن إجمالها فيما يلي: أولا– خرق المشرع لاختصاص المحكمة الدستورية عند تخويل محاكم الموضوع ومحكمة النقض اختصاص النظر في الدفع من خلال مراقبة بعض الشروط ومراقبة الجدية (المواد5 (فيما نصت عليه من شرطي المقتضى التشريعي والحقوق والحريات) و6 و7 الفقرة 2 و10 و11 و12. ثانيا-خرق المشرع للدستور عند استبعاد النيابة العامة من مدلول الأطراف التي يحق لها إثارة الدفع بعدم الدستورية (المادة 2 (البند "ب"). ثالثا-عدم دستورية إغفال إدراج مقتضى يضمن لمثير الدفع حق الاستفادة من الأثر المترتب عن قرار المحكمة الدستورية القاضي بعدم الدستورية في حال مواصلة المحكمة نظرها في الدعوى الأصلية(المادتان 8 و13). رابعا-عدم دستورية الإحالة إلى النظام الداخلي للمحكمة الدستورية من أجل تنظيم بعد شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية(المادتان 14 و21). سأكتفي في هذا الجزء الثاني باستعراض وتحليل البند الأول، أحد المخرجات الأساسية لقرار المحكمة الدستورية والذي توخت منه تحصين اختصاصها الشكلي والموضوعي للبت في الدفوع بعدم دستورية القوانين. المحور الثاني المقتضيات التي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها أولا-خرق المشرع لاختصاص المحكمة الدستورية عند تخويل محاكم الموضوع ومحكمة النقض اختصاص النظر في الدفع من خلال مراقبة بعض الشروط ومراقبة الجدية. 1-التأكيد على الاختصاص المطلق للمحكمة الدستورية للنظر في الدفع بعدم دستورية القوانين شكلا وموضوعا ورفض نظام التصفية المخول لمحاكم الموضوع ومحكمة النقض. جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية في شأن المواد السادسة والعاشرة و11: في: "حيث إن المادة السادسة تنص في فقرتيها الأولى والثالثة، على أنه "يجب على المحكمة أن تتأكد من استيفاء الدفع بعدم دستورية قانون، المثار أمامها، للشروط المشار إليها في المادة 5...داخل أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ إثارته أمامها. يكون مقررها بعدم القبول معللا وغير قابل للطعن، ويجوز إثارة نفس الدفع من جديد أمام المحكمة الأعلى درجة"، وتنص المادة 10 على أنه "يحال الدفع بعدم دستورية قانون، المثار أمام محكمة أول درجة أو محكمة ثاني درجة، حسب الحالة، إلى الرئيس الأول لمحكمة النقض...غير أنه إذا أثير الدفع بعدم دستورية قانون أمام محكمة النقض لأول مرة بمناسبة قضية معروضة أمامها، فإن المحكمة تبت في الدفع مباشرة..."؛ وحيث إن القانون التنظيمي المعروض على المحكمة الدستورية، يكون بهذا قد أرسى نظاما للتصفية، على مرحلتين اثنتين، إذا أثير الدفع أمام محكمتي أول وثاني درجة، وعلى مرحلة واحدة إذا أثير الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض، ويرمي هذا النظام إلى التحقق من توافر شروط معينة (المادة 5 والفقرة الثانية من المادة 10)، ويتم في أعقاب ذلك التصريح بقبول أو عدم قبول الدفع، وفي حال قبوله، يحال على هيئة محدثة بمحكمة النقض للبت في جديته (المادة 11) لتصدر مقررا معللا، إما برد الدفع أو بإحالته إلى المحكمة الدستورية؛ وحيث إن القانون التنظيمي، أسند النظر في مقبولية الدفع من عدمها، بما يعنيه ذلك من البت فيه شكلا، لمحاكم التنظيم القضائي للمملكة، دون المحكمة الدستورية، مدعما ذلك الخيار بتحصين قرارات عدم القبول (محكمتي أول وثاني درجة أو محكمة النقض) أو رد الدفع (محكمة النقض) من أي طعن؛ وحيث إن الفصل 132 من الدستور ينص على أنه "تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور، وبأحكام القوانين التنظيمية..."، وأن الفصل 133 منه، ينص على أنه "تختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور. يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل"؛ وحيث إنه، بمقتضى أحكام الفصلين 132 و133 المشار إليهما، فإن الدفع بعدم الدستورية اختصاص موكول للمحكمة الدستورية أصلا بمقتضى الدستور، وليس وفق القانون التنظيمي المتعلق به؛ وحيث إن الفصل 133 المذكور، يميز بين مجال استأثر الدستور بتنظيمه ويتمثل في أن المحكمة الدستورية هي المختصة بالنظر في كل دفع يتعلق بعدم دستورية قانون، وأنه حق للأطراف يثار أثناء النظر في قضية، ويجب أن يطبق موضوعه على النزاع، وأن يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وبين مجال للقانون التنظيمي محددة مشمولاته في الشروط والإجراءات الكفيلة بتطبيق الفصل المعني؛ وحيث إن اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية، هو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا؛ وحيث إن الدستور حدد حصرا مجال القانون التنظيمي المعني، في موضوع الشروط والإجراءات، بما تتضمنه من شكليات، تتعلق بإقامة الدعوى وآجالها وإجراءات الدفاع والتواجهية وطبيعة الجلسات والعلاقة بين الدعوى الأصلية والدفع الفرعي، ولم يدرج ما يتعلق بالاختصاص ضمن المواضيع الموكول التشريع بمقتضاه؛ وحيث إن التشريع وفق القانون التنظيمي، يتم في نطاق الموضوعات المحددة له، احتراما لسمو الدستور، ولا يجوز، بالتالي، للمشرع أن يتجاوز مشمولاته أو بالأحرى أن ينظم من خلاله قاعدة دستورية بشكل يمس بجوهرها؛ ناقشت المحكمة الدستورية المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي رقم 86.15 والتي أسندت، من جهة، لمحاكم التنظيم القضائي للمملكة دون المحكمة الدستورية، المراقبة القبلية للدفوع المثارة أمامها من حيث توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 5 تحت طائلة عدم القبول، مع تحصين قرارات عدم القبول(المادة 6) بما يعنيه ذلك من البت فيه شكلا (محكمتي أول وثاني درجة أو محكمة النقض إذا أثير الدفع أمامها لأول مرة بمناسبة قضية معروضة عليها)، ومن جهة أخرى، أسندت لمحكمة النقض من خلال هيئة يعينها الرئيس الأول مراقبة الجدية (المادة 11). واعتبرت المحكمة الدستورية أنه بمقتضى أحكام الفصلين 132 و133 من الدستور، فإن الدفع بعدم الدستورية اختصاص موكول لها أصلا بمقتضى الدستور، وليس بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق به؛ وهو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة إليها شكلا وموضوعا، لكون الدستور ليس فيه ما يشرع لتجزيئ هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا؛ مضيفة بأن الفصل 133 المذكور، يميز بين المجال الذي يستأثر به الدستور وبين المجال الذي يستأثر به القانون التنظيمي؛ فأما المجال الذي استأثر الدستور بتنظيمه يتمثل في: - أن المحكمة الدستورية هي المختصة بالنظر في كل دفع يتعلق بعدم دستورية قانون؛ - وأنه حق للأطراف يثار أثناء النظر في قضية، - ويجب أن يطبق موضوع القانون على النزاع، - وأن يمس القانون بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. أما المجال الذي يستأثر به القانون التنظيمي فمشمولاته محددة في الشروط والإجراءات الكفيلة بتطبيق الفصل 133؛ بما تتضمنه من شكليات، تتعلق بإقامة الدعوى وآجالها وإجراءات الدفاع والتواجهية وطبيعة الجلسات والعلاقة بين الدعوى الأصلية والدفع الفرعي. ولم يدرج ما يتعلق بالاختصاص ضمن المواضيع الموكول التشريع فيها بمقتضاه؛ واعتبرت المحكمة أن نظام التصفية على درجتين الموكول لمحاكم الموضوع ومحكمة النقض سيؤدي من جهة، إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، ومن جهة أخرى، إلى انتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها. ورغم وقوف المحكمة الدستورية، بعد الاطلاع على الأعمال التحضيرية للقانون التنظيمي، على أهداف المشرع وغايته من اختيار هذا النظام للتصفية والمتمثلة على الخصوص في تجنيب المحكمة الدستورية حالة تضخم عدد القضايا المحتمل إحالتها عليها؛ فهي تعتبر بأن الغايات الدستورية، لكي تكون مبررا مقبولا للتشريع، يجب أن تتم في تلاؤم وانسجام مع قواعد الدستور احتراما لمبدا وحدته؛ مضيفة بأن تلك الأهداف لئن كانت تستجيب للعديد من المبادئ المقررة في الدستور، من قبيل، إصدار الأحكام داخل آجال معقولة وضمان النجاعة القضائية، فإنها تخالف قاعدة جوهرية صريحة تتعلق بالاختصاص المعد من النظام العام؛ كما أنه ورغم اعتراف المحكمة الدستورية للمشرع بحقه في تكييف اختياراته وتفضيلاته مع متطلبات الدستورية، فإنها بالمقابل سوغت لنفسها، بالنظر لاختصاصها في تفسير الدستور بمناسبة إحالة معروضة عليها، وفي حدود ما تقتضيه مراقبة الدستورية، بيان كيفيات تطبيق القواعد والإجراءات الواردة في الدستور بما يتلاءم مع سموه ووحدة أحكامه؛ وبناء على هذه المؤيدات، اعترضت المحكمة الدستورية على النظام المقترح للتصفية القضائية للدفوع المثارة من خلال: -الاعتراض على مراقبة بعض شروط مقبولية الدفع المخولة لمحاكم الموضوع والتصريح بعدم دستوريتها. - عدم الاعتراض على تخويل محاكم الموضوع مراقبة بعض الجوانب الشكلية للدفوع. - الاعتراض على مراقبة جدية الدفع المخول لمحكمة النقض كمرحلة ثانية في نظام التصفية والتصريح بعدم دستورية مقتضياته. الاعتراض على مراقبة بعض شروط مقبولية الدفع المخولة لمحاكم الموضوع والتصريح بعدم دستوريتها. لاحظت المحكمة الدستورية أن القانون التنظيمي خول لمحاكم الموضوع مراقبة بعض الشروط المطلوبة من أجل قبول الدفع بعدم الدستورية، ولا سيما الشرطين الواردين في المادة 5 وهما: أن تتضمن مذكرة الدفع بعدم الدستورية: -المقتضى التشريعي موضوع الدفع بعدم الدستورية، الذي يعتبر صاحب الدفع أنه يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور؛ -بيانا لأوجه الخرق أو الانتهاك أو الحرمان من الحق أو الحرية المذكورة في البند أعلاه. و اعتبرت بأن البت في الطبيعة التشريعية للمقتضيات القانونية موضوع الدفع وتحديد ما هو مندرج في الحقوق والحريات المضمونة دستوريا من عدمه (المادة الخامسة والفقرة الثانية من المادة 10 التي تحيل عليها)، يعد توسعا في الشروط الواجب التحقق منها من قبل القاضي المثار أمامه الدفع بمناسبة قضية معروضة عليه، ومن شأن ذلك أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة، في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولي للدستورية؛ إذ أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها. في الواقع، أعطت المحكمة الدستورية لمسألة تحقق المحكمة من استيفاء مذكرة الدفع للبيانين المذكورين أعلاه، تفسيرا لا يحتمله المعنى الظاهر للبندين، ذلك أن القانون التنظيمي لم يمنح للمحكمة مثل هذا الدور الذي يبقى من اختصاص المحكمة الدستورية، وإنما يقتصر دورها على التأكد من تضمين هذين البيانين في مذكرة الدفع وهو دور مقبول يجب عليها أن تقوم به على اعتبار أنه ينصب على المراقبة الشكلية لمذكرة الدفع فقط ولا يمتد إلى أي تقدير أولي للدستورية؛ إذ ليس من حسن إدارة العدالة أن تحيل محكمة الموضوع مذكرة للدفع لا تتضمن بيانا للمادة أو المواد من القانون التي يدعي صاحبها أنها تخرق حقا من الحقوق أو حرية من الحريات التي يضمنها الدستور، ولا تبين أوجه هذا الخرق. فالذي يهم المحكمة في مرحلة أولية هو أن يبين مثير الدفع هذه النقط في مذكرته بشكل واضح، وليس من اختصاصها أن تقدر مدى وجاهة دفعه أو قانونية المقتضى التشريعي أو تقييم مدى خرقه للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور. فتقدير هذه الأمور يفترض التصدي لموضوع الدفع وهو ما يندرج في الاختصاص الحصري للمحكمة الدستورية. على هذا الأساس، يبدو أن المحكمة الدستورية بالغت في تكييف المراقبة الشكلية التي تباشرها المحكمة لمذكرة الدفع المثار أمامها عندما وصفتها بأنها "مراقبة أولية للدستورية"، وذلك في محاولة منها لتجريد محكمة الموضوع من ممارسة أي اختصاص له علاقة بالدفع المثار ولو كان شكليا استنادا إلى أحكام الفصل 133 من الدستور الذي يخول للمحكمة الدستورية اختصاص البت في الدفع بعدم الدستورية، وهو اختصاص عام يشمل النظر في الدفوع المحالة إليها شكلا وموضوعا بدون تجزيئ، وبالتالي لا يمكن للقانون التنظيمي أن يقلص من مداه أو أن ينقله لغير الجهة المحددة له دستوريا؛ غير أن هذه الصرامة التي أبانت عنها المحكمة الدستورية في الدفاع عن اختصاصها المطلق بالبت شكلا وموضوعا في كل دفع بعدم دستورية قانون، لم يمنعها من التأكيد في حيثيات قرارها على أن التوفيق بين احترام هذا الاختصاص وبين متطلبات النجاعة القضائية وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع، في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية، لا سيما إذا تم الأخذ بعين الاعتبار، ما ينص عليه الفصل 133 فقرة 2 من الدستور على أنه "يحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل" ما يفيد أن القانون التنظيمي لن يشرع فقط لإجراءات تطبيق الدفع بعدم دستورية قانون وإنما أيضا لشروط تطبيقه، ومن بين هذه الشروط بطبيعة الحال شروط قبول الدفع من لدن المحكمة المثار أمامها. فإذا كان يحق للمحكمة الدستورية أن تراقب شروط مقبولية الدفع من لدن محكمة الموضوع الواردة في القانون التنظيمي، بحيث ما يكتسي منها طابعا شكليا محضا لا يوجد مانع من تركه للمحكمة من قبيل: تحقق القاضي من استيفاء مذكرة الدفع للشروط المتعلقة بالكتابة والاستقلالية وتحديد المقتضيات القانونية موضوع الدفع بعدم الدستورية، ومدى اتصالها بالدعوى المعروضة على المحكمة، وبيان أوجه خرقها للحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور؛ إذ أن مراقبة مدى توفر مذكرة الدفع على هذه الشكليات لا تشكل بتاتا عناصر تقدير أولي للدستورية. أما الشروط التي يمكن أن تؤدي مراقبتها إلى إقحام محكمة الموضوع في مناقشة عناصر موضوعية لها تأثير مباشر على البت في موضوع الدفع الذي تختص به حصريا المحكمة الدستورية، فلا جدال أن هذه الأخيرة يحق لها أن تعترض عليها. وقد وردت بالفعل مثل هذه الشروط في القانون التنظيمي رقم 86.15 المصادق عليه من لدن البرلمان، من قبيل الشرط المتعلق بألا يكون المقتضى التشريعي محل الدفع بعدم الدستورية سبق البت بمطابقته للدستور، ما لم تتغير الأسس التي تم بناء عليها البت المذكور. فمثل هذا العنصر، لا يمكن فصله عن موضوع الدفع المثار والتي يؤول اختصاص البت فيه للمحكمة الدستورية حصرا، ومن حقها أن تدافع عن هذا الاختصاص لأنه من النظام العام ومن شأن المساس به خرق إحدى القواعد الجوهرية في الدستور. عدم الاعتراض على تخويل محاكم الموضوع مراقبة بعض الجوانب الشكلية للدفوع. رغم أن المحكمة الدستورية كانت حازمة في التأكيد على اختصاصها المطلق للبت في الدفوع المتعلقة بعدم دستورية القوانين شكلا وموضوعا، فإنها مراعاة لمتطلبات النجاعة القضائية وحسن تصريف العدالة، قبلت بإمكانية مراقبة محاكم الموضوع بعض الجوانب الشكلية للدفع. جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية في شأن المواد السادسة والعاشرة و11: "وحيث إنه، فضلا على ما تقدم: - من جهة، فإن البت في الطبيعة التشريعية للمقتضيات القانونية موضوع الدفع وتحديد ما هو مندرج في الحقوق والحريات المضمونة دستوريا من عدمه (المادة الخامسة والفقرة الثانية من المادة 10 التي تحيل عليها)، يعد توسعا في الشروط الواجب التحقق منها من قبل القاضي المثار أمامه الدفع بمناسبة قضية معروضة عليه، ومن شأنه أن يحول مرحلة التحقق من استيفاء الدفع لبعض الشروط المتمثلة، في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي، إلى مراقب أولي للدستورية، إذ أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى القانوني المعني، وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا، يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها، .............................................. وحيث إن التوفيق بين الحق في إثارة الدفع بمناسبة قضية معروضة على محكمة ما، واختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا وموضوعا في الدفوع الدستورية المحالة عليها، وبين متطلبات النجاعة القضائية وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية، وفي إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام للتصفية بالمحكمة الدستورية، يحدد قانون تنظيمي تركيبتها وضوابط عملها، وذلك تحقيقا للمرونة المتطلبة الكفيلة بالوصول إلى الغايات التي سبق عرضها"؛ إن هاجس التوفيق بين ضرورة احترام اختصاص المحكمة الدستورية بالبت شكلا وموضوعا في الدفوع الدستورية المثارة أمام المحاكم المحالة إليها، وبين متطلبات النجاعة القضائية وحسن سير العدالة وسرعة البت في الدفوع وإصدار قرارات بشأنها داخل أجل معقول، يقتضي من المشرع حصر نطاق الشروط التي يتحقق القاضي من استيفائها بمناسبة إثارة الدفع في تلك التي لا تشكل عناصر تقدير أولي للدستورية، و المتمثلة في اتصال الدفع بالدعوى الأصلية ومدى تضمينه للبيانات المتطلبة في أي دعوى وأدائه للرسم القضائي. بناء على ذلك، يمكن القول أن دور قاضي الموضوع يقتصر، عند توصله بمذكرة الدفع بعدم الدستورية، على التحقق الشكلي مما يلي: -أن تكون موقعة من لدن مثير الدفع شخصيا أو وكيله أومن لدن محاميه بحسب الشكل الذي قدمت به الدعوى الأصلية طبقا للقوانين المسطرية؛ -بيان الاسم الشخصي والعائلي لمثير الدفع ومهنته وموطنه؛ -بيان رقم ملف الدعوى الأصلية وأطرافها؛ -بيان المقتضى أو المقتضيات القانونية موضوع الدفع بعدم الدستورية؛ -بيان ما يفيد اتصال المقتضى القانوني موضوع الدفع بعدم الدستورية بالدعوى المعروضة على المحكمة؛ -بيان الوسائل القانونية التي تبرر أوجه خرق المقتضى القانوني لحق من الحقوق أو حرية من الحريات المنصوص عليها في الدستور؛ -بيان ما يفيد أداء الرسم القضائي. عند مقارنة هذه البيانات بالبيانات الواردة في المادة 5 من القانون التنظيمي، يمكن القول أنه باستثناء الشرط المتعلق بمراقبة سبقية البت بمطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، ما لم تتغير الأسس التي تم بناء عليها البت المذكور المشار إليه في المادة 5 المذكورة، والذي يتعلق بمراقبة الموضوع أكثر مما يتعلق بالشكل، فإن باقي الشروط الأخرى تتصل بالشكل. الاعتراض على مراقبة جدية الدفع المخول لمحكمة النقض كمرحلة ثانية في نظام التصفية والتصريح بعدم دستورية هذا المقتضى. في هذا الإطار اعتبرت المحكمة الدستورية أن تقدير الجدية الموكول للهيئة المحدثة بمحكمة النقض، سيحول الهيئة المذكورة إلى مراقب سلبي للدستورية بالنظر لصعوبة تحديد العناصر المشكلة للجدية، وارتباط تقديرها بالموضوع وليس بالشكل. وأكدت أن الغاية التي يستهدفها المشرع من إقرار نظام التصفية، لئن كانت تستجيب للعديد من المبادئ المقررة في الدستور، من قبيل إصدار الأحكام داخل آجال معقولة وضمان النجاعة القضائية، فإنها تخالف قاعدة جوهرية صريحة تتعلق بالاختصاص المعد من النظام العام. ورغم إقرار المحكمة الدستورية بحق المشرع في تكييف اختياراته وتفضيلاته مع متطلبات الدستورية، فقد سوغت لنفسها، بالنظر لاختصاصها في تفسير الدستور بمناسبة إحالة معروضة عليها، وفي حدود ما تقتضيه مراقبة الدستورية، بيان كيفيات تطبيق القواعد والإجراءات الواردة في الدستور بما يتلاءم مع سموه ووحدة أحكامه؛ إذا خضنا في مناقشة وتقييم نظام التصفية كخيار، وبعد الاطلاع على الأنظمة القانونية المقارنة ولا سيما النظام القانوني الفرنسي والأردني، يمكن القول أن خيار التصفية الموكول للمحكمة الأعلى درجة(محكمة النقض ومجلس الدولة في فرنسا، محكمة التمييز في الأردن،) لا يمكن الأخذ به في نظامنا القانوني المغربي وذلك لتباين المرجعيات الدستورية الضابطة له؛ ذلك أن نظام التصفية القضائي المعمول به في فرنساوالأردن يجد سنده القانوني في دستور كلا البلدين؛ إذ ينص الفصل 1-61 من الدستور الفرنسي على أنه "عندما يثار، بمناسبة دعوى جارية أمام محكمة، بأن مقتضى تشريعي يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، يمكن للمجلس الدستوري أن يبت في هذه المسألة بناء على إحالة من مجلس الدولة أو محكمة النقض التي تبت في أمر إحالتها داخل أجل محدد. "Lorsque, à l'occasion d'une instance en cours devant une juridiction, il est soutenu qu'une disposition législative porte atteinte aux droits et libertés que la Constitution garantit, le Conseil constitutionnel peut être saisi de cette question sur renvoi du Conseil d'État ou de la Cour de cassation qui se prononce dans un délai determine". وتنص المادة 60 بند 2 من الدستور الأردني على ما يلي: "2 .في الدعوى المنظورة أمام المحاكم يجوز لأي من أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية وعلى المحكمة إن وجدت أن الدفع جدياً تحيله إلى المحكمة التي يحددها القانون لغايات البت في أمر إحالته إلى المحكمة الدستورية. وتطبيقا لهذه المادة الدستورية نصت المادة 11 من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2012 "إذا وجدت محكمة الموضوع أن الدفع جدي أوقفت النظر في الدعوى وأحالت الدفع الى محكمة التمييز لإحالته الى المحكمة الدستورية. تصدر محكمة التمييز بهيئة من ثلاثة أعضاء على الأقل، قرارها بشأن الدفع خلال ثلاثين (30) يوما من تاريخ إحالة الدعوى إليها". من هنا يتضح أن التأسيس لنظام التصفية القضائي في النظامين الفرنسي والأردني له سند دستوري، لذا، لم يكن هناك خيار أمامهما لتخطي أو تجاوز هذا الضابط الدستوري. أما في الحالة المغربية، فالمرجعية الدستورية مختلفة تماما؛ إذ لم تتضمن مقتضيات الفصل 133 من الدستور ما يفيد إلزام المشرع الفرعي على الأخذ بنظام التصفية. نفس التوجه أخذ به النظام القانوني التونسي استنادا إلى مرجعيته الدستورية الصريحة المعبر عنها في الفصل 120 من الدستور التونسي، الذي ينص على أنه تختص المحكمة الدستورية دون سواها بمراقبة دستورية القوانين التي تحيلها عليها المحاكم تبعا للدفع بعدم الدستورية بطلب من أحد الخصوم في الحالات وطبق الإجراءات التي يقرها القانون. تطبيقا لهذا المقتضى الدستوري الصريح، نص الفصل 56 من القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية على أنه "على المحاكم عند الدّفع أمامها بعدم دستوريّة القوانين إحالة المسألة فورا على المحكمة الدستوريّة، ولا يجوز الطعن في قرار الإحالة بأي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب". بذلك يكون المشرع التونسي قد تبنى الإحالة المباشرة والفورية للدفع بعدم الدستورية من لدن المحكمة المثار أمامها إلى المحكمة الدستورية، دون المرور عبر المحكمة الأعلى درجة كقناة تصفية للمراقبة الشكلية أو الجدية للدفع. لكنً المشرع التونسي سن شيئا جديدا وهو إحداث لجنة خاصة لدى المحكمة الدستورية بقرار من رئيسها تتركب من ثلاثة أعضاء توكل إليها مهمة التثبت في مدى احترام مذكّرة الدفع بعدم الدستورية لموجباتها الشكلية والإجرائية، وترفع لرئيس المحكمة الدستورية اقتراحاتها القاضية إما بقبول الإحالات من الناحية الشكلية والإجرائية أو رفضها، وهو الخيار الذي ينسجم مع روح الدستور التونسي ومنطوقه. لعل هذا الخيار هو الذي اهتدت إليه المحكمة الدستورية المغربية عندما اقترحت على المشرع في حيثيات قرارها رقم 70/18 م.د إحداث آلية كفيلة بإرساء نظام للتصفية بالمحكمة الدستورية، يحدد قانون تنظيمي تركيبتها وضوابط عملها، لكن المحكمة الدستورية لم تجرد قاضي الموضوع من صلاحية التحقق من استيفاء مذكرة الدفع لبعض الشروط الشكلية، وهي الصلاحية التي يبدو أنها غير متوفرة للقاضي التونسي بعد أن ألزمه القانون بإحالة الدفع المثار أمام المحكمة فورا إلى المحكمة الدستورية؛ فهو يقوم بدور ساعي بريد لا أقل ولا أكثر. إذا كان المشرع التونسي قد حدد مهمة اللجنة الخاصة المحدثة لدى المحكمة الدستورية التونسية في التثبت من مدى احترام مذكّرة الدفع بعدم الدستورية لموجباتها الشكلية والإجرائية-وهي المهمة التي يمكن أن تقوم بها محكمة الموضوع المثار أمامها الدفع في الحالة المغربية والتي لم تعترض عليها المحكمة الدستورية على نحو ما أوضحنا في السابق-فإن السؤال يثار بشأن المهمة التي ستوكل للآلية المقترح إحداثها بالمحكمة الدستورية المغربية: هل سينصب عملها على إعادة مراقبة الشروط الشكلية للدفع أم سيضاف إليه التحقق من جدية الدفع؟ علما أن المحكمة الدستورية أكدت في حيثيات قرارها على صعوبة تحديد العناصر المشكلة للجدية، وارتباط تقديرها بالموضوع، وليس بالشكل؛ 2 _خرق المشرع لمجال القانون التنظيمي المحدد في الدستور عند تنظيم موضوع الاختصاص الذي لا يندرج ضمن مشمولات القانون التنظيمي. جاء في حيثيات قرار المحكمة الدستورية في شأن المواد السادسة والعاشرة و11: "وحيث إن الدستور حدد حصرا مجال القانون التنظيمي المعني، في موضوع الشروط والإجراءات، بما تتضمنه من شكليات، تتعلق بإقامة الدعوى وآجالها وإجراءات الدفاع والتواجهية وطبيعة الجلسات والعلاقة بين الدعوى الأصلية والدفع الفرعي، ولم يدرج ما يتعلق بالاختصاص ضمن المواضيع الموكول التشريع بمقتضاه؛ وحيث إن التشريع وفق القانون التنظيمي، يتم في نطاق الموضوعات المحددة له، احتراما لسمو الدستور، ولا يجوز، بالتالي، للمشرع أن يتجاوز مشمولاته أو بالأحرى أن ينظم من خلاله قاعدة دستورية بشكل يمس بجوهرها؛ وحيث إنه، باستثناء القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المخول لهما، طبقا للفصلين الخامس و153 من الدستور، تحديد صلاحيات المجلسين المذكورين، فإن باقي القوانين التنظيمية، المنصوص عليها دستوريا، ينحصر مجال التشريع بمقتضاها على بيان كيفيات تطبيق أو تفعيل الصلاحيات أو الاختصاصات المخولة دستوريا للمؤسسات المعنية". يتضح من خلال هذه الحيثية أن المحكمة الدستورية وضعت قاعدة عامة تحدد مشمولات التشريع بالنسبة لمجمل القوانين التنظيمية المحدثة للمؤسسات الدستورية الواردة في الدستور، حيث أكدت على أنه "باستثناء القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المخول لهما، طبقا للفصلين الخامس و153 من الدستور، تحديد صلاحيات المجلسين المذكورين، فإن باقي القوانين التنظيمية، المنصوص عليها دستوريا، ينحصر مجال التشريع بمقتضاها على بيان كيفيات تطبيق أو تفعيل الصلاحيات أو الاختصاصات المخولة دستوريا للمؤسسات المعنية". لكن الملاحظ أن هذه القاعدة تمت مخالفتها من لدن المشرع عند وضع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنصوص عليه في الفصل 116 من الدستور؛ إذ تم تحديد مشمولاته في انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب؛ غير أن المشرع أضاف، إلى هذه المشمولات، القواعد المتعلقة باختصاصات المجلس و بتعيين بعض أعضائه؛ إذ نصت المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنه: "يحدد هذا القانون التنظيمي قواعد انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكيفيات تنظيمه وسيره واختصاصاته، وكذا المعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب" ومرت هذه الإضافة دون أن تلفت انتباه المجلس الدستوري السابق حيث لم يبد بشأنها أي ملاحظة أو تعليق أو تأويل. *باحث في القانون