في قاعة السفراء بقصر المؤتمرات كما في سينما كوليزي بمراكش، وقف الحضور للتصفيق عدة دقائق على فيلم "باي باي طبريا" الذي يوثق لجانب من معاناة الشعب الفلسطيني وللتنكيل به من طرف المحتل الإسرائيلي، والذي مزج بين الألم والأمل، والأحزان والطرائف، دلالة على الدمعة والابتسامة اللتين لا تفارقان محيا كل فلسطيني مغترب عن وطنه. مخرجة "باي باي طبريا" البالغة من العمر 33 عاما، وثقت في فيلما الثاني سيرة والدتها الممثلة الفلسطينية هيام عباس، التي اضطرت لمغادرة وطنها من أجل تحقيق ذاتها وأحلامها، حيث أقامت في نهاية المطاف بالعاصمة الفرنسية باريس حيث رأت لينا السوالم النور. واعتمدت السوالم في جزء كبير من عملها الذي يتنافس على السعفة الذهبية للدورة 20 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مقاطع فيديو حقيقية من طفولتها بعضه التقطه والدها الممثل الجزائري زين الدين سوالم، الذي كان يعشق الكاميرا ويوثق عدة لحظات من حياته اليومية، ومقاطع أخرى التقطتها والدتها التي درت هي الأخرى التصوير لكي تهرب من المستقبل الذي كان والدها يخطط له بأن تمتهن المحاماة أو الطب. واستطاعت السوالم توثيق حياة أربعة أجيال من النساء الفلسطينيات، انطلاقا من جدة والدتها التي اضطرت إلى العيش دون إحدى بناتنا التي آل بها المطاف وراء الحدود مع سوريا في مخيم اليرموك عام 1948، فيما بقيت الأسرة ضمن حدود فلسطين، مرورا بجدتها التي امتهنت التدريس وربت 10 من الأبناء في منزل بغرفة واحدة، انتهاء بالتركيز على سيرة والدتها هيام عباس التي غادرت البلاد في العشرينات من عمرها، وكانت عودتها إلى الديار صحبة ابنتها لينا وعمرها عام ونصف. وبالرغم من كونه فيلما يوثق لمسار طويل من الألم والفراق والاغتراب عن الوطن إما تهجيرا من الاحتلال أو اختيارا بحثا عن الذات، لم يخل فيلم "باي باي طبريا" من طرائف هزت قاعة العرض ضحكا، وهو ما علقت عليه بطلته هيام عباس بقولها "حاولت لينا محاكاة اجتماع البسمة والدمعة لدى الشعب الفلسطيني الذي يضحك رغم الألم". وفي تعليق على الموضوع، لاحظ الأكاديمي عبد الصمد بلكبير أن الفيلم لم يشر إلى وحدة شعب الشام الذي تم تقسيمه، حيث توقف مع لقطة تشرح فيها الأم هيام عباس لابنتها لينا سوالم قرب حدود كل من لبنانوسورياولبنان. وعبر بلكبير الذي كان حضر عرض الفيلم ومناقشته في سينما "كوليزي" مساء الأحد، عن إشادته بالعمل السينمائي الثاني للمخرجة من أب جزائري وأم فلسطينية لينة سوالم. فكرة بلكبير رفضتها هيام عباس في جوابها، معتبرة أن السينما ليس دورها التأريخ للأحداث والوقائع بقدر ما تنقل الأحاسيس، وأن "باي باي طبريا" عبارة عن عمل واحد وبالتالي لا يمكنه أن يلم بكافة جوانب القضية الفلسطينية أو قضايا المنطقة. ويذكر أن المخرجة لينا سوالم ولدت في أسرة فنية بباريس، ودرست التاريخ والعلوم السياسية في جامعة السوربون، وعملت ممثلة ثم مبرمجة لمرجان أفلام حقوق الإنسان في بيونس أيريس، وسبق لها إنتاج فيلمها الوثائقي الأول "جزائرهم" الذي نقلت فيها سيرة والدها، وحصل على جائزة الفيلم الأول في مهرجان مونبيليه للسينما المتوسطية. وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الجونة. جدير بالذكر كذلك، أن وزارة الثقافة الفلسطينية قررت ترشيح فيلم "باي باي طبريا"، لتمثيل فلسطين رسميا عن فئة الفيلم الدولي الطويل (الأفلام غير الناطقة بالإنجليزية) لجوائز "الأوسكار" في دورتها ال96 لعام 2024، في حفل سيقام في مارس 2024.