بلغني أيها الفقيه السعيد، يا من تقتلع أوراقا من كتاب قديم، وتقرأها علينا كل جمعة، يا من يخطب علينا كل عيد من "دفتر 24" تليد يجذب أنظارنا فيه صورة كابتن ماجد أكثر مما تذكرنا به كل سنة، يا من تخطب فينا – نحن الفقراء- لتحثنا على إخراج الزكاة، يا من تعطي الرجال كل مساء جمعة درسا في الحيض والنفاس، يا من ينام نصف المصلين في مسجده والنصف الآخر مشغول بمشاريعه، يا من يجر الفاعل ويرفع المفعول، يا من ينطق كلمات غير موجودة في أي من لغات العالم، يا من يحفظ من الإسرائيليات أكثر مما يحفظ من الأحاديث الصحيحة، يا من لا يرفع صوته بذكر الله إلا إذا لمح الطعام قادما... بلغني أيها الفقيه السعيد أنهم يمدونك بخطبة جاهزة أو يحددون لك الموضوع الذي ستتحدث فيه حتى تحفظ الأمن الروحي للبلد، ويلزمونك بعدد التسليمات وشكل الجلباب... وحرموا عليك أن تجيب أحدا استفتاك في دينه، فوضعوا جنبك وأعلى منك شاشة تلفاز تقول ما يريدون... حتى أننا ظننا في البداية أنها للشباب من أجل إعفائهم من ثمن مشروب في المقهى كلما توجهوا راجلين وعلى كل ضامر إذا ما أذن فيهم أحد بكلاسيكو إسباني.. وقد حكى لي صديق أنه حدث أن مر ذات يوم أمام مسجد فسمع صوت التلفاز فجره الفضول فحشر رأسه يطل داخل المسجد، وهنا التفت إليه مؤذن المسجد قائلا: "سير أوليدي راه ما كاين الماتش" بلغني أيها الفقيه السعيد أنهم مقابل ذلك كله يعطونه أجرا زهيدا، زهيدا جدا، ويسمحون لك بكتابة التمائم للنساء العوانس والعاقرات، وللرجال الذين يطاردهم النحس في الدراسة والعمل، ويسمحون لك أن تملأ بطنك في "الزرود" وتحث الناس على الكرم والإنفاق على الطلبة والفُقهة خاصة لما فيهم من أجر عظيم. وإذا ما دعت الضرورة لبناء مسجد جعلوك على رأس لجنة لجمع تبرعات المحسنين فمن بنى بيتا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة، ثم إذا ما تم بنيانه اختاروا له اسما وأضافوه إلى أوقافهم وعينوا فيه فقيها هو أخوك في الحرفة يعني عدوك، فألزموه أن يردد ما كنت تررد. بلغني أيها الفقيه السعيد أنك أشبه ب"مول الزعفران" حتى لا أقول ابن بطوطة تجوب المغرب شرقا وغربا، فتكاد لا تستقر بمكان حتى يتنازع أهل البلدة وينقسموا فيك قسمين، ثم ما تلبث أن تُطرد صاغرا، تجر وراءك زوجتك الحامل التي ألزموك بالزواج بها حتى يكتمل دينك وإلا فهم لن يصلوا وراء إمام أعزب لا يأمنون شره على بناتهم بل على أولادهم... وها أنت تبحث من جديد عن مسجد آخر تعيد فيه القصة نفسها والخطب التي قرأها من طرد قبلك. بلغني أيها الفقيه السعيد أنه ونظرا للفائض الروحي عندنا، ونظرا لما حققناه من تنمية شاملة تحسدنا عليها الدول المتقدمة والمتأخرة، ونظرا للنجاح الفائق السرعة الذي أنجزناه في تكوين الأطر التربوية والطبية والإدارية، فقد أخذت دولتنا على عاتقها – من باب ما شبعتو ولادكم تعطيو تاعت الله- تكوين الأئمة للدول الإفريقية، أئمة على المقاس تماما، نسخة طبق الأصل لك ولغيرك مع فارق بسيط في اللون نجانا الله وإياك من العنصرية وما قرب إليها من قول أو عمل. وأبلغك أيها الفقيه السعيد أننا نحبك، ونرجو دعواتك كلما أقبلنا على امتحان أو عزمنا على أمر مهم، وإذا أقمنا وليمة كنت أولَ مدعو وآخرَ متكلم تدعو لنا بالقبول، وإذا ما صادفناك في الطريق ونحن صغار قبلنا يدك ورأسك، وإذا لمحناك قادما جمعنا كرتنا حتى تمر دون أن يصل الغبار جلبابك الأبيض، فبوركت أيها الفقيه. لم يبلغني أيها الفقيه السعيد، متى سيتحسن حالك وحالنا، ويرفع شأنك وشأننا، وتتحرر من قيدك ونتحرر، فما أنت إلا واحد منا أقصد منهم تغني "قولو العام زين" وها نحن ننتظر أن يكون العام زينا.