لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرشاد الصغير والكبير إلى أخطاء سعادة الوزير
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2011

إذا ما رأوني طالعا من ثنية ******** يقولون من هذا وقد عرفوني
بسم الله الرحمن الرحيم في الأولى والآخرة
والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه
ثم أما بعد،
يجب أن يعلم علماءنا الأولين – طيب الله مضاجهم – كتبوا في سياسة الدولة وتدبير شؤون الرعية، وبسطوا فيها القول، وتناولوا أمورها بالبحث والنظر، وأخبرونا أن الوزارة من الولايات، وأن اشتقاق الكلمة إما من الوزر – بكسر الواو وسكون الزاي- أي الثقل، أو من الوزر – بفتح الواو والزاي- أي الملجأ. باعتبار أن شؤونها ثقيلة، ومسؤوليتها فادحة في الأول، أو باعتبار التجاء الأمير إلى مشورته ورأيه في الثاني، وكلا المعنيين وارد لقيامهما بمن يتحمل تلك المهمة، ثم قسم علماؤنا الوزارة إلى قسمين :
وزارة التفويض " وهي التي يستوزر فيها الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضاءها على اجتهاده 1"
وهو ما يسمى في العصر الحديث برئاسة الوزراء، وإلى وزارة التنفيذ، وهذه حكمها أضعف، والوزير فيها وسيط بين الرعايا والولاة، ويشترطون لها ولمن يتحملها شروطا سبعة، من الأمانة والصدق، وقلة الطمع، والحياد، والذكاء والإنصاف وأم لا يكون من أهل الأهواء.
ومضى الأولون يفحصون مهام وزير التنفيذ، وحدود صلاحيته، ومدى قيمة أوامره وقرارته مما تجده في كتب علماءنا السابقين .
وعلى ما تقرر فوزارة الأوقاف وزارة تنفيذ، موضوعة تحت إمرة أمير المؤمنين خاضعة لرئاسة الوزراء، مراقبة ومحاسبة من البرلمان، لكن يحدث لأسباب سنذكرها أن يتضخم وزير في موقعه، ويتعملق ويطول حتى يصير أهم من رئيس الوزراء، ويقرر في مصائر الناس، ويسن سياسات فردية أحادية، ويتجاوز القضاء، ويعلو على المحاسبة والمراقبة. مع ما يحيط بذلك من أهواء ورغبات وجشع، فيكون مجال تدبيره نموذجا للفوضى، والتلاعب والعبث، أنا أتحدث عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي خرجت منذ مدة عن السيطرة، وتغولت، واتخذت مسارا أشبه ما يكون بالانفلات دون أن يشكمها قانون، أو يردعها حساب.
ليست لي عداوة شخصية مع أحد، لكن رحمة الله على أبي حيان التوحيدي الذي كتب كتابه البديع مثالب الوزيرين أي ابن العميد والصاحب بن عباد فسلقهما بقلم حديد، وأحصى المثالب والمعايب، وفضح رذائلهما ووضعهما على سفود النقد، وتحت مجهر الفضح في خصام شخصي جدا، لكن يغفر له أنه كتب ببيان عال، وأسلوب أخاذ وتصوير بهيج .
أنا على عكس شيخنا أبي حيان ليست لي خصومة شخصية، ولا علاقة لي بثلب الأعراض بيد أن ما أراه من مساوئ تعود على الأمة برمتها بالضرر يقتضيني أن أحصي بعضا منها إبراء للذمة وصدعا بالحق ونصيحة للمسلمين.
أول أوابد الوزير الخطيرة، أنه اخترع مصطلحات خاصة به، وابتدع مسميات من عنده، ثم شرع يتحرك تحتها، ويتصرف تحت يافطتها، فمثلا هو من اخترع ما يسميه الأمن الروحي للمغاربة وهي كلمة غامضة في غاية من الالتباس، لأنها تحتمل كل تفسير فإذا ضيق على جمعية، أو أغلق مسجدا، أو أوقف خطيبا، أخرج تلك اللعبة من جرابه قائلا . فعلنا هذا حفاظا على الأمن الروحي، فابتلع الناس تلك الكذبة وصدقوا تلك الدعوى، وانهزموا أمام غموض المصطلح.
ونحن نعلم أن الأمة لا يتجزأ، وأنه يتحقق بالإيمان والطاعة والعدل والحرية.
قال تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون [الأنعام].
وقال تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور].
أما تقسيم الأمن إلى روحي ورأسي وأنفي وفموي وعنقي، فذلك من مخترعات صاحبنا وأوابده.
خذ مثلا مصطلحه الثاني تدبير الحقل الديني ومعناه أن الدولة عبارة عن حقول شتى، والدين من حقولها.
وهذه علمانية فجة. منافية للدستور الذي ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، معناه أن كل مجالات الدولة ومؤسساتها بمن فيها إمارة المؤمنين، يهيمن عليها الإسلام فتدبير مرافق الدين كالمساجد والمعاهد الشرعية، والأوقاف المحبسة وغيرها يدبرها الإسلام أيضا. لأن الإسلام منهج شامل، يخضع له المسلمون قاطبة. وتقزيمه وقص ذيوله وأطرافه وحشره في زاوية ضيقة، وجعله شأنا صغيرا خاضعا للتقويم والتغيير يتنافى مع جوهر الإسلام وحقيقته وغاية وجوده.
الإسلام هو الذي يشرف على الناس، ويضع لهم مناهجهم، ويوجههم إلى ما يصلح ديناهم وأخراهم، ويقوم تصورهم وسلوكهم، ويهيمن عليهم، وهو المرجع الذي إليه يتحاكمون، والمعلم العظيم الذي به يسترشدون.
لكنه على يد الوزير أصبح منسحبا من كل المجالات، منكمشا ومنزويا حتى صار مسجدا بمرحاضه وإمامه، ما جعله شأنا هينا من شؤون الدولة يدبره أحد ممن ندب الوزير إلى ذلك .
هذا الانقلاب الفاجع الذي حول الإسلام العظيم إلى شأن صغير يدبر ذكرني بقول أبي العلاء المعري :
وغيرت الخطوب عليه حتى تريه الذر يحملن الجبالا
تلك الخطوب أنست الوزير وزارته برمتها شأن صغير مما يدبره الدين. المهم أن هذه أمثله لمصطلحات أحدثها الوزير فأربك بها المشهد كله، وكرس بها انزواء العلماء والمنابر لصالح الالحاد والفجور والمروق.
بعد ذلك تداعت مهازله فبدأها بإصدار قرار بتعميم آلات التلفاز على المساجد، وتعليقها على حيطانها الأمامية.
تلك الخطوة الجريئة والمتهورة حطمت حاجزا من الهيبة والقدسية، التي يتميز بها المسجد في أعماق المسلم، وصورت بيت الله كأي مرفق آخر من المرافق العامة العادية، التي يمكن لأي أحد أن يفعل فيها ما يشاء حين يشاء وجعل المسجد – وهو بيت الله – أقرب ما يكون إلى المقاهي التي يتحلق فيها الناس على تلفاز معلق في حائطه، وأبصارهم مشدودة إليه.
لاريب أن التلفاز آلة تنفر منها الفطرة السوية، لما اقترن بها منذ صنعها من صنوف الإلهاء والتسالي، وما تتضمن من برامج التسطيح والتجهيل وما تبث من مسلسلات منحطة، وغراميات وقصص، حتى صارت دليلا على ما ينافي الخلق القويم، والمنهج السليم .
استقدام هذه الآلة إلى المسجد جمع بين النقيضين، وإضاعة لمشاعر الرهبة والهيبة أثناء دخول المسجد، وقضاء مبرم على الآداب العليا التي تقترن بذلك، من شعور بالسكينة، وطمأنينة النفس، وخشوع يسري في الجوارح والأوصال، وقشعريرة تداعب الجسد والجلود.
وهي مقاصد رعاها الإسلام في تعاليمه، التي نهي من خلالها عن الدخول إلى بيت الله بدون تحيته بالصلاة، ونهيه عن البيع والشراء فيه، ونشدان الضالة وإتيان الصلاة فيها بالهرولة والجري ما يتنافى مع السكينة المطلوبة، ونهيه عن تزويق جدرانه، وزخرفة مبانيه وغيرها من وصايا ترمي كلها إلى ما ذكرناه بل إني وقعت على فتوى في المعيار للونشريسي نقل فيها النهي عن تعليم الصبيان في المساجد، وأن ذلك لا يجوز(2) أي لما يقترن بقراءتهم من الضجيج واللغط ما يفوت المعاني المذكورة .
كل ذلك انتهكه الوزير تحت دعوى الوعظ والإرشاد، كأن الإمام المشارط فيه لا يعرف أن يعظ ويرشد.
المهم أنه ضاعت أموال طائلة مما اشتريت به تلك الآلات، جراء ذلك القرار الاهوج الأعرج، وضاعت معها مشاعر الوقار والتعظيم لبيوت الله. فكانت خاسرة بكل معيار. وقرارا ما أسوأه من قرار .
ومن أوابده أنه أغلق مئات المساجد بدعوى إصلاحها وترميمها، وقد أقدم على ذلك فاجعة انهيار مسجد مكناس، وقضى تحت ركامه وأنقاضه أزيد من أربعين مصليا، وهي مسؤولة يتحملها الوزير مباشرة، لأنها وقعت في عهده، وتحت إمرته وأحيط علما بقدم البناء وهشاشة أسسه، ورغم ذلك كله نجا من أي تحقيق أو عقاب ولم يحاسب على تهاونه وقلة مبالاته حتى وقعت الكارثة.
نعم هو عوض أن يحاسب أو يستقل أو يقال، استمر في منصبه، بل زاد ضغثا على إبالة، فقاد حملة شعواء أغلقت بسببها مئات المساجد، وسكت فيها التكبير، والآذان، وتعطلت فيها الصلوات والجمع، بدعوى الترميم وإعادة البناء وهو ما لم يتم حتى الآن.
وهو شيء لا يجوز شرعا لأن الخراب المحرم، هو تعطيل دور العبادة عن مهامها وإيقاف ذكر الله فيها.
إقرأ قوله تعالى : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابه ..... [البقرة].
فمنع الذكر فيها هو السعي في خرابها، أما ما يظهر فيها من شقوق أو علامات القدم، فذلك لا يلغي أن تبقى وظائفه فيما سلم منه حتى يصلح ما تضرر فيه.
وقد قال الشيخ الحطاب في شرحه لقول الخليل وفي اشتراط سقفه وقصد تأبيدها به ... نزلت بتونس لما نزل سقف جامعها الأعظم، وخطيبها القاضي أبو إسحاق بن عبد الرفيع فأمر أن يظلل بالحصر، وخطب تحتها وصوب الشيخ أبو عبد الله بن عرفة ذلك (3).
فهؤلاء فقهاء مالكيون لم يلغوا الجمعة، أو يغلقوا المسجد حتى يسقفوه، بل مارسوا فيه العبادة كما كانوا يفعلون، ومن مساوئه أن تزعم وقاد حملة التضييق على المدارس العتيقة بسوس، وهي مدارس بسيطة وادعة استقبلتنا وآوتنا صغارا، ونشأنا بين جنباتها، وتعلمنا فيها العلم لله، وتنافسنا فيها على التحصيل والفهم دون أن تكون لنا نوايا الوجاهة أو التوظيف أو أي مأرب آخر من مآرب الدنيا.
كانت المدارس عرفا معمولا به في القبائل السوسية طيلة قرون عديدة، وكانت نموذجا فريدا في التعليم الشرعي طالما زودت القرى والمداشر بمن يفقههم في دين الله، ويؤم بهم في الصلوات، ويعلم صبيانهم كتاب الله، وتتقوى مشاعر التدين والاستقامة عند الشلوح الكرام بل كانت – على مر التاريخ – محضنا للعربية،
وحصنا للحفاظ عليها، وآخر القلاع لمدارسة النحو العربي، ولطالما خرجت شلوحا يقفون على قدم المساواة مع أرباب البيان وفرسان الفصاحة من العرب الأقحاح
كل ذلك لم يراع في حملة الوزير، ولم يسلم من جموحه واندفاعه، فألحق أسفل هذا النظام بأعلاه، وعاث فيه تغييرا وتحطيما، وجره قسرا إلى ما يسميه تحديثا وعصرنة، وجر طلبة العلم إلى الارتماء على الشهادات والتدافع على الامتحان وأقحم في خلوات الفقهاء معلمين وأساتذة لفظتهم الكليات والمدن.
فسبب كثيرا من الإرباك، وخلق فجوات وثغرات، وأصبح ما كان سائدا مستقرا منذ أمد بعيد صار بائدا أنقاضا وذكرى.
وتحت بريق الشهادة والوظيفة ترامى الطلبة على السراب، وتداعوا على مثل ما يتداعى عليه الفراش، ورحم الله مرة أخرى أبا العلاء حين قال :
يبعن تراب آباء كرام ويشرين الحجول او الحجالا
إن ما أقدم عليه الوزير سيتمخض بعد مدة يسيرة عن آثار في غاية من السوء ليس أولها أن يتمكن غلاة الأمازيغية، والنافخون في العنصرية العرقية أن يبسطوا أيديهم على عقائد الشلوح، وينفثوا فيها أدواءهم وسمومهم، ويزرعوا على ألسنتهم كلمات مثل أزول بدل كلمة السلام عليكم ... وليس آخرها وقوعهم تحت رحمة التنصير الذي يتحرك بأقنعة شتى، وخطوات مدروسة في انتظار ذلك – وهو حاصل بفضل رؤية الوزير الثاقبة ! – لا يسعني إلا أن التفت إلى المدارس المكبلة، التي علمتنا ما لم يعلمه الوزير يوما، وأخاطبها بقول ذي الرمة – طيب الله مثواه :
ألا يا ا سلمي يادارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ومن أوابد الوزير.
أنه عين كثيرا من المناديب على مندوبيات الأوقاف، وهم أغرار وصغار في العلم الشرعي، بل إن بعضهم آت من خلفية ماركسية معادية للدين أصلا، وبعضهم كرع حتى ضرب بعطن من مستنقعات العلمانية والتغريب.
وأنا شخصيا أعرف فيهم من يعادي حتى رائحة التدين، ويحتقر الصالحين ولا يقيم لشعائر الدين وزنا.
ورغم ذلك عينهم الوزير على رقاب الأئمة، أسواطا قامعة، وأجهزة تحصي عليهم أنفاسهم، وتمارس عليهم الإذلال والازدراء والتنقيص وكيف لا، وهم أعداؤهم وقعوا في قبضتهم، وأصبحت المساجد تحت إمرتهم فهي فرصة سانحة لهم أن يفجروا كل عقدهم المترسبة في دواخلهم على أولئك الآئمة المستضعفين ومن حاول أن يرفع رأسه، أو يحرر رقبته أعد له من المكر والدس ألوان وأنواع.
وفي بعض المدن كتب أولئك تقارير كاذبة عن من لم يكن على هواهم، ولم يسر على خطاهم، فعزل عن مهامه، وأوقف عن عمله، والأمثلة كثيرة تعلمونها جميعا.
ومن أوابده اختراع ما يسمى بتأطير الأئمة – وهو في الحقيقة أم المهازل في صباح السبت يساق أفواج من الأئمة – كرها وقسرا – إلى جلسات يسيرها مؤطرون لديهم الضحالة في العلم، والضآلة في الفهم، بل إن مستوى أغلبهم تحت الصفر، يتحلق حولهم لتكوينهم وتأهيلهم، فترى هناك المفارقة المضحكة والتناقض العجيب.
كما قال الشاعر :
كملقى الأعنة من كفه وقاد الجياد بأذنابها
نعم إنه الدهر حين يهزل، فترى النسور يعلمها الدجاج الطيران، فلا غرابة بعد ذلك، وبعدما صرفت عليه الملايين، وذهبت فيه الجهود، وضاعت الأوقات، أن يعود الوزير فيقر بإخفاق هذا الأمر برمته، وفشله رأسا، ذلك لأن التأهيل أمر يجب أن يتداعى له أهل العلم والعقل والرأي، فيتدارسوه بعمق ويثيروا كل جوانبه، ويفحصوا له أنجع الوسائل، ويرشحوا للإشراف عليه الأكفاء، ويقرروا مداخله ومآتيه، ويراقبوا مساره وأشواطه، لأنه هدف نبيل أن يتأهل الأئمة إيمانا بأهمية ما به يقومون، وخطورة المسولية التي يتحملون، خاصة وأن منهم من تسلل إلى المنبر بدون مؤهلاته، وتصدر المشهد مع جهله.
لكن يا الأسف :
إن الأمور إذا الأحداث دبرها أوشكت تبصر في أعقابها خللا
ومن مساوئه – رضي الله عنه –
أن سمح لنفسه بتجاوز أحكام القضاء، ولوائح الوزارة المعمول بها، فأوقف عددا كبيرا من أئمة المساجد بتهمة زائفة، ودعوى فارغة، فطوح بهم إلى المجهول، وحول حياتهم إلى فراغ وبطالة، وعوائلهم وأولادهم إلى العوز والفاقة والذل.
التهمة زائفة من الأساس، والشهادات التي أخذوا هي من غير المغرب، ولم يقدموها للتوظيف ولا لارتقاء المناصب، إنما ليزدادوا بها علما، وهم من زين لهم ذلك، وأغراهم ببريقها بسياساته، فوقعوا في خفه، وفورا أصدر حكمه عليهم – غير منتظر حكم القضاء – في سابقة خطيرة من العلو في الأرض لم يشفع لهم تاريخهم النزيه، ولا حسن نواياهم، ولا أنهم أكفاء يقومون لمهامهم أحسن قيام، ولا أنهم كرام يتجاوز عن عثرتهم، بل في نوبة جنون الوزير وجموحه، وأصدر قرارا بإيقافهم وعزلهم فصاروا طرائق قددا في أرجاء الأرض ومناكبها مدحورين مظلومين مشردين.
إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون .
أما نحن فنعلم أنهم مظلومون، وأنهم لو كانوا مثل الوزير، أو لهم وساطات ما مسهم أحد بشيء، ولا أوقفهم إنسان.
وننصر مولانا ونعلم أنه كما الناس مجروم عليه وجارم
ومن أوبده .
اختطافه لدور المجالس العلمية، وبسطه سيطرته المطلقة على رؤسائها المعينين وليس المنتخبين، فحولها إلى مجالس ديكورية شكلية تلتهم ميزانيات ضخمة دون أن يلمس لها اثر في الدعوة، ولا في مواجهة أفكار الالحاد والمروق وسب الملة، والتطاول على المقدسات، وظهور نزعات غاية في الانحطاط كالشذوذ والدعوة إلى الافطار في رمضان، وتسفيه الشريعة، وسب الصحابة وحركات التنصير.
لا تسمع لهذه المجالس في كل هذه المعضلات حسا ولا ركزا، لأنها دخلت منذ مدة جراب الوزير، ورؤساؤها وأعضاؤها ألاعيب في يده، يستعملها متى يشاء، وغاية ما يطمحون الله أن يرضى عنهم، وأن يقفوا في صف يمر به، وإذا تكلم فغروا افواههم، وسال لعابهم ينتظرون منه التفاتة ورضى .
ومن جرب مرة أن يخرج عن هذه القاعدة، وأن يمارس دوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو يصحح إعوجاجا واضحا كان مصيره الطرد والإسكات، وما قصة الشيخ الجليل رضوان بن شقرون عنا ببعيدة.
وهذا طبعا ما مكن الآن العلمانيين والزنادقة من تصدر الساحة، يبثون ضلالهم في الأمة دون أن يجدوا صدا ولا ردا، لأن المسؤولين ملأ الوزير أفواههم بالماء.
قالت الضفدع قولا عجبت منه الحكماء
في فمي ماء وهل ينطق من في فمه ماء
وما فعله مع المجالس العلمية هو عينه ما فعله بالمساجد والمنابر، التي حول خطبها إلى ما يشبه نشرات الأخبار، وحول الخطيب إلى ببغاء يحكي ما يسمع ويردد ما لقن، في وظيفة تجعله مثيرا للشفقة، زري القدر تابعا ذليلا وطائعا مقهورا.
ومن أوابده – رضى الله عنه –
أنه يتصرف في أموال الأحباس والأوقاف كأنها أموال أبيه، فينفق منها ما يشاء على نفسه، فقد نقلت الصحف أنه كانت لدى الوزارة سيارة من نوع بيجو 607 فتركها، واشترى بأموال الأوقاف سيارة ألمانية فخمة من نوع أودي بثمن لا يقل عن تسعين مليونا .
ونقلت الصحف أيضا والمواقع الالكترونية أن الوزير فوت لإحدى الشخصيات أرضا وعقارا عبارة عن أربع هكتارات ونصف تابعة للأحباس في تارودانت بثمن بخس زهيد، ما ضيع على الوزارة أموالا طائلة.
يقولون العارفون أن تلك الأرض سياحية وإن ثمن المتر فيها يصل إلى 4500 درهم بينما باعها الوزير بثمن رمزي هو 50 درهم لاحظ الفرق البعيد بين الرقمين.
حبذا لو رجع الوزير إلى المجلد السابع من كتاب المعيار الذي طبعته وزارة الأوقاف لما كانت تطبع كتبا حقيقية، ليرى خطورة أموال الأحباس، وما أحيطت بها من ضمانات كي لا تضيع أو تصرف في غير موضعها.
وما فعله هو إتلاف وسوء تصرف لو أقدم عليه الشخص في ماله لحجر عليه الشرع فكيف به وهو غير ماله طبعا الوزير نجا من المحاسبة والسؤال !!! .
ومن أوابده – رضى الله عنه –
أن جمع في يده عدة مناصب ووظائف لا يحسب على أحد منها إلا بمقدار ما يحسب على الأخرى. فهو وزير الأوقاف وهو رئيس مجلس مسجد الحسن الثاني، وهو مدير مكتبة آل سعود، وهو عضو في معهد لا أتذكره الان وهو ... وهو ... مما نعلم ومما لا نعلم ... لا أتحدث عما يدر عليه ذلك من أموال وتعويضات وهي كثيرة حتى أني تذكرت قول أحدهم (وهو رؤبة بن العجاج).
كالحوت لا يرويه شيء يلهمه يصبح ظمئان وفي البحر فمه
لا يهمني ما يكسب من وراء ذلك قدر ما يهمني أن أداءه في الأوقات سيتأثر بمشاغله الأخرى، وستكون الوزارة في يد من لا نعرف. وهذا ما حصل حين ذكروا أن الوزير الحقيقي هو الكاتب العام، الذي هو وزير الظل وإذا بويع لأميرين فاقتلوا أحدهما (1) لأن السفينة التي يقودها اثنان تنتهي في الغالب إلى العطب والتلف.
إن الوزير حين يعربد بهذا الشكل الفج، كان ذكيا حين رفع ثلاث لافتات يهدد بها من يقترب من نقده، ويستخرجها كلما أحس أن الناس على وشك الانفضاض من حوله .
أولها الملكية – وتانيها المذهب المالكي – وثالثها فزاعة الإسلاميين.
وأنا سأسحب هذه الحجج من يده وأخبره.
أن الملكية نظام كان في المغرب قبل أن يولد الوزير بمئات السنين، والأمة كلها واعية أن الملكية تشكل ضمانة حقيقية لوحدتها، واستقرارها وحماية كيانها، ولها الدور الجوهري والأساسي في استمرار هذا الوطن، وتلاحم أهله، وأجزائه والتفريط في هذا النظام انتحار لا يرغب فيه أحد.
لا يحتاج المغاربة إلى الوزير لكي يذكرهم بذلك، ولا يريدون أن يتخذ أحد دور الوصي على هذا النظام، أو أن يتقمص دور الحريص عليه.
الملك واع تمام الوعي بذلك، ومدرك أن الشعب لا يبتغي به بدلا، وأن مشاعر الحب والتقدير بينه وبين شعبه متبادلة، فكان يسابق الوقت في الإصلاح والإعمار والتنمية، والوزير بذاته الذي يدلف إلى السبعين من عمره يبدو عليه الإرهاق والعياء وهو يلاحقه إلى مختلف المدن والأقاليم كي يبدو إلى جانبه.
وقد آن الأوان للوزير أن يكف عن اللعب بهاده الورقة المستهلكة، وأن يقوم بما كلف به فحسب، دون أن يدعي لنفسه حرصا على الملكية فوق حرص الناس، أما دعوى الوزير أنه يريد الحفاظ على الأمن العام فهي دعوة ضعيفة، لأن أي نظام في الأرض تحميه شرعيته أولا، ويصون أركانه العدل والحرية، وإلا فلينظر الوزير إلى الجمهوريات التي خرج منها شباب من حيث لا يشعرون، فأسقطوها وحولوها شذر مذر .
على الوزير أن يضع هذه اليافطة من يده لأن تحتها تجرأ أن يفعل كل ما ذكرناه وأن يتهور ما شاء له التهور حتى ضحت الأرض والسماء مما اقترفت يداه.
اللافتة الثانية هي المذهب المالكي .
أي أن الوزير يحرص كل الحرص على تطبيقه بحذافيره، وأنه لا يجوز الخروج عليه. وأن من خرج عنه يحاسب على ذلك.
تحت هذا الإدعاء أبشره ان المذهب على خير، وأن أصوله وفروعه هي التي تسود وأن ما جاء في كتب مالك - التي لم يضعها – قائم على قدم وساق.
انظر مثلا إلى ما جاء في كتابه العظيم العنقاء من الأمر بالدعاء جماعة خلف الصلوات وحظه على ذلك، واعتباره من مكملات الصلاة. ثم لاحظ كيف يحرص المسلمون على ذلك في المساجد.
ارجع مثلا إلى كتابه الغول والسعلاة في صفحة مائة صفر كيف أمر بقراءة الحزب الراتب، وبعده بردة البوصيري، والختم بصلاة الفاتح، وقارن ذلك بحرص الأمة على تطبيقه، والالتزام به في المساجد.
ثم راجع ما قبل الورقة الأولى في كتابه الهام اضغاث أحلام كيف تحدث عن وجوب زيارة الاضرحة، والطواف بها والاستغاثة بأهلها، إحياء مواسمها وسوق الذبائح والنذور إليها.
كل ذلك يتم بدون هوادة. ويحرص الناس عليها فلا خوف على ما تأملون.
طبعا – أيها القارئ – هذه ترهات فحسب، وإلا فمالك رحمة الله ورضى عنه أجل من أن يكون داعية إلى البدع –وحاشاه- وأروع من أن يأمر بمالم بأمر به الله ورسوله. لكن مذهب مالك عند الوزير لا يخرج عن هذه المطالب الثلاث، مع إضافة السدل لها – طبعا-
والحق أن مذهب مالك هو الإسلام كله فتطبيقه تطبيق له ولو أراد الوزير حقا الحفاظ على مذهب مالك لأخذ المصحف والموطأ إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب، واقترح عليهم أن يكون هذا الكتابان هما مرجعي الحكم ومصدري التشريع، وأنه يجب على المسلمين التقيد بما فيهما، والخضوع لنصوصهما، والامتثال لأوامرهما، وحينذاك سنصدق أن الوزير حقا يريد أن يكون مذهب مالك سائدا في المغرب.
وإلا بالله عليك ما هي مظاهر في القوانين والتشريعات والحدود وسائر القضايا . أو أن الوزير هو على مذهب الذي يقول إنها معزى ولو طارت
السؤال هنا : متى يتوقف هذا الكذب على الذقون، وتنكشف هذه الأضحوكة المملة.
أما الدعوى الأخيرة، أو المخترع الذي صنعه الوزير، ونفخ فيه، ليتسنى له استخدامه بين الحين والآخر فهو فزاعة الاسلاميين، الذين تم تصويرهم كديناصورات أتت لتحرق الأخضر واليابس، أو أفاعي خرجت من جحورها لتلدع وتقتل، والسبيل إلى السيطرة عليهم والسيطرة على المساجد والمنابر والأئمة.
والحق أن هذه دعوى خاوية، وادعاء باطل، لأن الوزير يعلم أن الأفكار المتشددة لا تصنع إلا في السراديب المظلمة، والأنفاق السرية، في أجواء القمع، وظلمات الاستبداد، لا في ساحات المساجد المفتوحة، وجلسات الوعظ المشهودة.
والوزير يعلم – يقينا –ان الذين خرجوا على المجتمعات هم صنعية الحضارة الحديثة، وتلاميذة في مدارس الغرب وكلياته، وليس فيهم إمام مسجد، ولا فقيه مدرسة.
لكن الشأن هو كما قال الشاعر :
وحملتني ذنب امرئ وتركته كذي العر يكوى غيره وهو رائع
ولنسحب هذه الدعوى – كلية – من الوزير نجمل له حال الاسلاميين – قاطبة – في المغرب، فنقول إنهم أطياف أربعة لا خامس لها.
* الأول : السلفيون – بمختلف مدارسهم وانشقاقهم المتكرر- وهؤلاء منهم بأي حال
لأن اهتمامهم فروع سطحية كاهتمام الوزير فبينما يخوض صراعا مريرا لتثبيت السدل، والحفاظ على الحزب الراتب، يلحون هم على تقصير التياب وتطويل اللحي وهم لا خوف منهم على لأن من أصولهم الثابتة التي يبدعون من خالفها عدم جواز الخروج على الحاكم، آخذين في ذلك بنصوص ثابتة من السنة، وقد رأيتهم أثناء التورات الأخيرة في بعض البلدان العربية يوزعون كتيبات في هذا المجال على أبواب المساجد فهم بذلك يسبقون الوزير ويفوتونه.
* الثاني : الحركيون – أو ما يطلق عليهم أصحاب الإسلام السياسي، وهؤلاء جزء من النظام منذ مدة طويلة قبلوا به، وشاركوا في وسائله، وتحركوا في إطاره، وأسسوا أحزابا معترفا بها، وانخرطوا في العملية السياسية، وقبلوا بلعبة الديمقراطية، والتعددية، والوزير يعرفهم ويشاركهم جلسات البرلمان، ويجيب عن أسئلتهم، وإن كان فيهم استثناء فهم العدل والإحسان – وهم قوم يتأرجحون بين الحركية والتصوف، وفي الأخير غلبت عليهم الدروشة، تم أنهم طالما رددوا – حتى بحت أصواتهم – أنهم ضد العنف بكل أشكاله.
* الثالث : - جماعة التبليغ – وأولئك أقرب إلى مشرب الوزير ومورده
فهم دراويش الطائفة، وأصحاب الانعزال والانكفاف عن مطلق الشأن العام.
لا يتحدثون إلا في الصلاة والوضوء ولا يدعون إلا إلى السياحة في الأرض، شأنهم في ذلك شأن أصحاب الوزير ورفاقه من المتصوفة والدراويش.
* الرابع : الغلاة وأصحاب الفكر المتشدد، وهؤلاء لا خوف منهم، لأن الدنيا كلها طاردتاهم، وأغلبهم في السجون والمعتقلات، ومن بقى منهم يتخفى بنحلته، لعلمه أن الناس لا تستسيغ الغلو وأن التشدد تلفظه الفطرة، ولا تطيقه النفس فهو غريب بمذهبه حيثما كان علاوة على أن هؤلاء نبتوا بعيدا عن المساجد، ونشأوا خارج مؤسسات العلم، وغذتهم مثل تصرفات الوزير وقراراته التي أسكتت أهل العلم الحقيقين، وفرغت المنبر من وظيفته، وحولت الفقيه إلى موظف ذليل .
إذن تحت يافطة الخوف من هؤلاء تحرك الوزير بكل جهد. فكبل الدعوة، واعتقل المنبر، واختطف الوعظ، وحوله إلى علب جاهزة في التلفاز كوصلات الإشهار، ونشرات الأخبار في كلام مغسول من بهاء الحق، ممسوح من سطوع الحجة، بارد المعنى، هزيل المضمون فكان ذلك خدمة مجانية للنحل الضالة، والأفكار الهدامة أن تسري في المجتمع، ويظهر من القول المرذل، والاستهانة بالدين ما لم يكن في آباءنا الأولين.
سعادة الوزير :
هذا بعض ما حصل في عهدك [ لتدبير الشأن الديني ] من تقهقر وخسارات وانهيار وقد آن الأوان أن تستريح وتريح، على أن تعود إلى تخصصك (التاريخ) الذي يمكن أن تنفع فيه الأمة، وتبصرها بسنن الكون، وقوانين الأحداث.
ومن جملتها أن المناصب زائلة، وأن الأفعال المجيدة يبقى لها رنين ودوي طول الزمن.
وأن التاريخ لا يستطيع أحد أن يخدعه، أو يتوارى عن أحكامه الفاصلة.
قال شوقي :
واخدع الاحياء ما شئت، فلن تجد التاريخ في المنخدعين
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو العباس السوسي
أواه الله
****
(1) راجع الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى الحنبلي صفحة 29 فما بعدها طبعة دار الفكر 1406. وقارن به كتاب الأحكام السلطانية للقاضي أبي الحسن الماوردي صفحة 24 فما بعدها طبعة دار الفكر دون تاريخ الطبع.
(2) المعيار – المجلد السابع ص 26 نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1401 . 1991
(3) مواهب الجليل 2/190/ دار الفكر الطبعة الأولى 1422 . 200
(4) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة عن أبي سعيد الخدري بلفظ : إذا بويع لخليفتين، اقتلوا الآخر منهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.