فصل جيد من فصول المؤامرة الغربية ضد المقاومة الفلسطينية للالتفاف على القضية الفلسطينية وإيجاد صيغة لتصفيتها النهاية، يدشنه الرئيس الفرنسي ماكرون. فحسب وكالة الأنباء الفرنسية (ا ف ب) (اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، أن يتولى "تحالف" دولي، ليس فقط من الناحية المالية بل أيضا على نطاق أوسع، "مكافحة" الحركة الإسلامية الفلسطينية. ويعني ذلك، بحسب مقربين من ماكرون، إنشاء تحالف جديد، أو توسيع التحالف القائم منذ العام 2014 لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سورياوالعراق ليشمل مكافحة حركة حماس) انتهى. لقد استثمر ماكرون كل جهوده لتوفير شروط نجاح المؤامرة الغربية ضد فلسطين. ويراهن على إنجاح جهود جر السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية في المنطقة إلى "خندق اتهام حماس بالإرهاب"، وليس بالغريب أن يكون أول رئيس دولة غربية يزور مقر السلطة الفلسطينية مند بدء العدوان الإسرائيلي الجديد، ويقرر زيارة عدد من دول المنطقة لتسويق "مشروعه الجديد". وأكد من رام الله في الضفة الغربيةالمحتلة إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أن مستقبل الفلسطينيين يرتبط بمكافحة للإرهاب لا هوادة فيها ولا لبس"، حسب (ا ف ب). وكنا في مقال سابق تحت عنوان (القناع يسقط عن التحالف الغربي لتصفية القضية الفلسطينية) قد فسرنا ما يجري في غزة اليوم على أنه ليس حربا بين دولة الاحتلال وحركة حماس، ولكنه عدوان من تحالف غربي غير معلن تقوده الولاياتالمتحدة لتصفية القضية الفلسطينية. ومقترح ماكرون ليس أكثر من محاولة لتوفير إطار دولي لتنفيذ الرؤية الأمريكية الإسرائيلية الجديدة حول المقاومة الفلسطينية بتصنيفها ضمن الإرهاب، وتجريب المقاربة التي اعتمدت في تصفية الرئيس صدام حسين وتخريب العراق على مسمع ومرئا العالم. لذلك يستثمر كل جهوده لحشد الدعم لها، وخاصة من طرف السلطة الفلسطينية ودول المنطقة وخاصة الأردن وعمان ومصر. وهي جهود تتكامل نفس مع جهود الولاياتالمتحدة في الخليج. ورغم فشل جميع محاولات الولاياتالمتحدة وحلفها حتى اليوم في توريط مجلس الأمن في تلك المؤامرة من خلال مشاريع قرارات إدانة حماس وتصنيفها ضمن المنظمات الإرهابية، أو الاعتراف ب "حق إسرائيل في الدفاع على نفسها"، فإن مَكرَ ماكرون والغرب عموما لا يتوقف، فهناك بديل للأمم المتحدة فرضته أمريكيا سابقا، يتنصل من القانون الدولي وسلطة الأممالمتحدة أو مجلس الأمن، ولا يعترف بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وتحرير أراضيها، ويومن فقط برؤية ومصالح الغرب، وهو التحالف الذي تأسس سنة 2003 بمناسبة الحرب على شعب العراق خلفت 600 ألف قتيل ودمارا شاملا، تحت مزاعم امتلاك صدام حسين أسلحة الدمار الشامل، والذي تجدد خلال سنة 2014 ضد الجماعة الإرهابية "داعش" ومثيلاتها، واليوم يقترحه ماكرون كإطار سياسي للتلاعب بالرأي العام العالمي من جديد، والغربي بالخصوص، لتقديم ما يستقبل من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني على أنها ضريبة ضرورية في سبيل محاربة الإرهاب. إن المؤامرة الغربية تحاول إيجاد حل للتحديات الكثيرة التي تمنعها من العمل بحرية لتصفية القضية الفلسطينية بالقضاء على المقاومة على أرضها، منها الرأي العام الداخلي لدوله الرافض للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومنها صعوبة توظيف مجلس الأمن لحد كتابة هذه السطور في تلك المؤامرة، ومنها صعوبة توسيع دائرة الدول المتورطة في تصفية القضية الفلسطينية. لذلك يقترح ماكرون صيغة تم تجريبها بنجاح تسمح في نفس الوقت بالتلاعب بالرأي العام الشعبي والعالمي وتبرير الخسائر البشرية والمالية، والتنصل من قيود الأممالمتحدة والقانون الدولي، وتعبئة أكبر عدد من الدول. وهذه الصيغة هي لعبة "التحالف الدولي". إن هذا الإطار الدولي هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله تصفية المقاومة بعد تدمير كل شيء وترحيل الجميع، دون الالتفات لا إلى الأممالمتحدة وما قد يتفاعل داخلها، ولا إلى الإعلام وما قد يعريه من جرائم فظيعة، ولا إلى الرأي العام وما قد ينتج عنه من صعوبات داخلية خاصة في الدول العربية والإسلامية، ولا إلى الضريبة البشرية والعمرانية التي ينتظر أن تسفر عنها تلك الجريمة الدولية إن تمت. إن الهجوم البري المنتظر لجيش الاحتلال على أراضي غزة وشعبها، قد ينتظر أن تتوفر بعض الشروط الميدانية لإطلاقه، ولكن يظهر أنه ينتظر بالخصوص أن تكتمل فصول المؤامرة بتحويل "مقترح ماكرون" إلى واقع فعلي يوفر القوة اللازمة لتنفيذه والغطاء المناسب لتبرير نتائجه الكارثية. لقد اجتهدت الآلة الإعلامية المسخرة من طرف "التحالف الغربي" على تكريس حماس منظمة إرهابية، وتكريس دولة الاحتلال دولة معتدى عليها ولها الحق في الدفاع عن نفسها، وإغراق الحقائق الميدانية التي تنقلها بعض وسائل الاعلام في بحر من الأخبار الزائفة والأكاذيب التي لا يتردد رؤساء الدول الغربية في ترويجها. وإذا نجح الغرب في توسيع دائرة الدول التي تصنف حماس في دائرة الإرهاب ستكون فصول المؤامرة الغربية ضد القضية الفلسطينية قد اكتملت. ولن نستغرب إذا رأينا بعض الدول العربية والإسلامية تتسابق للانخراط في "الحرب المقدسة ضد الإرهاب" في فلسطين، خوفا من أن تعيد أمريكا رفع شعارها الإرهابي السابق "من ليس معنا ضد الإرهاب فهو مع الإرهاب"، والذي أرغم بالفعل دولا على المشاركة الفعلية أو الداعمة. إن المؤامرة الغربية، التي تحدث ماكرون بلسانها وتدبيرها، تريد إيجاد إطار دولي يضفي "شرعية التحالف الدولي" على قرارات رؤساء الدول الغربية لمواجهة الرأي العام الداخلي لديها وتبرير ما قد يقع من خسائر بشرية في صفوف جيوشها، وما قد تنفقه من أموال دافعي الضرائب لديها وما تقدمه من عتاد. والخلاصة أن أكبر مؤامرة يتم تمريرها اليوم بشأن القضية الفلسطينية هي في أمرين أساسيين: الأول هو تقديم مشكلة فلسطين، ليس على أنها مشكل استعمار تواجهه مقاومة وطنية، بل على أساس أنها حرب بين دولة تعرضت لعدوان إرهابي ومنظمة إرهابية. والثاني، هو محاولة تدويل المواجهة المسلحة ضد المقاومة الفلسطينية لتصبح قضية دول وليس فقط قضية دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي إطار "تحالف دولي" يلقى دعما فلسطينيا وعربيا ويوفر الغطاء السياسي لقادة الدول الغربية لتبرير الخسائر البشرية والمالية المرتقبة لدولهم أمام شعوبهم. فهل سينجح مكر ماكرون والغرب في تمرير لعبة "التحالف الدولي" رغم أنها توفر الإطار الفعال لنجاح أكبر عملية تطهير عرقي تباشرها دولة الاحتلال في فلسطين مند نكبة 1948؟