شهدت الدارالبيضاء حركة غير عادية استثنائية، حركة شعبية بنكهة البياض، حيث توافد عشرات الآلاف من أساتذة الغد رفقة عائلاتهم وأصدقائهم وفعاليات المجتمع المدني، من كل المدن المغرببة تلبية لنداء كرامة الوطن في شخص هيبة الأستاذ، والذي تعرض ولأول مرة منذ استقلال المغرب لأبشع أنواع التعنيف والإرهاب من طرف الدولة ممثلة في الحكومة، ممثلة أيضا في وزارة الداخلية أو كما يسميها المغاربة في ثقافتهم وزارة العصا والزَّرْوَاطَة المغربية. المسيرة الاستاذية بالبيضاء عرفت حضورا مكثفا من أجل هدف واحد وواضح وجلي وضوح الشمس في السماء الزرقاء، هدف اسقاط المرسومين الوزاريين فقط والدفاع عن جودة التعليم العمومي الذي نخرته السياسات المغربية المتتالية، والتي أرادت أن تختتمها الحكومة الحالية بالخوصصة الواضحة للتعليم العمومي، أو كما عبرت عنه الحكومة بجملة: "رفع يد الدولة عن قطاع التعليم والصحة"، مخالفة للدستور في الحق في تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة (فصل 31 من باب الحريات والحقوق). المسيرة الأستاذية حجت بنشاط بالرغم من القمع الكثيف على رؤوس الأساتذة والأستاذات، بالرغم من إراقة الدماء الزكية على الشوارع والأزقة، بالرغم من تكسير الزَّرْوَاطَة على رأس الأستاذ، بالرغم من قاموس السب والشتم أسفل الحزام المسلط على الأستاذات الفضليات، بالرغم من استعمال السكين في وجه الأساتذة، بالرغم من المطاردات الهوليودية في الشوارع والأزقة، بالرغم من الاعتقالات الواسعة في صفوف الأساتذة، خرق قانون الاعتقال (فصل 26 من باب الحريات والحقوق)، بالرغم من خرق الحكومة للدستور المغربي (الفصل 22 باب الحريات والحقوق): لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قِبَلِ أي جهة. المسيرة الأستاذية حررت الدارالبيضاء إعلاميا وأماطت اللثام لظهور الحقيقة النَّاصِعَة، بالرغم من كذب ونفاق الصحف الصفراء التابعة لأحزاب الأغلبية والتابعة للحركات الدينية، بالرغم من افتراءات قنوات الصرف الصحي – عفوا قنوات الإعلام الوطني- دوزيم والمغربية والأولى ..، بالرغم من افتراءات بعض المنابر الإلكترونية التي تأسلمت وأصبحت غرفة لصوت إسلاميي العدالة والتنمية، بالرغم من لعبة بعض الصحفيين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين كما يقال بالدارجة المغربية – يَطْنِزُونَ - على الشعب الافتراضي، جفاف من حيث المهنية والحرفية في تناول الخبر الصحفي بشروطه المعلومة، بالرغم من المجموعات الفيسبوكية الحزبية التي أضحى لديها الفساد والاستبداد هو الأساتذة أما ما دون ذلك فالعام زين، (سْكِيزُوفْرِينِيَة الخطاب السياسي قبل وبعد الانتخابات التشريعية 2011). المسيرة الأستاذية بَصَمَتْ في الدارالبيضاء من بابه الأوسع، بالرغم من خرق وزارة الداخلية (للفصل 24 من الدستور باب الحريات والحقوق) المتمثلة في: حرية التنقل عبر التراب الوطني، بالرغم من تحويل كل محطات حافلات النقل ومحطات القطارت بالمدن المغربية إلى ثكنات عسكرية لإرغام وإرجاع وتعطيل سفر الأساتذة إلى المسيرة، بالرغم من عدم توفير السلطات المغربية لمجانية النقل وحافلات خاصة، وخبزة وسردينة و50 درهم، بالرغم من عدم توفير الطائرات الخاصة والغداء والعشاء والفنادق الفاخرة (وتجدر الإشارة أن أساتذة الغد قد حضروا لمسيرة الصحراء المغربية بقناعة تامة، ومن مالهم الخاص بالرغم من الظروف المادية والنفسية، فالوطن فوق الجميع وفوق المزايدات). المسيرة الأستاذية كسرت رهانات الحكومة المغربية وبرهنت من جديد على قوة واستقلالية الأساتذة، بالرغم من التشويش الإعلامي، بالرغم من إطلاق إشاعات من قبيل الانتماء إلى: منظمة "نتما عارفيها"، وجماعة العدل والإحسان وحركة 20 فبراير، والبوليزاريو والشيعة والإرهابيين والمخربين، ولما لا الصهيونية وحزب الليكود والماسونية والهتليرية ...، كلها إشاعات تدل على أزمة تدبير ملف الأساتذة من جهة، وعلى تخلف التفكير في الأزمة. أساتذة الغد يعلمون أن الإعلام الرسمي غير مهني ولا حرفي، ويعلمون أن بعض المواقع تنشر أخبارا زائفة، ويعلمون أن الحكومة المغربية كانت تراهن على ضرب التنظيم المحكم لأساتذة الغد بكل الإشاعات المُغْرِضَة، ويعلمون أن وزارة الداخلية كانت تريد قتل معنويات الأساتذة بالضرب والرفس والركل والسب، ويعلمون أن خطط حزب الحكومة المستقبلية لضرب مسيرة البيضاء هي من عمل الشيطان، ويعلمون أشياء كثيرة. في رأيي أن الحكومة والحزب الحاكم بكوادره وأتباعه فشلوا في حل ملف الأساتذة فشلا كبيرا منهجيا وعلميا وفكريا وسياسيا، لذلك لا ضَيْرَ إن وجدنا تصرفات الحزب الحاكم والحكومة أكثر صبيانية أخلاقيا ومهنيا، أما الأساتذة فقد برهنوا عالميا منذ المسيرة الوطنية الأولى إلى الرابعة مدى أهليتهم في التفكير والتنظيم والتخطيط، وقد حان الوقت للحكومة الحقيقة أن تتدخل لتدبير ملف أساتذة الغد وإرجاع صورة وكرامة الأستاذ الحقيقة كما هو مطبق في الدول الحضارية والمتقدمة.