على مدى 4 أشهر ونيف من "مجزوءة نضالات" أساتذة الغد، نظموا خلالاها 4 مسيرات وطنية قارب المشاركون فيها 100 ألف. إما محليا فقد نظموا حوالي 1400 مسيرة محلية ومسيرات أقطاب، وما يتجاوز 4000 نشاط، موزعة بين وقفة واعتصام وحلقية... كما أجرت تتنسيقيتهم الوطنية 5 حوارات عجفاء، دامت ساعات طوال دون غلة. وعلى مدى يربو150 يوما من المقاطعة، أشهرت في وجه اساتذة الغد مختلف أصناف التنكيل من ضرب وركل وجرح وسحل وسب وتكسير وشتم وفض لأشكالهم النضالية السلمية، سخرت لها مختلف وسائل قمع، ووجه بتعتيم الإعلام الرسمي. الأنكى يتمثل في تجند مجاني لمحسوبين على جسم نون والقلم، منحازين لأفعال "الزروطة"، وقد توسلت شرذمة التشويش في ذلك بترويج مغالطات، تروم وأد مساعي طي أزمة أساتذة الغد، وتوسيع الهوة بين الأطراف بتعضيد أطروحة القبول بإملاءات تمس بالدستور والقوانين الجاري بها العمل. وهنا أجدني مطوقا بواجب فض الغبار عن تداعيات 5 تشويشات، تهدد جهود طي ملف استاذة الغد. المغالطة الأولى: ترويج علم الأساتذة المتدربين بصدور المرسومين يروج أن الأساتذة المتدربين قد علموا بفحوى المرسومين، وأنه في إطار الاتفاق شريعة المتعاقدين، قد علموا بالمضامين قبل اجتياز المباراة. دون لفت الانتباه الى الفرق بين العلم بما يروج حول تهافت فصل التوظيف عن التكوين وتقليص المنحة، وغياب قانونية ودستورية تنزيل الاشاعات. فالقانونية ترتبط بالنشر على الجريدة الرسمية، ولو تم تسريب المضامين قبل إجراء المباراة بسنين. وقصد الوقوف على عدم دستورية تطبيق المرسومين على فوج 2015 2016 أورد الدفوعات الخمس الآتية: أولا: 29 يونيو 2015 تم إصدار المذكرة رقم 090 15، وتسجل آخر المترشحين الناجحين يوم 08 أكتوبر 2015؛ ليسدل الستار عن كل ما يتعلق بالمباراة ووشك انطلاق التكوين. ثانيا:23يوليوز 2015، المداولة بمجلس الحكومة، وصدور المرسوم رقم 2.15.589 المتعلق بتقليص المنحة الى النصف بعد تأشير الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 10 غشت 2015، ونشره بالجريدة الرسمية عدد 6391 بتاريخ 31 غشت 2015، ص 7455. ثالثا:23يوليوز 2015، المداولة بمجلس الحكومة، وصدور المرسوم رقم 2.15.588 المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف بعد تأشير الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 10غشت 2015، ونشره بالجريدة الرسمية عدد 6402 بتاريخ 08 أكتوبر 2015، ص 8344. رابعا: ينص الفصل 6 من دستور المملكة المغربية على أن العمل بالقوانين والمراسيم لا يتم إلا بعد النشر والتعميم، الذي لا يتم إلا عن طريق الجريدة الرسمية. وتماشيا مع منطوق الدستور تنص المادة الثانية من المرسوم رقم 2.15.589 على ذلك. وهو نفس الشرط الذي ذكرت به المادة الثالثة من المرسوم رقم 2.15.588. خامسا: قُيد التعميم بمدة 60 يوما من تاريخ النشر أو التبليغ؛ أي أن العمل بتقليص المنحة إلى النصف، لا يطبق إلا على من تقدم إلى التسجيل بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بعد 31 أكتوبر 2015، فيما لا يتم العمل بفصل التكوين عن التوظيف إلا بعد 8 دجنبر 2015. كخلاصة لا يتعلق المرسومين إطلاقا بالمذكرة المنظمة لولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين برسم موسم 2015 2016، إذ يستحيل أن يكونا من مراجعها. المغالطة الثانية: دفع أساتذة الغد الى ارتكاب الغلطة الكبرى سيتلذذ المرجفون بدفع احد الطرفين إلى ارتكاب الغلطة الكبرى، والانتحار من طرف واحد ليؤدي بحياة الاثنين. فخلق الكارثة يكفي أن تأتي من جانب أحد الطرفين، لكن لا ينبغي أن يسلم من دمارها احد منهما. تقول أفواه مهندسي هذه المغالطة بأنه إذا كان الأساتذة المتدربون متيقنون من كون القانون في صالحهم فلم لم يلجأوا إلى القضاء؟ ويطو الملف. وقد وجد الطرح صداه، إذ أصبح البعض يستثمر لغوه في مدى إمكانية لجوء أساتذة الغد إلى القضاء كخيار لطي ملفهم. إلا أن الطيبين فاتهم أن الدولة لم تتخذ بعد في حالة أساتذة الغد أي قرار قانوني، مما يجعلهم معفيين من خطوة التقاضي. فاللجوء إلى القضاء سيحتاج إلى علة الترافع. ومادامت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني الطرف المعني وليس الحكومة لم تحسم شأن قطع علاقتهم بالقطاع، فإن مبرر اللجوء إلى القضاء منتفي، وسلوكا لا يقبله المنطق. وإلا فإننا سنكون إزاء مقاضاة جهة مجهولة في نازلة مجهولة. لذلك تتبخر المغالطة، إذ لم يحن بعد أجل شروع أساتذة الغد في مسطرة التقاضي، إذ يظل في عداد الخيارات المستبعدة إلى حين نهاية الموسم التكويني، وعدم توصلهم بقرارات تعيينهم. وحينها يمكنهم مواجهة ذلك على أساس أنه خطأ إداري. المغالطة الثالثة: دفع الحكومة إلى ارتكاب الغلطة الكبرى بنفس المغالطة الأولى وجد الطرح صداه، إذ أصبح البعض يستعدي الحكومة على أساتذة الغد، ويزين لها جريرة التسرع باتخاذ قرارات سلبية. ويتضح التغليط من التلويح حولما إذا كانت الحكومة متيقنة من كون الأساتذة المتدربين على خطأ، فلم لم تعقد في حقهم جلسة حاسمة تنتهي بطردهم جميعا بإلغاء المباراة؟ ويطو الملف. وقد فات السفهاء إن تطبيق المرسومين موكول إلى وزارتي التربية الوطنية بشكل مباشر والوظيفة العمومية بشكل غير مباشر، وأن رئيس حكومة غير معني بالفصل، ولا يمكنه قانونيا حشر أنفه فيه. وحتى إذا كانت لدى الحكومة نية ذلك، فإن إقدام الوزارة المشغلة على إبعادهم يتطلب مساطر قانونية معقدة، قد تستغرق وقتا طويلا. فالحكومة على مدى أربعة أشهر لم تفعل أي خطوة لفصل الأساتذة المتدربين، بل أشرفت على عقد أربع جولات حوارية. ولو كان الحق بجانبها ما تريثت ولو ساعة في عقد مجالس تأديبية تنتهي بطردهم جميعا. لذا فإن الحكومة مجانبة للصواب، وأي استجابة لاختيارات الأبواق سيعقد الأمر، ولن تكون له إلا ثمارا حنظلية. وعين العقل تقتضي أن يحل الملف بشكل ودي بين الوزارة وممثلي أساتذة الغد وتحت إشراف رئيس الحكومة وضماناته. فقبل نهاية الموسم وعدم تسلم قرارات التعيين، فإن أساتذة الغد ما عليهم إلا طرق أبواب الحوار الجاد، وما على الوزارة إلا الجنوح إلى الحوار الجدي في سبل طي الملف. المغالطة الرابعة: جر الوزارة إلى ارتكاب الغلطة الكبرى ترويج المغالطة الرابعة من داخل المراكز، إذ يجيش عدد مهم من "المفوهين" لطرح عائق ضيق الزمن المتبقى من عمر السنة التكوينية غير الكافي لضمان التكوين الجيد. فقد جاء في النقطة الثالثة من بلاغ متسرع، سطره مجلس المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء في اجتماعه يوم 9 فبراير؛ إذ ضُمن بشكل غير متريث موقفا سلبيا، يمكن أن تعتبره الدوائر المعنية رأيا عاما لمختلف الأطر بالمراكز. و مفاد ما استقر عليه الأعضاء المجتمعون حسب البلاغ هو أن ظروف التكوين كما هو مسطر في الرزنامة لم تعد متاحة. فالمغالطة الخطيرة تعدم مبكرا الأمل الذي اقترحته النقابات وغير واحد من ذوي المبادرات الحسنة. فكما العادة بالمركز، وفي الوقت الذي ينبغي فيه التريث والتحلي بالرزانة، خرج المجتمعون ببلاغ يحمل تناقضات من شأنها تعويص القضية. فحينما تنجر وزارة التربية الوطنية إلى هذا الموقف، قد تحوز به موافقة المعنيين على تعطيل أي حل ينقذ ماء وجهها ويحفظ لأساتذة الغد كرامتهم. من يسبح في فلك هذا النموذج غير المستوعب لحيثيات الملف، لا يقترح خيرا، ولا ينظر إلى أزمة اساتذة الغد إلا بسوداوية، ولا يتصور التكوين اإا من زوايا إعاقة أية محاولة لتسوية تنهي معاناة أساتذة الغد. ففي الوقت الذي تتم استجابة الإدارة لمطالب مركزية بعمه، وبدون طرح فاعل الزمن، نجد هذا المتغير حاضرا، ويثار بسرعة لوأد مستقبل ملف أساتذة الغد. المغالطة الخامسة: من وراء انتفاضة أساتذة الغد ؟ كثير هم ذوو أماني تغليف نضال الأساتذة المتدربين بالغلاف السياسي، بالإشارة إلى جهات على أنها هي من تؤطر الأساتذة المتدربين لأهداف تأزيم الوضع، ولي الذراع للدولة، واستثمار الأساتذة المتدربين لأغراض سياسية. وقصد إجلاء هذه الفكرة أود أن أقول بأن الجهة الوحيدة التي تحرك هذا الملف هي الحيف الذي طال أساتذة الغد. وأن 10 آلاف أستاذ ليس بمقدور أحد التحكم في قرارها والتغرير بها وتوجيهها. فتارة يلوح البعض بأن جماعة العدل والإحسان قد وضعت يدها في الملف، وتارة يعتقد أن حزب النهج الديمقراطي هو المهيج للأساتذة، وتارة يعتبر فصيل البرنامج المرحلي هو صانع قرار مناهضي المرسومين... وكأن دعم النضال محرم على هذه الجهات وغيرها. إذا كان الاعتقاد أنه بمقدور جهة معينة التحكم في 41 مركز رئيس وفرعي، وأنه بوسعها توجيه مصير 10 آلاف أستاذ فذلك من الخيال العلمي. وإذا ثبت هذا الزعم فإن هذا مؤشر على أن المجتمع المغربي مؤطر من قبلها وليس فقط الأساتذة المتدربين. والحقيقة أن تشكيلة قيادات التنسيقيات المحلية جد متنوعة التوجهات، إذ تتألف من التيارات الراديكالية إلى الأكثر استسلامية، بل منها أعضاء الجهات المشاركة في الحكومة، يشاركون في الحوارات بشكل رسمي ووفق ما تراه قاعدة الأساتذة المتدربين. هذا يعني أن الذي يقف وراء انتفاضة أساتذة الغد هو يقينهم بمجانبة القرارات التي أتى بها المرسومان للحق، ومخالفتها لتراتبية القوانين، وضرب فرض تنزيلها للدستور. ولعل ما ينذر أن به من خراب في قطاع التعليم يستحق دعما وانخراطا أكبر. لذلك فإن الذي ينبغي استنكاره هو التماطل، والذي يتعين شجبه هو التسويف والقمع الهمجي. وأن ما ينبغي فعله والتذكير به هو التعجيل بحل الملف وطيه. ختاما، معالم الحل الجدي حنكة الأساتذة المتدربين وفطنة المسؤولين، سيتظافر لقطع الطريق عن زراع الفتنة، وليس من الحكمة ترك الاحتقان يتفاقم، ومن المفيد جدا التسريع بالجلوس إلى طاولة المحادثة لطي الملف قبل مسيرة 20 مارس، التي لا نضمن التزامها السلمي نظرا للشحن النفسي الناتج عن كثرة إشاعات أجواء اليأس. قصد تفنيد ما تفتقت به عقول حكماء في تفريخ المغالطات اتقدم بالطرح الاتي، معضدا لمقترح النقابات الست، ومؤكدا بلا مندوحة إمكانية الجمع بين التكوين وحل المشكل في حدود شهر مارس، وانقاذ الموسم التكويني؛ فإذا تم طي الملف خلال هذا الشهر، يمكن التصرف في رزنامة التكوين بحذف العطلة البينية والاكتفاء بالتكوين النظري. كما يقترح تأجيل مجزوءتي البحث التدخلي وشق التداريب الميدانية، لتعتبر غير مرصودتين؛ حيث يعتمد أسلوب دمج مجزوءات فوج 2015 2016 الموسم القادم مع فوج 2016 2017 لمناقشة البحوث وإجراء الامتحان العملي (يكفي إصدار رسالة وزارية تنظم ذلك). وعموما لا زالت معنا فسحة في التصرف في الرزنامة ما دام عدم رصد المجزوءات مجتمعة لا يوجب رسوب الأستاذ المتدرب. وإنما يلتحق الأستاذ بمقر عمله في انتظار استيفاء ما لم يرصده من مجزوءات. أرجو أن يطو الملف آنيا، وأن يكون هذا آخر ما أكتبه في "مجزوءة نضالات" أساتذة الغد