بداية أشير إلى أن روسيا لم تنسحب من سوريا، بل خفضت من وجودها العسكري في سوريا. وقد اتخذت روسيا هذا القرار المدروس، وليس المفاجئ بعد أن حققت أهدافها الرئيسية، أهمها تثبيت وجودها العسكري المباشر والدائم في شرق البحر الأبيض المتوسط. فبالإضافة إلى عودة الأسطول الروسي البحري الدائم في هذه المنطقة قبل سنوات قليلة، وتعزيز دور قاعدة طارطوس البحرية التي عادت إليها روسيا عام 2006، حققت روسيا مكسبا من خلال تنصيب منظومة دفاع جوية أساسها صواريخ S400. وهي المنظومة الدفاعية الروسية التي وضعتها في مقابل منظومة الدرع الصاروخي الأطلسية. وذلك إلى جانب تمركز طائراتها الحربية سوخوي 34 في القاعدة الجوية باللاذيقية . هذا فضلا عن وجود بري مهم عبر القوات الخاصة التي أعطى لها بوتين أهمية مركزية في إطار إعادة تنظيم وتطوير الجيش الروسي. وبمعنى آخر روسيا أصبح لها وجود عسكري في شرق المتوسط بمختلف أذرعه، الجوية والبرية والبحرية والصاروخية. أما الهدف الاستراتيجي الثاني فهو أنها فرضت نفسها ضمن الاستحقاقات المستقبلية للاتفاق النووي الإيراني الغربي، فالبرغم مما يبدو من توافق روسي إيراني حول سوريا، إلا أن التفاصيل المتعلقة بالأبعاد الإستراتيجية للدولتين يحصل فيها تباعد، فروسيا لن تسمح لإيران بأن تصدر نفطها وغازها عبر كردستان العراق وعبر سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط ثم إلى أوروبا، لأن ذلك سيشكل ضربة إستراتيجية لأهم قطاع اقتصادي لروسيا، وسيضعف موقف موسكو أمام الأوروبيين وحلف الأطلسي، خاصة فيما يتعلق بورقة الطاقة التي توضفها روسيا. وقد سبق لروسيا أن أفشلت مخطط قطر التي كانت ترغب في إمداد أنبوب للغاز نحو تركيا عبر الأردن والأراضي السورية، وانزعجت موسكو بقوة بعد إنشاء أكبر محطة للغاز المسال جنوبإيطاليا الذي يمد أوروبا الشرقية بهذه المادة، خاصة في شرق أوروبا التي تعتبر ممرات رئيسية للغاز الروسي، ومما زاد من تعقيد الوضع أكثر في هذا السياق، هو المشروع التركي القطري الأوكراني لإنشاء ميناء لاستقبال الغاز المسال القطري، الشيء الذي دفع بموسكو إلى تصعيد موقفها تجاه أوكرانيا انتهى بضم القرم من طرف الروس. تلتقي إيرانوروسيا في سوريا حول بقاء الأسد. لكن لكل منهما أهدافه، وإيران لن تذهب بعيدا في القبول بدولة كردية بالمنطقة لأنها ستهددها أيضا في المستقبل بحكم وجود أكراد أيضا في إيران، عكس روسيا التي تؤيد هذه الفكرة غير أنها مرحليا ستسعى إلى نظام فدرالي في سوريا. والملاحظ أن روسيا بالقدر ما أضعفت المعارضة السورية المسلحة إلا أنها تسعى إلى احتضانها عبر التقارب مع دول خليجية، خاصة قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي نفس الوقت لم تسعى إلى إنهاء "داعش" لتبقى دائما الورقة التي من خلالها يمكن أن تعيد إرسال جيشها إلى سوريا، فعبر الورقتين ستناكف موسكوتركيا ونفوذها من جهة، وفي نفس الوقت لن تترك للأسد أن يتفرد به الإيرانيون وحدهم. باحث في مؤسسة البحوث الإستراتيجية الدولية بأنقرة - تركيا