بادر رئيس المحكمة الإدارية بالرباط إلى تنظيم ندوة حول موضوع" حقوق المرأة من خلال القضاء الإداري (المحكمة الإدارية نموذجا)". وهي مبادرة جريئة تضع القضاء بصفة عامة والقضاء الاداري بالخصوص في قبل النقاش العمومي حول التمكين الفعلي للحقوق المعترف بها دستوريا وقانونا للم أرة المغربية. من أجل الانتقال الى مصاف الدول تتعامل مع قضايا حقوق الم أرة بطريقة صادقة وجدية. وليس تلك التي تعبرها واجهة امام العالم ن اجل الادعاء بالتحضر. بينما في الواقع الذي يوجد على حقوق المرأة لا زال قابعا في العصور القديمة. ومن المعلوم بالنسبة لكل متتبع للتطور الذي عرفه النقاش العالمي حول الدفاع على حقوق الانسان, الذي استعمل كذلك كأداة سياسية في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي الى ان أدى الى تفكيكيه سنة1987 سيلاحظ ان ذلك النقاش العالمي مر من ثلاثة م ارحل: المرحلة الأولى: وهي مرحلة التي تسمى بالتحسيس بأهمية احت ارم وإعمال حقوق الانسان كما هي معرفة في القوانين الطبيعية وفي تعاليم كل الديانات السماوية وغيرها من الديانات. بالنظر الى انها تهتم بالإنسان لذاته. وهي مرحلة عاشها المغرب بفضل الحضور القوي للشخصيات النسائية والجمعيات النسائية التقدمية والوطنية التي تنبأت بأهمية دور المراة في تطور المجتمع. وضرورة مناهضة الفكر الذي أراد ان يقصر دور المرأة كأداة للذة الجنسية للرجل. المرحلة الثانية: وهي مرحلة التطبيق القانوني ل تلك الحقو ق. أي النص عليها في قوانين البلدان التي تومن به احقا. وبدأت هذه المرحلة بالنص عليها في قوانينها العادية. وانتهت الى تضمينها في دساتيرها. وذلك من اجل منع التراجع عليها بسبب تغيير الحكومات المسير لتلك البلدان. وحتى يتم ضمان استمرار مشروعيتها القانوني وإلزامية احترامها. المرحلة الثالثة. وهي مرحلة المحاسبة على تنفيذ الدول لالتزاماتها المتعلق باحترام حقوق الانسان. وفي مقدمتها احترام حقوق المرأة . وهي المحاسبة التي تظهر بقوة في كل اتفاقيات التجارة الدولية والاتفاقيات المالية الدولية. وقرارات و توصيات كل من البنك الدولي وصندوق ا لنقد الدولي. وتوصيات وقرارات عدد من برلمانات الدول المتقدمة اقتصاديا. والتي تربط أي تعامل مع أي دولة بمدى احترامها لحقوق الانسان وعلى راسها حقوق المراة . ومن الانصاف الفكري الاشها د لبلدنا اليوم بكونه نفذ الت ازماته المذكرة في المرحلة لأولى و في المرحلة الثانية,مع بعض الخصاص في مجالات معينة والذي يجب تداركه في اقرب وقت, واصبح المغرب اليوم في المرحلةالثالثة أي مرحلة المحاسبة على مدى تنفي ذ الت ازماته في مجال حقوق الانسان و على الخصوص ما تعلق منها بحقوق المراة, ليس بالنظر الى ا لاتفاقيات الدولية. كما كنا نطالب بذلك في السنوات الماضية. بل اليوم من حقنا ان نطالب بتنفيذ ما اتي به دستور 2011 في مجال الحقوق التي اعترف بها للمراة والتي اريد لها ان لا تنفذ من طرف الحكومات المعينة بعد المصادقة على ذ لك الدستور. وينتظر الم جتمع الحقوقي من الحكومة الحالية المبادرة الى اثبات ا حت ارمها لدستور 2011 في مجال حقوق الم أر ة. وليس بالالتفاف عليه كما كان عليه الحالفي السابق. ويستخلص مما سبق ان صيغة المطالب التي ترفع اليوم بخصوص حقوق المراة لم تبق ت لك الصيغة التي تطالب بالاعتراف بحقو ق المراة. لأن موضوع الاعتراف بحقوق المراة خرج وتجاوز مرحلة مطلب الاعتراف به الى مرحلة تمكين المرأة من الحقو ق فعليا. اي فعلية تلك الحقوق. وهو المصطلح المتعامل به دوليا. أي تطبيق ما ينص عليه دستور 2011 والقوانين الجاري بها العمل وفي مقدمتها مدونة الاسرة. حقا ان ما يجب الاعتزاز به هو صدور احكام عن القضاء الإداري و على راسها المحكمة الإدارية بالرباط اتسمت بالجراة في عدة قضايا كانت موضوع خلاف في التفسير وال تأويل بين المتدخلين فيها سواء كانوا إدا ارتعمومية او اشخاص ذاتين. كما هو الحال بخصوص الاحكام التي مكنت المراة المنتسب للسلاليات من حقوقها. والاحكام التي مكنت الارملة من حقها في تقاعد زوجها بعد وفاته. وغيرها من الاحكام القضائية التي انتصرت في المحكمة الإدارية لتمكين المراة من حقوقها الدستورية والقانونية. لكن لا ازل هنالك مجال للقضاء الإداري ينتظر منه ان يلعب فيه دوره الدستوري في التقوية من فرض إعمال قواعد المحاسبة على عدم تطبيق الدستور و القوانين ذات الصلة بحقوق المرأة والقطع مع كل ما من شأنه يفرغ تلك الحقوق المضمونة دستوريا وقانونيا من أي محتو ى بناء على تفسي ارت او تعليلات تس تند الى ما يناقض الدستور وما يناق ض القانون. وتعتبر نفسها رقيبا على ذلك الدستور وعلى تلك القوانين وتمسح أنفسها بتجاوزه ومناقضته. ذلك لأن دور القضاء الإداري واختصاصه في تحقيق تمكين المراة من حقوقها الدستورية والقانونية لا يقتصر على ما تقوم به الإدارة من تجاوزات التي قد تمس حقوق المراة وغيرها من المعنين , بل ان دور القضاء الإداري منتظر كذلك بخصوص ما اهله وخصه به الدستور. إذ بالإضافة الى ما حققه القضاء الإداري من دعم ومؤازرة للمرأة في الوصول الى ما تتملكه من حقوق. فإن دوره هو كذلك منبه ومذكر للدولة بمسؤوليتها الدستورية على ما قد يرتكب بعض الاحكام القضائية من أخطاء. علما ان الخطأ القضائي معرف به وهو يتجسم في عدم تطبيق نصو ص دستورية ا وعدم تطبيق نصوص قانونية جاري بها العمل, تعترف للمراة بحق من حقوقها الطبيعية, او تجاوز تلك القوانين او اهمال إعماله. وهذا لاختصاص ليس متروكا للاجتهاد القضائي حتى يمكن تطبيقه في حالة وعدم تطبيقه في حالة أخر ى. بل يجد سند في الوثيقة الدستورية التي ينص فصلها 122 منها على ما يلي: " يحق لكل من تضرر من خطإ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدول ة. ومن المعلوم ان تعريف الخطأ القضائي لم يترك كذلك للتفسير او التأويل او الاختلاف حول مضمونه. وانما تدخلت وثيقة أخرى مكملة للدستور وتحظى بنفس القيمة الدستوري ة للدستور نفسه, وهو القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساس ي للقضاة والذي عرف الخطأ القضائي عندما نص في المادة 97 من جملة ما ن ص عليه, على ما يلي: " ويعد خطأ جسيما: " الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الاطراف؛ " الخرق الخطير لقانون الموضوع. علما أن الصيغة التي كتبت بها تلك المادة لا علاقة لها بالمراكز القانونية التي انتهى اليها حكم معين. والذي يحتفظ لنفسه بنهائيته وبأثره على الم اركز القانونية للمعنيين به. أي ان ثبوت الخطأ القضائي ليس طريقة أخرى من طرق الطعن التي تلغى بها الاحكام القضائي ة. لأن إعمال وتطبيق المادة 97 المذكورة هو منفصل علىالحكم الذي شابه الخطأ القضائي. وهي مادة يستن د ويعتمد عليها لتطبيق النص الدستو ر ي المذكور في الفص ل122 من الدستور المشار اليه أعلاه. أي تحمل الدولة تعويض الخطأ القضائي للمتضرر من حرمانه من الاستفادة مما ينص عليه القانو ن. وهو الخطأ المتمثل في خرق قانون مسطري او موضوعي. ما الغرض من النص على الفص 122 والمادة 97 المذكورين. لم يحض دستور 2011 باي نقاش او تتبع من قبل المسؤولين المباشرين على سن القانون ولا من المسؤولين المباشرين على شرح القانون. ولا المسؤولين المباشرين على تطبيق القانون لشرح التحول الجديد الذي حمله دستور 2011 بخصوص سمو القانون . وتم اخت ازل الفصل 124 في عناوين الاحكام وافتتاح واختتام جلسات. بينما الفصل 124 لا يتعلق فقط بعنوان الاحكام والاعلان عن افتتاح الجلسات. بل يتعلق بالأساس بتعليل الاحكام التي تصدر ضد المتقاضين. أي ان الحكم يجب ان يطبق وي تطابق القانو ن. لكي ينسب صدروه لجلالةالملك. وافصل 124 من الدستور ليس قاعدة دستورية معزولة. بل هو داخل في نفس النسق الدستور الذي دشن التحول الذي حمله دستور 2011 عندما أكد على أن القانون هو أسمى تعبير عن إ اردة الامة ولكنه رفع الى المرتبةالدستورية والزم كل السلطات العمومية باحت ارم ه. إذ تنص الفقرة الأولى من الفصل 6 من الدستور على ما يلي: القانون هو أسمى تعبير عن إاردة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين،بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له . كما تنص الفقرة الثالثة منه على ما يلي: تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتارتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة. ليس للقانون أثر رجعي . وهذا التشديد على وجوب تطبيق القانون لم تكتفى فيه فقط بالنص عليه في الدستور كقواعد دستورية لتبقى حبارعلى ورق. بل تم خلق آليات الال ازم بتطبيقه. وخلق الج ازء على عدم تطبيق القانو ن. وهم ما نرصده في التوجهاتالثلاثة التالية: التوجه الأول: وتجلى في تتدخل مشرع ومحرر القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وشدد على بالتحول المشار اليه أعلاه عندما اعتبر ان الحكم الذي يخرق القانون يعتبر خطأ جسيما. وحدد القانون التنظيمي الذي هو مكمل لل دستور عقوبة ذلك الخرق بالتوقيف حالا. مما يعني قبل ان يحال على المجلس الأعلى للسلطة كمجلس تأديبي. التوجه الثاني: هو المضمن في الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك الى المتمر الأول حول" استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحت ارم قواعد سير العدالة"، الذي افتتحت أشغاله يوم الإثنين 2 أبريل 2018بمراكش. والتي ذكر فيها جلالته بما سبق ان تضمنه دستور 2011 في فصليه 6 و124 من وجوب تطبيق الاحكام القضائية للقانون والقانون وحده. إذ ورد في تلك الرسالة ما يلي: " بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات، في بناء الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة، فإنه يبقى " منشغلا، مثل كل المجتمعات التي تولي أهمية قصوى للموضوع، بالرهانات والتحديات التي تواجه " القضاء عبر العالم. " ويأتي في مقدمة هذه التحديات، ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق،" باعتبارأن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا" للمتقاضين، فكونهيلقي واجبا على عاتق القاضي. " فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحدهمرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته. " وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والن ازهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء" يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية. " كما أن تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون، والرافعة الأساسية للتنمية، " يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها، لمواكبة التحولات الاقتصادية " والاجتماعية، التي تشهدها مختلف المجتمعات. وانه يتبين ادن ان خرق القانون هو خطأ قضائي. وان الخطأ القضائي تتحمل الدولة تعويضه لمن صدر ضده. وأنه من أجل تمثل المفهوم المجتمعي للمادة 97 المشار اليها أعلاه, يجب الوقوف على مفهوم القانون في دستور 2011, والوقوف على مصدر القانون. هل هو فقط قرار يتخذ من اجل الدفاع على مصالح مؤقتة تفرضها حالة مؤقتة. أم ان القانون هو التعبير الحقيقي على ا رادة الدولة والمجتمع ورغبتهما و نظرتهما لما يجبان تكون عليه الحياة المشتركة بين ا لاف ارد المكونين لهذا المجتمع. لماذا يعتبر خرق القانون خطأ قضائي. سمو النص القانوني الى المرتبة الدستورية لم يكن منصوصا عليه في الدساتير المغربية من دستو ر 1962 الى دستور 1996. و لم تصبح له تلك لمرتبة الدستورية إلا في دستور 2011 المتتبع للح ارك الذي عرفه العام العربي وبالأساس في كل من تونس ومصر، وبعد ما عر فته كذلك بلادنا .سيلاحظ أن المجال السياسي المغربي طبعته لحظات ستسجل كمحطات اثرت في تاريخ المغرب واسست للتحول الدستوري الذي عرفه بلادنا. وللتحول من أجل بناء الدولة المغربية الديموقراطية الحديثة. تلك المحطات التي يمكن تحديدها في: -محطة الخطاب الملكي ل 9 مارس . -محطة انخ ارط اجماع المجتمع السياسي والمجتمع المدني والشعبي في مبادرة مراجعة الدستور. -محطة الخطاب الملكي ل 17-06-2011. وهذه محطات هي بمثابة تحكيم قام به جلالة الملك. يمكن ان نعطيه عنوان: التحكيم الملكي الثالث . ذلك انه منذ تولي جلالة الملك مهامه قام بثلاثة أنواع من التحكيم: التحكيم الاول: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والمجتمع. والمتمثل في إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة. وهي الهيئة التي فتحت ملف الزمن الذي عرف بزمن الجمر والرصاص. وهي الهيئ ةالتي وقفت على مسؤولية الدولة فيما تعرض له أبناء وطننا في الماضي. التحكيم الثاني: يمكن وصفه بتحكيم بين المجتمع والمجتمع. والمتمثل في الخلاف الذي كاد انيعصف بالمجتمع المتعلق بمبادرة حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي السابقة في فتح مجالاتأخرى للم أر ة بتعديل قانون الأحوال الشخصية. فووجهت تلك المبادرة بمقاومة لذلك التعديل. مما دفع الى تدخل من جلالة الملك عندما عرض مدونة الأسرة لأول مرة في تاريخ المغرب علىالبرلمان. تلك المدونة التي شكلت ثورة في المجتمع المغربي وشهد بذلك العالم كله . التحكيم الثالث: يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة والدولة. وهو الذي يهمنا في هذا المقال, ه والمتمثل سن دستور 2011. وهو الدستور الذي تخلي فيه جلالة الملك على عدد من صلاحيت هالتي كانت تينص عليها الدساتير السابقة منذ دستور 1962 الى دستور 1996. إن اية ق ارءة لدستور 2011 لن تكون موفقة إذا لم تق أر بق ارءة متكاملة مع خطاب 9-03-2011 وخطاب17-06-2011. إذ بقدر ما كان خطاب 9-03-2011 محددا للإطار العام والقواعد الأساسية لمشروع الدستور بقدر ما كان خطاب 17-06-2011 مفس ار لما اتى به الدستور في القضايا الجد حساسة, كتلك التي تتعلقبتخلي الملك على عدد من صلاحياته , و من بينها صلاحية اصدار القانو ن بظهير. بعدما وسعتاختصاصات البرلمان, و هو القانون الذي يهمنا في هذا العرض. وكما هو معلوم لدى فقهاء القانون الدستوري، فإن المهمة الأساسية والمركزية لكل دستور هي الجوابعلى سؤالين: الأول: هو تحديد مصدر السلطات . الثاني: هو توزيع تلك السلطات توزيعا يأخذ في الاعتبار مصدر السلطات. ومن الضروري التدقيق بكون توزيع السلط الذي يهمنا في هذا المجال، ليس ذلك التوزيع الذي يمركز كل السلطات بين يدي الأجهزة التنفيذي ة المختلفة، فهذا النوع من التوزيع لا يعتب ر ه الفكر السياسي والفقه الدستوري الحديث، مترجما لدولة ديموقراطية وإن كان لها دستور. إن توزيع السلطات المعني في هذا المقال هو ذلك التوزيع الذي يضمن للسلطات، تنفيذية وتشريعية وقضائية توازنها وتعاونها واستقلالها لما فيه خدمة مشروع مجتمعي هدفه ضمان ك ارمة المواطن بكل حمولاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالأساس ضمان مساواته مع غيره من المواطنين. وبعد هذا التدقيق سنحاول تقديم أجوية على السؤالين المذكورين أعلاه. بخصوص السؤال الأول حول مصدر السلطة: مع كل الأسف لم يكتب لحد الساعة، كل الفاعلين السياسيون المغاربة الذين مارسوا مسؤولية الفعلالسياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم تجربتهم وآ ارئهم حول تدبيرهم للشأن العام إلا قليلا منهم حتى يمكن الاستئناس بها. وهذا النقص في المعلومة التاريخية السياسية عرقل تطور الفكر السياسيفي المغرب منذ بداية الاستقلال. فمنذ وضع دستور 1962 إلى الدستور الحالي لم يجب المشرع الدستوري على ذلك السؤال/الإشكال. وهوأين يكمن مصدر السلطات في المغرب. وهو النقاش السياسي الذي أجج الخلاف والص ارع السياسي الذيعرفه المغرب بين سلط ممركزة بين يدي الملك، وبين أح ازب وطنية وديموق ارطية تطالب بتوزيع فعلي وحقيقي لتلك السلطات حتى تساهم في بناء المغرب. فهل المغرب استطاع تجاوز هذا الغموض وهذا الأشكال وهو يدخل مرحلة دستور سنة 2011؟ إن هذا السؤال قد يجيب عليه البعض بالنفي كما قد يجيب البعض الآخر بالإيجاب. لكن هل يعقل أننقبل بجواب نظري أو انطباع شخصي. أم أن الجواب يجب أن يعتمد على وسائل ملموسة تمكن منترجيح هذا الوقف او الموقف الاخر . وأعتقد ان دستور 2011 أسس لتحول في بناء الدولة في تغيي ر حقيقي لتوزيع السلطات. وهو ما يرى بكل وضوح بالرجوع أولا إلى الخطاب الملكي ل 09-03-2011. والذي استقبل بترحيب وأمل في فتح صفحة جديدة في بناء الدولة الديموقارطية. إذ ورد في ذلك الخطاب، ولأول مرة في تاريخ المغرب أنالحكومة المقبلة ستكون منبثقة من الإ اردة الشعبية. أن جملة "الإ اردة الشعبية" هي تمثل حقيقي للجواب على مصدر السلطات. باعتبار ها هي سيادة الامةالمعبر عنها بواسطة الاقت ارع العام. فإذا كان الخطاب الملكي ل 09-03-2011 قد فتح النقاش حول مصدر السلطات. فأن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل أن الفصل 2 من دستور 2011 نص على أن السيادة للأمة تمارسها بطريقة غير مباشرة بواسطة ممثلها المختارين عبر الانتخاب. ولكي يفهم أكثر معنى هذا المقتضي لابد من الرجوع إلى النقاش الذي طغى على الحياة السياسية والفكر السياسي في المغرب والكتابات التي تناولت الفصل 19 من الدساتير السابقة. ذلك أن الفصل 19 استعمل منذ 1970, وليس 1962, كسند دستوري في ممارسة الملك لسلطة التش ريع بواسطة الية الظهير لإصدار قواعد قانونية ذات طابع تشريعي. مما أثار جدلا ونقاشا كبيرين حول مشروعية تلك المقتضيات في مفهومها المؤسس للدولة الديموق ارطية. إذ اعتبر الفكر السياسي المعارض أن إعمال الفصل 19 يقلص ويقو ض دور البرلمان الذي هو المعبروالممثل لسيادة الأمة. وأن السلطات التي يمارسها الملك بواسطة الظهير تحجب السلطة الحقيقية لممثليللأمة. لكن من المفيد الإشارة إلى أن تدخل الملك بواسطة ألية الظهير في التشريع لم يكن يتم بدون سند دستوري وإنما بناء على التعديل الذي أ دخل على الفصل 19 بواسطة دستور 1970. ذلك التعديل الممثل فيإضافة في الفصل 19 جملة" الممثل الأسمى للأمة". وهي الجملة التي لم تكن موجودة في نص الفصل19 من دستور 1962. ولهذا فإن صفة الملك كممثل أسمى للأمة، تجعل الملك يتملك سلطة التشريع كممثل لسيادة الامة. لأ نهإذا كان أعضاء البرلمان الذين تنخبهم الأمة هم ممثلي الامة. فان الدستور اعتبر ان الملك هو الممثلالأسمى للأمة. وبالتالي من حقه التشريع باسم الامة في مجال القانون . إن التحول الجدري الذي قدمه اليوم الدستور الحالي، هو أنه لن يبق ينص على ان الملك هو الممثلالأسمى للأمة من جهة. بينما ثبت صفة أعضاء البرلمان كممثلين للأمة حصريين لا ينازعهم في ظلدستور 2011 أي مؤسسة أخرى. وهذه الصفة الحضرية لتمثيل الامة ليس صيغة تسمح بعدة تأويلات. وإنما فسرت وشرحت بالشكلالحصري المشار إليه في الخطاب الملكي ليوم 17-06-2011 الذي و رد فيه ما يلي: "....... وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات أو آليات الطابع البرلماني للنظام "السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة ." أن هذا الإعلان من جلالة الملك في خطاب 17-06-2011 هو إعلان عن تخليه عن صفة الممثل الأسمى للأمة، أي تخليه عن الاختصاص الخالص للبرلمان في كل نظام ديموق ارطي ولكل دولةديموق ارطية حديثة لإصدار القانون . ولهذا عندما نعود إلى الفصلين 41 و42 من دستور 2011 والذين حلا محل الفصل 19 من دستور 1996 وما قبله من الدساتير السابقة لن نجد فيهما أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة، وإنما نجد أنالملك هو الممثل الأسمى للدولة . ويستنتج مما سبق أن الوثائق المؤسسة لتحديد مصدر السلطات هي الخطاب الملكي 09-03-2011والخطاب الملكي ل 17-06-2011. الذين اجمعا على كون مصدر السلطات هو الأمة. مما يكون معه الجواب على التساؤل الأول المشار إليه هو جواب مبني ومؤسس على حجج قوية معلنة ومعززة بخطبجلالة الملك. الذي أكد على مبدأ سمو الدستور وهو المبدأ الذي لم يكن حاض ار في جميع الدساتير التي عرفها المغرب. فهذا المطلب سنجده مفصلا في نص الخطاب الملكي 17-06-2011, و نجد تطبيقا له في نصدستور 2011. وبالفعل بالرجوع إلى الخطاب الملكي ل 17/06/2011 سنلاحظ أنه عند تناوله للدعامة الثانية التي بني عليها الدستور نق أر في الفقرة الثانية ما يلي: ".... وإما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات وأليات الطابع البرلماني للنظام السياسي "المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر لجميع السلطات." وأن التطبيق الدستوري للخطاب الملكي سنجده متضمن في الفقرة 3 من الفصل 42 التي ورد فيها: "يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له ص ارحة بنص "الدستور ." فالإ اردة الملكية ونص دستور 2011 كلها تؤكد على وجوب تطبيق القانون في الاحكام القضائي. وإذا كان القانون في مفهوم الدستور هو ما سبق بيانه أعلا ه, فكيف يمكن ان تصدر بعض الاحكام ف ي تناقضما تنص عليه أحكام الدستور وما تنص عليه احكام القانون وتستند فقط ل أري لبعض من تصدر عنه. وكمثال على ما ذهبت اليه بعض تلك الاحكام القضائية نورد نموذجين من بين نماذج أخرى, لها خصوصيتهاالمتمثلة في تأثيرها في الاحكام القضائية التي أصبحت تصدرها المحاكم الابتدائية والاستئنافية, بالرغم عن عدم اقتنا ع عدد من القضاة بقانونيتها. وهو ما لوحظ من صدور احكام ابتدائية او استئنافية رفضت مسايرة تلكالتوجهات المخالفة للقانو ن, لكن سرعان ما يتم إلغاء تلك الاحكام عندما تعرض على درجات أعلى في التقاضي. النموذ ج الأول يتعلق بأحكام أثيرت حولها عدة نقاشات مثل تلك التي تحرم الم أرة من الحق القانوني الذي خصتهابه مدونة الاسرة المتمثل في التعويض عن المتعة. والتي ذهبت بعض الاحكام الى منع الزوجة من الاستفادةمنه بدعوى انها هي من طلبت التطليق للشقاق. مما شكل هذا ال أر ي القضائي عقابا على الزوجة التي تبادر الىممارسة حقها القانوني في طلب التطليق للشقاق. وكأنها تقوم بعمل غير مشرو ع. من أجل ثنيها على التقدم باطلب للتطليق. بينما الحق في التطليق للشقاق هو حق أسس أصلا لفائد ة الزوجة يمكنها من فسخ العلاقة الزوجية من جانيهاكذلك. وهي اهم مكسب أتت به مدونة الاسر ة من اجل رفع سلطة التحكم في العلاقة الزوجية من جانب الزوجلوحده عندما يلحق بزوجته اض ارر لا يمكن معها استم ارر العشرة الزوجية. النموذج الثان ي هو يتعلق بمواجهة تهرب رجل من تحمل مسؤولية حمل تسبت فيه بعد علاقة جنسية خارج إطارالزواج. والتي يعتبرها القانون فسا دا. لا ينسب به الطفل للرجل الذي تسبب فيه. غير ان قاضيا في محكمة ابتدائية من مدينة بشمال المغرب تصدى بج أرة عادلة ومنصفة وبص ارمة في التطبيقالسليم للقانون. وحمل الرجل مسؤولية ذلك الحمل وحكم عل يه بالتعويض لتغطية حاجيات الطفل الذي تسبب في ازدياده إعما لا لقواعد المسؤولية المدنية, وليس الشرعية لأنه لم ينسبه لذلك الرجل, وهي المسؤولية ال مبنية على تحمل مرتكب الفعل العمد او الخطأ لمسؤولية التعويض عن الضرر الذي ينتج عنه. لكن بدون ان ينسبه له باحت ارم لقواعد الشريعة الاسلامية. ومع ان هذا الحكم اتسم بالعدل والانصاف وبالتطبيق السليم للقانون والمحترم لقواعد الشربعة الإسلامي ة. إ لا انمحكمة أعلى ارتأت إلغاء ذلك الحكم وأعفت الرجل الذي تحققت من تسببه في ذلك الحمل غير المشروع من أي مسؤولية ومن أي تعوي ض مع أن: 1-ذلك الحكم طبق القانون في تحميل ما نتج عن الفعل المخالف للقانون تعويض للضرر لمن ارتكبه. 2-ذلك الحكم وجه رسالة قضائية قوية لكل رجل يمارس الفساد بان يتحمل كذلك مسؤولية الطفلالناتج على علاقة الجنسية خارج الزواج. 3-ذلك الحكم كان أثره هو إثارة الانتباه الى ان ارتكاب ذلك الفعل تترتب عليه مسؤولية تحمل تبعاتهماليا اتجاه المولود. من جهة وتنبه الغير لعدم القيام بذلك الفعل الذي تتضرر منه في نهاية المطافالم أرة وحدها والت ي تجد نفسها لوحدا محملة بمسؤولية طفل يرفض المجتمع ولا يجد اسم اب له يضافالى اسمه. فالحكم المذكور كان مطبقا لنص القانو ن. وهو الفصل 77 من ظهير الت ازمات والعقود. بينما الق ارر الذيالغاء واعتبر أن الطفل لناتج عن فساد وأعفى بالتبع لذلك الرجل الذي تسبب فيه من أي مسؤولية ومن أي تعوي ض. يكون قد صدر ضدا على الفصل 77 المذكور. أي ارتكب خطأ قضايا بمفهوم المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. لان خرق القانون هو خطا جسيم كما سبق بيانه أعلاه . هذين النماذج من الاحكام معب رة على الخطأ القضائي بمفهومه المنصوص عليه في المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. تتحمل الدولة تعويضه طبقا للفصل 122 من الدستور. والتساؤل الذي يطرح بعد كل ذلك هو: وما علاقة القضاء الإداري بكل ذلك. الجواب هو ان القضاء الإداري هو المختص في الحكم على الدولة بكل إخلال في ممارستها للسلطة وفقا لأحكام القانون المنظم للماكم الإدارية . وبالتالي هو المختص في البت في قضايا الخطأ القضائ ي. ومن الملاحظ ان قضاء الحكم لم يسبق له , حسب ما في علمي, ان عقد ندوة حول الخطأ القضائي. بينمابادرت رآسة النيابة العامة الى تنظيم ندوة بمدينة م اركش تناولت فيها بالد ارسة الخطأ القضائي الذي قد يصدرعن النيابة العامة عند ممارستها لمهامها واختصاصاتها. وسيكون مفيدا أن يهتم قضاء الحكم كذلك بهذه الموضوع من اجل توحيد الاجتهاد والتعامل مع التطبيق السليمللقانون. واعتبر ان القضاء الإداري من واجبه اقتحام هذا الموضوع مثلما بادر الى حماية حقوق الم أرة في مواجهة الإدارية. فعليه ان يحميها من الأخطاء القضائية التي تم س بحقوقها.