رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نصوت بنعم على مشروع الدستور

المتتبع للحراك الذي عرفه المغرب مباشرة بعد التحولات التي وقعت بالأساس في كل من تونس ومصر، وبعد حركة الشباب ليوم 20-02-2011, سيلاحظ أن المجال السياسي المغربي طبعته لحظات ستسجل كمحطات فارقة في تاريخ المغرب، وخصوصا في تاريخ بناء الدولة المغربية الديموقراطية، تلك المحطات التي يمكن تحديدها في:
1 - خطاب 9 مارس.
2 - انخراط المجتمع السياسي والمجتمع المدني والشعب في مبادرة مراجعة الدستور
3 - عرض مشروع الدستور و الخطاب الملكي في 17-06-2011 .
4 - بعض ردود الفعل غير المقتنعة بما حمله مشروع الدستور من مستجدات.
و هي محطات هي بمثابة تحكيم ملكي ثالث .
ذلك انه منذ تولي جلالة الملك مهامه كملك قام بثلاثة أنواع من التحكيم:
الاول : يمكن وصفه بتحكيم بين الدولة و المجتمع و المتمثل في إنشاء هيأة الإنصاف و المصالحة و التي فتحت الزمن الذي تداول الحقوقيون على تسميته بزمن الرصاص , تلك الهيأة التي وقفت على مسؤولية الدولة فيما تعرض له أبناء وطننا في الماضي .
الثاني : يمكن وصفه بتحكيم بين المجتمع و المجتمع و المتمثل في الخلاف الذي كاد أن يعصف بالمجتمع و المتعلق بمبادرة الحكومة السابقة في فتح مجالات أخرى للمرأة, مما دفع الى تدخل من الملك عندما عرض مدونة الأسرة , لأول مرة على البرلمان تلك المدونة التي شكلت ثورة في المجتمع المغربي و شهد على ذلك العالم كله .
الثالث : يمكن و صفه بتحكيم بين الدولة و الدولة و هو المتمثل في مشروع الدستور الذي يتخلي جلالة الملك على عدد كبير من اختصاصاته التي ينص عليها الدستور الحالي.
وهذا التحكيم الأخير كان موضوع آراء مختلفة عن جل ما تم التعبير عنه بخصوص مشروع الدستور.
قد لا يختلف اثنان في كون حق إبداء الرأي هو حق أدى عليه المغاربة ثمنا باهظا وعلى الخصوص المنتمين إلى الأحزاب الديموقراطية والوطنية، مما لا يحق لأي كان اليوم وخصوصا أمام مشروع الدستور الحالي الذي كرس هذا الحق، أن ينازع أصحاب تلك الآراء حقهم في إبدائه والتعبير عن تلك المخالفة بكل حرية.
لكن الأثر الذي خلفته تلك الآراء وخصوصا وأن جلها معبر عنه إما من شخصيات وازنة أو أحزاب حاملة للهم الوطني، ذلك الأثر الذي يدفع كل متتبع للمحطات المشار إليها أعلاه الى التساؤل هل أي شخص عندما يدعو الى التصويت بنعم يكون قد أخطأ في التقييم الدستوري والسياسي للمشروع المعروض , أم أن ما حمله ذلك المشروع لم يتم تقديمه بالشكل الذي يفهم و يستوعب بنفس القدر من الوضوح حتى يمكن الاحتكام إلى نتائج ذلك التفسير والتوضيح.
وأعتقد أنه من المفيد تقديم وجهة نظر , قد تكون غير كاملة, حول ما يتضمنه مشروع الدستور وحول الأثر الذي سيحدثه في بنية الفكر السياسي و في إعادة صياغة العلاقة السياسية بين مؤسسات الدولة من جهة و بين كافة المواطنات والمواطنين والنخب السياسية الحاضرة اليوم في المشهد السياسي الوطني.
و أعتقد أن أي تقدير لأي ملاحظات حول مشروع الدستور لن يكون موفقا إذا لم يقرأ الدستور قراءة تكاملية مع خطاب 9-03-2011 وخطاب 17-06-2011.
إذ بقدر ما كان خطاب 9-03-2011 محددا للإطار العام والقواعد الأساسية لمشروع الدستور بقدر ما كان خطاب 17-06-2011 مفسرا لمشروع الدستوري في القضايا جد الحساسة كتلك التي تتعلق باختصاصات الملك في الدستور المقبل من جهة و تحديد مصدرة السلطة من جهة أخرى.
كما هو معلوم لدى فقهاء القانون الدستوري، فإن المهمة الأساسية والمركزية لكل دستور هي الجواب عن سؤالين :
الأول: هو تحديد مصدر السلطات.
الثاني: هو توزيع تلك السلطات توزيعا يأخذ في الاعتبار مصدر السلطات .
وقبل محاولة تقديم أجوبة عن السؤالين المذكورين أعلاه من الضروري التدقيق بكون توزيع السلط الذي يهمنا في هذا المجال، ليس ذلك التوزيع الذي يمركز كل السلطات بين يدي الأجهزة التنفيذية، فهذا النوع من التوزيع لا يعتبر الفكر السياسي والفقه الدستوري الحديث ، مترجما لدولة ديموقراطية، وإن كان لها دستورها.
إن توزيع السلطات المعني في هذا المقال هو ذلك التوزيع الذي يضمن لتلك السلطات، تنفيذية و تشريعية وقضائية توازنها وتعاونها واستقلالها عن بعضها لخدمة مشروع مجتمعي هدفه ضمان كرامة المواطن بكل حمولاتها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبعد هذا التدقيق سنحاول تقديم أجوبة عن السؤالين المذكورين أعلاه.
بخصوص السؤال الأول، من هو مصدر السلطة:
مع كل الأسف لم يكتب لحد الساعة، الفاعلون السياسيون المغاربة الذين مارسوا الفعل السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال إلى اليوم تجربتهم وآراءهم حول تدبيرهم للشأن العام حتى يمكن الاستئناس به و هذا النقص في المعلومة التاريخية السياسية عرقل تطور الفكر السياسي في المغرب منذ بداية الاستقلال.
لكن عمق الإشكال السياسي الذي عرفه المغرب هو الخلاف حول تحديد مصدر السلطات، وهو التجاذب الذي عاشه المغرب بين الحركة الوطنية والمقاومة الشعبية التي حاربت وقاومت المستعمر ، بل رفضت أي استقلال للمغرب قبل رجوع محمد الخامس إلى وطنه وربطت الاستقلال بعودة محمد الخامس إلى عرشه في تلاحم لم تعرفه أي حركة من حركات التحرير الوطنية الاخرى وبين السلطة السياسية التي حكمت المغرب بعد الاستقلال. وبطبيعة الحال لم يكن موقف الحركة الوطنية والمقاومة إلا موقف وفاء لشخص محمد الخامس الذي فضل النفي عن التخلي عن القضية الوطنية وعن الحركة الوطنية ورجالات المقاومة.
فمنذ وضع دستور 1962 إلى الدستور الحالي لم يجب المشرع الدستوري عن ذلك السؤال الأشكال, أين يكمن مصدر السلطات في المغرب.
ويمكن التثبت من هذا الواقع بالرجوع إلى قراءة كل تلك الدساتير, النقص أو هذا الغموض هو الذي أجج الخلاف والصراع السياسي الذي عرفه المغرب بين سلط ممركزة بين يدي الملك، وبين أحزاب وطنية و ديموقراطية تطالب بتوزيع حقيقي لتلك السلطات حتى تساهم في بناء المغرب.
فهل المغرب استطاع تجاوز هذا الغموض وهذا الإشكال وهو يدخل مرحلة دستور سنة 2011 .
إن هذا السؤال قد يجيب عليه البعض بالنفي كما قد يجيب البعض الآخر بالإيجاب, لكن هل يعقل أن نقبل من اولائك أو هؤلاء جوابا نظريا أو انطباعا شخصيا, أم أن الجواب يجب أن يعتمد على وسائل ملموسة تمكن المواطنين من ترجيح هذا الوقف او الموقف الاخر.
وأعتقد ان الجواب الذي يقدمه كل من يدعون إلى التصويت بنعم على مشروع الدستور نجد له سندا وصحة على أن هذا المشروع يؤسس لتحول في بناء الدولة وتغيير حقيقي في توزيع السلطات, مؤكدا على الرجوع أولا إلى الخطاب الملكي ل 09-03-2011 والذي بالمناسبة لم نسمع انتقادات حول مضمونه, على العكس استقبل بترحيب وأمل في فتح صفحة جديدة في بناء الدولة الديموقراطية، إذ ورد في ذلك الخطاب، ولأول مرة في تاريخ المغرب أن الحكومة المقبلة ستكون منبثقة من الإرادة الشعبية .
أن جملة «الإرادة الشعبية» هي تمثل حقيقي للجواب على مصدر السلطات ، باعتباره هو الإرادة الشعبية المعبر عنها بواسطة الاقتراع العام.
فإذا كان الخطاب الملكي ل 09-03-2011 قد فتح النقاش حول مصدر السلطات, فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد, بل أن بعض الأحزاب السياسية وعلى رأسها الإتحاد الاشتراكي الذي يدعو اليوم للتصويت بنعم، ضمن في مذكرته تفعيلا للإرادة الشعبية كمصدر للسلطات , فإن مشروع الدستور حسم هذا النقاش وذلك بتوضيح وتدقيق لمصدر السلطات باعتباره هو الأمة, إذ نص الفصل 2 من مشروع الدستور على أن السيادة للأمة, بالاضافة للاستفتاء, بواسطة ممثلها.
ولكي يفهم أكثر معنى هذا المقتضى لابد من الرجوع إلى النقاش الذي طغى على الحياة السياسية والفكر السياسي في المغرب والكتابات التي تناولت الفصل 19 من الدستور الحالي.
ذلك أن الفصل 19 استعمل منذ 1970 وليس 1962 في ممارسة الملك لسلطة التشريع بواسطة آلية الظهير لإصدار قواعد قانونية ذات طابع تشريعي,ما أثار جدلا ونقاشا كبيرين حول مشروعية تلك المقتضيات في مفهومها المؤسس للدولة الديموقراطية, إذ اعتبر الفكر السياسي المعرض أن إعمال الفصل 19 يقلص و يقوض دور البرلمان الذي هو المعبر و الممثل لإرادة الأمة، و أن السلطات التي يمارسها الملك بواسطة الظهير تطغى على السلطة الحقيقية لممثلي للأمة.
لكن من المفيد الإشارة إلى أن تدخل الملك بواسطة الظهير في التشريع لم يكن يتم بناء على صفته كأمير المؤمنين، المذكورة في ذلك الفصل، وإنما بناء على التعديل الذي دخل على الفصل 19 بواسطة دستور 1970 ذلك التعديل الممثل في إضافة جملة «الممثل الاسمى للأمة» وهي الجملة التي لم تكن موجودة في نص الفصل 19 من دستور 1962.
ولهذا فإن صفة الملك كممثل أسمى للأمة ، تجعله يتملك سلطة التشريع باسم الأمة، لأن أعضاء البرلمان هو ممثلين للأمة، بينما الملك هو الممثل الأسمى للأمة.
إن التحول الجدري الذي يقدمه اليوم، مشروع الدستور الحالي، هو أنه لن يعد ينص على ان الملك هو الممثل الأسمى للأمة من جهة، بينما ثبت صفة أعضاء البرلمان كممثلين للأمة، حصريين لا ينازعهم في ظل مشروع الدستور أي مؤسسة أخرى.
وهذه الصفة الحضرية لتمثل الامة ليس صيغة تمكن من عدة تأويلات وإنما فسرت و شرحت بالشكل الحصري المشار إليه حتى في الخطاب الملكي ليوم 17-06-2011 الذي ورد فيه ما يلي:
....... « وأما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات أو آليات الطابع البرلماني, النظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة».
أن هذا الإعلان من جلالة الملك في خطاب 17-06-2011 هو إعلان عن تخليه عن صفة الممثل الأسمى للأمة، أي تخليه عن الاختصاص الخالص للبرلمان في كل نظام ديموقراطي ولدولة ودمقرطة حديثة .
ولهذا عندما نعود إلى الفصلين 41 و 42 الذين حلا محل الفصل 19 من الدستور الحالي لن نجد فيهما أن الملك هو الممثل الأسمى للأمة، وإنما نجد أن الملك هو الممثل الأسمى للدولة.
و يستنتج مما سبق أن الوثائق المؤسسة لتحديد مصدر السلطات هي الخطاب الملكي 09-03-2011 و الخطاب الملكي ل 17-06-2011 اجمعا على كون مصدر السلطات هو الأمة, مما يكون معه الجواب عن التساؤل الأول المشار إليه , عندما يكون بالإيجاب , فهو جواب مبني ومؤسس على حجج قوية معلنة .يعزز كل ذلك الإعلان، من قبل جلالة الملك، على إقرار مبدأ سمو الدستور وهو المبدأ الذي لم يكن حاضرا في جميع الدساتر التي عرفها الملك , والذي طالب به الإتحاد الإشتراكي في جميع أدبياته و قرارته وكان آخرها المذكرة الذي قدمها للجنة صياغة مشروع الدستور، عندما أكد على ضرورة النص في الدستور على سمو الوثيقة الدستورية.
فهذا المطلب سنجده مفصلا في نص الخطاب الملكي 17-06-2011 , و نجد تطبيقا له في نص مشروع الدستور.
و بالفعل بالرجوع إلى الخطاب الملكي ستلاحظ أنه عند تناوله للدعامة الثانية التي بني عليها مشروع الدستور نقرأ في الفقرة الثانية.
.... وإما الدعامة الثانية فتتجلى في تكريس مقومات و آليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة وسمو الدستور كمصدر لجميع السلطات.»
وأن التطبيق الدستوري للخطاب الملكي سنجده متضمنا في الفقرة 3 من الفصل 42 التي ورد فيها:
«يمارس الملك هذه المهام بمقتضى ظهائر من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور».
فالإرادة الملكية ونص مشروع الدستور أجمعا على سمو الدستور، مما تؤكد الحسم مع الجدل الذي كان يتداول حول وجود دستور مكتوب ودستور غير مكتوب,وهذا الجدل الذي احتل حيزا كبيرا من النقاش السياسي عندما طالب المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني تمديد فترة البرلمان في بداية الثمانينات ورفض آنذاك الإتحاد الإشتراكي ذلك الطلب باعتبار أن الدستور يحدد بصفة مدققة فترة البرلمان ولا يتكلم عند إمكانية تمديدها بقرار من الملك.
فهل هذا الموقف وهذه الإرادة تشكل تحول كبيرا وانتقالا معيرا للوضع السياسي بين الدستور الحالي وما يتضمنه مشروع الدستور.
السؤال الثاني:ما هو شكل توزيع السلط الذي يقدمه مشروع الدستور:
إن المخاض السياسي الذي تعيشه، بالخصوص الشقيقتين تونس ومصر. هو مخاض في عمق إشكالية توزيع السلطات بين مكونات الدولة، حكومة، برلمان وقضاء.
وهو مخاض لم يظهر بعد كيف سيتم التحكم في هيكلة توزيع تلك السلطات في البلدين الشقيقين ، والتي نتمنى لهما أن يتوفقا في ذلك في أحسن الأوقات للوصول الى توزيع للسلطات يؤمن ويضمن الغاية من كل ثورة أو كل تغيير لنظام حكم، ألا وهو كرامة المواطن في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لكن، عندما نعود إلى مشروع الدستور المغربي المعروض على الاستفتاء سيلاحظ القارئ لذلك المشروع تحول عميق في علاقات السلطات فيما بينها و على الخصوص في علاقة سلطات الملك مع باقي المؤسسات المكونة للدولة.
إن قراءة لمقتضيات هندسة القواعد المكونة لمشروع الدستور يجعلنا نقف على قضية جديدة ومركزية في تلك الهندسة والتي يمكن أن يطلق عليها بمجالات تخلى فيها الملك عن اختصاصات مضمنة في الدستور الحالي أو يطلق عليها المسافة التي أسس لها مشروع الدستور بين سلطات الملك وباقي مؤسسات الدولة من رئاسة حكومة، وبرلمان وقضاء.
وبغض النظر على التوفيق في العثور على وصف دقيق لما يقدمه مشروع الدستور هو يعيد هندسة سلطات الملك بالمقابل مع سلطات باقي مؤسسات الدولة، فإن المفيد، أكثر هو الوقوف على عملية الانتقال وعملية إعادة التوزيع السلطات من قبل مشروع الدستور.
وحتى نتمكن من تقديم رأي قابل للخطأ بطبيعة الحال، حول إعادة توزيع السلطات, سأتناول هذا الموضوع من الجوانب التالية:
-اختصاصات الملك الحصرية تعيينا وتدبيرا.
-اختصاصات الملك تعيينا بدون تدبير.
-اختصاصات الملك المشتركة مع رئيس الحكومة تعيينا وتدبيرا
-اختصاصات الملك المشتركة مع البرلمان.
-اختصاصات الملك المشتركة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
بخصوص الإختصاصات الحصرية للملك تعيينا وتدبيرا:
من المفيد الإشارة قبل الاسترسال في توضيح هذه النقطة الى أن القصد من استعمال كلمة «تدبير» هو أن جلالة الملك يملك إلى جانب تعيين مسؤولي قطاع معين أن يتملك كذلك اختصاصات تدبير ذلك القطاع ، لهذا جاء العنوان المشار إليه أعلاه «الاختصاصات الحصرية للملك تعيينا وتدبيرا» إذ سنرى أن مشروع الدستور يخص الملك في بعض القطاعات ، بسلطة التعيين, بينما سلطة التدبير نجدها من مهام مؤسسة أخرى كما سنفصله فيما بعد.
وبخصوص الجمع بين اختصاص التعيين واختصاص التدبير كاختصاصين حصريين للملك وحده لا يشاركه فيها أي مؤسسة من مؤسسات الدولة سيظهر في صيغة الفصل 41 من الدستور وهو الفصل الذي خصص للمجال الديني للدولة الذي يضم قضايا جامعة لكل المغاربة و هو ما يدخل في المشترك الذي لا يحق لأي فرد أو مجموعة أفراد استملاكه أو جعل نفسه في موقع المدافع عليه، فالملك، والملك وحده المؤتمن عليه والممثل له والضامن لاستمراره والمحافظ عليه.
فهذا الإختصاص هو اختصاص حصري في تعيين المسؤولين على القطاع الديني وفي تدبير القطاع الديني، إذ أن الفصل 41 وإن يتكلم على أن الملك يمارس الإختصاصات التي ينص عليها هذا الفصل بظهير, إلا أن هذا النوع من الظهير هو من تلك التي لا يشترط فيها توقيع رئيس الحكومة بالعطف فهو مستثنى من ذلك التوقيع بالعطف بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 41 لهذا عندما قلنا بأن المجال الديني هو من الإختصاص الخاص والحصري للملك تعيينا للمسؤولين وتدبيرا لقطاعه، كان ذلك ، تلبية لمطلب جماعي و مجتمعي ومؤسس للإستقرار ودرء الفتنة وهو ما سيؤكده جلالة الملك للشعب المغربي في خطابه 17-06-2011 والذي ورد فيه ما يلي:
« ..... ومن معالم فصل السلط وتوضيح صلاحيتها، تم تقسيم الفصل 19 في الدستور الحالي إلى فصلين اثنين, فصل مستقل يتعلق بالصلاحيات الدينية الحصرية للملك، أمير المؤمنين ، رئيس المجلس الأعلى الذي تم الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية.»
أما بخصوص الإختصاصات الحصرية الأخرى الخارجة عن المجال الديني، و التي يمارسها الملك بمقتضى ظهير لا ينص الدستور على إلزامية توقيعه بالعطف, فهي المتعلقة بالمجالات المذكورة في الفصل 41، أي المجال الديني و الفقرة الثانية من الفصل 44 أي تركيبة مجلس الوصاية، والفقرة الأولى والسادسة من الفصل 47 أي تعيين رئيس الحكومة ومواصلة الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية والفصل 51 أي حل البرلمان والفصل 57 أي الموافقة على تعيين القضاة والفصل 59 أي إعلان حالة الاستثناء والفقرة الأولى من الفصل 130، أي تعيين بعض أعضاء المحكمة الدستورية والفصل 174 اي مراجعة الدستور.
وبالإطلاع على هذه المهام ستلاحظ أنها تتعلق بما هو مشترك بين جميع المغاربة وبما هو استراتيجي بالنسبة للدولة والمجتمع المغربي وهو يطلب فيه الحياد والإستقلال عن باقي مكونات الدولة.
اختصاصات حصرية للملك في تعيين بدون تدبير:
المجال الأول:
من المهام التي خص بها مشروع الدستور سلطات الملك مهام اقتصر فيها الإختصاص على التعيين بدون التدبير, وهكذا نلاحظ أن الفصل 53 ينص على حق الملك في التعيين في الوظائف العسكرية، بل وأعطى الملك صلاحية تفويض هذه السلطة لغيره، وكلمة لغيره لا تعني إلا تثبت حصر سلطة التعيين في الملك, وإلا لاستعمل مشرع الدستور كلمة «رئيس الحكومة» أو ذكر أن التعيين يتم بظهير يوقع بالعطف.
إن الفهم الصحيح لهذا الإختصاص هو أنه اختصاص حصري للملك، في علاقته مع مؤسسة مهمتها حماية التراب ومواجهة العدو ، مما لا يختلف إثنان في بقائها خارج التجاذب الحزبي.
لكن بخصوص تدبير المجال العسكري فإنه من الصعب القول بأنه تدبير حصري على الملك، أمام دسترة مجلس جديد وهو المجلس الأعلى للأمن الذي اعتبر أن رئيس الحكومة هو مكون مبدئي وأساسي وهو ما يفهم من الصياغة المعتمدة التي ورد فيها « علاوة على رئيس الحكومة» مما يعني أن تدبير المجلس الأعلى هو مجال مشترك بين اختصاصات الملك واختصاصات باقي الأجهزة التنفيذية وفي مقدمتها رئيس الحكومة بالاضافة الى أن المشاريع المتعلقة بالمجال العسكري هي من اختصاصات مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك الذي يحضره رئيس الحكومة و الوزراء,
بل أن الفصل 43 لم يقف عند هذا الحد، وإنما أعطى إمكانية رئاسة ذلك المجلس الأعلى للامن من طرف رئيس الحكومة وهو ما يؤكده رفع طابع الحصرية في تدبير المجال العسكري والأمني، وإمكانية السماح للمشاركة في ذلك التدبير.
المجال الثاني:
وهو حق تعيين رئيس الحكومة والذي لم يبق كما ينص عليه الفصل 24 من الدستور الذي عرف بعد انتخابات 2002 نقاشا كبيرا عندما تصدر تلك الانتخابات الإتحاد الإشتراكي، غير أن الملك اختار تعيين رجل آخر لرئاسة الحكومة.
ذلك ان الفصل 47 من مشروع الدستور وإن أعطى الملك حقا حصريا غير قابل للتفويض لا للتوقيع بالعطف في تعيين رئيس الحكومة ، إلا أن الفصل نفسه حصر استعمال ذلك الفصل في الحزب الذي سيختاره الشعب المغربي كحزب أول.
ومن جهة أخرى, فإن تدبير العمل الحكومي هو مجال خارج الصلاحيات الحصرية للملك والذي يتوزع بين صلاحيات خاصة بالحكومة وصلاحيات مشتركة معها و مع المجلس الوزاري وهو ما يظهر من قراءة مقتضيات الفصل 49 المنظم للمجلس الوزاري والفصل 71 المنظم للمجلس الحكومي للوقوف على الإختصاصات التي يتقاطع فيها المجلسين من أجل التثبت من الطابع التشاركي بين المجلسين, بل ومن طابع الانحياز للجانب الحكومي على الجانب الوزاري وهو ما يمكن التأكد منه بالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من الفصل 49 الذي يتكلم عن مسطرة تعيين والي بنك المغرب و السفراء و الولاة و العمال ، تلك المسطرة التي تؤكد أن ذلك التعيين يتم من اقتراح من رئيس الحكومة,بينما المجلس الوزاري لا يدخل في اختصاصه الاقتراح في تلك المناصب وإنما دوره هو التداول بشأنها كما ينص على ذلك الفقرة الأولى من الفصل 49 من مشروع الدستور.
المجال الثالث
يظهر المجال الثالث في التدبير المشترك في كون كل اختصاصات الملك المنصوص عليها في الدستور يمارسها بواسطة ظهائر توقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 49 كما سبق تبيانه .
أن آلية التوقيع بالعطف التي اكتشفها الفكر السياسي والفقه الدستوري كان الغرض منها هو إقرار نوع من التشارك في ممارسة صلاحيات واختصاصات معينة، ومعنى التشارك هو الموافقة والقبول بما تضمنه تلك الظهائر.
فهذه الآلية تؤكد منهجية التشارك في التدبير في الإختصاصات الموكولة للملك، وليس في الإختصاصات الموكولة لرئيس الحكومة , فجلالة الملك في هذه الفقرة يتخلى عن اختصاصات أسندها الدستور له لكي يوقع عليها بالعطف رئيس الحكومة , المنبثقة عن الإرادة الشعبية، قبل دخولها حيز التنفيذ.
المجال الرابع:
يظهر المجال الرابع للتدبير غير الحصري للملك ليس فقط في مؤسسة الحكومة و ليس فقط في تعيين سامي المناصب، بل حتى في تكوين عدة مؤسسات دستورية.
وهكذا فإنه بالرجوع إلى المادة 115 التي تنظم تكوين المجلس الأعلى للسلطة القضائية يلاحظ أنه يدخل في اختصاص الملك يعين 5 شخصيات ، مما يعني أن الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية من جهة، ومؤسسة تمثل سلطة مستقلة بالأساس التنفيذية هي القضاء.
ومع ذلك فإن مبدأ المشاركة بين ما ينص عليه الدستور كمجال خاص بالملك وما ينص عليه كمجال خاص برئيس الحكومة يظهر بكل وضوح في كون تعيين هذه الشخصيات الخمس تتم بواسطة ظهير موقعة بالعطف من رئيس الحكومة وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 49 من مشروع الدستور التي لم تستثن هذا النوع من الظهائر من التوقيع بالعطف مما يؤكد الطابع التشاركي في هذا المجال كذلك.
المجال الخامس
يظهر المجال الخامس في التدبير التشاركي في قضية جد مهمة وهي الحالة التي تعطي للملك الحق في حل البرلمان
ذلك ان مشروع الدستور يعطي الحق في حل البرلمان في حالتين:
الاولى و هي تلك التي ينص عليها الفصل 51 و التي هي حالة تدخل في التقدير الخاص للملك ويتم الحل بظهير لا يوقع بالعطف تطبيقا للفصل 49 كما فصلناه أعلاه.
الثانية و هي الحالة المنصوص عليها في الفصل 96 و التي يتم فيها حل البرلمان بظهير, لكن يوقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة لكون هذا النوع من الظهير غير مشمول بالفصل 49 المشار اليه اعلاه.
و هذا المقتضي يؤكد كذلك الطابع التشاركي الذي يقدمه مشروع الدستور.
هذه بعض الحالات التي تبين التحول و التغيير الذي يتضمنه مشروع الدستور و هو تغير و تحول سينقل المغرب من الوضع الحالي الى وضع ديموقراطي ينشده المغاربة و ينتظروه.
وهكذا يتبين أن النظام السياسي في المغرب عرف تغييرا جوهريا في اختصاصات المؤسسات الحكومية، ، بل عرف ويجب الإقرار بذلك، تخلي الملك عن عدد من سلطاته كانت تدخل في المجال الحصري، أو المجال المحفوظ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.