وصل ملف المخاوف من دخول مدينة طنجة في "أزمة مائية" خلال فصل الصيف المقبل، في ظل عدم كفاية الموارد المائية التي تتوفر عليها المنطقة حاليا، إلى قبة البرلمان، بعدما وجه برلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي سؤالا كتابيا إلى وزير التجهيز والنقل حول الموضوع. وقال البرلماني عن حزب "الوردة" عبد القادر الطاهر في سؤاله الذي تتوفر "العمق" على نسخة منه، إن منطقة طنجة عرفت شحا في الأمطار بصفة مستمرة خلال العشرية الأخيرة، في وقت تحتاج فيه عمالة طنجةأصيلة كثاني قطب اقتصادي بالمملكة، لأكثر من 80 مليون متر مكعب من الموارد المائية، سواء الماء الصالح للشرب أو الماء الصناعي. وبحسب آخر المعطيات (3 يناير 2022)، يضيف البرلماني، فإن هناك عجزا لا يقل عن 20 مليون متر مكعب، خصوصا مع تأخر مشروع تحويل مياه سد الخروب إلى محطة المعالجة بطنجة، محذرا من أن المنطقة قد تعيش وضعية صعبة خلال فصل الصيف المقبل. ودعا البرلماني، وزير التجهيز والماء، إلى التفكير الجدي في إيجاد مشاريع مائية بديلة على المستوى القريب والمتوسط لتوفير حاجيات المنطقة من الماء، معتبرا أنه بات من الضروري إحداث محطة لتحلية مياه البحر، وتحويل مياه سد الخروب بإقليم العرائش إلى طنجة، مسائلا الوزير عن استراتيجيته لتوفير الأمن المائي بطنجة. وكان أحمد الطلحي، الخبير المغربي في البيئة والتنمية والرئيس السابق للجنة التعمير والبيئة بجماعة طنجة، قد أوضح أن المدينة تحتاج سنويا إلى 77 مليون متر مكعب من الموارد المائية للاستهلاك المنزلي والصناعات والسياحة، إلى جانب سقي المناطق الخضراء التي تتطلب 1.5 مليون متر مكعب. وأشار الطلحي إلى أن هذه الموارد المائية توفرها ثلاثة مصادر أساسية، هي سد "9 أبريل" الذي تبلغ حقينته 300 مليون متر مكعب، وسد "ابن بطوطة" بطاقة استيعابية تصل إلى 29 مليون متر مكعب (سترتفع إلى 70 بعد إنجاز مشروع تعلية حاجز السد)، والفرشة المائية شرف العقاب بنفس طاقة سد ابن بطوطة تقريبا. وبحسب المعطيات الرسمية، فإن نسبة ملء سد 9 أبريل بلغت إلى غاية 3 يناير الجاري، 17.3 في المائة، أي 52 مليون متر مكعب، و31.9 في المائة بالنسبة لسد ابن بطوطة، ما يعادل 9.3 مليون متر مكعب، وهو ما يعني أن نسبة ملء السدين تبلغ 61.3 مليون متر مكعب. هذه الأرقام تكشف، حسب الطلحي، أن هناك عجزا لا يقل عن 16 مليون متر مكعب، هذا في حال تم استغلال كل الكميات المعبأة، وهو الأمر الذي لا يحدث أبدا، كما أن مياه فرشة شرف العقاب لا يتم اللجوء إليها إلا في حالة الضرورة القصوى كتعطل محطة المعالجة. وحذر المتحدث من أن طنجة مقبلة على "أزمة مائية" في فصل الصيف، للسنة الرابعة على التوالي، في حالة استمر شح الأمطار هذا الموسم، وذلك بالرغم من كون المدينة معروفة باستقبال تساقطات مطرية مهمة مثلها مثل عدد من مناطق شمال المغرب والتي تتجاوز فيها التساقطات 800 ملم سنويا. واعتبر الطلحي في معطيات قدمها ل"العمق"، أن السؤال الذي يُطرح دائما هو "لماذا تعيش المدينة هذه الأزمات وهي الواقعة في أغنى منطقة بالموارد المائية بالمغرب؟"، مشيرا إلى أن نفس السبب يتكرر، وهو تأخر أشغال المشاريع المائية بالمنطقة. ولفت إلى أنه في التسعينات كان هناك تأخر أشغال بناء سد 9 أبريل، واليوم نشهد تأخر أشغال مشروع تحويل مياه سد خروب بإقليم العرائش إلى طنجة، وكذلك مشروع تعلية حاجز سد ابن بطوطة، وفق تعبيره. وشدد على أنه حتى إذا تم الانتهاء من هذه الأشغال في القريب العاجل، فلا بد من التفكير الجدي في مشاريع بديلة، معتبرا أن أهم مورد لا يتم استغلاله حاليا بالشكل والمستوى المطلوب، هو المياه العادمة التي تنتجها المدينة واقترح الخبير البيئي إعادة استعمال نسبة كبيرة من المياه المستهلكة سنويا في المدينة (77 مليون متر مكعب)، وذلك عن طريق مشاريع مهمة، من بينها تعميم الربط بشبكة التطهير السائل، خصوصا الأحياء العشوائية، مع إصلاح وصيانة الشبكة باستمرار. ودعا إلى إتمام إنجاز الشطر الثاني لمحطة بوخالف لمعالجة المياه العادمة، بحيث سيتم الرفع من الطاقة الإنتاجية للمياه العادمة المعالجة من 10 آلاف متر مكعب يوميا إلى 30 ألف، مما سيمكن من توفير أكثر من 10 ملايين متر مكعب سنويا، أي 14 بالمائة من المياه المستهلكة سنويا. واقترح، أيضا، تحويل محطة بوقنادل من مستوى المعالجة الأولية إلى مستوى المعالجة الثلاثية، بحيث يتم صب ما لا يقل عن 160 ألف متر مكعب يوميا في وسط البحر من خلال أنبوب في البحر يتجاوز طوله كيلومتر، أو العمل على الأقل على تحويل جزء من هذه المياه لمحطة بوخالف لمعالجتها معالجة ثلاثية حتى تتم الاستفادة منها. وأشار إلى إمكانية بناء المحطة الثالثة لمعالجة المياه العادمة، وأفضل موقع لها هو الجنوب الغربي للمدينة حيث التوسعات السكنية وحيث موقع المنطقة الصناعية "طنجة تيك محمد السادس". ويرى الطلحي أنه يجب توسيع شبكة توزيع المياه العادمة المعالجة لتغطي مختلف مناطق المدينة، خصوصا المناطق التي تحتاج لهذه المياه، وهي المناطق الخضراء، المناطق الصناعية، والمناطق السياحية. كما أنه بالإمكان توفير كميات مهمة من المياه إذا تم تعميم ثقافة الاقتصاد في استهلاك الماء، سواء في المنازل أو المرافق العمومية، وخصوصا في البنايات السياحية إذ يعتبر القطاع السياحي من القطاعات الأكثر استهلاكا للماء الصالح للشرب، بحسب المصدر ذاته.