تقشعر الابدان حينما نسمع عن أستاذ سقط في غواية جنسية من قبيل التحرش او حتى العلاقة الجنسية التي تنقضي بعد دقائق ، ثم تبدأ قصص من اللوم والموت البطيء للقيم الجمعية في مجتمع تتناقض تصرفاته بتصرفات نخبته التي نعول عليها. لكن هذه الصورة التي يسعى ان يسوقها من يرغب في القضاء على القيم المجتمعية وتصويره على انه فضاء مكبوت بكبت اجتماعي ونفسي وهوس بالجنس ، وهاته الامراض بأكملها مع غياب دراسات تحلل انتشار التحرش الجنسي في الجامعة باعتبارها حرما قيميا ونضاليا لسنوات طوت وانقضت، لنتساءل من المسؤول ومن الضحية ؟ النسوية حينما تسألها عن المتهم كان أنثى او ذكر، في قضية الرشوة الجنسية، فإنها تنتفض وتعتبر ان الانثى ليست وسيلة متعة للسادي الذي يستغل سلطة العلم ويتحول الى دراكولا دموي ينهش كما تشتهي عيناه لكي يقتنص ما يقتنصه. ان القانون فوق الجميع، وبسلوك الدولة لحصر هذه الظاهرة سيجعل من مغتصبي القيم بالجامعة العلمية ينال عقابه، وهنا يجب التنويه على ان سؤال القيم في حد ذاته يجب ان يثار بقوة، وحينما اتحدث عن القيم فهناك تحولات عرفتها الجامعة المغربية من غياب التأطير وعزل الأستاذ الجامعي من القيام بمهمة التأطير الجمعي بما يعطيه من قوة ورمزية ، ويصبح مجرد أداة إدارية تنسج اوامرها من نسق سلطوي اداري مركزيا لاقرارفيه. وعن الضحية نتساءل، بأي حق ظلمت، وباي ذنبت انتهكت كرامتها، ولذلك يجب تغيير النظم التي تشتغل بها الجامعة المغربية، ورغم انها تعمل بشكل مستقل وفي سلمها الإداري ضوابط ونظم قوية، الا ان ما يجب الوقوف عليه، هو طبيعة النظام الإداري الذي ماهو الا بنيات معقدة، عشش فيه كل اشكال البيروقراطية. وان تضخيم هاته الظاهرة سيجعل من هذا الحرم الجامعي ديكور هامشي، تتقلص مهمته بالمجتمع، ويصبح على هامش السياق التنموي، وهذا في صالح لوبيات الاستثمار الخاص في الجامعة، وقد بدأ مسلسل الخوصصة بفرض اتاوات سنوية على الطلبة ، رغم ان القضاء كانت له الكلمة الفصل في هذا الرسم الذي ماهو الا نوع من الابتزاز المالي الاذعاني . ان الجامعة المغربية فوق النزاعات وفوق الاتهامات وفوق من يريد ان يبخس من العلم في سياق التنمية الذي تشهده الدولة، والتحولات التي تفرضها الرقمنة وسرعة التحول من مجتمع انتاجي الى مجتمع استهلاكي لثقافة الصورة ، يغذي هذا التوجه نحو تشيء الجنس وجعله علاقة رضائية أو حتى قيمة ائتمانية لتقديم حدمة او حتى الانتفاع منها. وان كنت لا اميل الى لغة الاتهام لأنها لغة جنائية وذكورية في قدرتها على الفتك الاجتماعي، لكني اميل الى التحليل الاجتماعي للظاهرة ، فالمسؤول عن التفسخ الاجتماعي ليس شخص بعينه ،بل هي منظومة من القيم المستوردة والتي أعطت جيلا يميل في اتجاهات متعددة بلا رقيب أو حسيب . وعن سؤال القيم الأخلاقية نتساءل داخل الجامعة، وقد كنا في فترة نناضل من أجل كرامة الطالب، وسؤال الكرامة مرتبط بالحرية التي ماهي الا قيمة تحدد الانتماء والقدرة على التعبير على الآراء، دون التنكيل به أو مقايضته بكل اشكال المقايضات لانتزاع حقه في الفكر والتفكير الذي ماهو الاعملية معزولة يحس الانسان بحريته داخل ما كان يسمى الحرم الجامعي. وعن سؤال الضحية التي قد تكون أنثى أو ذكر، سواء وقع ضحية تحرش جنسي أو ذهني، فان الفاعل يسأل عن فعل يحتاج الى الاثباث، وفي هذا المسار تنتهي القصة، لكن مع كثرة الضحايا يسقط الفاعل بفعلته أو بأفعاله تلك التي ستترك جيلا مغتصب في أفكاره وحرياته وتمثلاته للعلم وللمعرفة. لكن رغم ان الفاعل بسلوك الاعتداء أو الابتزاز الجنسي او المالي الذي قد يكون هدايا تقدم بمناسبات ما او اعمال وخدمات تصرف هنا وهناك، وهذه الأفعال لا تعدو ان تكون أفعالا شاذة، ولذلك يبقى سؤال القيم الجمعية بالجامعة المغربية يطرح نفسه بشدة، لأن سلطة العلم اقوى من سلطة القانون، ولأن العلم نسبي ومرن ومتحرك ومتطور، ولذلك لا يستطيع حصره أي نمط من القوة أو السلطة، ولذلك نحن بحاجة لفهم الدلالة القيمية لسلطة العلم في الجامعة التي ماهي الا ورش من أوراش المعرفة بلا منازع. ان الضحية حينما لجأت الى كشف المستور فهي بصيغة قيمية حاصرت الظاهرة ، ليتدخل القانون ليفرض على سلطة العلم قانون القوة أو العدالة الجنائية التي ماهي الا قصاص اجتماعي لسلوك شاذ في بنية اجتماعية يتوجب أن تكون أكثر انفتاحا وجاذبية لاستقطاب عقول باحثة عن لذة العلم وليس لذة الشهوة وشذوذ العقل الطفولي الذي يسيطر على تفكير من سولت له نفسه الخروج عن سلطة العلم الى التسلط والاستبداد. ان العنف الاجتماعي ماهو الا صورة من صور العنف العام الذي نحن بحاجة الى فهم تمدده في الفضاء العام والخاص، وبهذه الصورة، تصبح التنمية على القيم المجتمعية، هي قدرتنا على الالتزام، وسؤال الالتزام بين الطالب والأستاذ في فضاء البحث عن المعرفة يخرجه من شذوذ العقل الطفولي الى عقل منتج ومنفتح. ان الجامعة المغربية رأس المعرفة وورش العلم ف زمن العولمة والحداثة السائلة، ولذلك نحتاج الى إعادة النظر في مناهج وقيم التربية والتعليم لتواكب العصر والانفتاح . الجامعة المنفتحة وسلطة العلم مفهوم جديد هذا الذي وسمته العولمة بالانفتاح ، وبتدقيق أكثر قدرة على تنزيل مبادئ الحكامة المنفتحة في الجامعة المغربية ،والتي ماهي الا تنزيل للحق في العلم للجميع بضوابط تشجع على النوع والقيمة المضافة لهاته البحوث على التنمية والعلم والمعرفة ،كما ان النظام المعمول به يحتاج الى شفافية اكثر للحديث عن نظام موحد للتباري والانخراط في اسلاك التعلم سواء العالية منها أو المتوسطة ، وهنا يجب إعادة النظر في نمط بحوثنا التي تعكس طبيعة الاشتغال في ورش المعرفة ،ونحن في سؤال المعرفة نتوجه الى الفاعل السياسي الذي يتحمل مسؤولية صناعة وضع نحن غير محسودين فيه ،وفي زمن الجائحة أصبح الانخراط في الرقمنة مؤشر على قوة المؤسسة وقدرتها على استيعاب المجال وفسخه للجميع . نخن بهذا نؤسس لجامعة مفتوحة على الجميع فالعلم يجب ان يصبح ثقافة في المجتمع، وليس فضاء مغلقا يمارس فيه رجل الإدارة العلمية سلطة التسيد والعلمية التي ماهي الا كشك توزيع شواهد لاتؤسس ولا تحرك مؤشرات المعرفة بالمغرب، بل تزيد الوضع سوءا وأتساءل هل بجيل ضحايا سادية العلم سنؤسس للجامعة المنفتحة، أكيد لا والف لا، ولكن نحن بجاجة الى تغذية قيمية على مبادئ الحكامة المنفتحة والتي تعزز المسؤولية والمحاسبة وهنا يجب الاشتغال على برامج عمل تقدمها مراكز البحوث بميزانيات محترمة تعزز قيمة الأستاذ الجامعي الرسالي في زمن العولمة والذي ماهو الا طريق سيار سريع في العلم والمعرفة . اننا بحاجة الى هذه التغذية التي تنتصر لسلطة العلم بالأخلاق، وتتصالح الذات العالمية مع الذات المفكرة ومع البيروقراطية التي تعصف بكل الآمال والاحلام . ان الجامعة المنفتحة التي تتأسس على المشاركة المواطنة هي جامعة تعطي وتنتج وتواكب لتصبح مراكز البحوث العلمية بمثابة رئة تتنفس بها مشاريعنا الكبرى وتنتصر لانتمائنا وتعزز خبرتنا بشكل هام. ومازلت اذكر قبل عشرين عام بشمال المغرب، وقد التقيت بطالب دكتوراه ياباني بمنحة مالية محترمة وهي ثروة على بحث في نظرنا بسيط لأنه ليس سوى تقريرعن مكتبة علمية تاريخية بمدينة قديمة على هامش المدينة الحضرية، ولكن تساءلت معه بلغته العربية المستعصية على الفهم ، عن دوافع البحث ،وكان الجواب ان سلطة العلم اقوى من سلطة المال ،و ان العلم رسالة يحتاج من يدعمه من شركات وفاعلين حتى تساهم في التنمية . ان الدور الحقيقي للجامعة ليس تخريج أفواج من حاملي شواهد عليا أو متوسطة سرعان ما يصدموا مع واقع بعيد عن الجامعة، وقريب الى النفي الاجتماعي، وهنا يبدأ صراع اللوم والندم على سنوات الضياع، والحال ان أنظمتنا البحثية يجب ان تتغير لنستطيع تغيير النظم ونساهم في تقليص الفجوة بين البحث والدراسة بالجامعة ومتطلبات المجتمع وسوق العولمة. ان الرقمنة في الجامعة المغربية أضحت ضرورة تفرضها الأزمات أولا، وليست ازمة كوفيد19 وحدها، بل حتى أزمة العلم بالجامعة والبحث العلمي، ونحن بحاجة الى دراسات علمية بحثية لأطروحات علمية سابقة لتكون ورشا في التقييم البعدي لها وأثرها المعرفي في المجتمع، وهل هاته الاطروحات يتم الاعتماد عليها أم أنها فقط مجرد ارقام توضع في رفوف الجامعة ويتم الاستئناس بها في البحوث دون قدرتنا على استثمارها واخراجها في كتب او نشرها على الفضاء الرقمي لتكون عامة للعموم وللباحثين. والرقمنة بطبيعتها تميل الى المرونة، والجامعة العلمية، تميل الى الالتزام وسلطة العلم والسعي الى الرقمنة ليس غاية البحث العلمي بالمغرب، بقدر ماهو تأسيس لعلاقة جديدة تحترم فيها المهام والوظائف وتغيب فيها الذاتية، وتنخرط الموضوعية وتحضر في المناقشات والترتيبات الإدارية الموسومة بالبيروقراطية، وبصورة مصغرة تنعدم مع الرقمنة كل أدوات التسلط التي تعتمد عليها الإدارة التقليدية في تدبير مرفق البحث العلمي. ان الجامعة المغربية تطورها مرتبط بتغيير الاستراتيجيات التي ماهي الا تقييم لمسيرة بحث علمي ابتدأ مع الاستقلال ،ولذلك نحتاج الى تغيير للعقليات التي تفكر في وضع استراتيجيات لا تنسجم وتوجهاتنا نحو الانفتاح والنمو ،ولذلك فالنموذج التنموي الجديد تأسس على إرادة مشتركة بين الجميع ،وكم أتمنى ان تنخرط الجامعة المغربية بأطرها وبحاثها في تنزيل مؤشرات15 لهذه الوثيقة المرجعية ،والتي يمكن ان تساهم في تأسيس جيل المعرفة الجديد ،ولما لا نساهم في تغيير المؤشرات العالمية في التصنيف ،لكن ليس بعقلية التنقيط الاستاذي الذي يميل الى الانتقائية ولا يستوعب الجميع . الجامعة كأنثى والعقل الطفولي ولأنها أنثى فهي حاضنة للجميع، بقيمها وتراثها الحضاري، وبروحانيتها الممتدة الى الأجيال المتلاحقة، وهذا الدفيء الروحي يولد قابلية الأجيال لإكمال رسالة العلم والبحث والتسابق الحضاري، ولذلك أسست الجامعات العريقة على مواثيق وقيم التعايش والتوارث بين الأجيال على الالتزام واحترام قيم العلم التي تأسست على التقديس للأستاذ باعتباره المعلم الأكبر منذ سقراط والى الان، وفي الجامعات العريقة حينما يتوج مسار الطالب بالدكتوراة وهذا التشريف في حد ذاته ، هو بداية وليست النهاية التي يتحطم فيها حاملها مع واقع الشغل والمجتمع . ان العقل الطفولي يميل الى التقليد ، وحتى بحوثنا الجامعية تبقى بلا أثر وبدون الأثر ،تبقى خارج السياق ،ولذلك نمط التفكير في الجامعة المغربية يتجه نحو الجاهز والمألوف ،والغريب يبقى شاذا في العلم والتعلم . ان عقلنا الطفولي ماهو الا مجموعة من المنطلقات التي أسست لطبيعة تفكيرنا في الواقع ،والجامعة التي أصبحت معزولة عن الواقع ،تنتج فكرا غير واقعي أو منعزل ،ولذلك نحن بحاجة الى خلق نوع من الصلة العلمية بين واقعنا وجامعتنا المغربية ،وقد درج السالكون في التعليم والبحث العلمي عن معادلة الواقع والعلم والبحث العلمي والتعلم بفقه الواقع ،لكن بقيت الجامعة محصورة في مناقشات جامعية تنتهي بولائم توزع فيها شواهد نهاية الخدمة العلمية ليس الا، وتصرف ميزانيات ضخمة على مشاريع لاأثر لها ولا فعل حضاري . ان الجامعة المغربية بحاجة الى التغيير وبدايته تبدأ بالاعتراف والوقوف لفهم ماذا خلفت هاته الجامعة من نظم تعيق مسار التنمية بالمغرب؟ . ان عقل الجامعة المغربية بحاجة الى التطور والتطوير حتى يستطيع ان يساهم في رسم مسار الامة المغربية وارجاعها الى النبوغ المغربي الذي يمتد لعصور خلت . ان الجامعة المنفتحة تأسس على محاكاة العلم والمعرفة وتوريث النخب شعار التدافع الحضاري الذي نحن بحاجة اليه لمواجهة شلالات الحداثة السائلة والمشيئة للعلم والمعرفة ،وتجريده من الاخلاق التي تتأسس على الكرامة والحرية والهوية والانتماء . ويبقى ضحايا الذكورية في جميع الصعدة لكن بنضالية النسوية المنفتحة يمكن ان نؤسس لجيل يتصالح مع ذاته وينخرط في بناء انسان مابعد الحداثة السائلة . * رضوان بوسنينة خبير مسجل بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت