يترقب الجميع الخطوات الأولى لبداية إعداد مشروع تنموي جديد للمغرب بعد مرور قرابة عقد من الممارسة الدستورية بتمثلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،وما نجم عنه من إخفاقات في مجالات وتحسن في مجالات أخرى ،لكن أمام هذا الوضع،تم الدفع بمنحى للتفكير ،وهو تفكير النخبة التقنية في وضع ومستقبل تنمية المغرب في كل المجال ،أي ان التنمية الان أصبحت تشكل ليس فقط طموح بل رهان وتحدي مع الزمن الاقتصادي التنموي المغربي ،أي بسؤال دقيق إما أن تكون تنمية حقيقية أو نقر بفشلنا ،وسؤال الاعتراف في حد ذاته دليل أن سلوك الفاعل أصبح منفتحا على الجميع ،لأن العالم أصبح شفافا وفي شفافيته ضعف للبنى التي تعودت على الارتجالية واللاتخطيط ،ولذلك جاءت الأسئلة الأربع التي هي بمثابة الخطوط الأساسية لإعداد مشروع تنموي جديد قد يغير مسار المغرب نحو الأفضل بنفس تفاؤلي وثقة أكيدة في هاته الدينامية. الأسئلة التي طرحت تشكل منعطفا حاسما نحو التحول إلى الاقتصاديات التنموية التي أضحت عنوان المرحلة امام هول ونفوذ العولمة وما فرضته على الاقتصاديات الصاعدة من ضرورة التحديث والتأهيل للبنى المؤسساتية. شكلت إشارة الملك في حديثه عن المشروع التنموي الجديد، اعترافا بان هناك خلل ما في تفكيرنا أو في منهج تفكيرنا الذي هو أساس الفعل التنموي ونمط هياكلنا التقنية التي تنفذ السياسات والبرامج والمشاريع التي ماهي الا خلاصة لما فكرنا فيه من سنوات، أصبحت قناعات للفاعلين الذين ينتجون نسقا من الأفكار تسمى في علم السياسة، بالسياسات العمومية. ولذلك سنجيب في هذا البحث الفلسفي على أسئلة منهجية مرتبطة بنسق تفكيرنا، وبقدرتنا على الاعتراف اننا نعيش ازمة، فهل عدم القدرة على الاعتراف في حد ذاته يشكل ازمة، أم اننا لا نملك من الإجابات الا من يحددها لنا الاخر سواء كان مؤسسة أو سلطة أو دولة أو نسيجا أو نسقا نعيش معه ويتعايش معنا. ولذلك فقدرة الانسان على ان يحدد في مسار حياته اهم الأهداف الأساسية التي يتوخى تحقيقها ،تكون هاته الأهداف هي المحدد والموجه والضابط لعمله اليومي والمستمر ،وتكون في كل دورة من الحياة جلسات تأمل لتقييم الوضع واستحضار اللحظات الجميلة والقاسية لأخد العبر ،اذن بسلوك فعل الفلسفة في الحياة يصبح للإنسانية معنى في الوجود ،انها قدرة الانسان على تحمل افعاله التي قد تصادف الصواب وقد تقع في الفشل ،لكن بسؤال مركزي مرتبط بالإنسان ككائن مستقل في مجتمع يشتكر فيه العديد من المجالات ،هذه المدركات المشتركة تجعلنا نتعايش ونتدافع ونتعاون لكي نغدو في الأخير بنتائج ترجع على الجميع بالرفاه . إذن في دراساتنا للأسئلة الأربعة التي هي بمثابة أعمدة لنا في المنهج التنموي الجديد، هذا المنهج الذي نعتبره ينطلق من فرضيات أساسية : الفرضية الأولى: هل باجابتنا الصريحة على سؤال الهوية نكون قد حددنا انتماءنا التاريخي والوجداني والاصولي كخليط من اجناس متفرقة تنتمي الى الفضاء المتوسطي الذي يتسم بالانفتاح والهدوء ،فالمغربي هو تراث عريق اندمج فيه الحضاري بالامازيغي والعروبي والإسلامي والاندلسي والمتوسطي ،كل هاته الانساق والاذواق تشكل الانسان المغربي في تمثله للعديد من القيم والمفاهيم ،ولذلك فقدرتنا على تحديد سؤال الهوية في ظل هاته التجاذبات تجعلنا نتساءل ،هل من الاجدى ان نحسم في الجواب ونحدد المسار ،لكي نتحدث بلغة يعرفها الجميع ،لغة يتمثل فيها الانسان المغربي بقوته وانتماءه وفكره للإجابة عن سؤال الهوية ،الذي ما ان بدأنا نتحدث عن بارميتر تموقعه الا وان سيل من الانتقادات ستعصف بهذا السؤال الذي سيصبح بمثابة محرم في العمل الفلسفي او في مجال التفكير الإنساني . الفرضية الثانية والتي مردها مرتبط بسؤال المنهج الذي منذ الاستقلال ونحن نجرب مناهج متعددة في الفهم والادراك والتنزيل، لكن نسينا ان العجينة التي تتكون منها الشخصية المغربية التي تحتاج الى الدراسة والتحليل والتي تتسم بالتنوع ،مما سيجعل فرضيتنا من تحديد المنهج بداية لتحديد المسار وظلم لتجارب سابقة من نوعها والتي أعطت الكثير، لكنها بقيت في رفوف معلقة تنتظر من يحييها كمن يحيي الأرض الموات ،وهذا القبر الفكري للتراث المغربي مسؤولية الجميع ،مسؤولية النخبة المفكرة ومسؤولية النخبة الحارسة .فالكل مسؤول على قدر دوره وأثر فعله الإنساني في تراثنا وحضارتنا ومنتوجاتنا القيمية التي تتأسس عليها الشخصانية المغربية . لنصل الى الفرضية الثالثة المرتبطة بتحديد مجال وحدود البنية واطارها الفلسفي، وطبيعتها، فالإجابة على سؤال البنية في هذا الوقت هو تحديد للمنطلق وللوجهة التي تجعل الباحث والتقني يعرف وجهته ومنطلقه ويعرف كيف يتعامل مع هاته البنية؟ كما ان تعدد مجالاتها ،يجعلها إشكالية تنموية في دولة صاعدة تفكر في الانفتاح والعولمة ،ومازالت بنيتنا غير منظمة ومرتجلة وعشوائية ،وكل أصناف التي تدل على الارتباك وما واكبه من تخطيط بعيد عن العلمية .وهاته البنية التي تتقلص وتتمدد بمؤثرات محيطة بمجالها، انها تفرض علينا بلغة فلسفية ان نحدد أجوبة صريحة عن مسار التحول في البناء المفاهيمي للتنمية والدولة والعدالة والانتماء والاستقلال والسلطة. والفرضية الرابعة التي تنطلق من أساس واضح مرتبط بالتخطيط أي قدرتنا على التشخيص وتشخيص الواقع وتشخيص للإشكالات ودراسة الأثر التي ستعيد سؤال الهدف وتحديده من خلال حصر الإمكانات الممكنة وتقييم الأثر المتوقع من سلوك سياسة ما ويتم في نفس الوقت التعرف على مجالاتها . فالتخطيط الى المستقبل ليس اعداد لجنة أو تعيين مجلس او مؤسسة بقدر ماهو فلسفة عامة وتجه نحو المستقبل ،واجماع وطني على اننا اخفقنا في مشكل التنمية ،وليس الخطاب وخطاب الازمة الذي يجعل الناقد يتحدث بنفسية المتهم وهو نفسه جزء من الازمة. سؤال الهوية والمشروع التنموي الجديد قبل التعريف للهوية ،بما فيه من مخاطرة منهجية ان نضيق على انفسنا في وضع تعاريف قد لا تخدم سياق نقاشنا الذي نتوخى من خلاله وضع مؤشرات لما سمي بالمشروع التنموي الجديد ،وعليه فان سؤال الهوية طرح مع الصعود الحضاري في عصر النهضة العربية ،وتم التخصيص في السؤال بسؤال الهوية الثقافية الذي يشكل خلاصة عجزنا على مسايرة الركب ،وتعبير عن ازمة نتج عنه سؤال الهوية باعتباره مظهرا من مظاهر التعويض ،ولا ادل على ذلك ما تولد عنها من مسائل فرعية مثل العلاقة بين العرب وماضيهم والعلاقة بين العرب والغرب ،الاصالة والمعاصرة والخصوصية والاستمرارية التاريخية ،القديم والجديد،الإسلام والهوية ،الاستشراف والثقافة العربية. في المدلول الفلسفي للهوية المغامرة في نقاش مدلول الهوية في حد ذاته في الفكر العربي يحتاج الى ان نتجرد من هويتنا أولا أي من تحيزنا الى مدركاتنا وقناعاتنا ،حتى نستطيع ان نكون عقلانيين ،لأن مفهوم الهوية مفهوم اشكالي ،تتداخل فيه أبعاد شائكة تتصل فيها بماهو فلسفي ومعرفي وسياسي وتاريخي ،كما يتداخل فيها ماهو مرتبط باللغة والايديولوجيا ،والتراث والدين ،وهذه الإشكالية تحتمل الحل وعدمه ،بحيث يصبح المجتمع أمام معادلة متحركة ،تنتج نفسها بنفسها ،وتعيد ترتيب أولوياتها ،وان أساس الخلاف بين التيار العلماني –ان صح هذا التعبير ،رغم انني قد أكون سبعيني التفكير التاريخاني بما يحمله من معاني مختلفة تنتج الفكر وتنتج السياق. والتيار الإسلامي الذي هو في حد ذاته يعيش ازمة خطاب وممارسة وإعادة انتاج فكر يؤسس لمرحلة جديدة، أي القناعات التي ترسبت في سنوات ماضية وأصبحت متجاوزة وتفرض على نفسه ان يعيد النظر في العديد من الإشكالات ومنها طريقة تعامله مع الهوية في حد ذاتها. فالخلاف الفكري بين النسقين كان ضحيته الهوية الوطنية والوطن ومستقبله وتنميته، ولذلك في تقييمنا لتجربة الحوار بين النسقين، نعتبرها تجربة تحتاج الى المراجعة وحتى حينما نلتقي نبدأ باللوم فيما بيننا كحبيبين تفارقا وتلاقا مرة أخرى وهكذا دواليك ،ونسينا ان الذي يجمعنا اكبر من الذي يفرقنا ،فمستقبل المغرب في كل المجالات يحتاج الى هاته الروح المبدعة في كل المناحي لإنتاج خطاب يكون قطيعة مع خطابات الازمة والفشل .فالقضية المركزية التي ستوحدنا هي الديمقراطية والتي ترتبط مؤسسات دستورية مفعلة بما يجعل انطلاق التغيير من التعرف على أساس المشكلة في الفكر السائد منذ عقود طويلة . واتساءل كم من البحوث والدراسات التي تناولت هذا المجال وما له علاقة بالهوية المغربية وخصائصها وحتى المؤسسات التي تنفق عليها الدولة أموالا طائلة ما نصيبها من انتاج المعرفة وليس انتاج خطاب الادلجة والتحيز للذاتية بل خطاب علمي مشترك يؤسس ويوضح وننطلق منه في تكامل وتفان. فمسألة الهوية تطرح كحاجة أو تعبير عن الحاجة، لا الى تحديد مدلولها الفلسفي الذي هو جزء من عملية فكرية ممتدة الهوية، لذلك نتحدث على إعادة الترتيب للعناصر وإعادة إرساء علاقتها بالمحيط. مما يمكننا من اجتياز الازمة التي يطرحها سؤال الهوية، بشكل يوحي اننا في مواجهة هويات متعددة تنسج في زمن الازمة والتهميش. فيخال لنا اننا نتواجه فيما بيننا او مواجهة بين هويات متعددة والحال ان الازمة ليست ازمة هوية بل هي ازمة مجتمعية مرتبطة بفشل سياسات سابقة ولاحقة في تمثلاتها لقضية التنمية بالدرجة الأولى . فحضورنا المعرفي هو حضور ينتمي لقرن ليس قرننا، قرن تجاوزنا الاخر الذي نحاكيه في حل مشاكلنا الفكرية، وهذا التشتت الفكري والشعوري يجعلنا نتساءل عن مفهوم الهوية ذاته، حيث يلفها الغموض عند غالبية النخب في المجتمعات العربية والمغرب جزء منها. وكلا التيارين انتقصوا من الهوية المغربية وتعاملوا معها بنوع من التدجين ،فالفكر اليساري رغم ان موطنه غربي لكن طبعه وتجربته المشرقية خرجت من رحم القومية العربية بما تحمله من انتصار للغة وللذات العربية ،فهنا فشل اليسار المغربي في فهم خصوصية الهوية المغربية والتعامل معها ،وجزء منه استطاع ان يتجرد بخطاب معاكس للنظرة المشرقية العروبية بنظرة حداثية امتزج فيها الامازيغي بالفرانكفوني بالشعبوي أو الدارجي الذي انتفض في وجه المشروع العروبي بالمغرب ،لذلك فأزمة خطاب اليسار ابتدأ مع فشله في فهم الهوية المغربية وانتقص من التراث المغربي رغم كتابات الجابري التي بقيت في رفوف رفاقه يأكل منها التراب شيئا فشيئا ،وعليه بنفس الخطأ وقعت التجربة الإسلامية في نظرتها للخصوصية المغربية وللهوية المغربية رغم انها كانت معتدلة في الطرح الا انها انتصرت للمشروع المشرقي الإسلامي في تبنيها لمجموعة من القضايا التي تؤرق المواطن المغربي ومنها قضية الهوية ،فنبرة المشرقي حاضرة في كتابات وخطابات المشروع الفكري الإسلامي سواء كان معتدلا أو فيه نوع من القوة العنيفة التي تنتج نوعا من القطيعة . في الثابت والمتحول في الهوية إذا انطلقت من الهوية باعتبارها وحدة تكاملية في الشعور والانتماء أي يدخل فيها المادي والمعنوي والنفسي، والتي تجعل من الهوية تتسم بنوع من الخصوصية، هنا يبدا سؤال الثابت والمتحول في تحديد الهوية بما يدفعنا الى تحليل أهم الإشكالات المثارة من خلال لمحة على اهم ما أثير في نقاش هوية الهوية بالمغرب. إذن بدايات النقاش الفكري بين التيارين البارزين في المغرب، كان تجلياته في الجامعة وتحول هذا النقاش الى صراع وهنا ضاق كلا النسقين من بعضهما البعض فلم يستطيعا ان يحافظا على قنوات الحوار الا في مساحات ضيقة تتسع في مناسبة وتضيق في مناسبة، وهذا امر طبيعي اذ ان لكل تيار فكري خصوصياته وميزاته ومعالمه الخاصة به، وحتى اذا اردنا ان نبحث عن نقط الالتقاء فهي بعيدة ولايمكن العثور على نقطة تلتقي عندها هذه الأفكار. فمجموعة من الأسئلة التي تدخل ضمن الهوية اذا اتفقنا من الأساس على انها جزء من مكون الهوية في تباثها وحركيتها وتحولها من أسئلة تخاطب النخبة الى أسئلة تم تعميمها لتصبح بصيغة شعبية يتألم منها الجميع، ومنها ما يثار من نقاش حول سؤال الخصوصية والكونية وسؤال الحرية والدولة وسؤال التنمية والديمقراطية وغيرها من الأسئلة التي خاض فيها العقل العربي من القدم ومنها إشكالية العقل والنقل والدولة والدين. ويجب ان نعترف باننا مازلنا لم نصل الى القدرة على التقارب، وهذا الاعتراف في حد ذاته يجسد لحظة ودرجة من تكامل ونضج الفكر البشري، وكأني بسؤال الهوية في المشروع التنموي الجديد، الذي خيرا فعل حينما لا أقول اقصى الأيديولوجية في بنية التشكيلة ولكن تركها لتتفاعل في تقديم مشاريعها وحصيلة قدرتها على تنسيق أفكار تساهم في بنية هذا المشروع التنموي الجديد. فنقاش الهوية بالمغرب ليس نقاشا بين مدرستين فكريتين في نسق فكري أو علمي بل احتضنته السياسة بما تحمله من تكتلات مصلحية انتجت فكرا وغدته بالاقصاء وتبادل التهم والاشاعات التي تؤسس للقطيعة ،ولتبقى بنية سؤال الهوية بين التباعد والتقارب لكلا المدرستين عاملا في عدم القدرة على الحسم ،مما يعطي المجال لتدخل عامل اخر او حكم اخر يقود الفعل الفكري بقوة امام تصلب الموقفين وعدم قدرتهما على نضج في لحظة تحتاج الى التفاعل على اعتبار أن سؤال الهوية مجمع اكثر من انه سؤال الازمة أو الافتراق. في الهوية والتنمية سؤال التنمية والهوية يدخلنا في تطابق المثل كأساس للهوية ،او كما يحلو للمفكر الفلسطيني سعيد خالد الحسن بتعريفها بالمدركات الجمعية أو الجماعية او كما يراها “ونت” باعتبار ان خلق الهويات الجماعية تنطلق من الانانية الوطنية والمصير المشترك. ولذلك التنمية قد تكون ورشا لتلاقي المرجعيات المتضادة فيما بينها ،ويكون الوطن وتنمية الوطن مجالا خصبا للالتقاء والتفكير وفق خصوصية كل هوية على حدة ،ورغم ان النقاش سيظهر في بعدها مستقلا وذاتيا الا ان عملية التجانس ستكون مع مستوى نضج النقاش الفكري سواء بين تيار الحداثة العلماني وبين تيار المحافظة الديني . وحينها يبدأ تشكل الهوية الجماعية التي منشأها الوطن او الهوية الوطنية بانانياتها والتي ان تغدت افكارها تحولت الى هوية جماعية لمجموعات ذات انتماءات وطنية مختلفة. إذن سؤال التنمية في بناء الهوية المشتركة يجعل كلا النسقين يقتربان من بعضهما البعض ،ولا يفكران في الابتعاد ،لان الذي يدعو الى الاقتراب في تلك اللحظة هو تقديم المشروع وتقديم الطلب سواء كان بفكرة او مقترح او ببنية فكرية تساهم في مأسسة المشروع التنموي المغربي الجديد. لا أقول ان الدولة بمؤسساتها تساهم في تقريب الأفكار فيما بين النسقين المتباعدين بل تضمن مسافة للحوار والتفكير، دون الانتظار نتيجة هذا التقارب، والا فان تدخل الدولة في تأسيس وتقريب بينهما يجعل من عملية النضج الفكري وتقريب الآراء عملية شكلية لا روح فيها ،وقد تعد مجرد برتوكول للحظة معينة. وفي استحضارنا للتجارب التاريخية التي مرت والتي كانت نظرية التباعد هي القائمة وان التضاد داخل الدائرة المعرفية الواحدة يفضي الى عملية القمع والتي تحصل حينما تصبح تلك الجهة قريبة من السلطة أو لها نفوذ سياسي وعلمي ،فتبدأ بعملية القمع للتيار الآخر ،ظانين بان بهذا الفعل نكون قد انتصرنا للفكرة ،ولكنها في الحقيقة انتصار للانا وللذات وبقينا في مرحلة اللانضج الفكري الى عصرنا الحاضر،الى ان ابتلينا بالاستعمار والذي بقيت جذوره متصلة بفكرنا وشعورنا ونحن نقلده ولكننا لا نحسن التقليد الذي يجعلك تبدع وتستمر في الابداع ،ولكننا نقلده ونحن نائمون على بطوننا نتألم من كثرة ما استهلكنا من نماذج ومشاريع جاهزة وهي لا تصلح لأي شيء سوى ان ترمى في سلة الإهمال الحضاري. ولذلك وامام هذا الوضع يلجأ الجميع كنا دولة أو نخبة الى الاستيراد لكل الاشكال ونبدأ بالمحاكاة، لكن امام توقف التفكير وعدم قدرتنا على التقارب، تصبح افكارنا ومشاريعنا مجردة وغير صالحة لبنية انعدمت فيها روح التفكير لنهاية الحوار وتقارب المسافات. وباعتبار التنمية كفعل فكري لا يتفق وسلفية الأنماط الموجودة في مشاريعنا وأفكارنا التي تتسم بالانغلاق، فالتنمية فعل حي ومدرك تجميعي لكل الأفكار، أي انه لا يمكن الحديث عن التنمية بدون الحرية والتي تتجسد في قدرتنا على احترام تلك المسافات التي تتقارب وتتباعد بين الفينة والأخرى، أي ان مستقبلنا يكمن في قدرة التقارب والجمع بين النقاط الإيجابية والتعايش فيما بيننا. وحالتنا المغربية هي اجترار فكري لصراع بين اقطاب مشرقية وحتى حينما برزت رؤى وأفكار مغربية لم تلقى ذلك الحضن التنموي الذي يجعلها تتغدى ولكنها بقيت في رفوف مقبورة، وتناستها الأجيال، ولذلك نحن بحاجة الى حوار تنموي فكري للحالة المغربية، نحترم فيه الخصوصيات لكلا المرجعيات دون انانية تقزم من نسق على نسق، حينها قد نصل الى نضج فكري أو نبوغ مغربي تحدث عنه سابقون في المجال، وقد تساهم هاته المحطات في تقريب الهوة في سؤال الهوية والتنمية بالمغرب. والا فانه سيكون في وقت ما الحلول الافتراضية لمشكل التنمية بالمغرب خارج اسواره بل بمؤسسات وبمرجعيات تتحكم فيها سلطة المال والقرار ،وحينها تغيب وتذوب كل المرجعيات ،او انه قد يفتح النقاش لكن ربما في الشرق اوفي الغرب اوفي أي جهة بمرجعيات غير مغربية ،وتقدم كمشاريع جاهزة شانها شان المشاريع الفكرية التي تغدت وغدت أجيال الوطن مابعد الاستقلال ،وكانت نتيجتها الإخفاق في العديد من النماذج والأفكار .