تتدرج القواعد التشريعية بحسب أهميتها وقوتها تنازليا، فتأتي القاعدة الدستورية التي يتكون من مجموعها الدستور في القمة، ثم تأتي بعدها القواعد التشريعية العادية التي تتمثل في القانون. كما أن مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، والذي نص عليه الدستور المغربي الجديد؛ يقتضي أن تمنح المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مكانة قوية تجعلها تعلو على التشريعات الداخلية، وتفرض ضرورة تكييف الأخيرة معها؟ لا شك أن كل متخصص في القانون يدرك هذه البديهيات، لكن في زمن الحكومة الجديدة؛ أصبح القانون الإطار 17.51، والنموذج التنموي الجديد (الذي صاغته لجنة تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو مؤسسة دستورية من المفروض أنها تشكل آلية لحماية حقوق الإنسان)؛ أصبح العنصران السابقان يتمتعان بقيمة قانونية تتفوق على الدستور نفسه الذي من المفترض أنه أعلى القوانين وأسماها، كما باتا يحظيان بقيمة قانونية تسمو على الاتفاقيات الدولية التي من المفروض أيضا أن تسمو على الدستور… فإذا كان الدستور ينص في ديباجته على مبادئ الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص، وينص في الفصل 31 على أن الوظيفة العمومية حق لجميع المواطنين في إطار المساواة؛ وإذا كان المغرب قد صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تكفل الحق في الشغل من صميم: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "المادة 22″، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية "المادة 6 من الجزء الثالث" ؛ فكيف سوغت وزارة التربية الوطنية لنفسها أن تبرر قرارها المجحف في حق المواطنين، والمخالف لمنطوق نص الدستور، والمخالف للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب؛ بأنه جاء وفق مقتضيات القانون الإطار17.51، والنموذج التنموي الجديد؛ بحجة أنهما يفرضان تشبيب قطاع التعليم والرفع من جودته؟ فمنذ متى أصبح القانون العادي أعلى قيمة من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية؟ ومنذ متى كان تجويد التعليم والرقي بالمنظومة التعليمية يرتهن بإقصاء المعطلين أصحاب الشواهد الذين دفعتهم الحياة لاختيار مسلك التعليم كآخر بارقة أمل لهم، لا لشيئ إلا لكونهم تجاوزوا السن القانوني الذي تم حصره في ثلاثين عاما؟ أو لم يكن من الأولى للحكومة الجديدة (التي يغلب عليها الطابع التكنوقراطي، والتي كان بعض أعضائها مشاركين في الحكومة السابقة) وفي إطار العمل على تشبيب "التعليم" والرقي بمنظومته؛ أن تتراجع عن رفع سن "التقاعد"، عوض تخفيض سن المترشحين لاجتياز مباراة "التعاقد"؟ ومنذ متى كان تجويد التعليم والرقي بمنظومته رهين بالنقط التي تحصل عليها المترشح في مراحل خلت من حياته "كمرحلة الباكلوريا التي تجتمع فيها سن المراهقة والطيش، مع سوء التوجيه التربوي"؟ ومنذ متى كان تجويد التعليم مرتبط بالسنوات التي أمضاها المترشح في مرحلة الإجازة، مع ما يصاحب هذه المرحلة من ظروف قاسية لبعض الطلبة الجامعيين تدفعهم للتأخر في الحصول على الشهادة؟ ألم يكن أجدى للحكومة الجديدة أن تحترم مبادئ الدستور ومقتضياته وتجعل المباراة مفتوحة لكل المعطلين وأن تكثف الوزارة الوصية جهودها في عملية الاجتياز لينعم المترشحون بتكافؤ الفرص؟ أسئلة جمة يتم طرحها وتنتظر إجابة من الحكومة الجديدة، أسئلة كثيرة يمتزج فيها السياسي بالحقوقي بالدستوري بمجالات أخرى، ولكن يبقى السؤال الأبرز والأخطر هو: هل بدأت الحكومة الجديدة في اعتماد فقه دستوري جديد يجعل الدستور الذي صوت عليه المغاربة في 2011 مجرد حبر على ورق تتحكم فيه تشريعات وقوانين عادية؟ وسيم الصغيوري، مدون مغربي حاصل على الماستر في القانون، تخصص حقوق الإنسان – جامعة سيدي محمد بن عبد الله-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- فاس