يذهب العديد من المحللين إلى تأكيد أن الأحزاب اليسارية بالمغرب، قادها المخزن أو الدولة العميقة -حسب تسمياتهم- الى حتفها أو حتى نكون أقرب الى واقع الحال، لنقل حتف قادته أو زعمائه الذين تحولوا من حال الى أخر يناقضه! بينما الحقيقة ليست كذلك، فهذه النظرية المسوسة يتبناها أيضا اليسار من جانبه، بل ويدافع عنها، ويحاول نشرها بين المناضلين وتوزيعها خارج البلاد، كما يعتمدها حجة على عدم تطور هذا اليسار ببلادنا واتخاذه مواقع متقدمة بين الأحزاب اليمينية أو المسماة إدارية! ولكن، إذا قبلنا بهذا الفهم لتبني قادة اليسار هذه النظرية، واعتمادها كأداة تبريرية لتراجعه الى الخلف، والسماح لأخرين يعادونه طبقيا، لاحتلال المواقع الأمامية في التأطير والتأثير في الساحة السياسية، فلا يمكننا فهمها أو قبولها من محللين مستقلين، لا هم يساريين ولا هم غير ذلك، طبيعي ومنطقي أن تتبنى القيادات اليسارية هذه النظرية للدفاع عن النفس، والاختباء وراء ما يسمونه المخزن أو الدولة العميقة، لستر عيوبهم وتحويل أخطائهم إلى غيرهم، لكن وباعتمادنا التحليل العلمي، تظهر لنا الحقائق والعيوب، فيما اختبأ خلفه ذاك الذي كان يسمى يوما ما يسارا! بديهي أن المجتمعات تقوم على الصراع الطبقي، وبديهي أيضا أن كل طبقة تعمل ما في وسعها للحفاظ على مكتسباتها وقوتها و امتلاكها لوسائل الانتاج، وقيادتها للمجتمع، حتى تضمن استمرار نفوذها وتمكين قبضتها على جميع المناحي الحياتية للمجتمع الذي تقوده، وطبيعي إذن، أن تستعمل كل الأدوات الاخلاقية وغيرها لتضعف خصومها الطبقيين، بما في ذلك رشوتهم ! وإذا نجح مالكي وسائل الانتاج ببلادنا، إضعاف الأحزاب التي تتبنى الدفاع عن الفئات المستضعفة، والتي لا تملك سوى قوة عملها، العضلي أو الفكري،( المثقفون المتنورون والعمال والفلاحون الصغار والمزارعون وجموع المستضعفين)، فمعنى ذلك، أن تلك الأحزاب، التي تمثل هذه الفئات وتسمي نفسها يسارية، لم تكن في مستوى طموحات تلك الفئات، كما لم تعد قادرة على قيادتها وتمثيلها! وحتى لا نذهب بعيدا في الحكي دون حجج، يكفي الإشارة إلى مرحلتين أساسيتين في التاريخ السياسي المغربي، مرحلة ما قبل حكومة التناوب التوافقي، ومرحل ما بعد هذا التناوب التوافقي. ما قبل حكومة التناوب التوافقي ( حكومة التناوب التوافقي دامت من 1998 الى 2002) كان اليسار المغربي قويا ونموذجيا لليسار العربي، بل كان بعض قادته منظرين على المستوى العالمي، نذكر منهم على الخصوص، المناضل العضوي والاقتصادي المتميز عزيز بلال، الذي كان رحمه الله قائدا يساريا مناضلا في صفوف الحزب الشيوعي المغربي والذي تحول فيما بعد الى حزب التحرر والاشتراكية ( حزب التقدم والاشتراكية اليوم)، كما المرحوم المهدي بن بركة الذي كان مناضلا متميزا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وغيرهما كثير، وفي مجال القيادة السياسية والحزبية نذكر المرحوم علي يعته، المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، والمناضل الكبير سي عبد الرحمان اليوسفي، وسي سعيد آيت يدر وغيرهم كثير،فالأحزاب اليسارية المغربية وعلى امتداد ما قبل هذه المرحلة قدمت الكثير من الضحايا لأجل المستضعفين، ( التعذيب داخل السجون، ارواح المناضلين جراء التعذيب أو التصفيات الجسدية، النفي خلال ما سمي ببلادنا زمن الرصاص...). لا يمكن للتاريخ المغربي أن ينسى تلك المرحلة، أو يتناساها أو يحاول البعض طمرها، لكن ومع كامل الأسف، كل ذلك وكأنه ذهب مع الريح، لمَّا تقلد قيادة هذه الأحزاب، أناس فضلوا مصلحتهم الشخصية الذاتية الضيقة جدا على مصلحة الوطن العليا، وعلى مصلحة الفئات المستضعفة، التي منحتهم تلك القيادة فخذلوها، المسؤولية كل المسؤولية اذن، تتحملها تلك القيادات، التي مسكت بأمور تلك الأحزاب و حولتها الى ملكية خاصة، حيث التصقت بكرسي الزعامة ورفضت مغادرته، بتسخيرها لذلك كل الأدوات والوسائل،وقد نقول أنها حولت تلك الأحزاب إلى مقاولات ربحية! هكذا إذن، يجب رفض النظرية التي تقول أن المخزن أو الدولة العميقة دجن تلك الاحزاب وطوعها، بينما الحقيقة أن قادة تلك الاحزاب هي من فرطت في ذلك الارث التاريخي الكبير،لصالح مصالحها، على حساب إضعاف تلك الاحزاب و إضعاف وإفقار الفئات المستضعفة التي قال في حقهم الله سبحانه وتعالى: "ونريد أن نمنّ على الذين استُضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" ( سورة القصص).